يُعدّ سوق المنامة قلبًا نابضًا لتاريخ البحرين التجاري والاجتماعي، ورمزًا حيًا للهوية التراثية التي تستحق أن تُعاد لها الحياة بأسلوب متوازن يجمع بين الأصالة ومتطلبات العصر. وفي هذا الإطار، تأتي الحاجة إلى وضع خطة استراتيجية شاملة لإعادة هيكلة السوق وضواحيها بما يحافظ على روحها الشعبية ويعيد لها مكانتها كمقصد ثقافي وسياحي نابض بالحياة.
أولى الخطوات تتمثل في إخلاء العمالة الأجنبية غير المرتبطة بالنشاط التراثي، وتحويل البيوت القديمة في قلب الأحياء إلى بيوت تراثية أو متاحف حية تُبرز الموروث الشعبي وتستغل كعنصر جذب سياحي. ويمكن تنفيذ ذلك وفق خطة زمنية مشتركة بين محافظة العاصمة وهيئة التراث والسياحة، بما يضمن التدرج في إعادة التهيئة من دون المساس بنمط الحياة الطبيعية للمنطقة.
كما يُمكن استحداث برامج لإرجاع بعض العوائل البحرينية القديمة إلى الأحياء السكنية القريبة من السوق، على غرار ما حدث في مدينة المحرق، لاستعادة الألفة الاجتماعية وتعزيز الحضور البحريني الأصيل في قلب العاصمة.
يُعتبر ترميم السوق بالكامل وفق طرازه التقليدي من الأولويات، مع إضفاء لمسات عمرانية تحفظ هويته وتبرز تفاصيله التراثية، وخاصة السوق المركزي الذي يُعدّ من أقدم وأهم الأسواق في المنامة وضواحيها ويستحق إعادة تطوير متكامل يعزز دوره كمعلم اقتصادي واجتماعي قريب من مختلف مناطق البحرين.
ولا تكتمل هذه الرؤية إلا بوجود شبكة نقل مرنة ومترابطة تضمن سهولة الوصول إلى السوق من مختلف الأحياء والمدن، مع تطوير المرافق المحيطة لضمان انسيابية الحركة وتعزيز تجربة الزوار. كما يمكن للحكومة أن تتدخل عبر شراء بعض المساكن الحيوية ذات القيمة التاريخية وربطها ضمن الخريطة التراثية للمنامة.
من ناحية أخرى، يحتاج المشروع إلى تنظيم دقيق للبنية التحتية يشمل تحديث شبكات الخدمات والمرافق بما يتناسب مع الطابع التراثي من دون الإضرار بأصالته. ومن أجل الحفاظ على الهوية الاقتصادية للمكان، يمكن تقييد أنشطة البيع والشراء في المنطقة لتكون حكرًا على الأهالي البحرينيين من أصحاب المنطقة، بما يضمن استمرار العوائد داخل المجتمع المحلي ويحافظ على طابع السوق الشعبي الأصيل.
إن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب شراكة حقيقية بين الجهات الحكومية المعنية والأهالي ورواد الأعمال المهتمين بإحياء التراث، لتبقى المنامة، بسوقها وضواحيها، عنوانًا للتاريخ وركيزةً للاقتصاد السياحي البحريني المستدام.
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية العالمية (MIET)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك