حينما ترنّ أجراس يوليو، مُؤذِنةً بانطلاق حكاية الاسترخاء والخطط المؤجَّلة، تهفو قلوب كثيرٍ من المعلمين والمعلمات بإيقاعٍ ينشدُ شوقًا لإجازةٍ طال انتظارها، تَحمِل في ثَناياها محطات للراحة واستعادة الأنفاس بعد عامٍ دراسي زاخِر بالتحديات والضغوط.
خلف مشهد الحماس المفعم بالترقُّب، يلوح تساؤل مشروع: هل تكون هذه الإجازة فُرصة للنمو والتجديد، أم أنها مجرد فراغ يُستهلك في الراحة المُطلقة؟
في حديثٍ عفوي مع عدد من المعلمات، وجدتُ أن معظم الإجابات تنحصر في الاسترخاء والراحة، من دون خطة واضحة أو هدف محدد. هنا تساءلت: إذا كانت الإجازة ستُستهلك في فراغ رتيب، فلمَ كل هذا الشغف واللهفة؟!
من المهم أن نُسلط الضوء على حقيقة أساسية: العطلة الصيفية ليست ترفًا بل ضرورة، إذ يتعرض المعلم خلال العام لضغط نفسي وجسدي مستمر بين الحصص والاختبارات والمواقف التربوية المعقدة التي تتطلب الصبر والحكمة؛ فيتم استنزاف كثير من الطاقة الذهنية والعاطفية، ويأتي يوليو مُحملاً بالطمأنينة لنفوسٍ تلقفتها كثرة الأعباء والمهمات، ومُزوِّدًا بجرعة من الغَوث بعد انغماسٍ طويل بالأعمال التي انهالت من كُل حَدبٍ ونَدب.
لسان حال بعض المعلمين: «سأترك الأيام تمضي بأعنّتها»، وهذا الفكر يُوقع صاحبه في فخّ الفراغ القاتل الذي قد يبدو مريحًا في ظاهره، لكنه ينهك النفس من الداخل.
إنّ الهدوء الطويل الممتد بلا غاية لا يلبث أن يتحوّل إلى سكونٍ قاتل، خاصةً حين يفتقر إلى النشاط الذهني أو الجسدي، مما يُفضي إلى الشعور بالتثبيط وربما الحزن من دون سببٍ واضح. وهذا يفسّر عودة البعض إلى مقاعدهم في سبتمبر أكثر إرهاقًا مما كانوا عليه في يونيو.
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» (رواه البخاري)، يقف شاهدًا على أهمية استثمار الوقت والفرص. فالوقت مورد لا يُعوّض، والتهاون فيه نوعٌ من الغُبن الحقيقي، وخسارة للذات.
الإجازة في منظور الإسلام ليست خمولًا وتَثبيطًا، بل محطة تجديد روح وعقل وجسد. والسعيد من يوازن بين الراحة والفاعلية، بين الاسترخاء والإنتاج.
مُعلمينا الأفاضل، لنأخذ الصورة كاملة، لَستُم بوابة للمعرفة فحسب، أنتم مُلهمون وصانعو أثر، اجعلوا إجازتكم فرصة تستعيدون بها قواكم، ووقتًا يوقظ فيكم طاقاتكم التي ذبلت تحت وطأة الأيام الدراسية، ولا تكن استراحة تُميتُ عزائِمَكُم، وذاك من خلال التوازن والقدرة على الجمع بين الإنجاز والراحة المدروسة، لتكن العطلة الصيفية وقتًا لصناعة الذات والتواصل مع النفس من أجل تزويدها وترميمها، وصولًا إلى الفلاح الذي أراده الله تعالى لنا من خلال استحضار القيم الإسلامية المثلى في إدارة حياتنا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك