يقول الأديب الروماني الشهير هوراس: «احتفظ لخططك في الحياة بقدر كاف من المرونة يسمح لك بالتعامل مع مختلف الظروف والمتغيرات».
هذا بالفعل ما جاء في دراسة أمريكية أكدت أن أصحاب الشخصية المرنة الذين يحسنون التعامل مع الأوضاع الصعبة يتعافون بسرعة بعد التعرض لأي نكسة، كما يزداد لديهم احتمال الاستفادة بشكل أفضل، وهو ما أثبتته على أرض الواقع تجربة هذه المرأة.
أمل يوسف أبو الفتح، أول بحرينية تتقلد منصب رئيس قسم تراخيص المزارع السمكية بالثروة البحرية بالمجلس الأعلى للبيئة، تتمتع بقدرة فائقة على الإيمان بنفسها والثقة في قراراتها والتكيف مع أي تغييرات قد تصل إلى حد النكسات قد تطرأ على حياتها.
هي امرأة من طراز خاص تتحلى بطاقة خارقة تمكنها من مواكبة التغيير، ومن توليد أكبر عدد ممكن من الأفكار بشأن الموقف الذي تمر فيه، انطلاقا من قناعتها بأن التجارب الإنسانية ليست للندم بل للتعلم والاستفادة وبأنها المصدر لاكتساب المهارات والأدوات التي تمكنها من مواجهة صراعات الحياة والانتصار عليها.
بصمات نسائية توقفت عند هذه التجربة المتميزة والمتفردة وذلك في الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
- لقد نشأت في عائلة تقطن محافظة المحرق العريقة، الأمر الذي أثر في شخصيتي كثيرا، وكنت متفوقة ومتميزة في الدراسة، أما هواياتي منذ الصغر فتمثلت في فن الرسم الذي شاركت من خلاله في كثير من الأنشطة والمسابقات التي حققت فيها التألق، وأذكر أن أول فوز لي في هذا المجال كان في مسابقة على مستوى البحرين وكان عمري حينئذ عشر سنوات، حيث شاركت بلوحة عن الألعاب الشعبية انطلاقا من تعلقي بالتراث وبالبيوت القديمة التي كنت أهوى زيارتها، إضافة إلى هواية أخرى أسهمت بشكل كبير في صقل شخصيتي.
وما هذه الهواية؟
- كنت طفلة نهمة بشدة للقراءة وخاصة في مجالي الأدب والتاريخ، ويرجع الفضل في ذلك إلى والدتي التي كانت قارئة جيدة وتحرص دوما على أن تشاركني في قراءاتها المتنوعة، حيث كانت تلخص لي ما تقرأ وبأسلوب شيق وخاصة ما تطلع عليه في مجلة الوثيقة الشهرية وجريدة «أخبار الخليج» ومن ثم يمكن القول إنها لعبت دورا كبيرا في مسيرتي وتشكيل شخصيتي وتفوقي العلمي وثقافتي وفي ثقتي الكبيرة في نفسي.
ماذا عن ميولك العلمية؟
- أنا عاشقة للتخصص الأدبي منذ الصغر وكنت في طفولتي صديقة نفسي وأدون مذكراتي وأعبر عن نفسي بالكتابة والرسم، كما كنت أتميز بالمرونة الشديدة والقدرة على التكيف مع أي موقف أو ظرف، وهذا ما حدث عند انتقالنا إلى منطقة البسيتين في الصف الأول الإعدادي، فهنا تأكدت من شجاعتي ومن تكيفي مع أي بيئة وذلك رغم تخوفي في البداية، وفجأة وجدت نفسي أتحول إلى المسار العلمي نظرا إلى تفوقي الأكاديمي، وقررت دراسة الطب البشري، ثم حدث أن حصلت على بعثة لدراسة الهندسة المعمارية بجامعة البحرين وكان لي مشاركات عديدة في مختلف الأنشطة خلال فترة الثانوية العامة والدراسة الجامعية.
مثل ماذا؟
- في مرحلتي الثانوي والجامعة كانت لي مشاركات متنوعة في عديد من الأنشطة الشبابية، فقد أسهمت في إنشاء ملتقى الشباب، وتزامن ذلك مع مشروع ميثاق العمل الوطني، والذي مثل لنا مرحلة بداية الوعي السياسي المجتمعي وخاصة فئة الشباب الذي كان يحمل بداخله طاقات مميزة بل وجبارة، وخلال تلك الفترة تمكنت من إقامة علاقات اجتماعية واسعة وتولدت بداخلي الرغبة في ترك بصمة وأثر في المحيط من حولي كما انضممت إلى جمعية المهندسين البحرينية أثناء الدراسة.
وبعد التخرج؟
- قبل التخرج بعام تقريبا تم زواجي، وكانت أول محطة عملية لي بعد التخرج في الجامعة في قطاع البلديات، وقد عزمت على مواصلة دراساتي العليا في تخصص علوم الإدارة الهندسية بجامعة البحرين، ثم حصلت على رسالة الماجستير والتي كانت تحت عنوان «النزاعات في المشاريع الإنشائية العامة»، وكنت أول من قدم اقتراح إجراءات استباقية قبل حدوث النزاع لتجنب وقوعه ومن ثم تفادي تعطيل أي مشروع إنشائي.
حدثينا عن تجربة الزواج المبكر؟
- لقد كان زواجي خلال آخر عام دراسي من الجامعة مخاطرة فيما يتعلق بتحقيق مستقبلي العلمي والعملي لأنه تم مبكرا نسبيا، وخاصة أنني كنت متفوقة أكاديميا، وكان من المفترض أن أصبح أستاذا مساعدا بالجامعة ولكن بسبب مسؤولياتي الأسرية لم أتمكن من ذلك كما أن حصولي على رسالة الماجستير قد تأخر كذلك، ولكني عزمت على مواصلة أهدافي وحدثت النقلة المهمة في مساري حين انتقلت من مهنة أستاذة في الجامعة إلى وظيفة مهندسة في قطاع البلديات، وكانت البداية في قسم تراخيص الخدمات البلدية ثم أصبحت أول مهندسة بحرينية تعمل مهندس متابعة شؤون النظافة وكان ذلك في عام 2013.
أصعب تحد؟
أصعب تحد واجهته كان لكوني امرأة تعمل في مجال ذكوري في مبنى البلديات بمنطقة الحد، ولكني تعلمت من العنصر الرجالي الكثير في هذا المجال وتزامن ذلك مع انتشار ثقافة تمكين المرأة البحرينية آنذاك، ثم أصبحت مهندس أول في الرقابة الفنية التابع لمكتب المدير العام وجاء ذلك تتويجا لجهودي السابقة، بعدها توليت منصب رئيس الأملاك والأسواق ببلدية المحرق، وخلال هذه الفترة اكتسبت مهارات متنوعة وخبرات واسعة وخاصة أن مجالي كان يتعلق بالقطاع الاقتصادي إلى جانب المجال الخدمي ثم جاء إنجاز آخر مهم.
وما هذا الإنجاز؟
- لقد شاركت في مسابقة الإبداع البلدي بمقترح عن «فرصتك للانتفاع بالأملاك البلدية» ونلت عنه جائزة الإبداع البلدي، وكان ذلك مصدر فخر واعتزاز لي كبيرين، ومن هنا زادت ثقتي في نفسي، وارتفع سقف طموحي، وشعرت بأنني أحمل بداخلي طاقة وقوة ومسؤولية أكبر من ذي قبل، ثم تم تعييني كأول امرأة أمين سر في المجالس البلدية بعد أن كان هذا المنصب محسور فقط على العنصر الرجالي، بعدها انتقلت من العمل في مجال التراخيص والخدمات الحكومية في شؤون البلديات إلى قطاع الاستزراع البحري، وهو عملي الحالي وكنت أول بحرينية تحتل هذا المنصب، ولعل أهم ما أتمتع به هو الرؤية الإنسانية لأي خدمة أقدمها لوطني الأمر الذي كان وراء ما حققته اليوم.
أهم إنجاز؟
- لعل من أهم الإنجازات التي حققتها هو التأقلم الشديد وبمنتهي المرونة على التغيير الوظيفي عبر مسيرتي في أي موقع وتحت أي ظرف، ومن ثم تطور طموحاتي وأهدافي، حتى حين أصبحت زوجة وأما وجدت نفسي أبذل جهودا مضاعفة لتحقيق الموازنة بين كل مسؤولياتي المتشعبة قدر الإمكان، ولم يكن بالطبع أمرا هينا، ومررت بفترات غاية في الصعوبة ولكن بفضل شخصيتي المرنة عبرت كل العثرات بسلام وأمان وبأقل الخسائر الممكنة.
كيف تواجهين أعداء النجاح؟
- سلاحي في الحياة عموما هو التعلم المستمر والتطوير الذاتي والمواصلة والحرص على التميز، وهو ما يتماشى مع رؤية صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة للمرأة البحرينية، وكم أتمنى أن أحتل منصبا قياديا أحقق من خلاله الكثير من الأهداف التي تصب في صالح النساء البحرينيات بصفة خاصة والمجتمع بشكل عام.
خطتك الحالية؟
- أعكف حاليا على تحقيق التمكين التكنولوجي وتأهيل نفسي جيدا في هذا المجال لمواكبة التطور التقني الذي نعيشه اليوم في مختلف أوجه الحياة، وذلك لإعداد نفسي لأي مسؤولية قيادية يمكنني من خلالها رد الجميل لوطني وأعترف بأنني وقعت في حب العمل الحكومي وأشعر بأنه مازال بجعبتي الكثير لأقدمه، وخاصة في مجال الإرشاد والتوجيه الذي عملت به فترة في مركز الموهوبين ولكني للأسف لم أواصل مسيرتي في هذا الاتجاه، وعموما أرى مجالي الحالي واعدا ويمثل فرصة ذهبية للانطلاق والتعلم وخاصة أنه مجال جديد يرتبط باستدامة الغذاء العضوي ومن ثم تحقيق الأمن الغذائي وهو ما يتماشى مع رؤية جلالة الملك المعظم.
كلمة أخيرة؟
- لقد تعلمت الكثير من الأستاذة لمياء تلفت صاحبة التجربة الثرية على الصعيد الإنساني والعملي، وخاصة فيما يتعلق بأسلوب تعاملها مع المسؤولين ومع من حولها، والتي تشرفت بالعمل تحت إدارتها، ومن ثم أسير اليوم على خطاها، وكم أنا فخورة بما حققته وما سوف أنجزه في مجال الثروة البحرية بعد انتقالها إلى المجلس الأعلى للبيئة بالمرسوم رقم 15 لعام 2024 وهي خطوة شجاعة بالنسبة إليّ لم أتخوف منها على الإطلاق لعشقي للتجديد والتطوير ولخدمة وطني في أي مجال كان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك