العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

المتعاطون.. بين خطأ السلوك وواجب الاحتواء

بقلم: نبيلة رجب

الاثنين ٣٠ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

الحديث‭ ‬عن‭ ‬المخدرات‭ ‬ليس‭ ‬سهلا،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإنساني،‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المجتمعي‭. ‬والخطأ‭ ‬الأكبر‭ ‬أن‭ ‬نختزله‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬فقط،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬نحصره‭ ‬في‭ ‬نظرة‭ ‬واحدة‭. ‬قرار‭ ‬إنشاء‭ ‬نيابة‭ ‬متخصصة‭ ‬لجرائم‭ ‬المواد‭ ‬المخدرة‭ ‬والمؤثرات‭ ‬العقلية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬خطوة‭ ‬مهمة،‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يتزايد‭ ‬فيه‭ ‬الوعي‭ ‬بخطورة‭ ‬هذه‭ ‬القضايا،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬حوادث‭ ‬مؤلمة‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬أبرياء‭ ‬بسبب‭ ‬القيادة‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬مواد‭ ‬تغيِّب‭ ‬العقل‭ ‬وتترك‭ ‬في‭ ‬أثرها‭ ‬وجعا‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬القلوب‭ ‬والبيوت‭.‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬أيضا‭ ‬ألا‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬الوعي‭ ‬العام‭ ‬خطورة‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يلعبه‭ ‬المروّجون‭ ‬والمهربون‭. ‬هؤلاء‭ ‬ليسوا‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬المشكلة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يغذونها‭ ‬عمدا،‭ ‬ويسهمون‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬دائرتها‭ ‬بلا‭ ‬وازع‭. ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬حازما،‭ ‬واضحا،‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تهاون،‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يُقحمون‭ ‬أنفسهم‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الجريمة،‭ ‬بل‭ ‬يفتحون‭ ‬أبوابه‭ ‬للآخرين‭. ‬ووسط‭ ‬كل‭ ‬جهود‭ ‬الاحتواء‭ ‬والعلاج،‭ ‬يبقى‭ ‬الردع‭ ‬واجبا‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬التراخي‭ ‬فيه‭ ‬تجاه‭ ‬من‭ ‬يُتاجر‭ ‬بسموم‭ ‬تُهدد‭ ‬أمن‭ ‬الناس‭ ‬وسلامة‭ ‬أبنائهم‭.‬

ورغم‭ ‬وضوح‭ ‬المشهد،‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬الإنصاف‭ ‬أن‭ ‬نُعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬المتعاطين،‭ ‬لا‭ ‬بمنظار‭ ‬التبرير،‭ ‬بل‭ ‬بمنظار‭ ‬الفهم‭ ‬العميق‭ ‬للسلوك‭ ‬الإنساني‭ ‬حين‭ ‬يضعف‭. ‬فليس‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تورَّط‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬كان‭ ‬يقصد‭ ‬الفساد،‭ ‬بل‭ ‬أحيانًا‭ ‬كانت‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬هشاشة‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يرممها،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬نفسي‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬يفهمه،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬تغرير‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬غياب‭. ‬الخطأ‭ ‬يظل‭ ‬خطأً،‭ ‬والمساءلة‭ ‬لا‭ ‬تُسقط،‭ ‬لكن‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬العقوبة‭ ‬وحدها‭ ‬يجعلنا‭ ‬ندور‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الدائرة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نكسرها‭ ‬من‭ ‬جذورها‭.‬

من‭ ‬التجارب‭ ‬المؤلمة،‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬التعاطي‭ ‬قد‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬لاحقا‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬أشد‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬ذاته،‭ ‬لا‭ ‬بسبب‭ ‬الحكم‭ ‬القانوني،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬المجتمع‭ ‬لا‭ ‬يمنحه‭ ‬فرصة‭ ‬ثانية‭. ‬وكأن‭ ‬السقطة‭ ‬تلازمه‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬حتى‭ ‬حين‭ ‬يحاول‭ ‬النهوض‭.‬

وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬تنوعت‭ ‬أساليب‭ ‬المواجهة،‭ ‬فاختارت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الدمج‭ ‬بين‭ ‬الوقاية‭ ‬والعلاج‭ ‬والعقوبة،‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬مجتمعها‭. ‬البرتغال،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬اتخذت‭ ‬نهجا‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬الإحالة‭ ‬إلى‭ ‬لجان‭ ‬دعم‭ ‬نفسي‭ ‬واجتماعي‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالإجراءات‭ ‬القضائية‭. ‬وفي‭ ‬آيسلندا،‭ ‬كانت‭ ‬الوقاية‭ ‬المبكرة‭ ‬عبر‭ ‬التعليم‭ ‬والنشاطات‭ ‬المجتمعية‭ ‬ركيزة‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬نسب‭ ‬التعاطي‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭. ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬لا‭ ‬تُعرض‭ ‬هنا‭ ‬للمقارنة،‭ ‬بل‭ ‬للاستئناس،‭ ‬ولمواصلة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفعله‭ ‬نحن‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬واقعنا‭ ‬وقيمنا‭ ‬وتقاليدنا‭.‬

في‭ ‬البحرين،‭ ‬لله‭ ‬الحمد‭ ‬هناك‭ ‬جهود‭ ‬تبذل‭ ‬بالفعل‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬متعددة،‭ ‬ونقدر‭ ‬ذلك،‭ ‬لكن‭ ‬التحدي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التكامل‭ ‬بينها،‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬المبادرات‭ ‬بما‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬احتياجات‭ ‬الواقع‭ ‬المتغير‭.‬

وإن‭ ‬تأملنا‭ ‬في‭ ‬أبعاد‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬فلن‭ ‬نجد‭ ‬أنها‭ ‬إنسانية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬أيضا‭ ‬أثرا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬بالغا‭. ‬فالتعامل‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬التعاطي‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬العلاج‭ ‬والتأهيل،‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬يُمكن‭ ‬فيها‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يُخفف‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الأعباء‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬العدلية،‭ ‬بل‭ ‬يُجنب‭ ‬الدولة‭ ‬خسائر‭ ‬إضافية‭.‬

تكلفة‭ ‬الحبس‭ ‬‭ ‬بما‭ ‬يشمله‭ ‬من‭ ‬تشغيل‭ ‬وسكن‭ ‬ورقابة‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تفوق‭ ‬تكلفة‭ ‬العلاج‭ ‬المتخصص،‭ ‬الذي‭ ‬يُسهم‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬دمج‭ ‬الفرد‭ ‬كمساهم‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬عبئا‭ ‬عليه‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬إقصاء‭ ‬المتعافين‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬لا‭ ‬يخسرهم‭ ‬وحدهم،‭ ‬بل‭ ‬يُهدر‭ ‬طاقة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭.‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬يمكن‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أدوات‭ ‬داعمة‭ ‬تُكمّل‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬التشريعات،‭ ‬مثل‭ ‬مبادرات‭ ‬تُعرف‭ ‬بـ«برامج‭ ‬الفرصة‭ ‬الثانية‮»‬،‭ ‬تُطلقها‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬لتمكين‭ ‬المتعافين‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬ضمن‭ ‬بيئة‭ ‬احترافية‭ ‬آمنة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مراكز‭ ‬للدعم‭ ‬النفسي‭ ‬يسهل‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬السكنية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تطبيقات‭ ‬ذكية‭ ‬تراعي‭ ‬الخصوصية‭ ‬وتُسهم‭ ‬في‭ ‬المتابعة‭ ‬والدعم‭ ‬بطرق‭ ‬مرنة‭ ‬ومبتكرة‭.‬

لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬سلطة‭ ‬القانون،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬تكامل‭ ‬الأدوار‭ ‬حوله،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬وحده‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬ظاهرة‭ ‬معقدة،‭ ‬بل‭ ‬يُسانده‭ ‬وعي‭ ‬مجتمعي،‭ ‬ونُضج‭ ‬مؤسسي،‭ ‬وحلول‭ ‬عملية‭ ‬متجددة‭.‬

نحن‭ ‬لا‭ ‬نقلل‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬المؤثرات‭ ‬العقلية،‭ ‬ولا‭ ‬نطالب‭ ‬بتخفيف‭ ‬الرقابة‭ ‬أو‭ ‬العقوبة،‭ ‬لكننا‭ ‬ندعو‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المواجهة‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬النص،‭ ‬وأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭.‬

لأن‭ ‬العدالة‭ ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬حين‭ ‬يُغلق‭ ‬ملف‭ ‬القضية،‭ ‬بل‭ ‬حين‭ ‬يُفتح‭ ‬باب‭ ‬جديد‭ ‬لحياة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

 

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا