كشفت تقارير استخباراتية صادرة عن وكالات ومنظمات دولية متعددة، أن المزاعم التي أطلقها الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، بشأن تدمير البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل في أعقاب مشاركة بلاده في الهجمات الجوية الإسرائيلية على منشآت نووية إيرانية في «نطنز»، و«فوردو»، و«أصفهان»، «أن الأضرار كانت واسعة النطاق، لكنها لم تصل إلى حد التدمير الشامل» كما يدعي ترامب. وأن «إيران»، بحسب ما يراه خبراء غربيون قادرة على التعافي، ومواصلة مساعيها لامتلاك سلاح نووي.
ومع اختفاء أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب – حذر «ماثيو داس»، من «مركز السياسة الدولية»، من أن «النصر الزائف» لترامب في الشرق الأوسط؛ لن يفضي، إلا إلى «جلب المزيد من ويلات الحرب» للمنطقة. وأن وقف إطلاق النار المؤقت الذي جرى التوصل إليه «قد يكون مجرد فترة فاصلة بين جولات الصراع».
ومع إشارة «سيمون تيسدال»، في صحيفة «الجارديان»، إلى سعي «نتنياهو»، إلى «حرب أبدية»، ضد إيران تشمل توريط الولايات المتحدة، وقيام العديد من الجمهوريين و«الصقور» المؤيدين لإسرائيل في واشنطن، لفرض تغيير النظام في طهران؛ فإن افتراضات المراقبين الغربيين بعودة إيران إلى طاولة المفاوضات في وضع استراتيجي أضعف بكثير؛ أضحت غير منطقية من خلال قرارها وقف تعاونها مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، واستئناف تطوير قدراتها النووية بأقصى درجات السرية، وهو السيناريو الذي من شأنه أن يفتح المجال لمزيد من الهجمات الإسرائيلية والأمريكية، والدفع نحو التصعيد بالمنطقة.
وفي أعقاب الهجمات الجوية الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية في 13 يونيو، أوضح «داس»، أن الضربات الأمريكية التي تلتها في 22 يونيو، كانت غير قانونية، وغير فعّالة، وافتقرت إلى الإجماع الدولي. وفي حين تفاخر «ترامب»، بأنه دمر المنشآت النووية الرئيسية، وأنه لا يمكن لأي جيش آخر على وجه الأرض أن يفعل ذلك، ففي الأيام التالية، شككت سلسلة من التقييمات الأولية في هذا الادعاء. وأقرت وكالة الاستخبارات الأمريكية بأن الهجمات عطّلت قدرات إيران النووية لبضعة أشهر فقط، وهو ما أكدته أيضًا استنتاجات المخابرات الإسرائيلية إلى جانب تصريح «رافائيل غروسي»، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأن الضربات ألحقَت ضررًا جسيمًا بالمنشآت، لكنها لم تُدمرها بالكامل، مشيرًا إلى أن طهران قد تتمكن من استئناف تخصيب اليورانيوم في غضون أشهر قليلة.
وكما أوضح «جيمس أكتون»، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإنه على الرغم مما لحق بالمنشآت الإيرانية من دمار؛ فإن طهران «ليست مضطرة لإعادة بناء منشآت التخصيب على نطاقها السابق» لحيازة سلاح نووي؛ بالنظر إلى أن قدرة «سلسلة واحدة»، من أجهزة الطرد المركزي «إنتاج ما يعادل قنبلة من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 90% من المواد المخصبة بنسبة 60%»، التي لم يتم تحديد مكانها، وذلك في فترة زمنية قصيرة.
وفي هذا السياق، دعا العديد من المعلقين الغربيين إلى العودة للمسار الدبلوماسي، محذرين من أن فقدان «إيران»، لأدنى ثقة في التزام الولايات المتحدة وإسرائيل بأي اتفاق مستقبلي، يدفعها الى المضي قدمًا في إعادة بناء برنامجها النووي، والسعي لامتلاك قدرة ردع نووية في أقرب وقت ممكن. وهي نتيجة أقر «ترامب»، مسبقًا بأنه «سيواصل توجيه ضربات إضافية»، بلا تردد لمنع تحققها.
من جانبه، أقر «بريت ماكغورك»، منسق مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط في «إدارة بايدن»، بأن «هذا ليس الوقت المناسب لواشنطن لاستعراض النصر»، مشددًا على أن تحويل ما سُمّي بـ«المكاسب العسكرية التكتيكية»، ضد إيران إلى «نجاح استراتيجي»، يتطلب التوصل إلى «اتفاق دبلوماسي» معها. وأوضح «ألفونيه»، أن طهران لم تُهزم كما تزعم واشنطن، رغم ما لحق بها من خسائر، مؤكدًا أنها حين تُواجه بما وصفه بـ«المعضلة الاستراتيجية الأساسية» بين الرضوخ للمطالب المتعلقة ببرنامجها النووي، أو مواصلة السعي لتحقيق التكافؤ الاستراتيجي مع إسرائيل، عبر امتلاك سلاح نووي؛ فإن كل المؤشرات ترجّح اختيارها الخيار الثاني، في ظل غياب بدائل حقيقية أمامها.
وفيما يتعلق بأي مفاوضات مستقبلية، فبينما رأى «ماكغورك»، أن الاتفاق المذكور يجب أن «يتبادل مستوى معينًا من تخفيف العقوبات والدعم الدولي لبرنامج نووي سلمي»؛ فإن هذه هي في الأساس نفس شروط «الاتفاق النووي لعام 2015» التي انسحب منها ترامب في 2018، وأضاف «داس»، أن المطالب الجديدة لإيران بخفض تخصيبها النووي إلى الصفر، هي بمثابة «مسمار جحا»؛ «دُق خصيصًا للحيلولة دون اتفاق جديد»، ومن ثم إبقاء الباب مفتوحًا لمزيد من الهجمات العسكرية.
في الوقت نفسه، أشارت «برونوين مادوكس»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، إلى أن مراقبين غربيين يعتقدون بأن إيران «ستعمد إلى كسب الوقت في المفاوضات»، بغرض «إعادة بناء أكبر قدر ممكن من قدراتها النووية بشكل سري». وعلى مستوى دولي أوسع، أثارت «إيرين دي دومباتشر»، من مجلس العلاقات الخارجية، مخاوف بشأن تأثير التجربة الإيرانية على الدول الأخرى التي قد تفكر في تطوير برامج نووية حتى لو كانت لأغراض مدنية، مشيرة إلى أن تلك الدول «قد تعيد النظر في المسار الدبلوماسي الذي سلكته إيران»، خشية التعرض لـ«رد عسكري انتقامي»، بغض النظر عن مخرجات التفاوض، كما حدث مع إيران.
وفي ندوة نظمها مؤخرا «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، تحدث السفير البريطاني السابق لدى إيران، «نيكولاس هوبتون»، قائلاً: إن «الوقت سيمضي قبل أن تتمكن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، من إصدار تعليق رسمي حول مدى تدهور البرنامج النووي الإيراني». ومع انتقاد «طهران»، للوكالة لعدم إدانتها بشكل كافٍ للهجمات الإسرائيلية والأمريكية، وادعائها أن إسرائيل حصلت على معلومات عن أجهزة الطرد المركزي من خلال كاميرات مراقبة تابعة للوكالة؛ فإن انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي ووقف تعاونها مع الوكالة، سيؤدي إلى زيادة تعتيم المشهد بشأن تطورات برنامجها النووي. وحذّرت «نيكول جرايفسكي»، من «مؤسسة كارنيجي»، من أن هذا المسار «سيفتح الباب أمام ضربات استباقية إسرائيلية جديدة»، ما يعني «استمرار دورة التصعيد» في منطقة الشرق الأوسط.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد افترضت «مادوكس»، أن «ترامب»، يسعى «لتفادي المزيد من الاشتباك العسكري»، ومن المرجح أن «يدعم المفاوضات، إذا أظهرت إيران استعدادها». لكن «داس»، ندد بموقف الرئيس الأمريكي مؤكدًا أنه «طالما يعتقد أن بوسعه حل مشكلاته بالضغط على زر القنبلة، فإنه لن يتردد في ذلك متى ما شعر بالإحباط من مسار المحادثات»، مما يمهد الطريق أمام «مستقبل مليء بالحروب المستمرة».
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي التي أجرتها جامعة «كوينيبياك»، أظهرت أن أغلب الأمريكيين يعارضون مشاركة الولايات المتحدة في الهجمات الإسرائيلية ضد إيران – إذ أعرب نحو 80% منهم عن قلقهم من انجرار بلادهم إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط– فإن «ترامب»، لا يزال يطلق تصريحات عدائية ضد إيران ومرشدها الأعلى، زاعمًا أن بلاده «تعرف موقعه السري بدقة»، مما يوحي بأنه قد يقرر استهدافه هو وبقية القادة الإيرانيين في أي لحظة.
وفيما يتعلق بإسرائيل، فقد وثقت منظمة «مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة»، ما يقرب من 35,000 هجوم إسرائيلي بين أكتوبر 2023 ويونيو 2025، استهدفت الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولبنان، وسوريا، وإيران، واليمن، في عمليات وصلت مداها إلى أكثر من 2000 كيلومتر. وعلق «تيسدال»، قائلاً: إنه «من الخطأ الاعتقاد بأن نتنياهو وحكومته المتطرفة قد انتهوا من القتال»، بينما أشار «داس»، إلى أنه من خلال إقناع ترامب بالمشاركة في الهجوم على إيران، كان «يأمل في جرّ واشنطن إلى صراع طويل الأمد، يهدف إلى الإطاحة بالنظام الإيراني». وبالتالي، فإنه «لن يرضى بضربة واحدة يعقبها وقف لإطلاق النار».
وأضاف «تيسدال»، أن إسرائيل – إلى جانب سعيها المعلن لتدمير البرنامج النووي الإيراني بالقوة – تهدف إلى إبقاء إيران «ضعيفة ومنقسمة وفي حالة تدهور دائم»، بحيث «لا تمثل أي تهديد لمصالحها الاستراتيجية، ويمكن معاقبتها متى شاءت». وطالما ظلت «طهران»، متمسكًة بالتحدي في مواجهة الهجمات الأمريكية والإسرائيلية، وعازمة على مواصلة برنامجها النووي العسكري؛ فإن احتمالات شن نتنياهو هجمات جديدة بدعم أمريكي ستظل «قائمة».
ورغم الأضرار الحالية والتهديدات المتواصلة من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، أقرت «مادوكس»، بأن إيران لديها اليوم «دافع إضافي لإحياء برنامجها النووي»، باعتباره السبيل الوحيد لفرض الردع ضد أي هجوم خارجي. وعلى عكس ما تدعيه «إدارة ترامب»، يبدو أنها «لا تزال تملك الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك». وأنها «ستتبنى على الأرجح استراتيجية ترسيخ»، ستسعى من خلالها إلى «تعزيز جهاز مكافحة التجسس، وإعادة بناء قاعدتها الصناعية الدفاعية»، بالإضافة إلى «محاولة تحقيق تكافؤ استراتيجي مع إسرائيل»، عبر تطوير سلاح نووي.
في المقابل، دعا «دومباتشر» إلى أن «تبقى الدبلوماسية هي الطريق الوحيد القابل للتطبيق»، فيما حث «داس»، «ترامب»، على «العودة إلى المسار الدبلوماسي»، الذي عطّله «نتنياهو». لكن في ظل غياب أي مؤشرات من «البيت الأبيض»، على وجود نية جدية لاستئناف التفاوض؛ فإن خطر العودة إلى التصعيد العسكري يزداد يومًا بعد يوم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك