العدد : ١٧٢٧١ - الأحد ٠٦ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٧١ - الأحد ٠٦ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ محرّم ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

التجهيل باسم الإعلام

جذر‭ ‬كلمة‭ ‬الإعلام‭ ‬هي‭ ‬‮«‬عِلم‮»‬،‭ ‬والعلم‭ ‬نور،‭ ‬ومن‭ ‬معاني‭ ‬الإعلام‭ ‬الإبلاغ،‭ ‬وإحدى‭ ‬غايات‭ ‬الإبلاغ‭ ‬هي‭ ‬التنوير،‭ ‬ولهذا‭ ‬يقول‭ ‬المصري‭ ‬لمن‭ ‬يأتي‭ ‬بالقول‭ ‬السليم‭ ‬‮«‬عليك‭ ‬نور‮»‬‭. ‬ولا‭ ‬أزعم‭ ‬أنني‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام،‭ ‬كنت‭ ‬رسول‭ ‬تنوير‭ ‬واستنارة،‭ ‬ولكنني‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬لم‭ ‬أمارس‭ ‬التضليل‭ ‬والتجهيل،‭ ‬وحرصت‭ ‬على‭ ‬تفادي‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬مثل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والرياضة‭.‬

والإعلام‭ ‬مجال‭ ‬جذاب،‭ ‬ولهذا‭ ‬فقد‭ ‬يجتذب‭ ‬بعض‭ ‬الذباب،‭ ‬ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬قنوات‭ ‬التلفزة‭ ‬العربية‭ ‬تحولت‭ ‬الى‭ ‬مقالب‭ ‬قمامة‭ ‬ينهل‭ ‬منها‭ ‬اشخاص‭ ‬تافهون‭ ‬وسطحيون‭ ‬وبلهاء‭ ‬وأغبياء،‭ ‬ثم‭ ‬يوزعون‭ ‬علينا‭ ‬فتافيت‭ ‬النفايات،‭ ‬ويزعمون‭ ‬انهم‭ ‬يرفهون‭ ‬عنا،‭ ‬ومن‭ ‬المحزن‭ ‬ان‭ ‬اولئك‭ ‬حولوا‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الى‭ ‬موسم‭ ‬يتقيأون‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬وجوهنا،‭ ‬بينما‭ ‬بعضنا‭ ‬يجلس‭ ‬امامهم‭ ‬بكل‭ ‬بلاهة،‭ ‬ويطلب‭ ‬المزيد‭. ‬وبودي‭ ‬لو‭ ‬أعرف‭ ‬لماذا‭ ‬يربطون‭ ‬بين‭ ‬شهر‭ ‬الصوم‭ ‬والمسابقات‭ ‬السخيفة‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬أسئلتها‭ ‬بعدد‭ ‬فقرات‭ ‬عنق‭ ‬الزرافة،‭ ‬وكم‭ ‬يوما‭ ‬تستمر‭ ‬الدورة‭ ‬الشهرية‭ ‬لدى‭ ‬إناث‭ ‬الخفافيش؟‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬الماضي‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬رجل‭ ‬وامرأة‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬أعبط‭ ‬من‭ ‬الآخر،‭ ‬يتجولان‭ ‬بكاميرا،‭ ‬ويستوقفون‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬ويطرحون‭ ‬عليهم‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الاسئلة،‭ ‬وحاصروا‭ ‬رجلا‭ ‬وسألوه‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬كان‭ ‬يفصل‭ ‬ألمانيا‭ ‬الشرقية‭ ‬والغربية‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تتحدا‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬فرد‭ ‬الرجل‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬سوى‭ ‬الحدود‭ ‬العادية‭ ‬الموجودة‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬المتجاورة،‭ ‬ولكن‭ ‬العبيط‭ ‬والبَلهاء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬معه‭ ‬ظلا‭ ‬يلحان‭ ‬على‭ ‬الرجل‭ ‬كي‭ ‬يقول‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬المانيا‭ ‬الشرقية‭ ‬والغربية‭ ‬كان‭ ‬جدارا‭ ‬ضخما،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرفه‭ ‬مقدما‭ ‬ذلك‭ ‬البرنامج‭ ‬الركيك‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬السور‭ ‬او‭ ‬الجدار‭ ‬الذي‭ ‬كانا‭ ‬يحسبان‭ ‬انه‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬الألمانيتين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجودا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مخيلتهما،‭ ‬لأن‭ ‬السور‭ ‬الذي‭ ‬كانا‭ ‬يتحدثان‭ ‬عنه‭ ‬كان‭ ‬يقسم‭ ‬فقط‭ ‬مدينة‭ ‬برلين‭ ‬الى‭ ‬قسمين،‭ ‬وليس‭ ‬مثل‭ ‬جدار‭ ‬شارون‭ ‬الذي‭ ‬حوّل‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الاراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الى‭ ‬سجن‭ ‬كبير‭ ‬يحيط‭ ‬به‭ ‬الحراس‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭!‬

في‭ ‬إذاعة‭ ‬ام‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬على‭ ‬موجة‭ ‬الأف‭ ‬أم‭ ‬طرح‭ ‬المذيع‭ ‬خلال‭ ‬دورة‭ ‬برامجية‭ ‬سابقة‭ ‬سؤالا‭ ‬على‭ ‬مستمع‭: ‬في‭ ‬اي‭ ‬مدينة‭ ‬يقام‭ ‬مهرجان‭ ‬أبها‭ ‬السياحي؟‭ ‬فأجاب‭ ‬المستمع‭ ‬العبقري‭ ‬‮«‬في‭ ‬الرياض‮»‬،‭ ‬وسأل‭ ‬المذيع‭ ‬مستمعة‭ ‬عن‭ ‬المدينة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬دمرها‭ ‬المغول‭ ‬فقالت‭: ‬موسكو‭. ‬وفي‭ ‬مسابقة‭ ‬رمضانية‭ ‬سأل‭ ‬مذيع‭ ‬تلفزيوني‭ ‬أهبل‭ ‬أحد‭ ‬الحاضرين‭ ‬في‭ ‬الستوديو‭: ‬في‭ ‬اي‭ ‬مدينة‭ ‬اوروبية‭ ‬توجد‭ ‬إذاعة‭ ‬هنا‭ ‬لندن‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي؟‭ ‬فأجب‭ ‬أبو‭ ‬جهل‭: ‬مونت‭ ‬كارلو،‭ ‬وظل‭ ‬المذيع‭ ‬يجتهد‭ ‬لمساعدة‭ ‬ذلك‭ ‬الغبي‭ ‬ويردد‭: ‬يا‭ ‬عزيزي‭ ‬هنا‭ ‬لندن‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مدينة؟‭ ‬هنا‭ ‬لندن؟‭ ‬والحمار‭ ‬يقول‭ ‬تارة‭ ‬القاهرة‭ ‬وتارة‭ ‬بومبي‭!! ‬ولكن‭ ‬المذيع‭ ‬كان‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬يعطي‭ ‬المشارك‭ ‬جائزة‭ ‬بأي‭ ‬وسيلة‭ ‬فسأله‭: ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عاصمة‭ ‬بريطانيا‭ ‬فأجاب‭: ‬لندن‭! ‬هنا‭ ‬صاح‭ ‬المذيع‭: ‬صاااااااااااح‭.. ‬لك‭ ‬جائزة‭ ‬واعطاه‭ ‬أدوات‭ ‬كهربائية‭ ‬تبلغ‭ ‬قيمتها‭ ‬500‭ ‬دولار‭!!‬

أذكر‭ ‬أن‭ ‬تجتوج‭ ‬الدبدوب‭ (‬السوداني‭) ‬كان‭ ‬يقدم‭ ‬فقرات‭ ‬ترفيهية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أبها‭ ‬السعودية‭ ‬البهية‭ ‬خلال‭ ‬الصيف،‭ ‬وكان‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬الصغار‭ ‬أداء‭ ‬بعض‭ ‬الحركات‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬السباقات،‭ ‬وجاء‭ ‬دور‭ ‬تسجيل‭ ‬أهداف‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬كرة‭ ‬سلة،‭ ‬واشترك‭ ‬ولدي‭ ‬الصغير‭ ‬فيها‭ ‬ولم‭ ‬يسجل‭ ‬هدفا،‭ ‬ولكن،‭ ‬ولأن‭ ‬الجنس‭ ‬على‭ ‬الجنس‭ ‬رحمة،‭ ‬فقد‭ ‬زور‭ ‬تجتوج‭ ‬النتيجة‭ ‬وقدم‭ ‬لولدي‭ ‬الجائزة‭ ‬الاولى‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬بكل‭ ‬جرأة‭: ‬يا‭ ‬سلام‭ ‬عليك‭ ‬يا‭ ‬اسمريكا‭ ‬يا‭ ‬بتاع‭ ‬الفول‭ ‬والويكة‭!! ‬فكما‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬الرمضانية‭ ‬كانت‭ ‬لدى‭ ‬تجتوج‭ ‬جوائز‭ ‬بالهبل،‭ ‬وكان‭ ‬يدرك‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬تبرعوا‭ ‬بها‭ ‬يريدون‭ ‬لها‭ ‬الرواج‭ ‬فلم‭ ‬ير‭ ‬بأسا‭ ‬في‭ ‬منحها‭ ‬لولدي‭ ‬الفاشل‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬السلة‭!‬

أعود‭ ‬الى‭ ‬موضوع‭ ‬الاعلام‭ ‬فأقول‭ ‬مجددا‭ ‬انني‭ ‬أخجل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تجمعني‭ ‬مهنة‭ ‬بأولئك‭ ‬الجهلة‭ ‬الذين‭ ‬يلوثون‭ ‬عقولنا‭ ‬الملوثة‭ ‬أصلا‭ ‬بترهاتهم‭ ‬وبرامجهم‭ ‬الفجة،‭ ‬ثم‭ ‬تصدر‭ ‬مجلات‭ ‬أكتب‭ ‬فيها‭ ‬بانتظام،‭ ‬وتضع‭ ‬صور‭ ‬مذيعات‭ ‬زاملتهن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القناة‭ ‬او‭ ‬تلك‭ ‬على‭ ‬أغلفتها‭ ‬وتتجاهلني،‭ ‬ولم‭ ‬تحاورني‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المجلات‭ ‬ولا‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬لتعرف‭ ‬عن‭ ‬الحلاق‭ ‬الذي‭ ‬أقُص‭ ‬شعري‭ ‬عنده،‭ ‬وأكلاتي‭ ‬المفضلة،‭ ‬ولوني‭ ‬المفضل،‭ ‬وما‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬مهمة‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬ستتحقق‭ ‬في‭ ‬المشمش‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا