العدد : ١٧٢٧٤ - الأربعاء ٠٩ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٧٤ - الأربعاء ٠٩ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ محرّم ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

قَدَر أخفّ من قدر

أرذل‭ ‬الرذائل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حسودا،‭ ‬بينما‭ ‬أجمل‭ ‬الخصال‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تحسد‭ ‬شخصا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬من‭ ‬جاه‭ ‬أو‭ ‬جمال‭ ‬أو‭ ‬مال‭ ‬أو‭ ‬خصال،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬زيدا‭ ‬أو‭ ‬عبيدا‭ ‬أفضل‭ ‬منك‭ ‬حالا‭ ‬لكونه‭ ‬صاحب‭ ‬منصب‭ ‬أو‭ ‬مال،‭ ‬أو‭ ‬مشهود‭ ‬له‭ ‬بالوسامة،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التدريس‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تجريدي‭ ‬من‭ ‬الحسد،‭ ‬فالمدرس‭ ‬يعتاد‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬تلاميذه‭ ‬يتفوقون‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬دخولهم‭ ‬الحياة‭ ‬العملية،‭ ‬مالا‭ ‬ومكانة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ومهنية،‭ ‬فيفرح‭ ‬ويعتز‭ ‬بهم‭ ‬ويقول‭ ‬للناس‭ ‬بكل‭ ‬فخر‭: ‬فلان‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬طلابي‭ ‬في‭ ‬أعوام‭ ‬كذا‭ ‬وكذا،‭ ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يعطيني‭ ‬رضا‭ ‬بنفسي‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬قانعا‭ ‬بما‭ ‬عندي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬اعتقد‭ ‬ان‭ ‬الله‭ ‬أعطاني‭ ‬اكثر‭ ‬مما‭ ‬كنت‭ ‬أتوقع‭: ‬سبحان‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يتوقع‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬لذلك‭ ‬النوبي‭ ‬البائس‭ ‬بيت‭ ‬خاص‭ ‬وسيارة‭ ‬خاصة‭ ‬وزوجة‭ ‬وعيال،‭ ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬أبدا‭ ‬ان‭ ‬فرحتي‭ ‬بنيل‭ ‬رخصة‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬كانت‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬فرحتي‭ ‬بنيل‭ ‬الشهادة‭ ‬الجامعية‭. ‬فقيادة‭ ‬سيارة‭ ‬خاصة‭ ‬كان‭ ‬حلما‭ ‬بعيد‭ ‬المنال‭ ‬لإنسان‭ ‬كان‭ ‬يدخر‭ ‬المال‭ ‬طوال‭ ‬عام‭ ‬كامل‭ ‬ليدفع‭ ‬أجرة‭ ‬ركوب‭ ‬شاحنة‭ ‬‮«‬لوري‮»‬‭ ‬لمدة‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‭ ‬يوم‭ ‬العيد،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬يجتاز‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬جزيرة‭ ‬اسمها‭ ‬بدين‭ ‬على‭ ‬مركب‭ ‬هرم‭ ‬الى‭ ‬البر‭ ‬الشرقي‭  ‬لركوب‭ ‬اللوري‭ ‬ويدفع‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬العيال‭ ‬قرشا‭ ‬إضافيا‭ ‬ليقوم‭ ‬السائق‭ ‬باستخدام‭ ‬البوق‭ ‬الذي‭ ‬نسميه‭ ‬البوري،‭ ‬بإيقاع‭ ‬أغنية‭ ‬شعبية‭ ‬معروفة‭! ‬وأظن‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬استخدم‭ ‬طوال‭ ‬دراستي‭ ‬الجامعية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬قمصان‭ ‬وثلاثة‭ ‬بنطلونات‭. ‬وكنت‭ ‬إذا‭ ‬اشتهيت‭ ‬آيسكريم‭ ‬وأنا‭ ‬طالب‭ ‬جامعي‭ ‬أضع‭ ‬خطة‭ ‬تقشف‭ ‬لشهرين‭ ‬وأقطع‭ ‬يجوز‭ ‬فيها‭ ‬قصر‭ ‬الصلاة‭ ‬سيرا‭ ‬على‭ ‬القدمين،‭ ‬حتى‭ ‬أبلغ‭ ‬محلا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الخرطوم‭ ‬كان‭ ‬اسمه‭ ‬سويت‭ ‬روزانا،‭ ‬وبعد‭ ‬لحس‭ ‬الآيسكريم‭ ‬وترك‭ ‬الكوب‭ ‬الذي‭ ‬يوضع‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬يلمع‮»‬،‭ ‬كنت‭ ‬أعود‭ ‬الى‭ ‬الجامعة‭ ‬سيرا‭ ‬قاطعا‭ ‬بضعة‭ ‬كيلومترات،‭ ‬وأكون‭ ‬وقتها‭ ‬قد‭ ‬فقدت‭ ‬معظم‭ ‬سوائل‭ ‬جسمي‭!! ‬سبحان‭ ‬الله‭: ‬كنا‭ ‬فين‭ ‬وبقينا‭ ‬فين‭. ‬من‭ ‬كان‭ ‬يصدق‭ ‬ان‭ ‬جافر‭ ‬أباس‭ (‬كما‭ ‬يناديني‭ ‬أهلي‭ ‬النوبيون‭ ‬لعجزهم‭ ‬عن‭ ‬نطق‭ ‬حرف‭ ‬العين‭) ‬سيقود‭ ‬سيارة‭ ‬بـ«جير‮»‬‭ ‬أوتوماتيك‭ ‬وبها‭ ‬شيء‭ ‬اسمه‭ ‬كروز‭ ‬كونترول‭ (‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬جدواه‭ ‬واستخداماته‭).‬

هناك‭ ‬أناس‭ ‬دائمو‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬ظروفهم،‭ ‬وإليهم‭ ‬أهدي‭ ‬الحكاية‭ ‬التالية‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬كليفورنيا‭ ‬إقزامنر‭ ‬عام‭ ‬2018‭: ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬يقوم‭ ‬بفحص‭ ‬محرك‭ ‬دراجته‭ ‬النارية‭ ‬أمام‭ ‬بيته‭ ‬عندما‭ ‬انطلقت‭ ‬الدراجة‭ ‬وهو‭ ‬ممسك‭ ‬بمقودها‭ ‬واندفعت‭ ‬محطمة‭ ‬لوح‭ ‬باب‭ ‬البيت‭ ‬الزجاجي،‭ ‬ثم‭ ‬انقلبت‭ ‬داخل‭ ‬غرفة‭ ‬الجلوس‭ ‬فسقط‭ ‬الرجل‭ ‬ملطخا‭ ‬بالدماء‭ ‬فجاءت‭ ‬سيارة‭ ‬إسعاف‭ ‬ونقلته‭ ‬الى‭ ‬المستشفى‭ ‬حيث‭ ‬أجريت‭ ‬له‭ ‬الإسعافات‭  ‬الضرورية‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬وبعدها‭ ‬قامت‭ ‬الزوجة‭ ‬بتنظيف‭ ‬غرفة‭ ‬الجلوس‭ ‬من‭ ‬البنزين‭ ‬المسكوب‭ ‬على‭ ‬أرضيتها،‭ ‬بالمناديل‭ ‬الورقية‭ ‬وألقت‭ ‬بالمناديل‭ ‬على‭ ‬عجل‭ ‬في‭ ‬مقعد‭ ‬المرحاض‭ ‬وهرعت‭ ‬لقضاء‭ ‬أمر‭ ‬ما،‭ ‬وبعد‭ ‬قليل‭ ‬نهض‭ ‬الزوج‭ ‬المصاب‭ ‬وألقى‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬الزجاج‭ ‬المهشم‭ ‬وغرفة‭ ‬الجلوس‭ ‬التي‭ ‬تكسرت‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬الكراسي،‭ ‬وأحس‭ ‬بالغم‭ ‬وتوجه‭ ‬الى‭ ‬دورة‭ ‬المياه‭ ‬وجلس‭ ‬على‭ ‬المقعد‭  ‬واشعل‭ ‬سيجارة‭ ‬وبخبخ‭ ‬منها‭ ‬عدة‭ ‬شفطات‭ ‬ثم‭ ‬القى‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬حوض‭ ‬المقعد،‭ ..‬ثم‭.. ‬سمعت‭ ‬زوجته‭ ‬دويا‭ ‬هائلا‭ ‬وكان‭ ‬زوجها‭ ‬يصرخ‭ ‬مستغيثا،‭ ‬وخرج‭ ‬من‭ ‬الحمام‭ ‬والنار‭ ‬مشتعلة‭ ‬في‭ ‬بنطلونه‭ ‬فأطفأت‭ ‬النار‭ ‬ثم‭ ‬استدعت‭ ‬الإسعاف،‭ ‬وكان‭ ‬سبب‭ ‬الانفجار‭ ‬أن‭ ‬الزوجة‭ ‬استخدمت‭ ‬سوائل‭ ‬شديدة‭ ‬الاشتعال‭ ‬لتنظيف‭ ‬أرضية‭ ‬البيت‭ ‬من‭ ‬الدماء‭ ‬والأوساخ‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الحادث‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬زوجها‭ ‬وألقت‭ ‬بالأوراق‭ ‬التي‭ ‬استخدمتها‭ ‬في‭ ‬المسح‭ ‬والتنظيف‭ ‬في‭ ‬حوض‭ ‬دورة‭ ‬المياه‭. ‬المهم‭ ‬جاء‭ ‬نفس‭ ‬الفريق‭ ‬الإسعافي‭ ‬الذي‭ ‬نقله‭ ‬الى‭ ‬المستشفى‭ ‬في‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬وأثناء‭ ‬حمله‭ ‬على‭ ‬النقالة‭ ‬سأل‭ ‬أحد‭ ‬رجال‭ ‬الإسعاف‭ ‬الزوجة‭: ‬ما‭ ‬سبب‭ ‬الحادث‭ ‬هذه‭ ‬المرة؟‭ ‬فأبلغته‭ ‬بحقيقة‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فانفجر‭ ‬الرجل‭ ‬ضاحكا‭ ‬فأفلتت‭ ‬النقالة‭ ‬من‭ ‬يده‭ ‬وسقط‭ ‬الرجل‭ ‬المصاب‭ ‬وكسرت‭ ‬يده‭!‬

وهكذا‭ ‬تعرف‭ ‬معنى‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬قدَر‭ ‬أخف‭ ‬من‭ ‬قدر‮»‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا