العدد : ١٧٢٧٩ - الاثنين ١٤ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٧٩ - الاثنين ١٤ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

ما وراء الاعتراف الروسي بنظام طالبان

بقلم: د. نبيل العسومي

الأحد ١٣ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

كان‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬كثيرا‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬العلاقات‭ ‬الروسية‭ ‬الأفغانية‭ ‬تطورا‭ ‬إيجابيا‭ ‬لافتا‭ ‬بسبب‭ ‬الخلفية‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬ورثتها‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬عن‭ ‬اتحاد‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬السوفيتية‭ ‬وذاكرة‭ ‬العداء‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬بسبب‭ ‬الحرب‭ ‬السوفيتية‭ ‬الأفغانية‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬فوجئ‭ ‬العالم‭ ‬مؤخرا‭ ‬بالاعتراف‭ ‬الروسي‭ ‬بحكومة‭ ‬طالبان‭ ‬وتبادل‭ ‬التمثيل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬السفراء‭.‬

وينطبق‭ ‬المثل‭ ‬الأكثر‭ ‬شهرة‭ ‬‮«‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لصداقة‭ ‬دائمة‭ ‬ولا‭ ‬لعداوة‭ ‬دائمة‭ ‬وإنما‭ ‬مصالح‭ ‬دائمة‮»‬‭. ‬ينطبق‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬على‭ ‬التحول‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬والذي‭ ‬بدأ‭ ‬حقيقة‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاتصالات‭ ‬بين‭ ‬الروس‭ ‬وحكومة‭ ‬طالبان،‭ ‬هذه‭ ‬الاتصالات‭ ‬التي‭ ‬توجت‭ ‬بالاعتراف‭ ‬المشار‭ ‬إليه‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬أردنا‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬دواعي‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الروسية‭ ‬الأفغانية‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عند‭ ‬النقاط‭ ‬التالية‭: ‬

الأولى‭: ‬الدواعي‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬نحو‭ ‬التنسيق‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬طالبان‭ ‬لمحاربة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬العملية‭ ‬الإرهابية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬نفذها‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬جيش‭ ‬خوراسان،‭ ‬وهو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحتمي‭ ‬بأفغانستان،‭ ‬وإن‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬الإرهابية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬تجاوزت‭ ‬130‭ ‬شخصا‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬الاحتفالات‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬موسكو،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬بمثابة‭ ‬التهديد‭ ‬الكبير‭ ‬للأمن‭ ‬الروسي،‭ ‬واتضح‭ ‬وقتها‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬الأمني‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬طالبان‭ ‬لمحاصرة‭ ‬هذا‭ ‬الإرهاب‭ ‬المتصاعد،‭ ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التنسيق‭ ‬واضحا‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحادث‭ ‬الأليم‭ ‬وتطور‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬ليصبح‭ ‬عنصرا‭ ‬أساسيا‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬الجديدة‭.‬

الثانية‭: ‬الدواعي‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أفغانستان‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأكثر‭ ‬فقرا‭ ‬ومواردها‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬ضعيفة‭ ‬ولا‭ ‬تؤهلها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شريكا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬مهما‭ ‬لروسيا،‭ ‬وخاصة‭ ‬عدم‭ ‬امتلاكها‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬لشراء‭ ‬الغاز‭ ‬الروسي‭ ‬بكميات‭ ‬كبيرة،‭ ‬فإن‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬قد‭ ‬تجاوز‭ ‬المليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصدير‭ ‬الغاز‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬أفغانستان‭ ‬بكميات‭ ‬بسيطة‭ ‬لتشغيل‭ ‬وسد‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬احتياجات‭ ‬البلد‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭.‬

هذا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬فإن‭ ‬عين‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬الغنية‭ ‬والمتعددة‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الأفغانية،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬والمعادن‭ ‬النادرة‭ ‬والثمينة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬للروس‭ ‬أن‭ ‬يستفيدوا‭ ‬منها‭ ‬مستقبلا،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬الروس‭ ‬وجدوا‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬سوقا‭ ‬لصادراتهم‭ ‬الزراعية،‭ ‬خاصة‭ ‬القمح‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيسي‭ ‬للغذاء‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬هشا‭ ‬وغير‭ ‬مستقر‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬يسمح‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬وبناء‭ ‬شراكات‭ ‬اقتصادية‭ ‬كبيرة،‭ ‬فإن‭ ‬الروس‭ ‬يخططون‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬والبعيد‭ ‬لقطع‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬المنافسين‭ ‬الآخرين،‭ ‬وأن‭ ‬يكونوا‭ ‬السابقين‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الروس‭ ‬يفكرون‭ ‬فيه‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭.‬

الثالثة‭: ‬الدواعي‭ ‬السياسية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬خروج‭ ‬الأمريكان‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬وانهيار‭ ‬السيطرة‭ ‬الغربية‭ ‬تماما‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬قبل‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬تقريبا،‭ ‬فإن‭ ‬روسيا‭ ‬كما‭ ‬الصين‭ ‬تحاولان‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬وشبك‭ ‬المصالح‭ ‬معه‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬أمنه‭ ‬واستقراره‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وبما‭ ‬يقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وخاصة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬لمنع‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬أفغانستان‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لتكون‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬فضاء‭ ‬السيطرة‭ ‬الغربية‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الخطوة‭ ‬الروسية‭ ‬مدروسة‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭ ‬ولتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إعادة‭ ‬تسليح‭ ‬أفغانستان‭ ‬بالسلاح‭ ‬الروسي‭ ‬الحديث‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬استقرار‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬ودعمه‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يجعله‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬محاربة‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عبرت‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬عن‭ ‬اتجاهها‭ ‬السياسي‭ ‬الجديد‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المصالح‭ ‬فقط،‭ ‬ولعل‭ ‬الخطوة‭ ‬الروسية‭ ‬تفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وباكستان‭ ‬وإيران‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬للاعتراف‭ ‬بحكومة‭ ‬طالبان‭ ‬وإعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الكاملة،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الخطوة‭ ‬الروسية‭ ‬مقدمة‭ ‬لتشجيع‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬أكثر‭ ‬اعتدالا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وخاصة‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬واحترام‭ ‬إنسانيتها‭.‬

إن‭ ‬أغلب‭ ‬الدراسات‭ ‬والتحليلات‭ ‬والمتابعات‭ ‬للوضع‭ ‬الأفغاني‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاعتراف‭ ‬الدولي‭ ‬بحكومة‭ ‬طالبان‭ ‬يدفعها‭ ‬إلى‭ ‬مراعاة‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬التوجه‭ ‬المحافظ‭ ‬لهذه‭ ‬الحكومة‭ ‬وتبني‭ ‬سياسات‭ ‬معتدلة‭ ‬نسبيا‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬قبولها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

كما‭ ‬ان‭ ‬نجاح‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تتبعها‭ ‬خطوة‭ ‬صينية‭ ‬مماثلة‭ ‬سوف‭ ‬تؤدي‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الحلف‭ ‬لمواجهة‭ ‬السياسات‭ ‬الغربية‭ ‬المعادية‭ ‬لروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وحلفائها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا