العدد : ١٧٢٦٧ - الأربعاء ٠٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦٧ - الأربعاء ٠٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

عالم 2030.. قطب أوحد أم تعددية؟ سيناريوهات النظام الدولي المقبل .. رؤية استشرافية

بقلم: د. مأمون أبو رعد

الأربعاء ٠٢ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

مع‭ ‬اقتراب‭ ‬عام‭ ‬2030‭ ‬تزداد‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬ملامح‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬القادم‭. ‬شهد‭ ‬العقد‭ ‬الماضي‭ ‬تغيرات‭ ‬متسارعة‭ ‬مثل‭ ‬صعود‭ ‬قوى‭ ‬اقتصادية‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬والهند،‭ ‬وتحديات‭ ‬جديدة‭ ‬كتغير‭ ‬المناخ،‭ ‬وثورة‭ ‬تقنية‭ ‬مذهلة‭ ‬كظهور‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬تدفع‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬سيناريوهات‭ ‬متعددة‭ ‬لمستقبل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭. ‬هل‭ ‬سيبقى‭ ‬عالمنا‭ ‬تحت‭ ‬هيمنة‭ ‬قطب‭ ‬واحد؟‭ ‬أم‭ ‬سيبرز‭ ‬نظام‭ ‬ثنائي‭ ‬تقوم‭ ‬فيه‭ ‬منافسة‭ ‬بين‭ ‬قوتين‭ ‬كبيرتين؟‭ ‬أو‭ ‬يتحول‭ ‬النظام‭ ‬إلى‭ ‬تعددية‭ ‬حقيقية‭ ‬بين‭ ‬عدة‭ ‬مراكز‭ ‬قوة؟‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬ينحدر‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬فوضى‭ ‬عالمية‭ ‬بسبب‭ ‬تصاعد‭ ‬الانقسامات؟

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬سنحاول‭ ‬تقديم‭ ‬تحليل‭ ‬محايد‭ ‬لهذه‭ ‬الاحتمالات‭ ‬المستقبلية‭. ‬سنتناول‭ ‬العوامل‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬سيناريو،‭ ‬مع‭ ‬تحديد‭ ‬شروط‭ ‬تحققها‭ ‬وتداعياتها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬والإقليمي،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬انعكاسات‭ ‬كل‭ ‬مسار‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭.‬

استمرار‭ ‬القطبية‭ ‬الأحادية

في‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو،‭ ‬تستمر‭ ‬هيمنة‭ ‬قوة‭ ‬عالمية‭ ‬واحدة،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كالقوة‭ ‬الأوفر‭ ‬حظاً‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الصدارة‭. ‬يرتبط‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬بمواصلة‭ ‬التفوق‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬للقطب‭ ‬المهيمن‭. ‬اقتصاديّاً،‭ ‬إذا‭ ‬واصلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نموّها‭ ‬واستثماراتها‭ ‬الضخمة‭ ‬في‭ ‬تقنيات‭ ‬المستقبل‭ ‬مثل‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والحوسبة‭ ‬الكمّية،‭ ‬فقد‭ ‬تعزز‭ ‬موقعها‭ ‬وتتفوق‭ ‬على‭ ‬منافسيها‭. ‬تقنيّاً،‭ ‬ستظل‭ ‬قواعدها‭ ‬البحثية‭ ‬المتقدمة‭ ‬وصناعاتها‭ ‬عالية‭ ‬التقنية‭ ‬دعامة‭ ‬لقدرتها‭ ‬على‭ ‬السيطرة،‭ ‬وستوسع‭ ‬نفوذها‭ ‬عبر‭ ‬شبكات‭ ‬اتصال‭ ‬دولية‭ ‬وبنى‭ ‬تحتية‭ ‬رقمية‭ ‬متطورة‭. ‬

جيوسياسيا،‭ ‬قد‭ ‬تواصل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بناء‭ ‬تحالفات‭ ‬عسكرية‭ ‬وتجارية‭ ‬حول‭ ‬قواعدها‭ ‬ومصالحها‭. ‬يبقى‭ ‬الحلف‭ ‬الغربي‭ ‬مسؤولاً‭ ‬عن‭ ‬الأمن‭ ‬والتنسيق‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ويظل‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬العالمي‭ ‬معتمداً‭ ‬على‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭. ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬قد‭ ‬تستفيد‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والشام‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬ملفاتها‭ ‬الأمنية،‭ ‬مما‭ ‬يوفر‭ ‬استقراراً‭ ‬نسبياً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق،‭ ‬بينما‭ ‬تنوع‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬تحالفاتها‭ ‬تحسّباً‭ ‬لتحولات‭ ‬القوة‭. ‬بوجه‭ ‬عام،‭ ‬يوفر‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬قدراً‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬للنظام‭ ‬الدولي‭ ‬بينما‭ ‬يبقى‭ ‬تسيد‭ ‬قوة‭ ‬واحدة‭ ‬واضحاً‭.‬

تترتب‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬القطبية‭ ‬الأحادية‭ ‬فوائدٌ‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬وجود‭ ‬قيادة‭ ‬واضحة‭ ‬للأزمات‭ ‬العالمية‭ ‬وتنسيق‭ ‬محكم‭ ‬بين‭ ‬الحلفاء‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬مؤسسي‭ ‬ثابت‭. ‬أما‭ ‬السلبيات‭ ‬فتتمثل‭ ‬في‭ ‬شعور‭ ‬متزايد‭ ‬لدى‭ ‬القوى‭ ‬الصاعدة‭ ‬والحلفاء‭ ‬التقليديين‭ ‬بالإقصاء‭ ‬والتهميش،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يولِّد‭ ‬تشككاً‭ ‬ومنافسة‭ ‬تحت‭ ‬السطح‭. ‬وقد‭ ‬ينجم‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬محاولات‭ ‬لإضعاف‭ ‬المركز‭ ‬الواحد‭ ‬للنظام‭ ‬وتقليص‭ ‬هيمنته،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تصاعد‭ ‬التناقضات‭ ‬بين‭ ‬مطالب‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭ ‬ومصالح‭ ‬القوة‭ ‬المهيمنة‭.‬

ظهور‭ ‬النظام‭ ‬ثنائي‭ ‬الأقطاب

يشير‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬إلى‭ ‬انقسام‭ ‬عالمي‭ ‬بين‭ ‬قطبين‭ ‬متنافسين،‭ ‬وقد‭ ‬يتجسد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والصين‭. ‬يعتمد‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬على‭ ‬موازنة‭ ‬قوى‭ ‬هاتين‭ ‬العظميين‭ ‬دون‭ ‬حسم‭ ‬قاطع‭ ‬للصراع‭ ‬بينهما‭. ‬اقتصاديّاً،‭ ‬قد‭ ‬يستمر‭ ‬النمو‭ ‬الصيني‭ ‬بوتيرة‭ ‬سريعة‭ ‬وانتشار‭ ‬استثماراته‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وأفريقيا،‭ ‬بينما‭ ‬تبقي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬واحتياطي‭ ‬الدولار‭. ‬

يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تجزئة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي؛‭ ‬فقد‭ ‬ينشأ‭ ‬تحالف‭ ‬غربي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الدولار،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يقود‭ ‬المحور‭ ‬الآخر‭ ‬شبكة‭ ‬تحالفاته‭ ‬التجارية‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭. ‬تقنيّاً،‭ ‬تسعى‭ ‬كل‭ ‬قوة‭ ‬لتعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬السيبرانية‭ ‬وحماية‭ ‬بنيتها‭ ‬المعلوماتية‭ ‬من‭ ‬التهديدات،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انفصال‭ ‬في‭ ‬معايير‭ ‬الاتصالات‭ ‬والأمن‭ ‬الرقمي‭ ‬بين‭ ‬المعسكرين‭. ‬

جيوسياسياً،‭ ‬تتشكل‭ ‬تحالفات‭ ‬عسكرية‭ ‬وصراعات‭ ‬بالوكالة‭. ‬فإلى‭ ‬جانب‭ ‬تحالفات‭ ‬أمريكا‭ ‬التقليدية‭ (‬الناتو‭ ‬وحلفائها‭ ‬في‭ ‬آسيا‭)‬،‭ ‬تقيم‭ ‬الصين‭ ‬تحالفاتها‭ ‬الخاصة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬ودول‭ ‬آسيوية‭ ‬صاعدة‭. ‬يعزز‭ ‬هذا‭ ‬التنافس‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الساخنة؛‭ ‬فقد‭ ‬تتصاعد‭ ‬حدة‭ ‬النزاع‭ ‬حول‭ ‬مضيق‭ ‬تايوان‭ ‬وجزر‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي،‭ ‬وربما‭ ‬يتحول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬لتوازن‭ ‬قوى‭ ‬جديد،‭ ‬حيث‭ ‬تستفيد‭ ‬بعض‭ ‬دوله‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬بينما‭ ‬تتوجه‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬نحو‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬أو‭ ‬الروسي‭. ‬عمومًا،‭ ‬يوفر‭ ‬هذا‭ ‬الترتيب‭ ‬قطبين‭ ‬واضحين‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬ينشئ‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬نظام‭ ‬حلفائه‭ ‬ومعاييره‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخاصة‭.‬

تنطوي‭ ‬تداعيات‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬على‭ ‬صراع‭ ‬نشط‭ ‬بين‭ ‬كتلتين‭ ‬واضحتين‭. ‬فسيدعم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬القطبين‭ ‬حلفاءه‭ ‬تكنولوجياً‭ ‬واقتصادياً،‭ ‬بينما‭ ‬يتضاءل‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬بسبب‭ ‬الانقسام؛‭ ‬فقد‭ ‬تُدار‭ ‬الأزمات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬إطارين‭ ‬منفصلين‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬موحدة‭. ‬كما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬تسارع‭ ‬سباق‭ ‬التسلح‭ ‬التكنولوجي‭ ‬والعسكري‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬احتمالات‭ ‬التصعيد‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬إذا‭ ‬نجح‭ ‬الطرفان‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬توازن‭ ‬الردع‭ ‬بينهما،‭ ‬فقد‭ ‬يوفر‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬شكلاً‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬النسبي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الردع‭ ‬المتبادل‭.‬

عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب

في‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو،‭ ‬لا‭ ‬تسيطر‭ ‬قوة‭ ‬وحيدة‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬بل‭ ‬تتشارك‭ ‬عدة‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭. ‬قد‭ ‬يتحقق‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬إذا‭ ‬شهدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تراجعاً‭ ‬نسبياً‭ ‬في‭ ‬نفوذها،‭ ‬واستمر‭ ‬صعود‭ ‬الصين‭ ‬والهند،‭ ‬وتقدم‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الموحد،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والبرازيل‭ ‬ودول‭ ‬خليجية‭. ‬اقتصادياً،‭ ‬ينتظم‭ ‬العالم‭ ‬عبر‭ ‬شبكات‭ ‬تجارة‭ ‬واستثمارات‭ ‬متعددة‭ ‬الأطراف؛‭ ‬فلا‭ ‬يهيمن‭ ‬تكتل‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬العملة‭ ‬العالمية‭. ‬فقد‭ ‬تنسق‭ ‬مجموعات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬وتكتلات‭ ‬إقليمية‭ ‬أخرى‭ ‬سياساتها‭ ‬المشتركة،‭ ‬بينما‭ ‬تستفيد‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الفرص‭ ‬المفتوحة‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭. ‬تقنياً،‭ ‬قد‭ ‬يشهد‭ ‬العالم‭ ‬تعاوناً‭ ‬أوسع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬التقنيات‭ ‬الناشئة‭ ‬كالحوسبة‭ ‬الكمية‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬مع‭ ‬تفاوت‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬انتشارها‭ ‬بين‭ ‬المناطق‭.‬

‭ ‬جيوسياسياً،‭ ‬تشكل‭ ‬الشراكات‭ ‬المتعددة‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭. ‬فقد‭ ‬تستمر‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬تحالفاتها‭ ‬التقليدية‭ ‬بمرونة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تنشأ‭ ‬تحالفات‭ ‬جديدة‭ ‬حول‭ ‬مصالح‭ ‬محددة‭. ‬يشهد‭ ‬النظام‭ ‬تفاوضاً‭ ‬معقداً‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بسيطرة‭ ‬مطلقة‭ ‬لطرف‭ ‬واحد؛‭ ‬فقد‭ ‬تنضم‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬لاستثمار‭ ‬مشترك‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬ضخمة‭ ‬عبر‭ ‬القارات‭ ‬أو‭ ‬تطوير‭ ‬بنى‭ ‬تحتية‭ ‬دولية،‭ ‬ما‭ ‬يجمع‭ ‬مصالحها‭ ‬دون‭ ‬إخضاع‭ ‬كامل‭ ‬لأي‭ ‬قوة‭. ‬عمومًا،‭ ‬يصبح‭ ‬العالم‭ ‬ساحة‭ ‬تفاوض‭ ‬دائم‭ ‬حيث‭ ‬يحكم‭ ‬التنسيق‭ ‬المشترك‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬إرادة‭ ‬منفردة‭.‬

قد‭ ‬تتيح‭ ‬تعددية‭ ‬الأقطاب‭ ‬مساحة‭ ‬أكبر‭ ‬للمناورة‭ ‬للدول‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة،‭ ‬إذ‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬لتعظيم‭ ‬مصالحها‭. ‬كما‭ ‬يدفع‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الأطراف‭ ‬الفاعلة‭ ‬إلى‭ ‬تبادل‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬حول‭ ‬القضايا‭ ‬العالمية‭ ‬المشتركة؛‭ ‬فتحديات‭ ‬مثل‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬والأمن‭ ‬الصحي‭ ‬تتطلب‭ ‬مشاركة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬عديدة‭. ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬يطرح‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬تحدياً‭ ‬في‭ ‬التنسيق؛‭ ‬فقد‭ ‬يمتد‭ ‬الوقت‭ ‬اللازم‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬توافق‭ ‬حول‭ ‬قضية‭ ‬كبرى،‭ ‬وقد‭ ‬تغلب‭ ‬الحسابات‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬إذا‭ ‬نجحت‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬آليات‭ ‬تعاون‭ ‬دائمة،‭ ‬فقد‭ ‬يوفر‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬توازناً‭ ‬نسبياً‭ ‬لإدارة‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬بروح‭ ‬شراكة‭ ‬أوسع‭ ‬مقارنة‭ ‬بأي‭ ‬نموذج‭ ‬أحادي‭ ‬القطبية‭.‬

وختامًا،‭ ‬تظل‭ ‬ملامح‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬عام‭ ‬2030‭ ‬غامضة‭ ‬وغير‭ ‬محسومة،‭ ‬فقد‭ ‬يجمع‭ ‬المستقبل‭ ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سيناريو‭. ‬فقد‭ ‬تحافظ‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬هيمنة‭ ‬نسبية‭ ‬أو‭ ‬تشكل‭ ‬تحالفات‭ ‬جديدة،‭ ‬بينما‭ ‬يقوم‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬متعددة‭ ‬الأطراف‭. ‬وتلعب‭ ‬العوامل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬دوراً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المزيج؛‭ ‬فالاستثمارات‭ ‬في‭ ‬الابتكار‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬قد‭ ‬تعيد‭ ‬رسم‭ ‬موازين‭ ‬النفوذ،‭ ‬فيما‭ ‬يختبر‭ ‬العالم‭ ‬درجة‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬تحديات‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭.‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬صانعو‭ ‬القرار‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬هذه‭ ‬الاحتمالات‭ ‬بعين‭ ‬موضوعية،‭ ‬مع‭ ‬إضفاء‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المرونة‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬والتخطيط‭. ‬فالمخاطر‭ ‬الكبرى‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬الجمود‭ ‬أمام‭ ‬المتغيرات‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬اندلاع‭ ‬مواجهة‭ ‬صريحة‭ ‬بين‭ ‬القوى،‭ ‬بينما‭ ‬تتيح‭ ‬روح‭ ‬التعاون‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الجديدة‭ ‬فرصاً‭ ‬لتنمية‭ ‬مشتركة‭ ‬واستقرار‭ ‬أكبر‭. ‬يبدو‭ ‬إذن‭ ‬أن‭ ‬مفتاح‭ ‬استقرار‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬2030‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬التفاوض‭ ‬والتكيف‭ ‬بمرونة‭ ‬مع‭ ‬واقع‭ ‬معقد،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬التمسك‭ ‬بتصورٍ‭ ‬واحد‭ ‬جامد‭ ‬للمستقبل‭.‬

وبناءً‭ ‬عليه،‭ ‬فالتاريخ‭ ‬لا‭ ‬يُعاد،‭ ‬بل‭ ‬يُعاد‭ ‬تشكيله؛‭ ‬فالعالم‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬ليس‭ ‬أحاديًا‭ ‬بالضرورة،‭ ‬ولا‭ ‬فوضويًا‭ ‬بالكامل،‭ ‬بل‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬لوحة‭ ‬فسيفساء‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬والأولويات‭ ‬والمصالح‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬المستقبل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬به‭ ‬بدقة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬استشرافه‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة‭ ‬لتجنب‭ ‬تكرار‭ ‬كوارث‭ ‬الماضي،‭ ‬والتأسيس‭ ‬لعالم‭ ‬أكثر‭ ‬توازنًا‭ ‬وشمولاً‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬مساعد‭ ‬بقسم‭ ‬العلوم‭ ‬

الاجتماعية‭ ‬‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا