الإسلام ميزان توزن به الأعمال والمواقف، وكلما اقترب الإنسان من الإسلام ومن توجيهاته السديدة والراشدة اقترب من الحق وشارف على الاستقامة التي هي لفظ جامع مانع، وكلما ارتقى المسلم في أقواله وأفعاله صارت أحواله قريبة من الحق، ودعونا نقدم بعض النماذج التي صنعها الإسلام على عينه، وصارت عناوين وشواهد على ما يرجوه الإسلام من أتباعه أن يكونوا عليه، من هذه النماذج الخليفة الراشد الأول أبوبكر الصديق (رضي الله عنه) الذي بلغ في إيمانه، وصدق يقينه درجة أصبحت عنوانًا على جهاده ومجاهدته، قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلًم): ما نفعني إيمان كما نفعني إيمان أبي بكر، ولا نفعني مال كما نفعني مال أبي بكر، عندما حدثت معجزة الإسراء والمعراج كذبته قريش، ووجدها الكفار فرصة يجب ألا يضيعوها، فقالوا لأبي بكر إن صاحبك يزعم أنه أسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء في ليلة واحدة ! قال لهم أنتم تكذبون عليه، قالوا: وإن كان قد قال؟.. إن كان قد قال فقد صدق، إني أصدقه في أمر السماء.
ولما احتاج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المال جاءه أبو بكر بكل ماله، ولما سأله رسول الله: ماذا أبقيت لأهلك
يا أبابكر؟! قال له: أبقيت لهم الله ورسوله! وهذه إجابة لا يتقنها غير أبي بكر صاحب الإيمان الوثيق.
ولما تولى الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقف خطيبًا، فقال: أيها الناس من كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله تعالى، فإن الله حي لا يموت، ثم تلا قوله تعالى: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين» آل عمران /144.
ولقد سجل الإسلام لأبي بكر الصديق ثلاثة مواقف هي في القمة، بل هي في ذروة سنامها، وهذه المواقف سبق لعمر بن الخطاب أن أشار بها عليه، لم يعمل بها، وهي استنكاره لحروب الردة، فقال له أبو بكر: والله يا عمر لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله يا عمر لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه.
أما الموقف الثاني، فهو معارضة عمر لإنفاذ جيش أسامة بن زيد، وأما عن عزل خالد بن الوليد، فقد قال لعمر: كيف أغمد سيفًا من سيوف اللًه، ولًقد أثبتت الأحداث والوقائع صواب مواقف الصديق رضي الله تعالى عنه، وسداد رأيه، ولقد اعترف الفاروق عمر بن الخطاب بعد وفاة أبي بكر (رضوان الله تعالى عنه) بصواب رأيه.
ومن الصحابة الذين كانت لهم مواقف مجيدة في التاريخ الإسلامي الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الذي قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم أر عبقريًا يفري كفريه، وخلع عليه عندما أسلم وسام الشرف من الدرجة الأولى حين لقبه بـ»الفاروق». لأنه فرق به بين الحق والباطل
وقالت أم المؤمنون عائشة (رضي الله عنها) عن عمر بن الخطاب: إذا أردتم أن يحلو المجلس فأفيضوا في ذكر عمر، وقال ابن عباس: إذا ذكر العدل ذكر الفاروق!
وله رضي الله عنه يوم دعي لاستلام مفتاح بيت المقدس موقف جليل لا يرقى إليه حاكم أثناء دخوله القدس وهو يقود الناقة التي كان وغلامه يتناوبان ركوبها، وحاول الغلام أن يتنازل عن دوره في ركوب الناقة، ولكن رفض أمير المؤمنين أن يقبل ذلك، وأمسك بخطام الناقة يقودها والغلام على ظهرها، فعظمته القساوسة، وأعلوا من شأنه.
وأما ثالث هذه النماذج، إنه محقق الأمنيات لرسول الله (صلى الله عليه سلم)، انه الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان الذي سخر ماله وثراءه في خدمة الدعوة الوليدة، فكلما تمنى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمنية للدعوة ولأمة الدعوة سارع سيدنا عثمان بنفسه إلى تحقيقها.
احتاج المسلمون إلى الماء، وكانوا يستقون من بئر ليهودي، وكانوا يجدون في ذلك أشد المعاناة، فتمنى من يشتريها لهم، فسارع سيدنا عثمان إلى تحقيق هذه الأمنية، واحتاج رسول الله إلى المال لتجهيز إحدى الغزوات، فجاء سيدنا عثمان بمال كثير وما كان من رسول الله (صلى الله عليه سلم) إلا أن رفع كفيه، ودعا له ثلاثًا ثم قال: اللهم ارض عن عثمان فإني راض عنه (قالها ثلاثاً)، ثم قال: ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم.!!.
وها هو الفدائي الأول الإمام علي بن أبي طالب الذي قدم روحه رخيصة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حينما احتاج رسول الله إلى من ينام مكانه ليلة الهجرة ليوهم الكفار بأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يزال نائمًا في فراشه، فسارع الإمام علي من دون تباطؤ أو تردد، وكان يقول لمن يسأله عن تلك الليلة: إنها كانت أهنأ ليلة نام فيها مطمئنًا!
وهكذا سجل التاريخ في صفحاته هذه المواقف العظيمة لبعض رجالات الإسلام العظام الذين تشرف التاريخ بكتابة أسمائهم بحروف من نور يهتدي بها الباحثون عن الحق، وعن الصراط المستقيم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك