فتحت إيران بردها الرمزي على القصف الأمريكي الباب على المفاوضات. لقد انتهت الحرب. ذلك ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى القول «آن أوان السلام» وهو يقصد أن إيران قد تلقت الدرس وفهمت ما انطوى عليه من معان قاسية.
ما فعلته إيران لا يخرج بعيدا عن ذلك السياق. لقد قبلت بوقف إطلاق النار مع إسرائيل على الرغم من أن الضربة التي دفعت بها إلى الشعور بالخطر الأكبر كانت ضربة أمريكية.
قبل هذه الضربة الأمريكية كانت إيران تهدد باستهداف القواعد الأمريكية في المنطقة فيما إذا تأكد لها أن الولايات المتحدة تسهم بشكل مباشر في الحرب. لكنها لم تفعل ذلك بعد أن تعرضت لضربة أمريكية استهدفت ثلاثا من منشآتها النووية، إلا بطريقة كشفت عن أنها لا تسعى إلى رد الاعتبار إلا بأسلوب معنوي بحيث إنها أبلغت قطر بموعد الضربة ومن الطبيعي أن تكون قطر قد أبلغت قاعدة العديد بذلك الموعد. لذلك تم اصطياد الصواريخ الإيرانية كلها ما عدا واحدا تُرك ليسقط في منطقة خالية.
في كل حساباتها لم تخطط إيران أن تكون طرفا مباشرا في الحرب ضد إسرائيل. كان مخططها يقوم على استمرار حرب وكلائها. وهي حرب لا تستنزفها ولا تعرض نظامها للخطر كما أنها لا تهدد مصالحها، على الأقل في العراق.
أما وقد صنعت إسرائيل منها جبهة للحرب من خلال استهداف مشروعها النووي فقد بات واضحا أنها صارت عارية من الغطاء الذي كان يمثله «حزب الله» في لبنان بدرجة أساسية والمليشيات الأخرى في العراق واليمن بدرجة أقل. لم يعد هناك ما يكفي لكي تظل إيران خارج اللعبة التي تديرها.
وعلى الرغم من أنها مدججة بالسلاح ومستعدة لأيّ حرب دفاعية تقليدية غير أن الضربات الإسرائيلية الخاطفة أثبتت أن إيران دولة مُخترقة أولا، كما أنها ضعيفة على مستوى تقنيات دفاعها ثانيا، وهي لا تملك السلاح الذي يُدهش بدقة إصابته لأهدافه النوعية. لقد قصفت إيران أهدافا إسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكنها هدمت بنايات وقتلت مدنيين. وفي ذلك ما يكشف عن ضعفها في مواجهة الهجمات الإسرائيلية التي تميزت بدقتها النوعية.
فكرة السلام الإيراني قائمة أصلا على التعامل مع شروط ترامب لبدء المفاوضات. لقد أخطأت إيران بتأخرها عن التفاهم بشأن تلك الشروط التي تضمنتها رسالة ترامب إلى علي خامنئي. ولهذا دفعت ثمن ذلك التأخر. تأخرت لأنها لم تفهم أن العالم الذي تحاربه كان قد تغير. وهو ما يعني أن إيران تجهل أعداءها. وهي حين تحارب فإنها تتجه إلى جبهات لم يعد لها وجود.
ولكن النتائج السريعة التي أسفر عنها القصف الأمريكي قد لا تشكل نهاية حقيقية للّعبة من وجهة نظر إيرانية على الرغم من أن الرئيس الأمريكي قد رحّب بالإقرار الإيراني بضرورة الانتقال سريعا من ساحات الحرب إلى قاعات المفاوضات.
ولأن إسرائيل وهي الطرف الأول المعني بالحرب لا تثق بالسياسة الإيرانية فإنها لم تتخذ موقفا مرحبا شبيها بالموقف الأمريكي وظلت متمسكة بحذرها. فهي وإن لن تشترك في المفاوضات بشكل مباشر فإنها ستراقبها لحظة بلحظة ولن يتمكن الطرف الأمريكي من اتخاذ أيّ إجراء لا يخدم السياسة الإسرائيلية في نهاية المطاف ولا يدخل ضمن أجندة تل أبيب الخاصة بإيران التي ينظر إلى خطرها بأنه يتمثل في مشروعها النووي بل يتجاوزه إلى مشروعها التوسعي في المنطقة.
ما لا ترضى به إسرائيل لن تقدم عليه الولايات المتحدة. ذلك لأنه بعد المشاركة الأمريكية الفعلية في الحرب صار حساب الطرفين حسابا واحدا. وهو ما لم تكن إيران تسلّم به لولا وجود ترامب على رأس الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض.
وطهران إذ تذهب إلى المفاوضات هذه المرة فإنها تعرف أن لغتها الالتفافية والمتحذلقة ومحاولتها كسب الوقت لن تنفع في شيء. هناك شرطي يقف خارج قاعة المفاوضات معني بكل ما يجري في تلك القاعة. إسرائيل هي ذلك الشرطي المستعد لتنفيذ الحكم الذي تم التصديق عليه أمريكيا في وقت سابق.
لذلك فإن المتوقع أن تجد إيران نفسها أمام حائط أصم.
والرأي الراجح أن اللعبة التي تستعد إيران لخوضها لن تكون في صالحها لأن الحكم سيكون إسرائيليا. ولم يكن ذلك التحول ليحدث لو أنها تعاملت بشكل جاد مع المفاوضات التي كانت سلطنة عمان ترعاها بطريقة مهنية ناجحة. وهو ما يعني أن إيران خذلت نفسها حين تصرفت سياسيا كما لو أن العالم من حولها لم يتغير. والسؤال المطروح الآن هل سيكون العقل السياسي الإيراني بعد الضربات الإسرائيلية والأمريكية مدركا للحقائق والمستجدات التي أسفرت عنها المواجهة الأخيرة، وسيكون موفقا في اقتناص فرصة السلام التي ستكون غالبا أضيق من كل الفرص السابقة؟.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك