العدد : ١٧٢٨١ - الأربعاء ١٦ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨١ - الأربعاء ١٦ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

أشجار التبريد: دروع خضراء في مواجهة تغير المناخ

بقلم: د. فاطمة ناصر العالي

الأربعاء ١٦ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

ظهر‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬مصطلح‭ ‬جديد‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ«أشجار‭ ‬التبريد‮»‬‭ (‬Cooling‭ ‬Trees‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الأشجار‭ ‬التي‭ ‬تمتاز‭ ‬بقدرتها‭ ‬العالية‭ ‬على‭ ‬تخفيض‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭. ‬وتكتسب‭ ‬هذه‭ ‬الأشجار‭ ‬أهمية‭ ‬مضاعفة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المعروفة‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الجزر‭ ‬الحرارية‮»‬‭ (‬Heat‭ ‬Islands‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬مناطق‭ ‬ترتفع‭ ‬فيها‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمناطق‭ ‬المجاورة‭ ‬بسبب‭ ‬الأنشطة‭ ‬البشرية‭. ‬وتُعد‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬أبرز‭ ‬أمثلة‭ ‬هذه‭ ‬الجزر‭ ‬الحرارية،‭ ‬حيث‭ ‬تكتظ‭ ‬بالبنايات‭ ‬والطرق‭ ‬ووسائل‭ ‬النقل،‭ ‬بينما‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الأشجار‭ ‬والمسطحات‭ ‬الخضراء،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬احتباس‭ ‬الحرارة‭ ‬داخلها‭ ‬وارتفاع‭ ‬درجاتها،‭ ‬كذلك‭ ‬تندرج‭ ‬المناطق‭ ‬الصناعية‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬التصنيف،‭ ‬نتيجة‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬العمليات‭ ‬الصناعية‭ ‬والغازات‭ ‬الدفيئة‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬حرارة‭ ‬الأرض‭.‬

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬ترتفع‭ ‬فيه‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬بوتيرة‭ ‬متسارعة‭. ‬الحرارة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬فقط‭ ‬مسألة‭ ‬طقس‭ ‬يومي،‭ ‬بل‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬تتقاطع‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭ ‬تغيّر‭ ‬المناخ،‭ ‬والغازات‭ ‬الدفيئة،‭ ‬وظاهرة‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري،‭ ‬وهي‭ ‬جميعها‭ ‬عوامل‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭. ‬ووسط‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬القاتم،‭ ‬تبرز‭ ‬الأشجار‭ ‬بوصفها‭ ‬أحد‭ ‬أبسط‭ ‬الحلول‭ ‬وأكثرها‭ ‬فعالية‭. ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬زراعتها‭ ‬في‭ ‬المدن،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬بيئة‭ ‬نعيش‭ ‬فيها،‭ ‬ضرورة‭ ‬لا‭ ‬ترفًا‭. ‬والأمر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مجرد‭ ‬رأي‭ ‬بيئي،‭ ‬بل‭ ‬حقيقة‭ ‬علمية‭ ‬تتفق‭ ‬عليها‭ ‬الدراسات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المتخصصة‭.‬

لذا‭ ‬يبدو‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الأشجار‭ ‬في‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬الحرارة‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المبالغة‭ ‬أو‭ ‬التهويل‭ ‬البيئي،‭ ‬لكن‭ ‬الحقائق‭ ‬العلمية‭ ‬تحسم‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭. ‬فقد‭ ‬خلصت‭ ‬دراسة‭ ‬أجرتها‭ ‬جامعة‭ ‬دلفت‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬هولندا‭- ‬إحدى‭ ‬أعرق‭ ‬المؤسسات‭ ‬البحثية‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التقني‭- ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬لافتة‭: ‬أن‭ ‬الأحياء‭ ‬التي‭ ‬تكثر‭ ‬فيها‭ ‬الأشجار‭ ‬تسجل‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬أقل‭ ‬بمعدل‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬10‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬درجة‭ ‬مئوية،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمناطق‭ ‬التي‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الغطاء‭ ‬النباتي،‭ ‬ولتبسيط‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة،‭ ‬تصور‭ ‬أن‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬صيفي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬مئوية،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬مظلل‭ ‬بالأشجار‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحرارة‭ ‬فيه‭ ‬30،‭ ‬وربما‭ ‬تهبط‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬درجة‭ ‬فقط‭ ‬وهو‭ ‬فرق‭ ‬ملموس،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله،‭ ‬ويعكس‭ ‬حجم‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحدثه‭ ‬الأشجار‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية؛‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬الأشجار‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬كائنات‭ ‬صامتة‭ ‬تنمو‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬الشوارع‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الحدائق،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬‮«‬مكيفات‭ ‬طبيعية‮»‬‭ ‬مذهلة،‭ ‬تعمل‭ ‬بكفاءة‭ ‬صديقة‭ ‬للبيئة‭ ‬لا‭ ‬تستهلك‭ ‬طاقة‭ ‬ولا‭ ‬تصدر‭ ‬انبعاثات‭. ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬الحيوي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬آليات‭ ‬متكاملة‭:‬

توفير‭ ‬الظل‭: ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬الأشجار‭ ‬بحجب‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬عن‭ ‬المباني‭ ‬والطرقات،‭ ‬مما‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬امتصاصها‭ ‬للحرارة‭. ‬

تنقية‭ ‬الجو‭: ‬من‭ ‬خلال‭ ‬امتصاصها‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬مسببات‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭ ‬وإطلاق‭ ‬الأكسجين‭ ‬النقي‭ ‬عوضًا‭ ‬عنه‭. ‬

عملية‭ ‬النتح‭: ‬وهي‭ ‬خروج‭ ‬بخار‭ ‬الماء‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬الأشجار‭ ‬نحو‭ ‬الهواء،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تلطيف‭ ‬الأجواء‭ ‬المحيطة‭. ‬وبحسب‭ ‬كلية‭ ‬علوم‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ميونيخ،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الطرق‭ ‬فعالية‭ ‬في‭ ‬خفض‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬داخل‭ ‬المدن‭. ‬باختصار،‭ ‬الأشجار‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بتجميل‭ ‬المشهد،‭ ‬بل‭ ‬تحارب‭ ‬تغيّر‭ ‬المناخ‭ ‬من‭ ‬جذورها‭.‬

تشير‭ ‬الدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬الغطاء‭ ‬النباتي،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية،‭ ‬يسهم‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬تفاقم‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بظاهرة‭ ‬جزيرة‭ ‬الحرارة‭ ‬الحضرية‭ (‬UHI‭) ‬وتحدث‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬نتيجة‭ ‬امتصاص‭ ‬الطرق‭ ‬الإسفلتية‭ ‬والأسطح‭ ‬الخرسانية‭ ‬للطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬واحتباسها،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمناطق‭ ‬الريفية‭ ‬المحيطة‭. ‬ومع‭ ‬النمو‭ ‬السريع‭ ‬للمدن‭ ‬وزيادة‭ ‬التركيز‭ ‬السكاني‭ ‬الحضري،‭ ‬باتت‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬لظاهرة‭ ‬UHI،‭ ‬حيث‭ ‬يسهم‭ ‬غياب‭ ‬النباتات‭ ‬وانتشار‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الكثيفة‭ ‬في‭ ‬احتباس‭ ‬الحرارة،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفاوت‭ ‬حراري‭ ‬يفاقم‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬الصحية،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬استهلاك‭ ‬الطاقة،‭ ‬ويؤثر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬البيئة‭ ‬الحضرية‭. ‬من‭ ‬هنا،‭ ‬يصبح‭ ‬دمج‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭ ‬ضمن‭ ‬التخطيط‭ ‬العمراني‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحّة‭ ‬وليس‭ ‬ترفًا‭. ‬ففوائد‭ ‬التشجير‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة،‭ ‬بل‭ ‬تشمل‭ ‬أيضًا‭ ‬تعزيز‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية،‭ ‬وتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬المدن‭. ‬ويمكن‭ ‬اعتماد‭ ‬استراتيجيات‭ ‬فعالة‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬الجزر‭ ‬الحرارية‭ ‬الحضرية،‭ ‬مثل‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬الزراعة‭ ‬الحضرية‭ ‬والتشجير‭ ‬على‭ ‬الأسطح‭ ‬والجدران،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬المدن‭ ‬أكثر‭ ‬برودة‭ ‬واستدامة‭ ‬وصالحة‭ ‬للعيش‭.‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬الحاجة‭ ‬المتزايدة‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬الزراعة‭ ‬المستدامة‭ ‬والتشجير‭ ‬الملائم‭ ‬للبيئة‭ ‬المحلية،‭ ‬حرصت‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتنمية‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬دليل‭ ‬إرشادي‭ ‬شامل‭ ‬للتشجير،‭ ‬يُعد‭ ‬مرجعًا‭ ‬عمليًا‭ ‬مهمًا‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الأنواع‭ ‬النباتية‭ ‬التي‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬مناخ‭ ‬وطقس‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭. ‬ويتضمن‭ ‬هذا‭ ‬الدليل‭ ‬توصيات‭ ‬دقيقة‭ ‬حول‭ ‬الأشجار،‭ ‬والشجيرات،‭ ‬والأسيجة‭ ‬النباتية،‭ ‬والمتسلقات،‭ ‬والمسطحات‭ ‬الخضراء،‭ ‬مع‭ ‬توضيح‭ ‬الاشتراطات‭ ‬الفنية‭ ‬الواجب‭ ‬مراعاتها‭ ‬لضمان‭ ‬نموها‭ ‬واستدامتها‭ ‬بالشكل‭ ‬الأمثل،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬البيئية‭ ‬والجمالية‭ ‬المرجوة‭. ‬ويبرز‭ ‬الدليل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأشجار‭ ‬المثبتة‭ ‬كفاءتها‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية،‭ ‬مثل‭: ‬شجرة‭ ‬الغاف،‭ ‬وكاسيا‭ ‬كولجا،‭ ‬والبونسيانا‭ ‬الصفراء،‭ ‬والتبونيا‭ ‬الوردية،‭ ‬وأكاسيا‭ ‬سالجنا،‭ ‬والسنط‭ ‬العربي،‭ ‬والكاسيا‭ ‬الذهبية،‭ ‬وأشجار‭ ‬الجهنمية‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها،‭ ‬والياسمين‭ ‬الهندي‭ ‬الأحمر،‭ ‬وبودرة‭ ‬العفريت،‭ ‬والياسمين‭ ‬الهندي‭ ‬الأبيض،‭ ‬وبمبر‭ ‬الزينة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأصناف‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬التربة‭ ‬والظروف‭ ‬المناخية‭ ‬في‭ ‬المملكة‭. ‬ونظرًا‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الدليل‭ ‬كمرجع‭ ‬وطني‭ ‬وإرشادي‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬التشجير‭ ‬المستدام‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬نوصي‭ ‬بإعادة‭ ‬تسويقه‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية،‭ ‬والمراكز‭ ‬البيئية،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التعليمية،‭ ‬وجهات‭ ‬التخطيط‭ ‬العمراني،‭ ‬وذلك‭ ‬لضمان‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المعنيين‭ ‬والمهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬الزراعي‭ ‬والبيئي،‭ ‬وتشجيع‭ ‬استخدامه‭ ‬كأساس‭ ‬علمي‭ ‬عند‭ ‬اختيار‭ ‬أنواع‭ ‬الأشجار‭ ‬المناسبة‭ ‬للمناطق‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬برزت‭ ‬عدة‭ ‬أمثلة‭ ‬مضيئة‭ ‬ومبادرات‭ ‬ملهمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬منها‭: ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬شركة‭ ‬إيرثلنك‭ ‬للاتصالات‭ (‬رابط‭ ‬الأرض‭) ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬ضمن‭ ‬جهودها‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭. ‬إذ‭ ‬أطلقت‭ ‬الشركة‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬حملات‭ ‬التشجير‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬بغداد،‭ ‬شملت‭ ‬زراعة‭ ‬أشجار‭ ‬معمّرة‭ ‬وشتلات‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬المهمة،‭ ‬مثل‭ ‬مدرسة‭ ‬النهضة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الدورة‭ ‬جنوب‭ ‬بغداد،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬حرم‭ ‬جامعة‭ ‬بغداد‭. ‬وتهدف‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬التوازن‭ ‬البيئي،‭ ‬وتحفيز‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬تبنّي‭ ‬ممارسات‭ ‬خضراء،‭ ‬وقد‭ ‬اقترحت‭ ‬كذلك‭ ‬مؤسسة‭ ‬‮«‬المعرفة‭ ‬للدراسات‮»‬‭ ‬مشروعًا‭ ‬عمليًا‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬شجرة‭ ‬لكل‭ ‬مولود‮»‬،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬ولي‭ ‬أمر‭ ‬الطفل‭ ‬عند‭ ‬استخراج‭ ‬شهادة‭ ‬الميلاد‭ ‬بشراء‭ ‬شتلة‭ ‬شجرة‭ ‬لزراعتها‭ ‬أمام‭ ‬منزله‭. ‬الفكرة‭ ‬بسيطة،‭ ‬ولكنها‭ ‬تحمل‭ ‬دلالة‭ ‬عميقة‭. ‬الطفل‭ ‬يكبر،‭ ‬ومعه‭ ‬تكبر‭ ‬شجرته،‭ ‬ويكبر‭ ‬معها‭ ‬وعيه‭ ‬البيئي‭ ‬وانتماؤه‭ ‬لمجتمعه‭. ‬وبمرور‭ ‬السنوات،‭ ‬ستمتلئ‭ ‬شوارعنا‭ ‬بالأشجار،‭ ‬ثم‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬الطرق‭ ‬السريعة،‭ ‬والمناطق‭ ‬الزراعية،‭ ‬بل‭ ‬وربما‭ ‬الصحاري،‭ ‬فتتحوّل‭ ‬بيئتنا‭ ‬من‭ ‬خناق‭ ‬حراري‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬صديقة‭ ‬للإنسان‭ ‬والحياة‭.‬

وانطلاقًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النماذج،‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬الملحّة‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬التشجير‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬باعتبارها‭ ‬ركيزة‭ ‬حقيقية‭ ‬لمواجهة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬شعار‭ ‬للترويج‭ ‬الإعلامي‭. ‬فالتشجير‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ترفًا‭ ‬بيئيًا‭ ‬أو‭ ‬نشاطًا‭ ‬تجميليًا،‭ ‬بل‭ ‬ضرورة‭ ‬استراتيجية‭ ‬تتطلب‭ ‬سياسات‭ ‬حازمة‭ ‬تمنع‭ ‬تجريف‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء،‭ ‬وتدعم‭ ‬زراعة‭ ‬الأشجار‭ ‬المعمّرة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬الجفاف‭ ‬والحرارة،‭ ‬والتي‭ ‬تمتاز‭ ‬بسرعة‭ ‬النمو‭ ‬وخضرتها‭ ‬المستدامة‭. ‬ومن‭ ‬هنا،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تمكين‭ ‬المبادرات‭ ‬الشبابية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لتوسيع‭ ‬الرقعة‭ ‬الخضراء‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬والمرافق‭ ‬العامة،‭ ‬وتحويل‭ ‬التشجير‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬فردي‭ ‬مؤقت‭ ‬إلى‭ ‬التزام‭ ‬جماعي‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬يُحدث‭ ‬أثرًا‭ ‬بيئيًا‭ ‬ملموسًا،‭ ‬ويسهم‭ ‬بفعالية‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬آثار‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭. ‬وفي‭ ‬تأكيد‭ ‬لهذا‭ ‬التوجه،‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2024م‭ ‬دراسة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التشجير‭ ‬أسهم‭ ‬فعليًّا‭ ‬في‭ ‬خفض‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مقارنة‭ ‬ببقية‭ ‬الولايات‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يُمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬الملهمة،‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬اقترحته‭ ‬‮«‬مؤسسة‭ ‬المعرفة‭ ‬للدراسات‮»‬‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬عملي‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬شجرة‭ ‬لكل‭ ‬مولود‮»‬‭. ‬ويمكن‭ ‬تكييف‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬ليُطبق‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬شجرة‭ ‬لكل‭ ‬طالب‭ ‬مستجد‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يُزرع‭ ‬لكل‭ ‬طفل‭ ‬يلتحق‭ ‬بالصف‭ ‬الأول‭ ‬الابتدائي‭ ‬شجرة‭ ‬باسمه‭ ‬داخل‭ ‬حرم‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬محيطها،‭ ‬حيثُ‭ ‬الاستدامة‭ ‬تبدأ‭ ‬بزرع‭ ‬شجرة،‭ ‬وبهذا،‭ ‬لا‭ ‬نزرع‭ ‬شجرة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬نغرس‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬قيمة‭ ‬الانتماء‭ ‬والمسؤولية‭ ‬البيئية،‭ ‬ونربط‭ ‬بين‭ ‬التعليم‭ ‬والعمل‭ ‬المناخي‭ ‬بأسلوب‭ ‬عملي‭ ‬مستدام‭ ‬يرسّخ‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والطبيعة‭ ‬منذ‭ ‬سنواته‭ ‬الأولى‭. ‬بجانب‭ ‬أثرها‭ ‬البيئي،‭ ‬تشكّل‭ ‬الأشجار‭ ‬استثمارًا‭ ‬ذكيًا‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬وجودة‭ ‬الحياة‭. ‬فهي‭ ‬تُحسّن‭ ‬الهواء،‭ ‬وتجمّل‭ ‬المدن،‭ ‬وتمنح‭ ‬السكان‭ ‬راحة‭ ‬نفسية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ضغوط‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭. ‬اقتصاديًا،‭ ‬وتُسهم‭ ‬في‭ ‬تقليص‭ ‬فواتير‭ ‬الكهرباء‭ ‬عبر‭ ‬خفض‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة،‭ ‬ما‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬أجهزة‭ ‬التكييف‭ ‬أو‭ ‬يرفع‭ ‬درجة‭ ‬ضبطها‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬18،‭ ‬مما‭ ‬يخفف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬الطاقة‭ ‬ويقلل‭ ‬النفقات‭ ‬الحكومية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والصحية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الراهنة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا