العدد : ١٧٢٦٨ - الخميس ٠٣ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦٨ - الخميس ٠٣ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

المعلمون وتحديات الإجازة الصيفية

بقلم: خديجة مفلح مشعل

الأربعاء ٠٢ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

حينما‭ ‬ترنّ‭ ‬أجراس‭ ‬يوليو،‭ ‬مُؤذِنةً‭ ‬بانطلاق‭ ‬حكاية‭ ‬الاسترخاء‭ ‬والخطط‭ ‬المؤجَّلة،‭ ‬تهفو‭ ‬قلوب‭ ‬كثيرٍ‭ ‬من‭ ‬المعلمين‭ ‬والمعلمات‭ ‬بإيقاعٍ‭ ‬ينشدُ‭ ‬شوقًا‭ ‬لإجازةٍ‭ ‬طال‭ ‬انتظارها،‭ ‬تَحمِل‭ ‬في‭ ‬ثَناياها‭ ‬محطات‭ ‬للراحة‭ ‬واستعادة‭ ‬الأنفاس‭ ‬بعد‭ ‬عامٍ‭ ‬دراسي‭ ‬زاخِر‭ ‬بالتحديات‭ ‬والضغوط‭.‬

خلف‭ ‬مشهد‭ ‬الحماس‭ ‬المفعم‭ ‬بالترقُّب،‭ ‬يلوح‭ ‬تساؤل‭ ‬مشروع‭: ‬هل‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الإجازة‭ ‬فُرصة‭ ‬للنمو‭ ‬والتجديد،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬فراغ‭ ‬يُستهلك‭ ‬في‭ ‬الراحة‭ ‬المُطلقة؟

في‭ ‬حديثٍ‭ ‬عفوي‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المعلمات،‭ ‬وجدتُ‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الإجابات‭ ‬تنحصر‭ ‬في‭ ‬الاسترخاء‭ ‬والراحة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خطة‭ ‬واضحة‭ ‬أو‭ ‬هدف‭ ‬محدد‭. ‬هنا‭ ‬تساءلت‭: ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الإجازة‭ ‬ستُستهلك‭ ‬في‭ ‬فراغ‭ ‬رتيب،‭ ‬فلمَ‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الشغف‭ ‬واللهفة؟‭!‬

من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نُسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬أساسية‭: ‬العطلة‭ ‬الصيفية‭ ‬ليست‭ ‬ترفًا‭ ‬بل‭ ‬ضرورة،‭ ‬إذ‭ ‬يتعرض‭ ‬المعلم‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬لضغط‭ ‬نفسي‭ ‬وجسدي‭ ‬مستمر‭ ‬بين‭ ‬الحصص‭ ‬والاختبارات‭ ‬والمواقف‭ ‬التربوية‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬الصبر‭ ‬والحكمة؛‭ ‬فيتم‭ ‬استنزاف‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الذهنية‭ ‬والعاطفية،‭ ‬ويأتي‭ ‬يوليو‭ ‬مُحملاً‭ ‬بالطمأنينة‭ ‬لنفوسٍ‭ ‬تلقفتها‭ ‬كثرة‭ ‬الأعباء‭ ‬والمهمات،‭ ‬ومُزوِّدًا‭ ‬بجرعة‭ ‬من‭ ‬الغَوث‭ ‬بعد‭ ‬انغماسٍ‭ ‬طويل‭ ‬بالأعمال‭ ‬التي‭ ‬انهالت‭ ‬من‭ ‬كُل‭ ‬حَدبٍ‭ ‬ونَدب‭.‬

لسان‭ ‬حال‭ ‬بعض‭ ‬المعلمين‭: ‬‮«‬سأترك‭ ‬الأيام‭ ‬تمضي‭ ‬بأعنّتها‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬الفكر‭ ‬يُوقع‭ ‬صاحبه‭ ‬في‭ ‬فخّ‭ ‬الفراغ‭ ‬القاتل‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬مريحًا‭ ‬في‭ ‬ظاهره،‭ ‬لكنه‭ ‬ينهك‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.‬

إنّ‭ ‬الهدوء‭ ‬الطويل‭ ‬الممتد‭ ‬بلا‭ ‬غاية‭ ‬لا‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬يتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬سكونٍ‭ ‬قاتل،‭ ‬خاصةً‭ ‬حين‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬النشاط‭ ‬الذهني‭ ‬أو‭ ‬الجسدي،‭ ‬مما‭ ‬يُفضي‭ ‬إلى‭ ‬الشعور‭ ‬بالتثبيط‭ ‬وربما‭ ‬الحزن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سببٍ‭ ‬واضح‭. ‬وهذا‭ ‬يفسّر‭ ‬عودة‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬مقاعدهم‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬أكثر‭ ‬إرهاقًا‭ ‬مما‭ ‬كانوا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬يونيو‭.‬

قول‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬نعمتان‭ ‬مغبونٌ‭ ‬فيهما‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭: ‬الصحة‭ ‬والفراغ‮»‬‭ (‬رواه‭ ‬البخاري‭)‬،‭ ‬يقف‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬استثمار‭ ‬الوقت‭ ‬والفرص‭. ‬فالوقت‭ ‬مورد‭ ‬لا‭ ‬يُعوّض،‭ ‬والتهاون‭ ‬فيه‭ ‬نوعٌ‭ ‬من‭ ‬الغُبن‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وخسارة‭ ‬للذات‭.‬

الإجازة‭ ‬في‭ ‬منظور‭ ‬الإسلام‭ ‬ليست‭ ‬خمولًا‭ ‬وتَثبيطًا،‭ ‬بل‭ ‬محطة‭ ‬تجديد‭ ‬روح‭ ‬وعقل‭ ‬وجسد‭. ‬والسعيد‭ ‬من‭ ‬يوازن‭ ‬بين‭ ‬الراحة‭ ‬والفاعلية،‭ ‬بين‭ ‬الاسترخاء‭ ‬والإنتاج‭.‬

مُعلمينا‭ ‬الأفاضل،‭ ‬لنأخذ‭ ‬الصورة‭ ‬كاملة،‭ ‬لَستُم‭ ‬بوابة‭ ‬للمعرفة‭ ‬فحسب،‭ ‬أنتم‭ ‬مُلهمون‭ ‬وصانعو‭ ‬أثر،‭ ‬اجعلوا‭ ‬إجازتكم‭ ‬فرصة‭ ‬تستعيدون‭ ‬بها‭ ‬قواكم،‭ ‬ووقتًا‭ ‬يوقظ‭ ‬فيكم‭ ‬طاقاتكم‭ ‬التي‭ ‬ذبلت‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الأيام‭ ‬الدراسية،‭ ‬ولا‭ ‬تكن‭ ‬استراحة‭ ‬تُميتُ‭ ‬عزائِمَكُم،‭ ‬وذاك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوازن‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الإنجاز‭ ‬والراحة‭ ‬المدروسة،‭ ‬لتكن‭ ‬العطلة‭ ‬الصيفية‭ ‬وقتًا‭ ‬لصناعة‭ ‬الذات‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تزويدها‭ ‬وترميمها،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬الفلاح‭ ‬الذي‭ ‬أراده‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استحضار‭ ‬القيم‭ ‬الإسلامية‭ ‬المثلى‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬حياتنا‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا