حدث ذلك في عام 2006 عندما فاز تيم كين بانتخابات حاكم ولاية فرجينيا. كنت ألتقي ببعض المسؤولين في مقر الحزب الديمقراطي، حيث قال أحدهم: «أعتقد أن أحد الدروس التي يجب أن نتعلمها من فوز تيم كين هو أننا بحاجة إلى التحدث أكثر عن ديننا. لقد فعل كين ذلك وفاز. يجب علينا أن نفعل ذلك أيضًا».
خلال الشهر التالي، لاحظتُ ذلك المسؤول نفسه على شاشة التلفزيون وفي المناسبات العامة وهو يتحدث عن الدين بشكلٍ مُحرجٍ ومُزعج، وهو ما جعلني في اجتماعنا التالي أقرر التحدث معه في هذا الشأن.
ملاحظتك بشأن فوز تيم كين مهمة، لكن عليّ أن أخبرك أنني لا أعتقد أنه فاز لمجرد حديثه عن الدين. لقد فاز لأنه كان صادقًا. ولأن دينه جزءٌ أساسي من هويته، كان عليه أن يتحدث عنه، وقد فعل ذلك بارتياح. بعد الاستماع إليك خلال الأسابيع القليلة الماضية، يتضح أن الدين ليس جزءًا مهمًا من حياتك، ولذلك عندما تحاول فرضه، تبدو غير صادق. من فضلك، تحدث فقط عن هويتك».
لقد تذكرت هذه القصة بعد أن شاهدت فوز زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في مدينة نيويورك حلال الأيام القليلة الماضية.
وعلى مدار الأيام القليلة التالية، انشغل المحللون والمستشارون بتقديم تفسيراتٍ لفوز زهران ممداني بما يخدم مصالحهم الشخصية. قال أحدهم، الذي دأب على حثّ الحزب على دعم المرشحين الشباب لتحدي «حرسه القديم»: «فاز ممداني لأنه شاب. نحن بحاجة إلى المزيد من المرشحين الشباب لهزيمة المرشحين القدامى».
وأشار أحد المستشارين، الذي يصمم الرسائل للمرشحين الذين يعتمدون على استطلاعات الرأي، إلى أن فوز السيد ممداني هو «مثال رائع على مدى ما يمكنك أن تذهب إليه إذا ركزت حملتك بطريقة جذابة حول القضية التي يقول الناخبون بأغلبية ساحقة، في الاستطلاعات، إنهم يهتمون بها أكثر من غيرها».
وأشار آخرون إلى سجلّ منافسه الرئيسي في التحرش الجنسي والفساد والمحسوبية، كما أشاروا إلى أنه بدلًا من الاعتماد على ملايين الدولارات في الإعلانات التلفزيونية، تواصل زهران ممداني مباشرةً مع عشرات الآلاف من الناخبين، عن قرب وشخصيًا.
وأخيرا وليس آخرا، كان هناك من قالوا إن زهران ممداني قد فاز بسبب أجندته الاشتراكية التقدمية المعلنة - التي تدعو إلى النقل العام المجاني، وتجميد الإيجارات، ورعاية الأطفال المجانية، ومتاجر البقالة المملوكة للمدينة في المناطق المحرومة.
ورغم أن كل ما سبق قوله من الآراء قد يكون صحيحاً بدرجات متفاوتة، فإن جمعها معاً لن يكون كافيا لتفسير الفوز المذهل الذي حققه السيد ممداني.
يعود سبب فوز زهران ممداني إلى ما يتحلى به من أصالة شخصيته وثبات موقفه. فقد كان مرتاحًا في قرارة نفسه، لا يعتذر عن معتقداته الراسخة، وقادرًا على أن يكون صريحًا وصادقًا مع وسائل الإعلام والناخبين الذين تواصل معهم، وقد تجلت هذه الخصال عندما كان يجيب على أسئلة حول تصريحات أدلى بها بشأن الحقوق الفلسطينية.
كان معظم المرشحين الذين أعرفهم يترددون عندما يجدون أنفسهم في مثل هذا الموقف ويتقلبون في مقاعدهم بانزعاج محاولين تذكر ما أخبرهم به مستشاروهم عن كيفية التعامل مع الأسئلة الصعبة. وعندما يردون ويجيبون عما يطرح عليهم من أسئلة تراهم يقدمون مزيجًا من الكلمات غير المترابطة التي تفوح منها رائحة الزيف والتصنع ولا ترضي أو تقنع أحدًا.
لم يكن الأمر كذلك مع زهران ممداني. فعندما يُسأل عن مواقفه من الحقوق الفلسطينية أو الإسرائيلية، يُجيب مباشرةً ومن دون تردد، ولا يعمد إلى الالتباس أو المواربة، بل تراه يجيب ويتحدث بكل وضوح وصدق.
تأملوا جديد هذين الاقتباسين من خطاب فوزه ليلة الانتخابات:
«أعدكم أنكم لن تتفقوا معي دائمًا، لكنني لن أختبئ عنكم أو أتفادى لقاءكم. إذا كنتم تتسبون لي في الأذى فإنني سأحاول تجاوز الأمر. إذا شعرتم بسوء الفهم، فسأسعى جاهدًا لفهمكم. ستظل مخاوفكم هي همومي دائمًا».
«هناك ملايين من سكان نيويورك الذين لديهم مشاعر قوية تجاه ما يحدث في الخارج. نعم، أنا واحد منهم، ومع أنني لن أتخلى عن معتقداتي أو التزاماتي المبنية على المطالبة بالمساواة والإنسانية، فإنني أعدكم بالوصول إلى أبعد مدى، وفهم وجهات نظر من أختلف معهم وأتصارع معهم بشدة».
إن هذه الأصالة هي أقوى سمة يتحلى بها زهران ممداني وهي السمة التي يجدها الناخبون الأكثر إقناعاً، بمن في ذلك العدد الكبير من الناخبين اليهود الذين دعموه وصوتوا له.
خلال الانتخابات التمهيدية، تم إنفاق 30 مليون دولار للإطاحة بزهران ممداني في إعلانات سلبية، وقد يتم إنفاق أضعاف هذا المبلغ في الانتخابات العامة في شهر نوفمبر القادم، حيث يشن الديمقراطيون والجمهوريون حملةً لتشويه سمعة هذا الشاب المسلم من جنوب آسيا وتمريغ سمعته وتحويله إلى تهديد.
لقد بدأت هذه الحملة بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يحاول الجمهوريون وبعض المنتمين إلى المجتمع المؤيد لإسرائيل صياغة خطاب سلبي يستخدمونه لإضعاف ترشيحه للانتخابات العامة.
شبّه أحدهم فوز زهران ممداني بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، قائلاً: «بعد الحادي عشر من سبتمبر، قلنا: لن ننسى أبدًا. أعتقد أننا نسينا للأسف». صوّر آخر فوز زهران ممداني، مُظهرًا تمثال الحرية مُغطّى بما يُفترض أنه برقع. وغرّدت جماعة يهودية يمينية قائلةً: «حان الوقت ليغادر اليهود مدينة نيويورك».
وبما أن العديد من المستشارين في الحزب الديمقراطي من المرجح أن يتراجعوا في مواجهة هذه الحملة المغرضة، فإنهم سيمارسون الضغوط على زهران ممداني ويحاولون إقناعه بالتراجع عن أجندته التقدمية ودعمه للفلسطينيين.
كما أنهم قد يحاولون تحييده بدعوته للانضمام إلى صفوف السياسيين الذين يعتمدون على الاستشارات والثرثارين، لكن هؤلاء لا يدركون أنه إذا خضع لهذا الضغط، فسيفقد الصفة ذاتها التي حفّزت الناخبين الشباب والتقدميين والتي مكنته من تحقيق فوز حاسم في هذه الانتخابات التمهيدية - عن أصالة زهران ممداني أتحدث.
إن السيد زهران ممداني ليس بحاجة إلى «خبرتهم واستشاراتهم»، وأنا أشك في أنه، على الرغم من صغر سنه، فإنه يدرك جيداً أن الصدق مع نفسه والصدق مع الناخبين سوف يظل طريقه إلى النصر.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك