العدد : ١٧٢٧٨ - الأحد ١٣ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٧٨ - الأحد ١٣ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

ماذا يعني انتهاء الحرب الطويلة بين تركيا والأكراد؟

بقلم: فاروق يوسف

الأحد ١٣ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

الزعيم‭ ‬الكردي‭ ‬التاريخي‭ ‬عبدالله‭ ‬أوجلان‭.. ‬إنه‭ ‬المعتقل‭ ‬الذي‭ ‬أنهى‭ ‬الحرب‭ ‬بكلمة‭.‬

أخيرا‭.. ‬لقد‭ ‬تخلى‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستاني‭ ‬عن‭ ‬خيار‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭ ‬معلنا‭ ‬نزع‭ ‬سلاحه‭. ‬فهل‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬اعترافا‭ ‬بالهزيمة؟

كان‭ ‬عبدالله‭ ‬أوجلان‭ ‬زعيم‭ ‬الحزب‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬كلامه‭. ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الخيار‭ ‬يعني‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬مسدودة‭.‬

لقد‭ ‬سبق‭ ‬للزعيم‭ ‬الكردي‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬اعتقاله‭ ‬عام‭ ‬1999‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬صفقة‭ ‬سياسية‭ ‬مبتذلة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الأخلاقي‭ ‬أن‭ ‬دعا‭ ‬غير‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬سجنه‭ ‬إلى‭ ‬طي‭ ‬صفحة‭ ‬الحرب‭.‬

كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬الحزب‭ ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬عام‭ ‬1984‭ ‬أن‭ ‬يطوي‭ ‬تلك‭ ‬الصفحة‭ ‬التي‭ ‬انطلق‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬المعادلات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭. ‬تلك‭ ‬المعادلات‭ ‬المتحجرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بوجود‭ ‬الأكراد‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬التركيبة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭.‬

قاوم‭ ‬الأكراد‭ ‬تحجّر‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬التركي‭ ‬بطريقة‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬معرفة‭ ‬عميقة‭ ‬بتعثر‭ ‬إمكانية‭ ‬الحوار‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬وطنية‭ ‬جامعة‭. ‬فبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬أنقرة،‭ ‬دينيا‭ ‬كان‭ ‬أم‭ ‬مدنيا،‭ ‬فإن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحقوق‭ ‬الأكراد‭ ‬القومية‭ ‬كان‭ ‬خطاً‭ ‬أحمر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاوزه،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعترف‭ ‬بوجود‭ ‬الأكراد‭ ‬قومية‭ ‬مستقلة‭ ‬وكانت‭ ‬تسمّيهم‭ ‬أتراك‭ ‬الجبال‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الكردية‭ ‬قد‭ ‬كلفت‭ ‬تركيا‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية‭ ‬هائلة،‭ ‬فإن‭ ‬دولة‭ ‬أتاتورك‭ ‬كانت‭ ‬مستعدة‭ ‬لخرق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬واحتلال‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مطاردة‭ ‬المتمردين‭ ‬الأكراد‭.‬

كان‭ ‬خيار‭ ‬السلم‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬يقيم‭ ‬فيها‭ ‬الأكراد‭ ‬مُستبعدا‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬اعتقال‭ ‬أوجلان‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬وقد‭ ‬وجد‭ ‬له‭ ‬حاضنة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬كان‭ ‬يأبى‭ ‬أن‭ ‬ينضم‭ ‬إلى‭ ‬زعيمه‭ ‬في‭ ‬معتقله‭ ‬ويستسلم‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬قد‭ ‬استفاد‭ ‬من‭ ‬الاستقلال‭ ‬النسبي‭ ‬للإقليم‭ ‬الكردي‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق،‭ ‬فإنه‭ ‬استفاد‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬الظرف‭ ‬الإقليمي‭ ‬المضطرب‭ ‬بحيث‭ ‬كانت‭ ‬تركيا‭ ‬حائرة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تحارب‭ ‬على‭ ‬أيّ‭ ‬جبهة،‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬التركي‭.‬

ولا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬تركيا‭ ‬وهي‭ ‬الضليعة‭ ‬بمؤامرات‭ ‬الناتو‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬تخطط‭ ‬له‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تأثيث‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسلوب‭ ‬استعماري‭ ‬جديد‭. ‬كل‭ ‬تفكير‭ ‬بتركيا‭ ‬قوية‭ ‬يبدو‭ ‬ساذجا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استضعافها‭ ‬محليا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المسألة‭ ‬الكردية‭.‬

ولأن‭ ‬تركيا‭ ‬بدت‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬محلية‭ ‬فقد‭ ‬بات‭ ‬الحل‭ ‬الدولي‭ ‬قريبا‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬المعالجة‭ ‬الدولية‭ ‬للمسألة‭ ‬السورية،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يضمن‭ ‬لها‭ ‬انحياز‭ ‬الجانب‭ ‬الأمريكي‭.‬

يملك‭ ‬الأكراد‭ ‬اليوم‭ ‬تمثيلا‭ ‬قويا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬التركية‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬قد‭ ‬تغيّرت‭. ‬ولأن‭ ‬تركيا‭ ‬قد‭ ‬تغيّرت‭ ‬فقد‭ ‬آن‭ ‬للأكراد‭ ‬أن‭ ‬يتغيّروا‭.‬

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬أكراد‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬لم‭ ‬يتخلوا‭ ‬عن‭ ‬خيار‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضمنوا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حياة‭ ‬وطنية‭ ‬عادلة‭ ‬في‭ ‬انتظارهم‭.‬

من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬أنبه‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أكراد‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬عانوه‭ ‬من‭ ‬تهميش‭ ‬وعزل‭ ‬وازدراء‭ ‬فإنهم‭ ‬لم‭ ‬يطالبوا‭ ‬إلا‭ ‬بحقوقهم‭ ‬المدنية‭ ‬وهي‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنة‭ ‬المتوازنة‭ ‬والسوية‭.‬

وكما‭ ‬يبدو‭ ‬فإن‭ ‬تركيا‭ ‬تغيرت‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭. ‬لذلك‭ ‬صار‭ ‬على‭ ‬الأكراد‭ ‬أن‭ ‬يتغيّروا‭ ‬ويغيّروا‭ ‬نهجهم‭ ‬وطريقتهم‭ ‬في‭ ‬التلويح‭ ‬بمطالبهم‭. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬مبدأ‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقنعا‭ ‬للكثير‭ ‬منهم،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬انخرطوا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬التركية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬صار‭ ‬لها‭ ‬صوت‭ ‬في‭ ‬الشارع‭.‬

كان‭ ‬عبدالله‭ ‬أوجلان‭ ‬حكيما‭ ‬ورجلا‭ ‬مسؤولا‭ ‬حين‭ ‬صارح‭ ‬شعبه‭ ‬بأهمية‭ ‬الاستجابة‭ ‬لتلك‭ ‬التغيّرات‭ ‬والتفاعل‭ ‬معها‭ ‬بطريقة‭ ‬إيجابية‭. ‬فالمهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬وإلى‭ ‬شعبه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬اختاروا‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭ ‬قد‭ ‬تحقق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬واقعا‭ ‬وليس‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭ ‬هدفا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭. ‬هنا‭ ‬تكمن‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬صفات‭ ‬الزعيم‭ ‬العاقل‭. ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المعلوم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الصفقة‭ ‬التي‭ ‬تخلّى‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬بموجبها‭ ‬عن‭ ‬سلاحه‭ ‬منهيا‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬أضرّت‭ ‬بالأكراد‭ ‬مثلما‭ ‬أضرّت‭ ‬بتركيا‭. ‬لكن‭ ‬اللافت‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬رجلا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قيد‭ ‬الاعتقال‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬كان‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬كلمة‭ ‬النهاية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الطرفين،‭ ‬الكردي‭ ‬والتركي،‭ ‬يثقان‭ ‬بذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬وهب‭ ‬شعبه‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬عمره‭.‬

لقد‭ ‬أنهى‭ ‬أوجلان‭ ‬الحرب‭ ‬بكلمة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الكلمة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بذلك‭ ‬التأثير‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬التركي‭ ‬قد‭ ‬قدّم‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬أسباب‭ ‬القوة‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا