القراء الاعزاء، كنت قد وعدت إحدى الصديقات من القارئات الدقيقات التركيز أن أكتب موضوعا عن (النسيان) وهو موضوع مهم ويستحق تسليط الضوء عليه، لذا سأحرص على أن يكون هو موضوع مقال الأسبوع المقبل بإذن الله تعالى.
والامر الذي غيّر توجهي للكتابة اليوم هو زيارتي -ضمن وفود مهرجان (مغرب الحكايات) 2025- لضريح مولانا الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني في صومعة حسان بالعاصمة المغربية، مدينة الانوار والثقافة الرباط، حيث هيأت لي الظروف أن اشهد صلاة الجمعة في مسجد الضريح، وكنت محظوظة بالاستماع إلى خطبة الجمعة التي كانت تدور حول العلاقات الزوجية، وهو الموضوع الأكثر أهمية لارتباطه بالأسرة، تلك اللبنة الأولى التي تقوم عليها المجتمعات والدول.
فقد تحدث خطيب الجمعة عن أمور من المفترض أن تكون بديهية ومنهج حياة لدينا بالأخص كمسلمين، تولّت الشريعة الاسلامية تنظيم أدق تفاصيل حياتنا على أسس من العدالة والمساواة والتعايش والتسامح والتكافل الاجتماعي والحب والايثار.
وقد ركّزت خطبة الجمعة على قدسية الزواج وأصول المعاملة فيما بين الزوجين والتي ترتكز على أسس المودة والرحمة كما ورد في الآية الكريمة (21) من سورة الروم «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، ولا شك أن الكثير من آيات القرآن الكريم قد حثّت الزوجين على حسن المعاشرة والمعاملة بالمعروف والاحسان، ويشمل ذلك الانفاق والاحترام بين الزوجين وتفعيل دور الحوار عند الخلاف، والانصات الى الشريك ومراعاة المشاعر والظروف النفسية والفسيولوجية والعصبية التي يتعرض لها كل منهما، واحترام صلة رحم كلا الزوجين وحسن معاشرتهم.
وانه مما يثير العجب أن الاجيال الماضية كانت تنتهج ما ذكر سابقاً كأسلوب حياة وثقافة رغم أنها لم ترتد المدارس ولم تمتلك من العلم سوى ما تناقلته من معارف الدين الاسلامي وقواعده وأحكامه من خلال (المطوّع أو المطوّعة) الذي ما كان يحمل شهادة اكاديمية بل كان نقله للمعرفة عن علم آتاه الله من لدنه، بينما نجد أن الاجيال الحالية ولا سيما في العقدين الماضيين ما عاد الكثير منهم يستطيع أن يحافظ على استمرارية علاقته الزوجية ، فلا تلبث عُرى العلاقة أن تنهار لأبسط وربما أتفه الاسباب، وما عاد اكثرهم راغباً في تقديم تنازلات من أجل استمرار تيسير سير علاقة الزواج والتي تقوم أساساً على التنازلات المتبادلة بين طرفين يجب أن يكون كل منهما هيّنا ليّناً للآخر حتى تنجح وتستمر زيجته.
ولعل الاغرب ممن فصم عِرى العلاقة بالطلاق، أولئك الازواج الذين حرصوا على الاستمرار فيها على مضض، فما عادوا أزواجاً ولا باتوا مطلقين في استمرار ممجوج لعلاقة اجتماعية انسانية مقدسة يجب أن تقوم على القبول والتقبّل والرضا المتبادل والاستمرار وفق أصول المودة والرحمة.
«وعاشروهن بالمعروف» و«فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ». هكذا يقول الله تعالى في محكم كتابه، إلا أن الكثير من الازواج بعيدين كل البعد عن هذا الامر، والشواهد على ذلك كثيرة بين قصص مجتمعية وقضايا عالقة في أروقة المحاكم، وكان الله في عون هؤلاء النسوة.
لذا وفي رأيي أن تكون هناك منهجية تثقيفية بهذا الشأن يشتغل عليها جميع الفعاليات الوطنية من جهات رسمية وأهلية ودينية وغيرها، للتوعية بأهمية الاسرة وبقاء واستمرار هذا المكوّن المجتمعي الأساسي، وفي حال استعصى استمرارها يكون الطلاق وفق اسس المودة والرحمة ذاتها وذكر الفضل بين أطراف الزواج، فلا بد وأنه كانت هناك لحظات جميلة تستحق أن تكون شفيعاً لاستمرار العلاقة الانسانية في حال انفصمت عُرى العلاقة الزوجية.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك