ان التركيز الاعلامي والسياسي على تصديق رواية أو سردية مزاعم إسرائيل بانتصارها في إيران، يحقق أحد أهداف نتنياهو بالنجاة بعد أن غرق في وحل غزة. فالمطلوب بالنسبة له كان هو استعادة سمعة القدرة على الردع العسكري. ونتنياهو يعلن «انتصاره»، بينما يتم التعتيم بالمطلق على الحجم الحقيقي للخسائر الإسرائيلية.
فعشية قصف إيران، وفي إطار تكرار تجربة «محاربة قناة الجزيرة»، حظرت إسرائيل البث الحي «لرويترز» «والأسوشيتد برس» بدعوى أنهما تمنحان رخصة للجزيرة لإعادة نشر مقاطع من المواقع «المتضررة» بالقصف الإيراني!
واتهمت السلطات الإسرائيلية الوكالتين الاخباريتين العالميتين بانتهاك قانون صدر عام 2024 يحظر عمل قناة الجزيرة، كما أخطرت كل الإعلاميين الأجانب بضرورة الحصول على «الموافقة المسبقة للرقيب العسكري في زمن الحرب».
والواقع ان وسائل الإعلام الغربية تمارس الرقابة الذاتية أصلا تجاه كل ما يتعلق بإسرائيل وتخلّي بعضها بالكامل عن المهنية إلى حد الفضيحة، كما هو الحال في تغطية شبكة «بي بي سي» لحرب الإبادة في غزة.
لكن سلسلة الجرائم التي يرتكبها ما يسمى المجتمع الدولي ضد غزة وشعوب المنطقة لا تتوقف عند حد الإعلام والحكومات الغربية، باستثناءات قليلة كإيرلندا وإسبانيا مثلا، وإنما تطول المؤسسات الدولية بما فيها التابعة للأمم المتحدة.
ففيما يخص إيران، لا توجد في تقديري جريمة أكبر من تلك التي ارتكبها المدعو رافائيل جروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حين منح الغطاء السياسي لحرب تقوض ليس القانون الدولي الذي صار أشلاء في رمال غزة، وإنما يغتال مهمة الوكالة التي يرأسها وسبب وجودها أصلا.
فقد أصدر الرجل تقريرا، ثم حدد موعدا لتصويت مجلس محافظي الوكالة على قرار بموجبه، بحيث يوافق اليوم الأخير في مهلة الستين يوما التي كان الرئيس الأمريكي ترامب قد اخترعها للتوصل الى اتفاق مع إيران.
واجتمع المجلس المكون من 35 دولة للتصويت على ما اعتبره التقرير الملغوم «انتهاكا» من إيران «لالتزاماتها» التي قطعتها على نفسها مع الوكالة.
وقد وافقت على القرار 19 دولة وعارضته ثلاث، بينما امتنعت 11 دولة عن التصويت ولم تصوت اثنتان. وقد تبين أن أمريكا كانت قد اتصلت بثماني دول على الأقل، قبل التصويت بيومين، تطالبها إما بالامتناع عن التصويت أو عدم التصويت أصلا!
وما يدعو حقا الى الانتباه هو أن التقرير يعتبر إيران «لم تلتزم بتعهداتها» بسبب معلومات عن العثور عام 2019 على «مادة اليورانيوم في ثلاثة مواقع هي: لافيسان شيان، وماريفان وفيرامين»، فضلا عن معلومات عن أن «نشاطا نوويا» كان يجري في «تركوبازاد في الفترة من 2009 إلى 2018.
والملاحظ ان التقرير يعلن بنفسه أن بعض تلك المعلومات حصلت عليها الوكالة من «أطراف ثلاثة»، لا شك عندي في أنها من إسرائيل! بعبارة أخرى، فإن إدانة التقرير لإيران كان بخصوص أنشطة توقفت، باعتراف الوكالة، لا أنشطة حالية، فقفز جروسي منها لاستنتاج أن إيران لديها ما تخفيه عن الأعين!
أكثر من ذلك، يقول التقرير نصا إن «الوكالة لا تملك مؤشرات موثوقة تدل على وجود برنامج غير معلن.. لكن التصريحات المتكررة لمسؤولين إيرانيين سابقين رفيعي المستوي التي تفيد بأن إيران تملك القدرة على تصنيع سلاح نووي تثير القلق»، باختصار، تصريحات مسؤولين «سابقين» كافية «للقلق»، والقلق كاف لتوجيه الاتهام الذي يعطي تاليا مبررا وغطاء لشن حرب كادت تنتهي بكارثة للمنطقة والعالم لو حدث لا قدر الله تسرب اشعاعي نووي نتيجة الضربات الإسرائيلية والأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية.
وحين تقرأ نص التقرير وهندسة أمريكا لنتيجة التصويت في وكالة الطاقة الذرية قبل الحرب بأيام، فلا بد أن تدرك أن لا إسرائيل شنت الحرب وحدها ولا هي نجحت في «جر» أمريكا لاحقا.
ذلك ان الواقع والشواهد تؤكد ان أمريكا ضالعة منذ اللحظة الأولى في تلك الحرب وحتى في إعداد الغطاء الدولي، بينما كانت تجلس مع الإيرانيين على مائدة المفاوضات لتمارس الخداع!
{ باحثة في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك