المؤمن عرضة للبلاء والابتلاء قد يكون بالشر، وقد يكون بالخير فتنة، يقول تعالى: «كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون» الأنبياء/35.
وهذا بيان إلهي واضح وصريح، ولا مجال أبدا لنكرانه أو التشكيك فيه، ولقد ابتلى الله تعالى الناس بالشر كما ابتلاهم بالخير، وقد يظن العبد حين يبتليه ربه سبحانه وتعالى بالشر أنه يكرهه، وقد يحسب العبد حين يبتليه ربه سبحانه بالخير أنه يحبه، ولا علاقة البتة بين أحوال العبد ونوع الابتلاء، إنما يريد الله تعالى بالابتلاء معرفة درجة إيمان العبد هل هو قادر على تحمل مزيد من البلاء الذي لا يخرجه عن دائرة الإيمان؟
والحق سبحانه وتعالى يبتلي أنبياءه، وهم صفوة خلقه، وهم الذين عصمهم من الخطأ والمعصية.. إن الغاية التي من أجلها يبتلى الأنبياء (صلوات الله تعالى عليهم) هي تقديم نماذج باهرة من البشر حتى لا يشعر الناس العاديون أنهم مستهدفون بالبلاء وحدهم، وحتى يكون في بلاء الأنبياء والرسل الكرام الصبر والسلوان، فيقول العبد: مادام الله تعالى قد ابتلى الأنبياء وهم من هم في المكانة واليقين، فيكون في ذلك سلوى لأهل البلاء من الناس.
ونتساءل ما العلاقة بين البلاء والقضاء الذي ينزله الحق سبحانه وتعالى بالناس؟ ونتساءل أيضًا: ما العطاء الذي يجنيه العبد حين يصبر على البلاء ولم يعترض عليه، بل عليه أن يسارع إلى استقبال قضاء الله تعالى وسؤاله التخفيف من هذا القضاء، وأن يلطف به، من عطاء القضاء الصبر عليه ألا يسأل العبد ربه سبحانه رد القضاء لأن القضاء واقع لا محالة، وإنما مطلوب منا أن نسأله التخفيف منه، والله تعالى بكرمه وفضله، وعظيم منه أن يلهمنا الصبر عليه، وتحمل وقعه علينا، كما أنه من اللطف في القضاء جهلنا بموعد وصوله إلينا لأننا لو علمنا بوقت نزوله بنا لشقينا بانتظار ترقب نزوله، وهذا ما يحدث في الأمم التي اعتادت أن يصارح الطبيب فيها مريضه –بموعد– انتهاء أجله، وهذا العلم لن يؤثر في موعد انتهاء أجله وقد يموت الطبيب قبل المريض، وكلاهما – الطبيب والمريض – كل مات في أجله، بل قد يدخل المريض في حالة اكتئاب تزيد في عذاب الإنسان، أو ما بقي من حياته إلى شقاء دائم، وحزن مستمر، أما نحن المسلمين، فنؤمن إيمانًا راسخًا بأن الموت والحياة بيد الله تعالى، وأن علمنا بموعد الموت من علوم الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها، يقول جل جلاله: «ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون» الأعراف/34.
ويقول سبحانه: «إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير». لقمان/34.
إذًا، فنحن بشر لا نعلم الغيب، ولا يعلم الواحد منا متى يحين أجله، وبأي سبب سوف ينتهي أجله، والإسلام يطالبنا دومًا بالصبر لأن الصبر مصدر من مصادر العطاء الإلهي ينعم الله تعالى به على عباده المؤمنين، ولهذا فنحن معاشر المسلمين لا نسأل الله تعالى عن القضاء لأن القضاء واقع لا شك ولا مرية فيه، ولكن نسأله سبحانه اللطف، فينزل علينا القضاء مخففًا بحيث نتحمله ونصبر عليه، وهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه جل جلاله.
هذا هو اللطف في القضاء الذي يتحقق به الرجاء، ويسعد به المؤمن في حياته وبعد مماته، فإذا انشغل العبد بالدعاء والإكثار منه في ليله ونهاره، وفي صحوه ومنامه، فإنه بذلك يستديم العطاء حين نجعل الصبر عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك