العدد : ١٧٢٧٨ - الأحد ١٣ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٧٨ - الأحد ١٣ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

من عطاء البلاء.. اللطف في القضاء!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١٣ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

المؤمن‭ ‬عرضة‭ ‬للبلاء‭ ‬والابتلاء‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بالشر،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬بالخير‭ ‬فتنة،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬كل‭ ‬نفس‭ ‬ذائقة‭ ‬الموت‭ ‬ونبلوكم‭ ‬بالشر‭ ‬والخير‭ ‬فتنة‭ ‬وإلينا‭ ‬ترجعون‮»‬‭ ‬الأنبياء‭/‬35‭.‬

وهذا‭ ‬بيان‭ ‬إلهي‭ ‬واضح‭ ‬وصريح،‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬أبدا‭ ‬لنكرانه‭ ‬أو‭ ‬التشكيك‭ ‬فيه،‭ ‬ولقد‭ ‬ابتلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الناس‭ ‬بالشر‭ ‬كما‭ ‬ابتلاهم‭ ‬بالخير،‭ ‬وقد‭ ‬يظن‭ ‬العبد‭ ‬حين‭ ‬يبتليه‭ ‬ربه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بالشر‭ ‬أنه‭ ‬يكرهه،‭ ‬وقد‭ ‬يحسب‭ ‬العبد‭ ‬حين‭ ‬يبتليه‭ ‬ربه‭ ‬سبحانه‭ ‬بالخير‭ ‬أنه‭ ‬يحبه،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬البتة‭ ‬بين‭ ‬أحوال‭ ‬العبد‭ ‬ونوع‭ ‬الابتلاء،‭ ‬إنما‭ ‬يريد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بالابتلاء‭ ‬معرفة‭ ‬درجة‭ ‬إيمان‭ ‬العبد‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬البلاء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخرجه‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬الإيمان؟

والحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬يبتلي‭ ‬أنبياءه،‭ ‬وهم‭ ‬صفوة‭ ‬خلقه،‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬عصمهم‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬والمعصية‭.. ‬إن‭ ‬الغاية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬يبتلى‭ ‬الأنبياء‭ (‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عليهم‭) ‬هي‭ ‬تقديم‭ ‬نماذج‭ ‬باهرة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬الناس‭ ‬العاديون‭ ‬أنهم‭ ‬مستهدفون‭ ‬بالبلاء‭ ‬وحدهم،‭ ‬وحتى‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬بلاء‭ ‬الأنبياء‭ ‬والرسل‭ ‬الكرام‭ ‬الصبر‭ ‬والسلوان،‭ ‬فيقول‭ ‬العبد‭: ‬مادام‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قد‭ ‬ابتلى‭ ‬الأنبياء‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬المكانة‭ ‬واليقين،‭ ‬فيكون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سلوى‭ ‬لأهل‭ ‬البلاء‭ ‬من‭ ‬الناس‭.‬

ونتساءل‭ ‬ما‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬البلاء‭ ‬والقضاء‭ ‬الذي‭ ‬ينزله‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بالناس؟‭ ‬ونتساءل‭ ‬أيضًا‭: ‬ما‭ ‬العطاء‭ ‬الذي‭ ‬يجنيه‭ ‬العبد‭ ‬حين‭ ‬يصبر‭ ‬على‭ ‬البلاء‭ ‬ولم‭ ‬يعترض‭ ‬عليه،‭ ‬بل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يسارع‭ ‬إلى‭ ‬استقبال‭ ‬قضاء‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وسؤاله‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القضاء،‭ ‬وأن‭ ‬يلطف‭ ‬به،‭ ‬من‭ ‬عطاء‭ ‬القضاء‭ ‬الصبر‭ ‬عليه‭ ‬ألا‭ ‬يسأل‭ ‬العبد‭ ‬ربه‭ ‬سبحانه‭ ‬رد‭ ‬القضاء‭ ‬لأن‭ ‬القضاء‭ ‬واقع‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬وإنما‭ ‬مطلوب‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬نسأله‭ ‬التخفيف‭ ‬منه،‭ ‬والله‭ ‬تعالى‭ ‬بكرمه‭ ‬وفضله،‭ ‬وعظيم‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يلهمنا‭ ‬الصبر‭ ‬عليه،‭ ‬وتحمل‭ ‬وقعه‭ ‬علينا،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬اللطف‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬جهلنا‭ ‬بموعد‭ ‬وصوله‭ ‬إلينا‭ ‬لأننا‭ ‬لو‭ ‬علمنا‭ ‬بوقت‭ ‬نزوله‭ ‬بنا‭ ‬لشقينا‭ ‬بانتظار‭ ‬ترقب‭ ‬نزوله،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬التي‭ ‬اعتادت‭ ‬أن‭ ‬يصارح‭ ‬الطبيب‭ ‬فيها‭ ‬مريضه‭ ‬بموعد‭ ‬انتهاء‭ ‬أجله،‭ ‬وهذا‭ ‬العلم‭ ‬لن‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬موعد‭ ‬انتهاء‭ ‬أجله‭ ‬وقد‭ ‬يموت‭ ‬الطبيب‭ ‬قبل‭ ‬المريض،‭ ‬وكلاهما‭ ‬‭ ‬الطبيب‭ ‬والمريض‭ ‬‭ ‬كل‭ ‬مات‭ ‬في‭ ‬أجله،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يدخل‭ ‬المريض‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اكتئاب‭ ‬تزيد‭ ‬في‭ ‬عذاب‭ ‬الإنسان،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬إلى‭ ‬شقاء‭ ‬دائم،‭ ‬وحزن‭ ‬مستمر،‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬المسلمين،‭ ‬فنؤمن‭ ‬إيمانًا‭ ‬راسخًا‭ ‬بأن‭ ‬الموت‭ ‬والحياة‭ ‬بيد‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وأن‭ ‬علمنا‭ ‬بموعد‭ ‬الموت‭ ‬من‭ ‬علوم‭ ‬الغيب‭ ‬التي‭ ‬استأثر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بعلمها،‭ ‬يقول‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭: ‬‮«‬ولكل‭ ‬أمة‭ ‬أجل‭ ‬فإذا‭ ‬جاء‭ ‬أجلهم‭ ‬لا‭ ‬يستأخرون‭ ‬ساعة‭ ‬ولا‭ ‬يستقدمون‮»‬‭ ‬الأعراف‭/‬34‭.‬

ويقول‭ ‬سبحانه‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬عنده‭ ‬علم‭ ‬الساعة‭ ‬وينزل‭ ‬الغيث‭ ‬ويعلم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأرحام‭ ‬وما‭ ‬تدري‭ ‬نفس‭ ‬ماذا‭ ‬تكسب‭ ‬غدًا‭ ‬وما‭ ‬تدري‭ ‬نفس‭ ‬بأي‭ ‬أرض‭ ‬تموت‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬عليم‭ ‬خبير‮»‬‭. ‬لقمان‭/‬34‭.‬

إذًا،‭ ‬فنحن‭ ‬بشر‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬الغيب،‭ ‬ولا‭ ‬يعلم‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬متى‭ ‬يحين‭ ‬أجله،‭ ‬وبأي‭ ‬سبب‭ ‬سوف‭ ‬ينتهي‭ ‬أجله،‭ ‬والإسلام‭ ‬يطالبنا‭ ‬دومًا‭ ‬بالصبر‭ ‬لأن‭ ‬الصبر‭ ‬مصدر‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬العطاء‭ ‬الإلهي‭ ‬ينعم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬عباده‭ ‬المؤمنين،‭ ‬ولهذا‭ ‬فنحن‭ ‬معاشر‭ ‬المسلمين‭ ‬لا‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عن‭ ‬القضاء‭ ‬لأن‭ ‬القضاء‭ ‬واقع‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬ولا‭ ‬مرية‭ ‬فيه،‭ ‬ولكن‭ ‬نسأله‭ ‬سبحانه‭ ‬اللطف،‭ ‬فينزل‭ ‬علينا‭ ‬القضاء‭ ‬مخففًا‭ ‬بحيث‭ ‬نتحمله‭ ‬ونصبر‭ ‬عليه،‭ ‬وهو‭ ‬سبحانه‭ ‬ولي‭ ‬ذلك‭ ‬والقادر‭ ‬عليه‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭. ‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬اللطف‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬الذي‭ ‬يتحقق‭ ‬به‭ ‬الرجاء،‭ ‬ويسعد‭ ‬به‭ ‬المؤمن‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬وبعد‭ ‬مماته،‭ ‬فإذا‭ ‬انشغل‭ ‬العبد‭ ‬بالدعاء‭ ‬والإكثار‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬ليله‭ ‬ونهاره،‭ ‬وفي‭ ‬صحوه‭ ‬ومنامه،‭ ‬فإنه‭ ‬بذلك‭ ‬يستديم‭ ‬العطاء‭ ‬حين‭ ‬نجعل‭ ‬الصبر‭ ‬عبادة‭ ‬نتقرب‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا