العدد : ١٧٢٦٩ - الجمعة ٠٤ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦٩ - الجمعة ٠٤ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

اتجاهات إعادة تشكيل الشرق الأوسط في ضوء الحرب بين إسرائيل وإيران

بقلم: د. علي الدين هلال

الجمعة ٠٤ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

إذا‭ ‬كان‭ ‬مستقبل‭ ‬أي‭ ‬منطقة‭ ‬عادةً‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬وغيرها،‭ ‬فإن‭ ‬مستقبل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬اليوم‭ ‬يرتبط‭ ‬بعامل‭ ‬رئيسي،‭ ‬وهو‭ ‬الآثار‭ ‬والتداعيات‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬يونيو‭ ‬2025،‭ ‬ووضعت‭ ‬أوزارها‭ ‬مع‭ ‬إعلان‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬يونيو‭ ‬الماضي‭. ‬فالطريقة‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب،‭ ‬سوف‭ ‬تطرح‭ ‬تأثيراتها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتوازن‭ ‬القوى‭ ‬بين‭ ‬دولها،‭ ‬ومستقبل‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدولية‭.‬

فقد‭ ‬تم‭ ‬إعلان‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬بعد‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬ضد‭ ‬مواقع‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني؛‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬انتهت‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية‭ ‬أمريكية‭ ‬تُعد‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬عقود‭. ‬وأعقب‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران،‭ ‬فقامت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتوسيع‭ ‬مجال‭ ‬أهدافها،‭ ‬ليشمل‭ ‬المطارات،‭ ‬ومراكز‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري،‭ ‬والباسيج،‭ ‬والسجون،‭ ‬والمطارات،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتعليمية؛‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬سيطرة‭ ‬شبه‭ ‬كاملة‭ ‬واستباحة‭ ‬للمجال‭ ‬الجوي‭ ‬الإيراني‭. ‬بينما‭ ‬قامت‭ ‬إيران،‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬اليوم،‭ ‬بهجوم‭ ‬بالصواريخ‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬استهدف‭ ‬مدن‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬وحيفا‭ ‬وبئر‭ ‬السبع،‭ ‬وآخر‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬العديد‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬قطر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أبلغت‭ ‬السلطات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بموعد‭ ‬الهجوم‭ ‬وهدفه؛‭ ‬ما‭ ‬قلل‭ ‬للغاية‭ ‬من‭ ‬آثاره‭ ‬واستدعى‭ ‬شكر‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬لها‭.‬

وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدقة‭ ‬حجم‭ ‬الأضرار‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الهجوم‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬المنشآت‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬ومدى‭ ‬استقرار‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الذي‭ ‬وافقت‭ ‬عليه‭ ‬حكومتا‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬أو‭ ‬نص‭ ‬الاتفاق،‭ ‬وعن‭ ‬شكل‭ ‬وطبيعة‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬سياسية،‭ ‬والمفاوضات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المُتوقع‭ ‬حدوثها،‭ ‬ونتائجها‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يثور‭ ‬السؤال‭ ‬عما‭ ‬هو‭ ‬مستقبل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؟‭ ‬وكيف‭ ‬يؤثر‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬وتوزيع‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬فيه؟

مواقف‭ ‬الأطراف

على‭ ‬المستوى‭ ‬الجيوبولوتيكي،‭ ‬تبدو‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬إجابة‭ ‬لهذا‭ ‬السؤال،‭ ‬فقد‭ ‬تسعى‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬تصدر‭ ‬المشهد‭ ‬الإقليمي‭ ‬واستكمال‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيله‭ ‬وفقاً‭ ‬لرؤيتها‭ ‬ومصالحها،‭ ‬وقد‭ ‬ينشأ‭ ‬توازن‭ ‬للقوى‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭ ‬تحت‭ ‬إدارة‭ ‬أمريكية‭ ‬وربما‭ ‬بتنسيق‭ ‬مع‭ ‬تركيا،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وتركيا‭ ‬لبناء‭ ‬توافق‭ ‬إقليمي‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭. ‬وسوف‭ ‬يُسهم‭ ‬سلوك‭ ‬دول‭ ‬الإقليم‭ ‬في‭ ‬ترجيح‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الصور‭.‬

فقد‭ ‬انتهت‭ ‬الحرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اتضح‭ ‬بجلاء‭ ‬الاختلال‭ ‬النوعي‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬المدعومة‭ ‬أمريكياً،‭ ‬وإيران‭ ‬التي‭ ‬حاربت‭ ‬منفردة‭. ‬ويمكن‭ ‬توضيح‭ ‬مواقف‭ ‬الأطراف‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬التالي‭:‬

1-‭ ‬إسرائيل‭: ‬سوف‭ ‬تسعى‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬إلى‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬وتحقيق‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬أهدافها‭ ‬التي‭ ‬تتضمن‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬والصاروخي‭ ‬لإيران،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬الظروف‭ ‬لتغيير‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬هدف‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الذي‭ ‬تحدث‭ ‬عنه‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عامين،‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مصدر‭ ‬للتهديد‭ ‬العسكري‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬والأذى‭ ‬بها،‭ ‬وفقاً‭ ‬لرؤيته،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭. ‬يُضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬هدف‭ ‬الإسراع‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬خطط‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬أراضيهم،‭ ‬والضغط‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬لقبولهم‭ ‬تمهيداً‭ ‬لتصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وكذلك‭ ‬هدف‭ ‬تشجيع‭ ‬الأقليات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ضد‭ ‬حكوماتها‭ ‬ودعمها‭ ‬لإضعاف‭ ‬التماسك‭ ‬الوطني‭ ‬فيها‭.‬

ومن‭ ‬المُتوقع‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬التوتر‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وسوف‭ ‬تظل‭ ‬إسرائيل‭ ‬متابعة‭ ‬ومراقبة‭ ‬لجهود‭ ‬إيران‭ ‬لإحياء‭ ‬مشروعها‭ ‬النووي‭ ‬والصاروخي،‭ ‬والتزامها‭ ‬ببنود‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬تتوصل‭ ‬إليه‭ ‬طهران‭ ‬مع‭ ‬واشنطن،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬نشاط‭ ‬لها‭ ‬لإحياء‭ ‬دور‭ ‬أذرعها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وقد‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ازدياد‭ ‬شكوك‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬توجهات‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتطلعاتها‭ ‬إلى‭ ‬مد‭ ‬نفوذها‭ ‬وسيطرتها؛‭ ‬وبما‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬متقاربة‭ ‬التوجهات‭ ‬والمشاغل؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تصبح‭ ‬عنصراً‭ ‬فاعلاً‭ ‬في‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭.‬

2-‭ ‬إيران‭: ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬طهران‭ ‬رفضت‭ ‬‮«‬الاستسلام‭ ‬غير‭ ‬المشروط‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اقترحه‭ ‬ترامب،‭ ‬وأثبتت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬المدن‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬أيام‭ ‬القتال؛‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬الوارد‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬عسكرية‭ ‬مفتوحة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فقررت‭ ‬قيادتها‭ ‬أن‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬لبلادها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭.‬

وتبقى‭ ‬إيران‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬قوة‭ ‬إقليمية‭ ‬جريحة‭ ‬وضعيفة‭ ‬نسبيًا،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬تآكل‭ ‬أذرعها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬والأرجح‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬سوف‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬ترميم‭ ‬نظامها‭ ‬الدفاعي‭ ‬لتعويض‭ ‬خسائرها،‭ ‬وإعادة‭ ‬بناء‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬وربما‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الاقتناع‭ ‬بأن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬القنبلة‭ ‬النووية‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬ضمانة‭ ‬لحماية‭ ‬أمنها‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭. ‬وإلى‭ ‬حين‭ ‬حدوث‭ ‬ذلك،‭ ‬سوف‭ ‬تتبع‭ ‬تكتيكات‭ ‬غير‭ ‬متناظرة‭ ‬لإدارة‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬

وتتوقع‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬تُسفر‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬إنهاء‭ ‬بعض‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬أرصدتها‭ ‬المالية‭ ‬المُجمدة؛‭ ‬مما‭ ‬يتيح‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الإيراني‭ ‬فرصة‭ ‬للانتعاش،‭ ‬وزيادة‭ ‬صادراته‭ ‬من‭ ‬النفط‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬فإنه‭ ‬إذا‭ ‬قبلت‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيرانية‭ ‬المطلب‭ ‬الأمريكي‭ ‬بعدم‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬واستخدمت‭ ‬المعارضة‭ ‬المعلومات‭ ‬المتاحة‭ ‬عن‭ ‬إبلاغ‭ ‬طهران‭ ‬السلطات‭ ‬الأمريكية‭ ‬عن‭ ‬موعد‭ ‬وهدف‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬العديد؛‭ ‬فإن‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬قد‭ ‬ينفض‭ ‬عنها‭ ‬وينقلب‭ ‬عليها،‭ ‬ويختار‭ ‬حكومة‭ ‬من‭ ‬التيار‭ ‬المتشدد‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬القادمة‭.‬

3-‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭: ‬أثبتت‭ ‬واشنطن‭ ‬أنها‭ ‬القوة‭ ‬الدولية‭ ‬الوحيدة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬حسم‭ ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وشريك‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬توجيهها‭ ‬بما‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬سياساتها‭ ‬ويخدم‭ ‬مصالحها،‭ ‬وذلك‭ ‬مقارنةً‭ ‬بالدور‭ ‬المحدود‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭. ‬ومن‭ ‬المُرجح‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬سوف‭ ‬تسعى‭ ‬لفرض‭ ‬وجهة‭ ‬نظرها‭ ‬على‭ ‬طهران‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬محل‭ ‬الخلاف‭ ‬مثل‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم،‭ ‬ودور‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬الذرية‭ ‬في‭ ‬الرقابة‭ ‬والتفتيش؛‭ ‬وذلك‭ ‬مقابل‭ ‬حوافز‭ ‬مالية‭ ‬واقتصادية‭.‬

4-‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭: ‬أدانت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الهجوم‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬قطر،‭ ‬واعتبرته‭ ‬مساسًا‭ ‬بسيادتها،‭ ‬وربما‭ ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬إحياء‭ ‬الشعور‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬بخطر‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإيرانية‭ ‬واحتمال‭ ‬استخدامها‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬كعنصر‭ ‬مساند‭ ‬لتدخلها‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬العربية‭. ‬وسبق‭ ‬ذلك‭ ‬إدانة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬للهجوم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬واعتباره‭ ‬عدواناً‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬دعواتها‭ ‬المُتكررة‭ ‬إلى‭ ‬التهدئة‭ ‬ووقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬والمطالبة‭ ‬بعدم‭ ‬تصعيد‭ ‬الصراع،‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬مائدة‭ ‬المفاوضات‭. ‬وبالفعل‭ ‬رحبت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران،‭ ‬لإنهاء‭ ‬أعمال‭ ‬التدمير‭ ‬ومنع‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ومنها‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬توظيف‭ ‬أنصار‭ ‬تنظيمات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬التي‭ ‬تؤمن‭ ‬باستخدام‭ ‬العنف،‭ ‬للأوضاع‭ ‬الإقليمية‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬أفكار‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب،‭ ‬وتهديد‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

مستقبل‭ ‬المنطقة

ترسم‭ ‬هذه‭ ‬الملامح‭ ‬صورة‭ ‬قلقة،‭ ‬وغير‭ ‬مريحة‭ ‬لمستقبل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬الأجل‭ ‬القصير،‭ ‬فالطرفان‭ ‬المتحاربان‭ ‬احتفل‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬بالنصر‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬العامة،‭ ‬ومازالت‭ ‬التصريحات‭ ‬المتشددة‭ ‬تتردد‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬قادة‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭. ‬وعمقت‭ ‬الحرب‭ ‬مشاعر‭ ‬الشك‭ ‬وعدم‭ ‬الثقة،‭ ‬وأوجدت‭ ‬مصادر‭ ‬لعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي،‭ ‬وسوف‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬شعور‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالزهو‭ ‬بتحقيق‭ ‬الانتصار‭ ‬وسعيها‭ ‬لفرض‭ ‬ما‭ ‬تعتقده‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬ودول‭ ‬المنطقة‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬العنصر‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬وقدرة‭ ‬ممثليه‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬المفاوضات‭ ‬بشكل‭ ‬متوازن‭. ‬ومن‭ ‬المُرجح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭.‬

واتصالاً‭ ‬بذلك،‭ ‬ربما‭ ‬يؤدي‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭ ‬إلى‭ ‬إعطاء‭ ‬دفعة‭ ‬للإسراع‭ ‬بعقد‭ ‬اتفاق‭ ‬مماثل‭ ‬يُنهي‭ ‬القتال‭ ‬والتدمير‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ويضع‭ ‬الأساس‭ ‬لإيجاد‭ ‬حل‭ ‬للصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬باعتباره‭ ‬مصدراً‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭.‬

ويعتبر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬والخبراء‭ ‬والباحثين،‭ ‬ومنهم‭ ‬هنري‭ ‬كيسنجر،‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬الراحل،‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬هي‭ ‬‮«‬مرجل‭ ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬العالم‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬يتسم‭ ‬كثير‭ ‬منها‭ ‬بأنها‭ ‬صراعات‭ ‬اجتماعية‭ ‬ممتدة،‭ ‬تبدو‭ ‬مستعصية‭ ‬على‭ ‬الحل،‭ ‬واستمرت‭ ‬هذه‭ ‬السمة‭ ‬لصيقة‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬واستمرار‭ ‬مصادر‭ ‬الخطر‭ ‬والتهديد‭ ‬فيها،‭ ‬ليس‭ ‬جديداً؛‭ ‬لكن‭ ‬الجديد‭ ‬هو‭ ‬حجم‭ ‬الخسائر‭ ‬المادية‭ ‬والبشرية‭ ‬المترتبة‭ ‬عليها،‭ ‬ووجود‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬دولها‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والسلم‭.‬

ختاماً،‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المناسب‭ ‬الآن‭ ‬إثارة‭ ‬موضوع‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬نظام‭ ‬أمن‭ ‬جماعي‭ ‬إقليمي،‭ ‬يتضمن‭ ‬إجراءات‭ ‬وآليات‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبحث‭ ‬جذور‭ ‬الصراعات‭ ‬المزمنة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬كمرجعية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬صراعات‭ ‬أخرى‭.‬

{‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬فـي‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا