تُعد السياحة التعليمية من أبرز الاتجاهات الحديثة في قطاع السياحة، وقد لاقت اهتمامًا متزايدًا واسع النطاق على مستوى العالم؛ إذ بدأت العديد من الدول، ومنها مملكة البحرين، بتبني هذا التوجه كنموذج تنموي يعزز من قيمة المجتمع، ويسهم في توفير فرص عمل جديدة. وتأتي أهمية هذا النمط من السياحة كونه لا يقتصر على الترفيه فقط، بل يسهم في بناء الوعي وتهيئة المتعلمين لاكتساب منظور مستدام حول العالم، وإكسابهم العديد من المعارف والقدرات التواصلية مع مختلف الشعوب، وفي ظل تزايد الإقبال العالمي عليها، بدأت الدول في توسيع نطاق السياحة التعليمية بما يتناسب مع مواردها البشرية والطبيعية والتقنية، بهدف خلق ميزة تنافسية في مجالات محددة تسهم في استقطاب الطلبة، وقد شهد هذا القطاع في الآونة الأخيرة طفرة نوعية تمثلت في تنوّع التخصصات الجامعية التي تتوافق ومتطلبات سوق العمل العالمي، مما يظهر تحوّل السياحة التعليمية إلى رافد استراتيجي للتنمية الاقتصادية.
ترتبط السياحة التعليمية بعدد من القطاعات الحيوية، وعلى رأسها التعليم والسياحة، مما يجعلها أداة فعّالة لدعم اقتصادنا الوطني وتحقيق عائدات مالية مستدامة. إن مملكة البحرين تتميز بتنوع أنماطها السياحية، بدءًا من السياحة التراثية والثقافية والرياضية وصوًلا الى السياحة العلاجية التي ستزدهر وفقًا للرؤية الوطنية العاملة على تنميتها والعمل على ردم الفجوات وتجهيز البنى التحتية لذلك. وبالطبع فإن جميع تلك الأنماط السالفة الذكر تمثل بيئة داعمة لنمو السياحة التعليمية وتعزيزها. إن ما تملكه البحرين من مقومات بشرية وأكاديمية متقدمة خاصة يجعل منها أرضًا خصبة لتطور هذا النوع من السياحة، ما يتطلب كذلك بدوره بنية متكاملة تشمل سهولة الوصول إلى المناطق التعليمية والسياحية. إضافة إلى توفر بنى تحتية عالية الكفاءة، كذلك فإن المرافق العامة وخدمات الصحة والأمن السياحي بشكل خاص وشبكات الاتصال والمياه والكهرباء وخدمات الصرف الصحي، وحماية الموارد البيئية والإبقاء على مقدراتها لها دور بارز في دعم هذا التوجه شأنه في ذلك شأن مؤسسات الإيواء والمنتجعات التي تحتضنها البحرين وتشكل جزءًا لا يتجزأ من منظومتها السياحية المتقدمة.
وبالنظر إلى الأهداف المرسومة لهذا القطاع، تّعد السياحة التعليمية من الأنماط ذات الجدوى الاقتصادية العالية، حيث يجمع الطالب بين التعليم والترفيه في آن واحد. إذ لا يكتفي المتعلم باستهلاك منتج تعلمي قائم على معايير أكاديمية وتدريبية، بل يرجع إلى بلاده حامًلا المعارف والمهارات والقيم المستمدة من المنطقة التي زارها. وهو ما يمنح هذا النوع من السياحة بعدًا اجتماعيًا وثقافيًا يظهر أهمية تبادل الخبرات والانفتاح على المجتمعات الأخرى. وكذلك فإن السياحة التعليمية تفتح المجال لتفعيل أنماط سياحية أخرى لها دور في تنويع التجارب السياحية، فمثًلا يمكننا تحويل السياحة الرياضية إلى منصات تدريبية متخصصة في مجالات كالفروسية، والجولف، والغوص، والتنس، ورياضة الغوص وركوب الأمواج، وسباقات السيارات في «حلبَة الفورميلا» وذلك تحت إشراف مدربين محترفين. ويمكن تطبيق هذا التصور كذلك على السياحة التراثية، والعلاجية، والثقافية، والبيئية، التي يمكن توظيفها ضمن برامج تعليمية مبتكرة. ومادامت هناك إرادة حقيقية وعمل تكاملي، فإن تحويل هذه الأفكار إلى واقع مستدام ليس مستحيًلا.
وبحسب دراسة تم إجراؤها مؤخرًا حول مستقبل السياحة التعليمية في مملكة البحرين وسبل استدامتها، فقد كشفت عن معطيات مشجعة تؤكد امتلاك المملكة مجموعة من المقومات التي تؤهلها لتكون وجهة إقليمية رائدة في هذا المجال. وقد تناولت عدة محاور أبرزها نقاط القوة التي تميزت بها التجربة البحرينية في السياحة التعليمية. والمعوقات التي تحد من نمو هذا القطاع، إضافة إلى الفرص المتاحة لتطوير الموارد البشرية والثقافية والاجتماعية واستثمارها بالشكل الأمثل، إلى جانب رصد المخاطر والتحديات التي تواجه هذا التوجه التنموي، حيث تشير نتائج الدراسة إلى أن البحرين تزخر بثروات طبيعية وموروث حضاري، ونسيج اجتماعي منفتح، يجعلها مرشحة بشكل كبير لتبوء مكانة مرموقة في خريطة السياحة التعليمية على مستوى المنطقة. ما يتطلب مزيدًا من الاهتمام والاستثمار في هذا القطاع الواعد، الذي يمكن أن يسهم بشكل فعّال في دعم الاقتصاد الوطني، ورفع مستوى العائدات المالية، وخفض معدل البطالة عبر توفير فرص عمل مستدامة.
لقد شهدت مملكة البحرين خلال السنوات الأخيرة تزايدًا في الإقبال على مؤسساتها الجامعية، الحكومية والخاصة على حد سواء، بفضل ما تتمتع به من جودة تعليمية رفيعة المستوى، انعكست بوضوح في التقارير النهائية لهيئة جودة التعليم والتدريب. وتعد الشهادات الصادرة عن الجامعات البحرينية معترفًا بها على الصعيدين المحلي والدولي، ما يجعلها وجهة أكاديمية مفضلة لدى الطلبة من داخل المملكة وخارجها؛ لذا ُتعدّ مملكة البحرين من الدول التي تمتلك جميع المقومات الأساسية لتطوير مختلف أنواع السياحة، بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، واستقرارها السياسي والأمني، وتاريخها العريق في مجالات الحضارة والتراث. وفيما يتعلق بالسياحة التعليمية، فإن البحرين تبرز كبيئة مثالية لهذا النوع من السياحة، نظرًا الى ما تتمتع به من سمعة أكاديمية متميزة لمؤسساتها الجامعية، وجودة عالية في منظومتها التعليمية، إلى جانب التقدم الملحوظ في مجالات التكنولوجيا والقيادة الإدارية القادرة على تلبية تطلعات الدارسين، ويأتي هذا التوسع الأكاديمي انسجامًا مع أهداف الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، ويجسد التزام المملكة بتطوير منظومة تعليمية حديثة، متوافقة مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030، بما يعزز من مكانتها كوجهة تعليمية وسياحية رائدة في المنطقة.
وفي هذا السياق، يأتي هذا التميز نتاج استثمار الجامعات البحرينية في بنية متطورة وحديثة، وخدمات جامعية متكاملة، والحرص على التنوع في التخصصات الأكاديمية من البكالوريوس إلى الماجستير والدكتوراه، بما يواكب احتياجات سوق العمل المحلي والإقليمي والعالمي. كما تسهم الكوادر التعليمية المؤهلة، ذات الخبرات المتراكمة والاطلاع الواسع على المستجدات الأكاديمية ورفع جودة المخرجات التعليمية وتعزيز القدرة التنافسية للطلبة. ولا تقتصر مقومات التميز في البحرين فقط على القدرات الأكاديمية، إنما تشمل أيضا البعد الإنساني والثقافي لكافة أطياف المجتمع البحريني. إذ تمتاز بشعبها المضياف، وبيئتها الداعمة للتعايش والانفتاح، مما سيوفر بالتأكيد بيئة تعليمية وسياحية متكاملة قائمة على التبادل الثقافي والاحترام في الاختلافات بجميع أنماطها، وفي هذا الصدد فإن كلّ ما ذكر من مقومات سوف تجعل من المملكة بيئة مثالية لنمو وتطور السياحة التعليمية بشكل أوسع في المستقبل القريب.
في ظل الرؤية السديدة والتوجيهات الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه، وسُمُوّ ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، حفظه الله، تمضي مملكة البحرين بثبات نحو ترسيخ مكانتها كمركز تعليمي وسياحي جاذب في المنطقة. وانطلاقًا من هذا التوجه، تعمل مختلف الجهات المعنية بقيادة وطنية واعية من الدكتور محمد مبارك جمعة وزير التربية والتعليم ورئيس مجلس أمناء التعليم العالي في المملكة، وبدعم مشترك من وزارات الدولة، وفي مقدمتها وزارة الداخلية ووزارة السياحة، جنبًا إلى جنب مع الجامعات والمعاهد في القطاعين الحكومي والخاص، على إطلاق حملات تسويقية واسعة ذات أهداف مدروسة لتعزيز مكانة البحرين كوجهة تعليمية وسياحية متكاملة. وقد شملت هذه الجهود سلسلة من المبادرات، من بينها تسهيل إجراءات التأشيرات والإقامة، وتفعيل دور الملحقيات الثقافية البحرينية بالخارج ضمن خُطَّة متكاملة للترويج الأكاديمي، وتنظيم معارض تعليمية دولية تهدف إلى التعريف بالمؤسسات التعليمية في المملكة وبرامجها الحديثة والنادرة. كما يتم العمل على دعم المبادرات التعليمية والاستشارية التي تسهم في إنجاح مشروعات السياحة التعليمية، ومن هنا، تأتي أهمية تحويل جامعات ومعاهد المملكة إلى منصات محلية ودولية لترويج التعليم النوعي، بما يعزز من جاذبية البحرين كوجهة تعليمية وسياحية رائدة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك