زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
التجهيل باسم الإعلام
جذر كلمة الإعلام هي «عِلم»، والعلم نور، ومن معاني الإعلام الإبلاغ، وإحدى غايات الإبلاغ هي التنوير، ولهذا يقول المصري لمن يأتي بالقول السليم «عليك نور». ولا أزعم أنني خلال سنوات عملي في مجال الإعلام، كنت رسول تنوير واستنارة، ولكنني على الأقل، لم أمارس التضليل والتجهيل، وحرصت على تفادي الخوض في أمور لا أفهم فيها الكثير مثل الاقتصاد والرياضة.
والإعلام مجال جذاب، ولهذا فقد يجتذب بعض الذباب، ومن المؤسف أن معظم قنوات التلفزة العربية تحولت الى مقالب قمامة ينهل منها اشخاص تافهون وسطحيون وبلهاء وأغبياء، ثم يوزعون علينا فتافيت النفايات، ويزعمون انهم يرفهون عنا، ومن المحزن ان اولئك حولوا شهر رمضان الى موسم يتقيأون فيه على وجوهنا، بينما بعضنا يجلس امامهم بكل بلاهة، ويطلب المزيد. وبودي لو أعرف لماذا يربطون بين شهر الصوم والمسابقات السخيفة التي تتعلق أسئلتها بعدد فقرات عنق الزرافة، وكم يوما تستمر الدورة الشهرية لدى إناث الخفافيش؟ في رمضان الماضي كان هناك رجل وامرأة كل منهما أعبط من الآخر، يتجولان بكاميرا، ويستوقفون الناس في الشارع ويطرحون عليهم ذلك النوع من الاسئلة، وحاصروا رجلا وسألوه عن شيء كان يفصل ألمانيا الشرقية والغربية قبل ان تتحدا في مطلع تسعينيات القرن الماضي، فرد الرجل بأنه لم يكن يفصل بين البلدين سوى الحدود العادية الموجودة بين جميع الدول المتجاورة، ولكن العبيط والبَلهاء التي كانت معه ظلا يلحان على الرجل كي يقول ان ما كان يفصل بين المانيا الشرقية والغربية كان جدارا ضخما، وما لم يكن يعرفه مقدما ذلك البرنامج الركيك هو ان السور او الجدار الذي كانا يحسبان انه يفصل بين الألمانيتين لم يكن موجودا إلا في مخيلتهما، لأن السور الذي كانا يتحدثان عنه كان يقسم فقط مدينة برلين الى قسمين، وليس مثل جدار شارون الذي حوّل ما تبقى من الاراضي الفلسطينية الى سجن كبير يحيط به الحراس اليهود من كل جانب!
في إذاعة ام بي سي على موجة الأف أم طرح المذيع خلال دورة برامجية سابقة سؤالا على مستمع: في اي مدينة يقام مهرجان أبها السياحي؟ فأجاب المستمع العبقري «في الرياض»، وسأل المذيع مستمعة عن المدينة العربية التي دمرها المغول فقالت: موسكو. وفي مسابقة رمضانية سأل مذيع تلفزيوني أهبل أحد الحاضرين في الستوديو: في اي مدينة اوروبية توجد إذاعة هنا لندن بي بي سي؟ فأجب أبو جهل: مونت كارلو، وظل المذيع يجتهد لمساعدة ذلك الغبي ويردد: يا عزيزي هنا لندن في أي مدينة؟ هنا لندن؟ والحمار يقول تارة القاهرة وتارة بومبي!! ولكن المذيع كان حريصا على ان يعطي المشارك جائزة بأي وسيلة فسأله: ما هي عاصمة بريطانيا فأجاب: لندن! هنا صاح المذيع: صاااااااااااح.. لك جائزة واعطاه أدوات كهربائية تبلغ قيمتها 500 دولار!!
أذكر أن تجتوج الدبدوب (السوداني) كان يقدم فقرات ترفيهية في مدينة أبها السعودية البهية خلال الصيف، وكان يطلب من الصغار أداء بعض الحركات والمشاركة في بعض السباقات، وجاء دور تسجيل أهداف في حلقة كرة سلة، واشترك ولدي الصغير فيها ولم يسجل هدفا، ولكن، ولأن الجنس على الجنس رحمة، فقد زور تجتوج النتيجة وقدم لولدي الجائزة الاولى وهو يقول له بكل جرأة: يا سلام عليك يا اسمريكا يا بتاع الفول والويكة!! فكما في البرامج الرمضانية كانت لدى تجتوج جوائز بالهبل، وكان يدرك ان من تبرعوا بها يريدون لها الرواج فلم ير بأسا في منحها لولدي الفاشل في كرة السلة!
أعود الى موضوع الاعلام فأقول مجددا انني أخجل من أن تجمعني مهنة بأولئك الجهلة الذين يلوثون عقولنا الملوثة أصلا بترهاتهم وبرامجهم الفجة، ثم تصدر مجلات أكتب فيها بانتظام، وتضع صور مذيعات زاملتهن في هذه القناة او تلك على أغلفتها وتتجاهلني، ولم تحاورني أي من تلك المجلات ولا مرة واحدة لتعرف عن الحلاق الذي أقُص شعري عنده، وأكلاتي المفضلة، ولوني المفضل، وما الى ذلك من معلومات مهمة تسهم في تعزيز الوحدة العربية التي ستتحقق في المشمش!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك