العدد : ١٧٢٧٣ - الثلاثاء ٠٨ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٧٣ - الثلاثاء ٠٨ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

جهود مضنية خلف الأسوار.. لا تلتقطها العدسات!

بقلم: د. فاطمة المالكي {

الثلاثاء ٠٨ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

توقفت‭ ‬لحظة‭ ‬أتأمل‭ ‬المشهد،‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬فقط‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تُغلق‭ ‬أبواب‭ ‬المدارس،‭ ‬ينطلق‭ ‬الجميع‭ ‬نحو‭ ‬إجازة‭ ‬الصيف،‭ ‬يحملون‭ ‬معهم‭ ‬فرحة‭ ‬الراحة،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬ضغط‭ ‬العمل‭ ‬والالتزامات،‭ ‬لقد‭ ‬كنت‭ ‬أراقب‭ ‬الوجوه،‭ ‬حديث‭ ‬المعلمين‭ ‬عن‭ ‬السفر،‭ ‬وفرصة‭ ‬التفرغ‭ ‬للعائلة،‭ ‬عن‭ ‬السكون‭ ‬الذي‭ ‬ينتظرهم‭ ‬بعد‭ ‬شهور‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬المستمر،‭ ‬وبينما‭ ‬تبدو‭ ‬على‭ ‬الوجوه‭ ‬علامات‭ ‬الترقب‭ ‬والارتياح،‭ ‬لا‭ ‬يسعني‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬واحد؛‭ ‬ذلك‭ ‬التعب‭ ‬الصامت‭ ‬المتراكم‭ ‬لشهور،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يراه‭ ‬أحد،‭ ‬والذي‭ ‬يرافق‭ ‬المعلم‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬آخر‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬الدوام،‭ ‬إنه‭ ‬تعب‭ ‬وجهود‭  ‬مضنية‭ ‬خلف‭ ‬أسوار‭ ‬المدارس‭... ‬لا‭ ‬تلتقطها‭ ‬العدسات‭.‬

عندما‭ ‬نُلقي‭ ‬نظرة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬المعلم،‭ ‬قد‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬أذهان‭ ‬البعض‭ ‬أنه‭ ‬مجرد‭ ‬ساعات‭ ‬يُمضيها‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي،‭ ‬يشرح‭ ‬خلالها‭ ‬دروسًا،‭ ‬يوزع‭ ‬الواجبات،‭ ‬وربما‭ ‬يُنهي‭ ‬يومه‭ ‬بانتهاء‭ ‬الحصة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬مختلفة‭ ‬تمامًا،‭ ‬بل‭ ‬تحمل‭ ‬بين‭ ‬طياتها‭ ‬مشهدًا‭ ‬خفيًا‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬الكثيرون‭ ‬ولا‭ ‬يراه‭ ‬إلا‭ ‬القليلون؛‭ ‬مشهدًا‭ ‬عنوانه‭ ‬الأساسي‭: ‬التعب‭ ‬الصامت‭ ‬الذي‭ ‬يرافق‭ ‬المعلم‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬يومه‭ ‬الدراسي‭.‬

في‭ ‬ظاهر‭ ‬الأمر،‭ ‬نرى‭ ‬المعلم‭ ‬أمام‭ ‬الطلاب‭ ‬بابتسامته‭ ‬الجميلة‭ ‬ووجهه‭ ‬البشوش،‭ ‬وصوته‭ ‬الهادئ،‭ ‬يحمل‭ ‬كتابه‭ ‬وأوراقه‭ ‬ويبدو‭ ‬متحكمًا‭ ‬في‭ ‬مجريات‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي،‭ ‬لكن‭ ‬خلف‭ ‬هذه‭ ‬الواجهة‭ ‬الظاهرة،‭ ‬تكمن‭ ‬مسؤوليات‭ ‬يومية‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬التعليم‭ ‬المباشر،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬إرهاقًا‭ ‬نفسيًا‭ ‬وذهنيًا،‭ ‬منهمكًا‭ ‬بالتخطيط‭ ‬للدروس،‭ ‬متابعة‭ ‬الفروق‭ ‬الفردية‭ ‬بين‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الدراسي،‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المشكلات‭ ‬السلوكية،‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬استفسارات‭ ‬الإدارة،‭ ‬تجهيز‭ ‬الأنشطة‭ ‬اليومية،‭ ‬إعداد‭ ‬الاختبارات‭ ‬وتصحيحها،‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬الطلاب‭ ‬أثناء‭ ‬الأنشطة‭ ‬أو‭ ‬الرحلات،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬بينهم‭ ‬جميعًا،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭ ‬الظاهرة‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬سوى‭ ‬جزء‭ ‬صغير‭ ‬من‭ ‬الصورة‭ ‬الخفية‭.‬

هناك‭ ‬مواقف‭ ‬يومية‭ ‬تحدث‭ ‬داخل‭ ‬الصف‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬عنها‭ ‬أحد‭ ‬شيئًا‭ ‬إلا‭ ‬المعلم‭ ‬والطلاب‭ ‬أنفسهم،‭ ‬مواقف‭ ‬تتطلب‭ ‬صبرًا،‭ ‬وذكاءً‭ ‬عاطفيا‭ ‬واجتماعيا،‭ ‬ومرونة،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬حزمًا‭ ‬قاسيًا‭ ‬يُخفي‭ ‬خلفه‭ ‬قلبًا‭ ‬رحيمًا‭.‬

تخيّل‭ ‬معلمًا‭ ‬يشرح‭ ‬درسًا‭ ‬معقدًا‭ ‬وبينما‭ ‬يحاول‭ ‬إيصال‭ ‬المعلومة‭ ‬لطلاب‭ ‬متبايني‭ ‬القدرات،‭ ‬يلاحظ‭ ‬في‭ ‬الزاوية‭ ‬طالبًا‭ ‬يحبس‭ ‬دموعه‭ ‬لأنه‭ ‬تعرض‭ ‬للتنمر‭ ‬في‭ ‬الفسحة،‭ ‬أو‭ ‬آخر‭ ‬يبدو‭ ‬شاردًا‭ ‬لأنه‭ ‬يعيش‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعلم‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬أو‭ ‬طالب‭ ‬يتحاشى‭ ‬رفع‭ ‬يده‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬السخرية‭ ‬بسبب‭ ‬ضعفه‭ ‬الأكاديمي،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المشاهد‭ ‬تقع‭ ‬أمام‭ ‬عين‭ ‬المعلم،‭ ‬ويظل‭ ‬مطالبًا‭ ‬بأن‭ ‬يُدير‭ ‬الموقف‭ ‬بحكمة‭ ‬وهدوء‭ ‬وصمت،‭ ‬ويواصل‭ ‬شرحه،‭ ‬ويواسي‭ ‬الطالب‭ ‬المتألم،‭ ‬ويُعيد‭ ‬الثقة‭ ‬الى‭ ‬المتردد،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬باقي‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي‭ ‬بأي‭ ‬ارتباك‭ ‬أو‭ ‬اضطراب‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬التعليمي‭.‬

المعلم‭ ‬هو‭ ‬الوحيد‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتصرف‭ ‬خلال‭ ‬لحظات‭ ‬قليلة‭ ‬ليحمي‭ ‬كرامة‭ ‬طالب،‭ ‬ويُعيد‭ ‬الانضباط‭ ‬إلى‭ ‬الجو‭ ‬الدراسي،‭ ‬ويُمسك‭ ‬بخيوط‭ ‬الموقف‭ ‬التربوي‭ ‬المتشابك،‭ ‬وكأن‭ ‬شيئًا‭ ‬لم‭ ‬يحدث،‭ ‬ومن‭ ‬خلف‭ ‬جدران‭ ‬الفصل،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يرى‭ ‬هذا‭ ‬الجهد،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يُدرك‭ ‬كم‭ ‬الطاقة‭ ‬النفسية‭ ‬والذهنية‭ ‬التي‭ ‬تُستنزف‭ ‬من‭ ‬المعلم‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭.‬

ثم‭ ‬يأتي‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬ربما‭ ‬يغفل‭ ‬عنه‭ ‬الكثيرون،‭ ‬وهو‭ ‬دور‭ ‬المعلم‭ ‬مع‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور،‭ ‬إن‭ ‬المعلم‭ ‬لا‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬طلابه‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يحمل‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬مسؤولية‭ ‬طمأنة‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور،‭ ‬الاستماع‭ ‬لهم‭ ‬وفهم‭ ‬مخاوفهم،‭ ‬وإيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬التربوية‭ ‬المناسبة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬أبنائهم‭. ‬كم‭ ‬من‭ ‬معلم‭ ‬جلس‭ ‬طويلًا‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الدوام‭ ‬ليستمع‭ ‬لأم‭ ‬قلقة‭ ‬على‭ ‬تحصيل‭ ‬ابنها،‭ ‬أو‭ ‬أب‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬تغيرات‭ ‬ابنه‭ ‬السلوكية،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬بإنصات‭ ‬وتواضع،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬يومه‭ ‬الدراسي‭ ‬لم‭ ‬يُبقِ‭ ‬له‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬الطاقة،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يمسك‭ ‬بجذور‭ ‬الامور‭ ‬الصعبة‭.‬

نعم،‭ ‬المعلم‭ ‬يُراعي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬طالب‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬يلاحظهم،‭ ‬يتفقدهم،‭ ‬يُتابع‭ ‬أداءهم،‭ ‬يحس‭ ‬بهمومهم،‭ ‬يتذكر‭ ‬ظروف‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم،‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬يعاني‭ ‬مشكلة‭ ‬أسرية،‭ ‬ومن‭ ‬يحتاج‭ ‬دعمًا‭ ‬نفسيًا،‭ ‬ومن‭ ‬تراجع‭ ‬مستواه‭ ‬فجأة‭ ‬ويجب‭ ‬التدخل‭ ‬السريع‭. ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬هو‭ ‬مطالب‭ ‬بألا‭ ‬ينسى‭ ‬أبناءه‭ ‬في‭ ‬بيته،‭ ‬فهم‭ ‬جزء‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬مسؤولياته،‭ ‬انه‭ ‬يُراعيهم‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬بالاهتمام‭ ‬والمتابعة‭ ‬والحب،‭ ‬كذلك‭ ‬طلابه‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬يُراعيهم‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي،‭ ‬بالتعليم‭ ‬والتقويم‭ ‬والاحتواء‭ ‬والحب،‭ ‬الفرق‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬المكان،‭ ‬لكن‭ ‬القلب‭ ‬واحد،‭ ‬والنية‭ ‬واحدة،‭ ‬والجهد‭ ‬واحد‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬منهما‭ ‬عن‭ ‬الآخر،‭ ‬ان‭ ‬التعب‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬المعلم‭ ‬ليس‭ ‬تعبًا‭ ‬جسديًا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬إرهاق‭ ‬ذهني،‭ ‬واستنزاف‭ ‬عاطفي،‭ ‬وضغط‭ ‬نفسي‭ ‬مستمر،‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬المعلم‭ ‬إلى‭ ‬منزله‭ ‬تاركًا‭ ‬العمل‭ ‬خلفه،‭ ‬بل‭ ‬يحمل‭ ‬همومه‭ ‬معه؛‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬الطالب‭ ‬المتعثر،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يساعده،‭ ‬ويقلق‭ ‬بشأن‭ ‬الطالب‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬شارد‭ ‬الذهن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم،‭ ‬يُراجع‭ ‬خطة‭ ‬الغد،‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬وسائل‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬جديدة‭ ‬لجعل‭ ‬التعلم‭ ‬أكثر‭ ‬متعة‭ ‬وفاعلية‭ ‬وأكثر‭ ‬مواكبه‭ ‬مع‭ ‬العصر‭ ‬التكنولوجي‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬التعب‭ ‬لا‭ ‬يظهر‭ ‬لأنه‭ ‬ببساطة‭ ‬لا‭ ‬تلتقطه‭ ‬العدسات،‭ ‬المعلم‭ ‬يدرك‭ ‬تمامًا‭ ‬أنه‭ ‬اختار‭ ‬بإرادته‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهو‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬ليس‭ ‬بالطريق‭ ‬السالك‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬العثرات‭ ‬والتحديات‭.‬

لذا‭ ‬وجب‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بالصبر،‭ ‬ويخفي‭ ‬إرهاقه‭ ‬خلف‭ ‬ابتسامة‭ ‬مشرقة‭ ‬ومطمئنة،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يؤثر‭ ‬تعبه‭ ‬على‭ ‬طلابه،‭ ‬وحتى‭ ‬يظل‭ ‬مصدر‭ ‬أمل‭ ‬وقدوة‭ ‬إيجابية‭ ‬لهم‭.‬

إنه‭ ‬من‭ ‬الإنصاف‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬قليلًا‭ ‬لنُقدّر‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬الصامت،‭ ‬وأن‭ ‬نشهد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬خلف‭ ‬كواليس‭ ‬مهنة‭ ‬التعليم،‭ ‬وأن‭ ‬ندرك‭ ‬تمامًا‭ ‬أن‭ ‬المعلم‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬التعب‭ ‬الذي‭ ‬يرافقه،‭ ‬يظل‭ ‬صامدًا،‭ ‬لأنه‭ ‬ببساطة‭ ‬يحمل‭ ‬أعظم‭ ‬الأدوار‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬صناعة‭ ‬الإنسان‮»‬‭.‬

لذا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تُفكّر‭ ‬يومًا‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬الى‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬العظيمة‭ ‬وتكون‭ ‬معلمًا،‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬صادقًا‭ ‬مع‭ ‬نفسك،‭ ‬وتسألها‭: ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬الاستعداد‭ ‬الحقيقي‭ ‬لقبول‭ ‬هذا‭ ‬الواقع؟‭ ‬هل‭ ‬تملك‭ ‬النفس‭ ‬الطويل،‭ ‬والصبر،‭ ‬والحكمة‭ ‬التي‭ ‬تجعلك‭ ‬تتحمل‭ ‬ضغوط‭ ‬هذه‭ ‬المهنة؟‭ ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬مهارات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والذكاء‭ ‬العاطفي؟‭ ‬وهل‭ ‬ترى‭ ‬بعين‭ ‬البصر‭ ‬والبصيرة‭ ‬التي‭ ‬تؤهلك‭ ‬لتكون‭ ‬معلمًا‭ ‬حقيقيًا؟‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬وظيفة‭ ‬تؤدي‭ ‬واجبا‭ ‬فيها‭ ‬فقط‭ ‬وتتقاضى‭ ‬عليها‭ ‬راتبًا‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬شهر‭!‬

فكّر‭ ‬جيدًا،‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬مستعد‭ ‬أن‭ ‬تُعامل‭ ‬طلابك‭ ‬كما‭ ‬تُعامل‭ ‬أبناءك؟‭ ‬فتكون‭ ‬عادلًا‭ ‬ومنصفًا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تتفقد‭ ‬أحوالهم،‭ ‬وتتحمل‭ ‬مسؤولياتهم،‭ ‬وتُراعي‭ ‬اختلافاتهم‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬مع‭ ‬أولادك‭ ‬في‭ ‬بيتك؟‭ ‬هل‭ ‬فكّرت‭ ‬مليًّا‭ ‬في‭ ‬أنك‭ ‬ستقف‭ ‬يومًا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ولي‭ ‬أمر‭ ‬غاضب،‭ ‬يلومك‭ ‬على‭ ‬تراجع‭ ‬مستوى‭ ‬ابنه،‭ ‬أو‭ ‬يتهمك‭ ‬بالتقصير‭ ‬في‭ ‬احتوائه،‭ ‬أو‭ ‬يُلقي‭ ‬عليك‭ ‬مسؤولية‭ ‬مشكلات‭ ‬سلوكية،‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭ ‬كلها‭. ‬هل‭ ‬تدرك‭ ‬أنك‭ ‬ستقابل‭ ‬مواقف‭ ‬صعبة‭ ‬داخل‭ ‬الصف،‭ ‬لحظات‭ ‬يتعرض‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬طلابك‭ ‬للتنمر،‭ ‬أو‭ ‬يشعر‭ ‬بالخوف‭ ‬والخذلان،‭ ‬وسيُطلب‭ ‬منك‭ ‬الحكمة،‭ ‬والحزم،‭ ‬والاحتواء،‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتسرّب‭ ‬القلق‭ ‬إلى‭ ‬باقي‭ ‬التلاميذ‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي؟‭ ‬هل‭ ‬أعددت‭ ‬نفسك‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور؟

إنها‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬مهنة،‭ ‬إنها‭ ‬رسالة،‭ ‬إنها‭ ‬مهنة‭ ‬الأنبياء،‭ ‬ومهنة‭ ‬تنبثق‭ ‬منها‭ ‬كل‭ ‬المهن،‭ ‬جهد‭ ‬لا‭ ‬تُظهره‭ ‬الصورة‭ ‬بالكامل،‭ ‬وعطاء‭ ‬لا‭ ‬يُكتب‭ ‬بالقلم‭ ‬على‭ ‬الورق،‭ ‬لكنه‭ ‬يُخلّد‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الطلاب،‭ ‬ويُثمر‭ ‬في‭ ‬مستقبلهم‭ ‬الزاهر‭. ‬

هل‭ ‬فعلًا‭ ‬لديك‭ ‬الاستعداد‭ ‬الحقيقي‭ ‬لأن‭ ‬تُحمّل‭ ‬نفسك‭ ‬مسؤولية‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان؟‭ ‬وأن‭ ‬تقبل‭ ‬تعبا‭   ‬وتبذل‭ ‬جهودا‭ ‬مخلصة‭... ‬لا‭ ‬تلتقطها‭ ‬العدسات‭!‬

‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬أمير‭ ‬الشعراء‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭: ‬

قم‭ ‬للمعلم‭ ‬وفه‭ ‬التبجيلا‭.. ‬كاد‭ ‬المعلم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رسولا

أعلمت‭ ‬أشرف‭ ‬أو‭ ‬أجل‭ ‬من‭ ‬الذي‭.. ‬يبني‭ ‬وينشئ‭ ‬أنفساً‭ ‬وعقولا؟

‭(‬من‭ ‬ديوان‭ ‬الشوقيات‭)‬

 

{‭ ‬عميدة‭ ‬شؤون‭ ‬الطلبة‭ ‬

-‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا