يقول المهاتما غاندي: «الصحة هي الثروة الحقيقية وليس قطعة من الذهب والفضة»!
من هنا جاءت فكرة وأهمية علم الميتاهيلث، وهو نهج علمي حديث نسبيا تم اكتشافه في أواخر سبعينيات القرن الماضي يعتمد على فهم العلاقة بين الحالة النفسية والجسدية، وكيف تؤثر مشاعر بعينها في صحة الأفراد، ومن ثم مساعدتهم على التعافي من بعض الأمراض العضوية التي ترتبط بالأفكار اللا واعية والعوطف.
شيماء يعقوب البلوشي مدربة مهارات الحياة، هاجرت إلى كندا منذ 14 عاما، وبعد سنوات من الغربة قررت دراسة هذا المجال والتخصص فيه فكانت أول بحرينية تلتحق بالمنظمة الدولية للطب الشعوري الذي تراه الملاذ لحل لغز كثير من المشكلات الصحية التي حيرت العلماء والذي اكتشفه الطبيب الألماني غريت هامر بعد تعرض ابنه لحادث أودى بحياته في عام 1978 الأمر الذي أدى إلى إصابته بمرض السرطان هو وزوجته بسبب تعرضهما لضغوطات نفسية شديدة.
حول هذه التجربة كان الحوار التالي الذي استعرضنا خلاله أهم محطات الهجرة والغربة والكفاح والنجاح:
حدثينا عن طفولتك؟
- أنا أنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وحين وعيت على الدنيا وجدت أمي تعمل وتتحمل مسؤولية أبنائها الخمسة، واتخذت منها قدوة في حياتي بشكل عام حيث كنت أراها دائما العمود الفقري لأسرتنا حتى بعد مرضها، هذا فضلا عن نشاطها التطوعي البارز، كما كان لأخي تأثير كبير في تشكيل شخصيتي وتطوير شغفي بالقراءة منذ المرحلة الابتدائية، حيث كانت لدينا مكتبة ضخمة في المنزل تضم أمهات الكتب في كل أنواع العلم والمعرفة.
كيف تطور شغفك بالقراءة؟
- لقد غرس أخي الكبير في داخلي حب البحث عن المعلومات في أي مجال، فحين كنت أسأله عن أي معلومة كان يحفزني على الوصول إليها بنفسي، وهذا صقل من شخصيتي وجعلني دائمة اللهث وراء المعرفة خاصة في ظل وجود وسائل التواصل الحديثة التي سهلت علينا هذا الأمر، وكان شغفي الأساسي في مجال تاريخ الحضارات وعلم الآثار حتى أنني تمنيت أن أصبح عالمة آثار في المستقبل، ولكن لم يكن هذا التخصص متوفرا بالبحرين، فأقبلت على دراسة إدارة الأعمال بمعهد البحرين للتدريب، وكنت ضمن أول دفعة تخرجت في نظام المقررات، ولذلك كانت مرحلة الثانوي من أصعب المراحل.
وبعد التخرج؟
- بعد التخرج عملت لدى أكثر من جهة، ثم تزوجت وتفرغت لأسرتي، وفي هذا الوقت قدمت أنا وزوجي الذي يحمل جنسية غير بحرينية على الهجرة، وبالفعل سافرنا إلى كندا، وبدأنا هناك من تحت الصفر، وكافحنا سنوات طوال حتى استقرت أوضاعنا، وظللت حوالي ستة أعوام من دون أي عمل، ثم بدأت مشواري المهني بعد أن بلغ عمر ابني الصغير حوالي سبعة أشهر بينما كانت ابنتي قاربت على الثلاثة أعوام.
متى بدأت علاقتك بالطب؟
- في البداية كانت لدى رغبة في دراسة تخصص التاريخ الذي أعشقه ولكن نظرا لصعوبة التحاقي بالجامعات هناك وكذلك المناهج نصحني زوجي بالبحث عن تخصص آخر، فقررت خوض مجال الإدارة الطبية، ودخلت عالم الطب، وكان شيئا جديدا تماما بالنسبة لي، وبعد عام حصلت على دبلوم في هذا المجال وبحثت عن فرصة عمل به بعد فترة من التدريب وكذلك التطوع في مستشفى كلية البنات الجامعية مدة عام، وبالطبع اكتسبت خبرات متنوعة ثم التحقت للعمل كمحاسبة في إحدى الشركات وحتى الآن، ثم شعرت بأهمية التعمق فيما يسمى بالطب الشعوري.
لماذا الطب الشعوري؟
- الطب الشعوري يفسر العلاقة بين الحالة الصحية الجسدية والنفسية وهو يفسر الكثير من الأسرار وراء تلك العلاقة ومنها ما يسمى بكدمات الحزن والتي تظهر بشكل تلقائي عند التعرض للتوتر الشديد والصدمات العاطفية علي سبيل المثال، وهو مجال حديث نسبيا وجاءت فكرته انطلاقا من رغبتي في تطوير ذاتي ومهاراتي، وقد جذبتني فكرة أنه يبحث في العلاقة بين الروح والعقل والجسد وعن طريقه يمكن تشخيص الكثير من الأمراض التي يعاني منها البعض بسبب المشاعر السلبية، ومن ثم التوصل إلى الأسباب الشعورية التي تسهم في أمراض عضوية، وهو شيء جديد على ثقافتنا كعرب، وفي الفترة الأخيرة بدأ الوعي به ينتشر لدينا وخاصة في جمهورية مصر العربية حيث يوجد بها مركز كبير في هذا التخصص، كما التحقت بالمنظمة العالمية للطب الشعوري للحصول على شهادة متخصصة ثم بدأت مدربة لمهارات الحياة إلى جانب الدراسة.
كيفية العلاج في الطب الشعوري؟
- العلاج في الطب الشعوري ليس دوائيا بل سلوكيا، وهو أمر يتوقف حسب كل حالة ومعتقداتها وثقافتها، ومؤخرا دخلت عالم العلاج بالألوان وهو ما يسمى اختبار لوشر التشخيصي وعن طريقه يتم أخذ أشعة مقطعية للمشاعر وذلك عبر تسعة أسئلة، ثمانية منها عن الألوان، والتاسع عن الأشكال، وحاليا بصدد الحصول على الشهادة من سويسرا وهي مقر معهد لوشر للألوان وباللغة العربية.
إلى أي مدى تؤمن مجتمعاتنا بهذا النوع من العلاجات؟
- واقعيا مازال هناك تشكك في فعالية مثل هذه العلاجات في مجتمعاتنا إلى حد ما، حتى في مجتمع مثل كندا الذي يضم ثقافات ومعتقدات متنوعة نجد هناك من يتقبلها وآخرين يرفضونها، والأمر في النهاية يختلف من شخص إلى آخر بحسب قناعاته والقيم والمبادئ التي تربى ونشأ عليها.
أصعب تحدٍ؟
- أصعب تحدٍ واجهته كان بعد الهجرة والبعد عن الأهل والشعور بالاستقلالية التامة، وقد تعلمت خلال 14 عاما بعيدا عن وطني أن الإنسان يستطيع فعل أي شيء طالما توفرت لديه الإرادة، صحيح أننا خلال الثلاث سنوات الأولى واجهنا صعوبات ومشاكل كثيرة مادية وثقافية إلا أنه مع الوقت تأقلمنا على حياتنا الجديدة ولله الحمد استطعنا أن نربي أبناءنا على الطريقة الشرقية وحرصنا على تعليمهم اللغة العربية وصنعنا منهم أشخاصا أسوياء، وقد تحقق ذلك بالطبع بالشراكة بيني وبين زوجي، وبالإرادة تخطينا الكثير من الحواجز وعبرناها بسلام.
من ماذا حرمتك الهجرة وماذا منحتك؟
- يمكن القول إن الهجرة حرمتني من الوجود مع الأهل والأصدقاء ومن مشاركتهم الأفراح والأتراح، وهو شيء صعب بالتأكيد، ولكنها في المقابل منحتني الحرية والتطور والمعرفة والعلم والاستقلالية، ولا شك أن لكل شيء ضريبة علينا أن ندفعها مهما كان الثمن غاليا، ولكني أجزم بأنها في النهاية تجربة تستحق أن تعاش، فالحياة عبارة عن تجارب، وعلينا أن نتعلم منها الكثير من العبر والدروس التي نستفيد ونفيد الآخرين منها عبر مسيرتنا.
حلم ضائع؟
- حلمي الضائع كان أن أصبح عالمة آثار في المستقبل، فكم تمنيت أن يتحقق هذا الطموح الذي يتماشى كثيرا مع ميولي منذ الصغر، ولكن علينا جميعا أن نستسلم لأقدارنا ونرضى بها ونتعايش معها، وقد كان قدوتي في ذلك العالم المصري الشهير دكتور زاهي حواس والذي كان بالنسبة إلي نموذجا يقتدى به في علمه وثقافته.
طموحك القادم؟
- أنا في مجالي أعطي وأنجز الكثير وهو شيء أفخر به، وكل ما أتمناه هو أن أكون مؤثرة في الوطن العربي بشكل عام وفي البحرين بصورة خاصة، وأطمح في أن يكون هناك مراكز للتدريب على الطب الشعوري لمساعدة الآخرين على التواصل مع مشاعرهم وأجسادهم، وخاصة فيما يتعلق بالنساء الحوامل وتهيئتهن لتنشئة جيل صحي قادر علي مواجهة ما يتم حاليا من تآمر للسيطرة على العالم عبر البرمجيات والأفكار التي تهدف إلى إخراج الناس عن فطرتهم التي خلقوا عليها والأمثلة على ذلك كثيرة.
مثل ماذا؟
- أقرب مثال على ذلك هو تكريس فكرة القوة الأنثوية بشكل لافت وتحقيق المرأة للاستقلالية بصورة متطرفة، والتي أراها قد أضرت بها وساهمت بصورة أو بأخرى في انتشار بعض الأمراض النفسية في السنوات الأخيرة كالتوحد وفرط الحركة وتشتت الانتباه وغيرها من المشاكل التي ترتبط بطبيعة الحياة العصرية التي نعيشها اليوم.
هل تؤيدين المساواة المطلقة؟
- شخصيا أنا ضد تبادل الأدوار بين الرجل والمرأة والمساواة التامة بينهما، فلكل منهما طبيعته وفطرته التي خلق عليها ومسؤولياته التي تتماشى مع نوعه، وفي المقابل أؤيد وبشدة المساواة في الحقوق بينهما، ويجب أن نعترف هنا بأن صناعة الرجال هي مسؤولية التربية التي تتم بالشراكة بين الزوجين وهو أمر يجب أن ننشر الوعي به بين الشباب المقبل على الزواج اليوم ولو من خلال دورات تدريبية تؤهلهم لخوض تجربة زواجية ناجحة بكل المقاييس وهو ما نلحظ تحقيقه على أرض الواقع في الفترة الأخيرة ولو بشكل محدود.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك