زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الزميلات والطالبات أحبطنني
عندما انتقلت الى بريطانيا مع اسرتي في عام 1994 حرصت على إلحاق كبرى بناتي في نفس المدرسة مع شقيقها الاكبر، ولكنها فتاة متخلفة ورجعية ورفضت ان تدرس في مدرسة مختلطة، قلت لها يا بنت الناس نحن في بلد الخواجات حيث الاختلاط فرض عين فتحملي مدرستك الى ان يأتي الفرج من حيث لا نحتسب، وأبوك درس في جامعة مختلطة. ولكنها ركبت رأسها وزودتني بقائمة بأسماء مدارس المنطقة الخاصة بالبنات فقط فاتصلت بالإدارة التعليمية، مستخدما سلاحا اعرف نجاعته وجدواه تماما، قلت لهم انني لم اكن اعرف ان هناك مدارس خاصة بالبنات وانني كمسلم لا اقبل ان تدرس بنتي وسط الأولاد، وخلال لحظات قليلة كانوا قد نقلوا بنتي الى مدرسة بنات قريبة من البيت. فالخواجات الذين نصب عليهم اللعنات يحترمون العقائد ولا يتشنجون ضد من يخالفونهم عقيديا، ربما لان حكاية الدين ما عادت «تفرِق معهم»، ولاحقا قالت لي تلك بنتي ان معدلات قلة الأدب وانعدام الحياء في مدرسة البنات أضعاف معدلاتها في المدرسة المختلطة، ومع هذا بقيت فيها الى ان أوجد الله لنا مخرجا من لندن وغادرناها.
ويطيب لي ان أعلن عبر هذا المنبر وبأثر رجعي معارضتي للتعليم المختلط بعد ان اصابني بتأثيراته الجانبية (سايد افيكتس)، فبعض زميلات الجامعة تزوجن فور التخرج واينما حللت في على مدى بضع سنوات، أجد واحدة منهن وقد اصبحت (جدة)، ومعها «شحط» طول في عرض هو حفيدها. مما يحرمني من حق التلاعب بعمري وإجراء التنزيلات عليه، ولكن مصابي اكبر من ذلك لأنني عملت مدرسا في مدارس البنات الثانوية لبضع سنوات وفي كل مدينة تصادفني واحدة يمشي او يجلس الى جوارها شاب طويل واهبل هو ولدها او فتاة اسطوانية تتدحرج مثل وابور الزلط، هي ابنتها، ولا يفوت عليها ان تعلن بأعلى صوتها انها كانت تلميذتي، واتمنى عندها لو كان عندي بعد نظر على عهد التدريس وضربتها على رأسها لتفقد الذاكرة او تصاب بإعاقة تمنعها الكلام، والداهية الاكبر هي انني درست نساء متزوجات وذوات ذرية في فصول «اتحاد المعلمين» المسائية، ومن حق الواحدة منهن ان تقول صادقة انني درستها في المرحلة الثانوية دون ان اجد الشجاعة لأقول للحاضرين ان ولدها الاكبر كان يلعب في بطولة كأس إفريقيا لكرة القدم عندما كانت هي طالبة عندي.
ومن عادتي ان اربط في سن معينة لعدة سنوات يعني كان عمري 35 سنة لنحو سبع سنوات، ثم أصبح 37 سنة، ورابطت في الاربعينيات كغريق يتعلق بقشة، واتهيب اليوم الذي اضطر الى الاعتراف فيه بأنني عشت نصف قرن او اكثر، ولكنني احيانا اراجع نفسي واعاتبها مذكرا اياها ان التقدم في العمر ليس سيئا تماما، فعلى الاقل لست مطالبا بتعلم أي شيء يتطلب جهدا، واسراري في امان عندما أحدث بها اصدقائي لانهم لن يتذكروها بعد بضع ساعات من سماعهم إياها، ثم ما الذي تغير مثلا بين عام 1970 وعام 2025؟ لا شيء تقريبا ففي عام 1970 كنا نستمع للقادة العرب وهم يحدثوننا عن الوحدة وفي عام 2025 ما زالوا يتكلمون عن حتمية الوحدة (ربما يقصدون التوحُّد) وفي عام 1970 كان دماغي ناشفا كالحصى اما اليوم فإن كليتي ناشفة بسبب الحصى، وقبل 40 سنة كانت آمالي وطموحاتي تكبر اما اليوم فإن كرشي تكبر يوميا، وفي عام 1970 كنت اتناول الطرشي والمخلل والشطة وكل ما هو حامض اما اليوم فإنني اتناول مضادات الحموضة بعد شرب كوب ماء، وعلى عهد الشباب كان والداي يضغطان علي كي اقص شعر رأسي واليوم امارس الضغط على اولادي كيلا يقصوا شعر رؤوسهم على موديل سرج الدراجة. باختصار الحالة هي، هي، ولم تتغير كثيرا بل من ايجابيات مضي سنوات العمر ان خلايا الدماغ تنكمش وتتقلص ويسهل بالتالي إدارتها وتشغيلها!

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك