العدد : ١٧٢٦٨ - الخميس ٠٣ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦٨ - الخميس ٠٣ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

لماذا تراجع الدور الأوروبي في الشرق الأوسط؟

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الخميس ٠٣ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

حذّر‭ ‬‮«‬لويجي‭ ‬سكازييري‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬الإصلاح‭ ‬الأوروبي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2024،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬مجرد‭ ‬متفرج،‭ ‬إزاء‭ ‬انهيار‭ ‬متسارع‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقاعسها‭ ‬أمام‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وإذعانها‭ ‬لمطالب‭ ‬حكومة‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬الائتلافية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬وخنوعها‭ ‬لسياسات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقودها‭ -‬آنذاك‭- ‬إدارة‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المترددة‭ ‬وغير‭ ‬الفعالة‭. ‬

ومؤخرًا،‭ ‬أسهم‭ ‬الأداء‭ ‬الضعيف‭ ‬الذي‭ ‬أبداه‭ ‬قادة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬12‭ ‬يومًا‭ ‬بين‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬و«الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وإيران‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬التراجع‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬نفوذ‭ ‬أوروبا‭ ‬وتأثيرها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬‮«‬أنشال‭ ‬فوهرا‮»‬،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬فورين‭ ‬أفيرز‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬الاستنتاج‭ ‬بأنها‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬غير‭ ‬ذات‭ ‬صلة‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‮»‬،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تجاهل‭ ‬واضح‭ ‬لدعواتها‭ ‬المتكررة‭ ‬لضبط‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬المتحاربة‭.‬

وكما‭ ‬سارع‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬وباريس،‭ ‬وبرلين،‭ ‬وبروكسل‭ ‬إلى‭ ‬تجاهل‭ ‬تعهداتهم‭ ‬بشأن‭ ‬دعم‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فقد‭ ‬أدت‭ ‬الضربات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والأمريكية‭ ‬ضد‭ ‬المنشآت‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية‭ ‬إلى‭ ‬دفع‭ ‬صانعي‭ ‬القرار‭ ‬الأوروبيين‭ ‬للتراجع‭ ‬عن‭ ‬مواقفهم‭ ‬التقليدية‭ ‬تجاه‭ ‬برنامج‭ ‬إيران‭ ‬النووي؛‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬يعترفون‭ ‬بحقها‭ ‬في‭ ‬امتلاك‭ ‬برنامج‭ ‬نووي‭ ‬مدني،‭ ‬بل‭ ‬باتوا‭ ‬يطالبون‭ ‬بوقف‭ ‬كامل‭ ‬لعمليات‭ ‬التخصيب،‭ ‬مجاراةً‭ ‬للمواقف‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأمريكا‭.‬

وفي‭ ‬تحليلها‭ ‬لأسباب‭ ‬هذه‭ ‬الإخفاقات،‭ ‬شددت‭ ‬‮«‬فوهرا‮»‬‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬وصفته‭ ‬بـ«التقاعس‭ ‬المُخزي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬أبداه‭ ‬القادة‭ ‬الأوروبيون‭ ‬في‭ ‬استجابتهم‭ ‬واستراتيجياتهم‭ ‬حيال‭ ‬تطورات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬ورغم‭ ‬إشارتها‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬واضح‭ ‬لـ«التفكير‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الإبداعي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬ميّز‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬أكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬سابقة،‭ ‬فقد‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬مواطن‭ ‬الضعف‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والسياسية‭ ‬الأوسع‭ ‬لدى‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني،‭ ‬السير‭ ‬كير‭ ‬ستارمر،‭ ‬والرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬والمستشار‭ ‬الألماني‭ ‬فريدريش‭ ‬ميرتس‭ -‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬وزراء‭ ‬خارجيتهم‭- ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬وحدها‭ ‬لتفسير‭ ‬تجاهل‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬والأمريكيين‭ ‬لدعواتهم،‭ ‬أو‭ ‬انعدام‭ ‬ثقة‭ ‬الإيرانيين‭ ‬في‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬تأثير‭ ‬دبلوماسي‭ ‬فعّال‭.‬

‮ ‬وأكدت‭ ‬السياسات‭ ‬الأخيرة‭ ‬للدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬تجاه‭ ‬المنطقة،‭ ‬افتقارها‭ ‬قوة‭ ‬الإرادة‭ ‬المستقلة‭ ‬للمضي‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬سياسات‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وردًا‭ ‬على‭ ‬مذكرات‭ ‬الاعتقال‭ ‬التي‭ ‬أصدرتها‭ ‬‮«‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬بحق‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬ووزير‭ ‬دفاعه‭ ‬السابق،‭ ‬‮«‬يوآف‭ ‬غالانت‮»‬،‭ ‬رفضت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬دعم‭ ‬مساعي‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة،‭ ‬وزعمت‭ ‬‮«‬فرنسا‮»‬،‭ ‬تمتع‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬بالحماية‭ ‬من‭ ‬الملاحقة‭ ‬القضائية‭ ‬بموجب‭ ‬الحصانة‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬بل‭ ‬وقامت‭ ‬ألمانيا‭ ‬بدعوته‭ ‬لزيارتها،‭ ‬وأصرت‭ ‬على‭ ‬توافر‭ ‬‮«‬سبل‭ ‬ووسائل‮»‬‭ ‬لتجنب‭ ‬وضعها‭ -‬كدولة‭ ‬موقعة‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي‭- ‬الالتزام‭ ‬باعتقاله‭ ‬واحتجازه‭ ‬وتسليمه‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬لاهاي‮»‬،‭ ‬لمحاكمته‭ ‬كمجرم‭ ‬حرب‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تثبت‭ ‬القرارات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لحكومة‭ ‬‮«‬ستارمر‮»‬،‭ ‬التزامها‭ ‬الصريح‭ ‬بتعزيز‭ ‬مصالح‭ ‬إسرائيل،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬غالبية‭ ‬البريطانيين‭ ‬لقصف‭ ‬غزة‭ ‬واحتلالها‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬دعوة‭ ‬الخبراء‭ ‬القانونيين‭ ‬والسياسيين‭ ‬والوزراء‭ ‬السابقين‭ ‬والحقوقيين‭ ‬لوزير‭ ‬الخارجية،‭ ‬‮«‬ديفيد‭ ‬لامي‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬مباشرة‭ ‬تتعلق‭ ‬بتدمير‭ ‬غزة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وقف‭ ‬عمليات‭ ‬نقل‭ ‬الأسلحة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬طالبت‭ ‬موظفي‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬المعارضين‭ ‬لسياستها‭ ‬بالاستقالة،‭ ‬فيما‭ ‬تسعى‭ ‬لتصنيف‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬فلسطين‭ ‬أكشن‮»‬‭ ‬كجماعة‭ ‬إرهابية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حذّرت‭ ‬منه‭ ‬‮«‬أكيكو‭ ‬هارت‮»‬،‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬ليبرتي‮»‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬التأثير‭ ‬الكبير‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يُخلّفه‭ ‬هذا‭ ‬التصنيف‭ ‬على‭ ‬آلاف‭ ‬النشطاء‭ ‬المؤيدين‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬الذين‭ ‬سيتعرضون‭ ‬للملاحقة‭ ‬القضائية‭ ‬والسجن،‭ ‬لمجرد‭ ‬تعبيرهم‭ ‬عن‭ ‬رفضهم‭ ‬لجرائم‭ ‬حرب‭ ‬موثقة‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

وأوروبيًا،‭ ‬ورغم‭ ‬اعتراف‭ ‬‮«‬دائرة‭ ‬العمل‭ ‬الخارجي‮»‬‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2025،‭ ‬بأن‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬تمثّل‭ ‬انتهاكًا‭ ‬صريحًا‭ ‬للمادة‭ ‬‮«‬2‮»‬‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬والتي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كشرط‭ ‬أساسي‭ ‬للتعاون؛‭ ‬فإن‭ ‬الاتحاد‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬27‭ ‬دولة‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬عنه‭ ‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬موحد‭ ‬ضدها‭ ‬بعد‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إشارة‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬بوليتيكو‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‮»‬،‭ ‬‮«‬تدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراء‮»‬،‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل؛‭ ‬فقد‭ ‬قدمت‭ ‬إسبانيا،‭ ‬وبلجيكا،‭ ‬وفنلندا،‭ ‬وأيرلندا،‭ ‬وبولندا،‭ ‬والبرتغال،‭ ‬وسلوفينيا،‭ ‬والسويد،‭ ‬ولوكسمبورج،‭ ‬طلبًا‭ ‬مشتركًا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬المفوضية‭ ‬الأوروبية‮»‬،‭ ‬لتدارس‭ ‬كيفية‭ ‬‮«‬مواءمة‭ ‬تجارة‭ ‬القارة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬بما‭ ‬يتماهى‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬أبدت‭ ‬‮«‬فوهرا‮»‬،‭ ‬أسفها‭ ‬لانتفاء‭ ‬‮«‬الإجماع‮»‬‭ ‬الأوروبي؛‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تُبدِ‭ ‬القوتان‭ ‬الاقتصاديتان‭ ‬والسياسيتان‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ -‬فرنسا‭ ‬وألمانيا‭- ‬أدنى‭ ‬اهتمام‭ ‬بتعليق‭ ‬اتفاقية‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وإسرائيل‭.‬

وبالفعل،‭ ‬بدا‭ ‬أثر‭ ‬هذا‭ ‬التقاعس‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬تجاهل‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭ ‬للدور‭ ‬الأوروبي‭ ‬خلال‭ ‬حربهما‭. ‬وفي‭ ‬أعقاب‭ ‬الضربات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬يونيو،‭ ‬دعا‭ ‬أعضاء‭ ‬‮«‬المجلس‭ ‬الأوروبي‭ ‬للعلاقات‭ ‬الخارجية‮»‬‭ -‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬شخصيات‭ ‬أجنبية‭ ‬بارزة‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬والسويد‭ ‬وبولندا‭ ‬وفرنسا‭- ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬الأوروبي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الضغط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬احتواء‭ ‬عسكري‭ ‬سريع‭ ‬للوضع‮»‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتطور‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬أوسع‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬توضيح‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬‮«‬لن‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬حملة‭ ‬عسكرية‭ ‬هجومية‭ ‬ضد‭ ‬إيران‮»‬،‭ ‬داعين‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬حشد‭ ‬القنوات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬للدفع‭ ‬نحو‭ ‬استراتيجية‭ ‬مستدامة‮»‬،‭ ‬بشأن‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬وتقديم‭ ‬‮«‬استراتيجية‭ ‬دبلوماسية‭ ‬واقعية‭ ‬في‭ ‬مطالبها‭ ‬لإيران‭. ‬ورغم‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات،‭ ‬لم‭ ‬يُحرز‭ ‬أي‭ ‬تقدم‭ ‬يُذكر‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المسارات،‭ ‬بسبب‭ ‬فقدان‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬لنفوذها‭ ‬على‭ ‬الفاعلين‭ ‬الإقليميين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬عبّر‭ ‬‮«‬كورنيليوس‭ ‬أديبار‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬مؤسسة‭ ‬كارنيغي‭ ‬للسلام‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬عن‭ ‬اعتقاده‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أبدًا‮»‬‭ ‬للرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬التعاون‭ ‬أو‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬الأوروبية؛‭ ‬لأنه‭ ‬‮«‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬أفضل‭ ‬منها‮»‬‭. ‬وبينما‭ ‬نسّقت‭ ‬‮«‬واشنطن‮»‬،‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لشن‭ ‬الضربات‭ ‬الجوية،‭ ‬لم‭ ‬تُتح‭ ‬لأوروبا‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬للمشاركة‭.‬

وفي‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التهميش،‭ ‬انسحب‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬من‭ ‬اجتماع‭ ‬قادة‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬السبع‮»‬،‭ ‬في‭ ‬كندا‭ ‬مبكرًا،‭ ‬ثم‭ ‬هاجم‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬ماكرون‮»‬،‭ ‬واصفًا‭ ‬إياه‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬دائم‭ ‬الخطأ‮»‬،‭ ‬بعدما‭ ‬صرّح‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العالمية،‭ ‬بأن‭ ‬ترامب‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن؛‭ ‬بهدف‭ ‬التفاوض‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭. ‬وبعد‭ ‬يومين‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬إصدار‭ ‬أمره‭ ‬بشن‭ ‬الغارات‭ ‬الجوية،‭ ‬أكد‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬مشددًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬‮«‬لن‭ ‬تكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬المساعدة‮»‬‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬هذا‭ ‬النزاع‭.‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬و‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬تُعيران‭ ‬أهمية‭ ‬واضحة‭ ‬لمواقف‭ ‬القادة‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬حيث‭ ‬أشارت‭ ‬وكالة‭ ‬‮«‬رويترز‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حكومات‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إبلاغها‭ ‬مسبقًا‭ ‬بتوقيت‭ ‬الهجمات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬المنشآت‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬‮«‬نطنز‮»‬،‭ ‬و«أصفهان‮»‬،‭ ‬و«فوردو»؛‭ ‬فإن‭ ‬فاعلية‭ ‬الوساطة‭ ‬الأوروبية‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬باتت‭ ‬محدودة‭ ‬للغاية‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬ظلت‭ ‬‮«‬فوهرا‮»‬،‭ ‬متمسكة‭ ‬سابقًا‭ ‬بشروط‭ ‬‮«‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‮»‬‭ ‬لعام‭ ‬2015‭ ‬وحق‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬بمستويات‭ ‬منخفضة‭ ‬لأغراض‭ ‬مدنية،‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الضغوط‭ ‬الأمريكية‭ ‬والإسرائيلية‭ ‬أدت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬إلى‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭. ‬وفي‭ ‬اجتماع‭ ‬عُقد‭ ‬يوم‭ ‬21‭ ‬يونيو‭ ‬بجنيف‭ ‬بين‭ ‬كبار‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬ووزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الإيراني؛‭ ‬اعتبر‭ ‬‮«‬ماكرون‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬من‭ ‬الضروري‭ ‬للغاية‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬أولوية‭ ‬المفاوضات‭ ‬المستقبلية‮»‬،‭ ‬هي‭ ‬‮«‬صفر‭ ‬تخصيب‭ ‬نووي‮»‬‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إيران‭. ‬وكما‭ ‬أوضح‭ ‬‮«‬علي‭ ‬فايز‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬أوروبا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتبنى‭ ‬سياسة‭ ‬‮«‬التخصيب‭ ‬الصفري‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أسبوع‭ ‬من‭ ‬الضربات،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬الهجمات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والإسرائيلية‭ ‬‮«‬باتت‭ ‬تتبناها‭ ‬الآن‮»‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬‮«‬يُثبت‭ ‬أن‭ ‬الأوروبيين‭ ‬ليسوا‭ ‬سوى‭ ‬تابعين‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭.‬

وأمام‭ ‬هذا‭ ‬المشهد،‭ ‬أوضح‭ ‬‮«‬جيمس‭ ‬أكتون‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬مؤسسة‭ ‬كارنيغي‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬احتمالات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الفعالة‮»‬‭ ‬لاحتواء‭ ‬الطموحات‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية‭ ‬المستقبلية‭ ‬‮«‬ضئيلة‭ ‬أو‭ ‬معدومة‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬الأوروبي‭ ‬المحدود‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬أزمة‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تقويضه‭ ‬تمامًا‭. ‬وعليه،‭ ‬خلص‭ ‬‮«‬ديفيد‭ ‬خلفا‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬منتدى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬المحاولة‭ ‬الأوروبية‮»‬،‭ ‬لإنهاء‭ ‬برنامج‭ ‬إيران‭ ‬النووي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬‮«‬انتهت‭ ‬بالفشل‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‮»‬‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يُعدّ‭ ‬مخيبًا‭ ‬تمامًا‭ ‬لتطلعات‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تصريحات‭ ‬‮«‬ميرز‮»‬‭ ‬بتاريخ‭ ‬17‭ ‬يونيو،‭ ‬التي‭ ‬اتهم‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالقيام‭ ‬بـ«عمل‭ ‬قذر‮»‬،‭ ‬نيابةً‭ ‬عن‭ ‬الغرب‭ ‬عبر‭ ‬قصفها‭ ‬لإيران،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُشير‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬تواطؤ‭ ‬صامت،‭ ‬بل‭ ‬دعم‭ ‬فعلي‭ ‬من‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭ ‬لتلك‭ ‬الهجمات‭. ‬ويُمثل‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬استمرارًا‭ ‬لدعم‭ ‬استمر‭ ‬لـ21‭ ‬شهرًا‭ ‬للهجمات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬وغزة،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭.‬

وبشكل‭ ‬واضح،‭ ‬أظهر‭ ‬استطلاع‭ ‬أجرته‭ ‬مؤسسة‭ ‬‮«‬يوجوف‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأوروبي،‭ ‬يُعارض‭ ‬استمرار‭ ‬دعم‭ ‬حكوماته‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وسياساتها‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬حيث‭ ‬تراجعت‭ ‬شعبية‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬بشكل‭ ‬حاد‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬إلى‭ (-‬46‭) ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬و‭(-‬48‭) ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬و‭(-‬44‭) ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬و‭(-‬52‭) ‬في‭ ‬إيطاليا‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬المسار‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬انتهجته‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يُسفر‭ ‬سوى‭ ‬عن‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬الاحترام‭ ‬والنفوذ‭ ‬الدوليين‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬دبلوماسي‭ ‬فاعل‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭ ‬مستقبلاً‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬سيعتمد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬موقف‭ ‬أخلاقي‭ ‬وسياسي‭ ‬واضح‭ ‬ضد‭ ‬الجرائم‭ ‬والفظائع‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬حكومة‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بدعم‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا