في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية والتحديات الإقليمية المتلاحقة، أثبتت مملكة البحرين قدرتها على الحفاظ على اقتصاد قوي ومستقر، قائم على التنوع والابتكار، وموجّه نحو تحقيق تنمية مستدامة شاملة. لقد أصبحت البحرين، بقيادتها الرشيدة، مركزًا اقتصاديًّا بارزًا في الخليج العربي، بما تمتلكه من بيئة استثمارية جاذبة، وبنية تحتية متطورة، ومؤسسات مالية ذات مصداقية عالية.
لقد اعتمدت البحرين رؤية اقتصادية طويلة المدى تمثلت في «رؤية البحرين الاقتصادية 2030»، والتي أطلقها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله، في عام 2008، كخارطة طريق لتحويل الاقتصاد الوطني من الريعية إلى الاقتصاد الإنتاجي القائم على التنافسية والاستدامة. وتركّز هذه الرؤية على ثلاثة مبادئ رئيسية: الاستدامة، التنافسية، والعدالة.
وقد مكّنت هذه الرؤية من إعادة هيكلة الاقتصاد البحريني، فتم تطوير التشريعات المحفزة للاستثمار، وإنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة، وتقديم الحوافز للمستثمرين المحليين والدوليين، مما أسهم في تعزيز مكانة البحرين كوجهة مفضلة للأعمال.
التنوع الاقتصادي
تتميز البحرين باقتصاد متنوع لا يعتمد فقط على النفط، بل يشمل قطاعات رئيسية مثل الصناعة، التمويل، الخدمات اللوجستية، السياحة، وتكنولوجيا المعلومات. وتعد البحرين من أوائل دول الخليج التي بدأت بتنويع مصادر دخلها، حيث تشكل القطاعات غير النفطية اليوم ما يقارب 80% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويُعد القطاع المالي من أبرز ركائز الاقتصاد البحريني، إذ تستضيف البحرين أكثر من 370 مؤسسة مالية ومصرفية، ما يجعلها مركزًا ماليًا إقليميًا متميزًا. كما أن سوق البحرين للأوراق المالية يتمتع بدرجة عالية من التنظيم والشفافية، ما يعزز ثقة المستثمرين.
دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة
تولي حكومة البحرين أهمية كبيرة لدعم رواد الأعمال، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتبارها محركًا رئيسيًّا للنمو الاقتصادي. وقد أُنشئت «تمكين» كمؤسسة حكومية تهدف إلى تمويل وتدريب المؤسسات الصغيرة وتحفيز الابتكار. وقد استفاد آلاف البحرينيين من برامج تمكين، مما أسهم في خلق فرص عمل وتعزيز الإنتاج المحلي.
من جانب آخر، تتمتع البحرين بموقع استراتيجي في قلب الخليج العربي، وقربها من الأسواق الخليجية الكبرى يجعلها نقطة انطلاق مثالية للمستثمرين. وتتميز بتشريعات مرنة تسمح بملكية أجنبية بنسبة كبيرة في بعض القطاعات، مع نظام ضرائب منخفض وشفاف.
وقد نجحت البحرين في جذب العديد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات مثل التكنولوجيا المالية، والصناعات المتقدمة، والسياحة، والخدمات الصحية، ما يدل على الثقة الدولية في بيئتها الاستثمارية.
التحديات وآفاق المستقبل
رغم الإنجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة، فإنه لا يخلو الاقتصاد البحريني من وجود تحديات، خاصة فيما يتعلق بالتقلبات في أسعار النفط العالمية، والحاجة إلى تسريع وتيرة التحول الرقمي. إلا أن البحرين، بفضل سياساتها المرنة، ومبادراتها التحديثية، تستعد لتجاوز هذه التحديات من خلال تبني مشروعات في الاقتصاد الأخضر، وتعزيز اقتصاد المعرفة، وزيادة الشراكات الإقليمية والدولية.
إن ما حققته البحرين من نمو اقتصادي خلال العقود الماضية يُعد نموذجًا يحتذى به في المنطقة، إذ نجحت في بناء اقتصاد قوي ومتنوع، يقوم على مبادئ الرؤية الثاقبة، والتخطيط الاستراتيجي، والاستثمار في الإنسان. وتستمر البحرين اليوم في مسيرتها بثقة، نحو مستقبل اقتصادي أكثر ازدهارًا واستدامة، يجعلها في طليعة الدول الخليجية من حيث الريادة والتطور الاقتصادي.
{ أكاديمي متخصص في العلوم
الشرعية وتنمية الموارد البشرية
Dr.MohamedFaris@yahoo.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك