العدد : ١٧٢٧٢ - الاثنين ٠٧ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٧٢ - الاثنين ٠٧ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

إلى أين تتجه إيران بعد الحرب الأخيرة؟

بقلم: فاروق يوسف {

الاثنين ٠٧ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

فتحت‭ ‬إيران‭ ‬بردها‭ ‬الرمزي‭ ‬على‭ ‬القصف‭ ‬الأمريكي‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬المفاوضات‭. ‬لقد‭ ‬انتهت‭ ‬الحرب‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬‮«‬آن‭ ‬أوان‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬يقصد‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬قد‭ ‬تلقت‭ ‬الدرس‭ ‬وفهمت‭ ‬ما‭ ‬انطوى‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬معان‭ ‬قاسية‭.‬

ما‭ ‬فعلته‭ ‬إيران‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬السياق‭. ‬لقد‭ ‬قبلت‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الضربة‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الشعور‭ ‬بالخطر‭ ‬الأكبر‭ ‬كانت‭ ‬ضربة‭ ‬أمريكية‭.‬

قبل‭ ‬هذه‭ ‬الضربة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬تهدد‭ ‬باستهداف‭ ‬القواعد‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬تأكد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تسهم‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬الحرب‭. ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعرضت‭ ‬لضربة‭ ‬أمريكية‭ ‬استهدفت‭ ‬ثلاثا‭ ‬من‭ ‬منشآتها‭ ‬النووية،‭ ‬إلا‭ ‬بطريقة‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬رد‭ ‬الاعتبار‭ ‬إلا‭ ‬بأسلوب‭ ‬معنوي‭ ‬بحيث‭ ‬إنها‭ ‬أبلغت‭ ‬قطر‭ ‬بموعد‭ ‬الضربة‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قطر‭ ‬قد‭ ‬أبلغت‭ ‬قاعدة‭ ‬العديد‭ ‬بذلك‭ ‬الموعد‭. ‬لذلك‭ ‬تم‭ ‬اصطياد‭ ‬الصواريخ‭ ‬الإيرانية‭ ‬كلها‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬واحدا‭ ‬تُرك‭ ‬ليسقط‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬خالية‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬حساباتها‭ ‬لم‭ ‬تخطط‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬طرفا‭ ‬مباشرا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭. ‬كان‭ ‬مخططها‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬حرب‭ ‬وكلائها‭. ‬وهي‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬تستنزفها‭ ‬ولا‭ ‬تعرض‭ ‬نظامها‭ ‬للخطر‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تهدد‭ ‬مصالحها،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

أما‭ ‬وقد‭ ‬صنعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬منها‭ ‬جبهة‭ ‬للحرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استهداف‭ ‬مشروعها‭ ‬النووي‭ ‬فقد‭ ‬بات‭ ‬واضحا‭ ‬أنها‭ ‬صارت‭ ‬عارية‭ ‬من‭ ‬الغطاء‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يمثله‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بدرجة‭ ‬أساسية‭ ‬والمليشيات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭ ‬بدرجة‭ ‬أقل‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لكي‭ ‬تظل‭ ‬إيران‭ ‬خارج‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬تديرها‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬مدججة‭ ‬بالسلاح‭ ‬ومستعدة‭ ‬لأيّ‭ ‬حرب‭ ‬دفاعية‭ ‬تقليدية‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الضربات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الخاطفة‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬دولة‭ ‬مُخترقة‭ ‬أولا،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬ضعيفة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تقنيات‭ ‬دفاعها‭ ‬ثانيا،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬السلاح‭ ‬الذي‭ ‬يُدهش‭ ‬بدقة‭ ‬إصابته‭ ‬لأهدافه‭ ‬النوعية‭. ‬لقد‭ ‬قصفت‭ ‬إيران‭ ‬أهدافا‭ ‬إسرائيلية‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬ولكنها‭ ‬هدمت‭ ‬بنايات‭ ‬وقتلت‭ ‬مدنيين‭. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬ضعفها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الهجمات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬تميزت‭ ‬بدقتها‭ ‬النوعية‭.‬

فكرة‭ ‬السلام‭ ‬الإيراني‭ ‬قائمة‭ ‬أصلا‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬شروط‭ ‬ترامب‭ ‬لبدء‭ ‬المفاوضات‭. ‬لقد‭ ‬أخطأت‭ ‬إيران‭ ‬بتأخرها‭ ‬عن‭ ‬التفاهم‭ ‬بشأن‭ ‬تلك‭ ‬الشروط‭ ‬التي‭ ‬تضمنتها‭ ‬رسالة‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭. ‬ولهذا‭ ‬دفعت‭ ‬ثمن‭ ‬ذلك‭ ‬التأخر‭. ‬تأخرت‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تفهم‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬تحاربه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تغير‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬تجهل‭ ‬أعداءها‭. ‬وهي‭ ‬حين‭ ‬تحارب‭ ‬فإنها‭ ‬تتجه‭ ‬إلى‭ ‬جبهات‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لها‭ ‬وجود‭.‬

ولكن‭ ‬النتائج‭ ‬السريعة‭ ‬التي‭ ‬أسفر‭ ‬عنها‭ ‬القصف‭ ‬الأمريكي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تشكل‭ ‬نهاية‭ ‬حقيقية‭ ‬للّعبة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬إيرانية‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬قد‭ ‬رحّب‭ ‬بالإقرار‭ ‬الإيراني‭ ‬بضرورة‭ ‬الانتقال‭ ‬سريعا‭ ‬من‭ ‬ساحات‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬قاعات‭ ‬المفاوضات‭.‬

ولأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وهي‭ ‬الطرف‭ ‬الأول‭ ‬المعني‭ ‬بالحرب‭ ‬لا‭ ‬تثق‭ ‬بالسياسة‭ ‬الإيرانية‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬موقفا‭ ‬مرحبا‭ ‬شبيها‭ ‬بالموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬وظلت‭ ‬متمسكة‭ ‬بحذرها‭. ‬فهي‭ ‬وإن‭ ‬لن‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬فإنها‭ ‬ستراقبها‭ ‬لحظة‭ ‬بلحظة‭ ‬ولن‭ ‬يتمكن‭ ‬الطرف‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬أيّ‭ ‬إجراء‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬السياسة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬ولا‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬أجندة‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬الخاصة‭ ‬بإيران‭ ‬التي‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬خطرها‭ ‬بأنه‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬مشروعها‭ ‬النووي‭ ‬بل‭ ‬يتجاوزه‭ ‬إلى‭ ‬مشروعها‭ ‬التوسعي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

ما‭ ‬لا‭ ‬ترضى‭ ‬به‭ ‬إسرائيل‭ ‬لن‭ ‬تقدم‭ ‬عليه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬ذلك‭ ‬لأنه‭ ‬بعد‭ ‬المشاركة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الفعلية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬صار‭ ‬حساب‭ ‬الطرفين‭ ‬حسابا‭ ‬واحدا‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إيران‭ ‬تسلّم‭ ‬به‭ ‬لولا‭ ‬وجود‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭. ‬

وطهران‭ ‬إذ‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬المفاوضات‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬فإنها‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬لغتها‭ ‬الالتفافية‭ ‬والمتحذلقة‭ ‬ومحاولتها‭ ‬كسب‭ ‬الوقت‭ ‬لن‭ ‬تنفع‭ ‬في‭ ‬شيء‭. ‬هناك‭ ‬شرطي‭ ‬يقف‭ ‬خارج‭ ‬قاعة‭ ‬المفاوضات‭ ‬معني‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القاعة‭. ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬ذلك‭ ‬الشرطي‭ ‬المستعد‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الحكم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬التصديق‭ ‬عليه‭ ‬أمريكيا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭.‬

‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬إيران‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬حائط‭ ‬أصم‭.‬

والرأي‭ ‬الراجح‭ ‬أن‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬تستعد‭ ‬إيران‭ ‬لخوضها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬صالحها‭ ‬لأن‭ ‬الحكم‭ ‬سيكون‭ ‬إسرائيليا‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬التحول‭ ‬ليحدث‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬تعاملت‭ ‬بشكل‭ ‬جاد‭ ‬مع‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬ترعاها‭ ‬بطريقة‭ ‬مهنية‭ ‬ناجحة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬خذلت‭ ‬نفسها‭ ‬حين‭ ‬تصرفت‭ ‬سياسيا‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭. ‬والسؤال‭ ‬المطروح‭ ‬الآن‭ ‬هل‭ ‬سيكون‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬الإيراني‭ ‬بعد‭ ‬الضربات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والأمريكية‭ ‬مدركا‭ ‬للحقائق‭ ‬والمستجدات‭ ‬التي‭ ‬أسفرت‭ ‬عنها‭ ‬المواجهة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وسيكون‭ ‬موفقا‭ ‬في‭ ‬اقتناص‭ ‬فرصة‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬غالبا‭ ‬أضيق‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الفرص‭ ‬السابقة؟‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا