أول معلمة بحرينية جليسة كرسي متحرك.. عضو نادي توستماسترز العزم لذوي الاحتياجات الخاصة الأول من نوعه في العالم.. الوحيدة من ذوي الهمم في فريق أكاديمية المسعفين البحرينية.. الناشطة الاجتماعية والتربوية سارة أحمد بوصالح لــ «أخبار الخليج»:
يقول عالم الفيزياء الأسطوري ستيفن هوكينج مخاطبا ذوي الهمم: «يجب التركيز على الأشياء التي يمكن القيام بها رغم الإعاقة.. ولا تجعل روحك معاقة مثل جسدك»!
بالفعل التعايش مع الابتلاء قد يجعل صاحبه رمزا للعطاء والقوة والتحدي، طالما توفرت لديه القناعة بأن الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الروح والعقل، وهذا ما ينطبق بالفعل على تجربة هذه الفتاة البطلة التي ابتلاها الخالق سبحانه وتعالى بمرض أقعدها عن الحركة في زهرة العمر، لتصبح نموذجا حيا للرضا والبذل، ولتؤكد أن للحياة معاني روحية سامية عميقة يكتشفها المرء عند المحن والشدائد.
سارة أحمد بو صالح، أول معلمة بحرينية جليسة كرسي متحرك، استطاعت وعن جدارة أن تترك بصمة خاصة بها في عالم ذوي الهمم، بعد أن حولت إعاقتها إلى انطلاقة وإلى مصدر للقوة والنجاح، فأصبحت عضوا في نادي توستماسترز العزم الأول من نوعه في العالم، هذا فضلا عن كونها المسعفة الأولية الوحيدة من ذوي الهمم في فريق أكاديمية المسعفين..
الرحلة مع المرض والعطاء والنجاح كانت شاقة، إلا أنها تحمل في طياتها الكثير من المتعة والتفاني والعبر والدروس، لذلك استحقت التوقف عند أهم محطاتها في الحوار التالي:
*حدثينا عن طفولتك؟
- لقد عشت طفولة هادئة وسعيدة، وكنت دائما من المتفوقين في الدراسة، وعاشقة للكتابة والشعر والإلقاء، وكثيرا ما حلمت بأن أصبح في المستقبل معلمة أو طبيبة، وفي المرحلة الثانوية التحقت بالمسار الأدبي، ثم قررت الالتحاق بكلية البحرين للمعلمين من دون أي تخطيط مسبق، وأثناء دراستي الجامعية انقلبت حياتي رأسا على عقب.
*لماذا؟
- في العام الثاني من الدراسة الجامعية ظهرت علي أعراض مرضية شديدة أشعرتني بأنني عاجزة عن الحركة، كما فقدت الإحساس بقدمي حتى إنني أصبت بحروق درجة ثانية بها ولم أشعر بأي ألم، وهنا تم تشخيص الحالة بأنها إصابة بالتهاب حاد في الحبل الشوكي (علميا التهاب النخاع المستعرض)، وكان عمري عندئذ 19 عاما، وللأسف الشديد أقعدني هذا المرض عن الحركة وأصبحت أستخدم الكرسي المتحرك، وبالطبع كانت صدمة شديدة لي ولعائلتي حيث استغرق مني تجاوزها بعض الوقت.
*كيف تعاملتِ مع هذه الصدمة؟
- في البداية انقطعت عن كل شيء في الحياة وفضلت العزلة والعيش في عالمي الخاص وذلك لإنكاري وضعي الجديد ، ولكن مع الوقت وتلقي العلاج الطبيعي وصلت إلى مرحلة التقبل، وساعدتني على ذلك أخصائية العلاج الطبيعي التي نصحتني بضرورة التعايش مع مرضي والتأقلم عليه، مؤكدة لي أن نظرة الناس اختلفت تجاه مثل هذه الحالات، ووجهتني إلى إطلاق حساب خاص بي على الانستجرام لأتحدث من خلاله عن نفسي ومرضي، وبالفعل أدركت أن المجتمع قد تغير في تعامله وتعاطيه مع مثل هذه الحالات وذلك عبر ما وجدته من ردود أفعال كثيرين وهنا قررت أن أخرج من عزلتي وأعود إلى دراستي.
*أصعب تحد؟
- أصعب فترة مرت بي كانت ما قبل التشخيص، ولا شك أن الدخول في مرحلة التقبل كان تحديا كبيرا، ويمكن القول إنني عقب تجاوزي الشعور بالصدمة لم أواجه أي صعوبات أثناء الدراسة الجامعية حيث وجدت كل الدعم والتسهيلات من قبل الإدارة والزملاء وبصورة لم أكن أتوقعها، ولله الحمد نجحت وتخرجت.
*بعد التخرج؟
- عقب التخرج في الجامعة تقدمت للعمل لدى وزارة التربية والتعليم كمعلمة لتحقيق حلمي منذ طفولتي، وبالفعل بدأت مشواري في هذا المجال بمدرسة ابتدائية للبنين، ولم أواجه أي مشكلة مع الطلاب رغم صغر سنهم، وكذلك مع آبائهم حيث أوضحت للجميع الصورة الكاملة من البداية، وأذكر أن منسقة نظام الفصل نصحتني حينئذ بأفضلية التدريس للصفوف الدراسية المتقدمة لسهولة التعاطي مع الطلبة، لكني رفضت ذلك.
*لماذا؟
- لقد أصررت على التدريس لطلاب المرحلة الابتدائية انطلاقا من قناعتي بأنني قادرة على التعامل مع كل الأعمار، وكان الأمر بالنسبة إلي يمثل نوعا من التحدي، فضلا عن رغبتي في المساهمة في تأسيس الأطفال في هذه المرحلة العمرية المبكرة، وقد شرحت لهم من البداية وضعي وضرورة مساعدتي في مهمتي عبر القيام ببعض المهام في الصف نظرا لظروفي، ولله الحمد تمكنت من بناء علاقة قوية معهم ومع آبائهم، ونجحت في مهنتي.
*مفهومك للإعاقة؟
- الإعاقة الحقيقية في رأيي ليست إعاقة الجسد بل العقل والروح، وبكل فخر يمكنني أن أقول إن مرضي هذا كان وراء انطلاقتي وتغيير نظرتي للحياة، والإيمان بنفسي وبقدراتي بدرجة أكبر من ذي قبل، وأذكر أنني حين مرضت شعرت باستحالة تحقيق حلمي في أن أصبح معلمة في المستقبل، ولكني وبفضل الله سبحانه وتعالى وبدعم من حولي وصلت إلى هذا الحلم على الكرسي المتحرك، وكل ما أتمناه لذوي الهمم هو الخروج من عالمهم المحدود، والانفتاح على المجتمع، والاندماج فيه، وفي المقابل التأكيد على توفير البيئة المناسبة والمهيأة لهم كي يتمكنوا من تحقيق ذلك.
*أيهما أهم بالنسبة لك التعليم أم التربية؟
- لقد أثبت عبر تجربتي أن هذه المهنة شغف قبل كل شيء وليست مجرد وظيفة، وأنا أرى أن التربية يجب أن تسبق التعليم، فالمعلم يجب أن يلعب دورا كبيرا في تنشئة الأجيال، وهو أمر غير متوفر لدى جميع منتسبي هذا العمل، وتلك هي الرسالة التي يجب التركيز عليها واستطعت الإيفاء بها بتوفيق من الخالق سبحانه وتعالى.
*أفضل السبل للتعامل مع الجيل الجديد؟
- يجب أن نجزم جميعا بأن الجيل الجديد سابق عصره وعمره، ومن ثم هناك صعوبة في التعامل معه، وأحيانا نصدم بكم المعلومات التي لديه بل ونوعيتها خاصة وأن وسائل التواصل الاجتماعي لا تميز الصالح من الطالح، لذلك يصبح هذا الجيل أرضا خصبة لتلك الوسائل للتعلم والتقليد، ومن هنا تأتي أهمية دور المعلم في فهم وتشكيل شخصية الطالب وفي تربيته، وفي تنشئته على القيم والمبادئ الجميلة والأصيلة، وفي مقدمتها عدم الحكم على الآخرين من خلال المظهر الخارجي، وكي نسهل هذه المهام على المعلم يجب العمل على أن يكون الصف أوسع وأكبر مما هو عليه اليوم، وأن يضم ركنا للتعلم الذاتي وآخر للاستراحة وثالثا للتعلم وغيرها من الخدمات المتنوعة.
*أنفع أساليب العقاب؟
- لقد ثبت عمليا أن أبناء الجيل الجديد لا ينفع معهم العقاب، والبديل هو الحوار والنقاش، وشخصيا حين يخطئ أحدهم أحاول الاستشهاد بالدين وبأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام، وكلي أمل هو المساهمة في صناعة أجيال واعية تتقبل الآخرين وتتعايش معهم، وتتمتع بروح الانتماء لوطنها، وتبذل أقصى جهدها من أجل إعلاء شأنه.
*سلاحك في مواجهة الأزمات؟
- سلاحي لمواجهة أي أزمة أو محنة هو قناعتي بأن الله حين يخصني بأي ابتلاء فإنه بذلك يكفيني شرا أعظم كان من الممكن أن يخترق حياتي، وهكذا تجاوزت بلاء الإعاقة بكل قوة وصبر وأدين هنا لصديقتي سارة الشاعر بالكثير، التي كانت زميلتي منذ المرحلة الابتدائية ورغم عدم قربنا من بعض في البداية إلا أن الأيام أثبتت لي مدى صدقها وحبها فقد كانت وقت الأزمة من أكثر الداعمين لي فهي من أخرجتني من براثن حالة اليأس والانكسار التي عشتها لبعض الوقت، وذلك بالتعاون مع الوالدين اللذين لهما الفضل في كل ما حققته اليوم رغم ظروفي الصعبة الخاصة.
*تجربتك مع نادي توستماسترز العزم؟
- نادي توستماسترز العزم هو أول ناد في العالم مختص بذوي الهمم يهتم بهذه الفئة وبتمكينها في المجتمع، بتنمية مواهبهم في فن التواصل والقيادة وقد تم تأسيسه لتحقيق هذا الهدف الإنساني والاجتماعي، وهو حاضنة لصقل العناصر القيادية وإبرازهم في المحافل المحلية الدولية، ومن ثم يمثل بيئة إيجابية تعليمية تدريبية غير ربحية لصنع القادة، وقد التحقت به لما أتمتع به من شغف بالخطابة وكتابة الشعر والخواطر، وكم أنا فخورة لكوني أول مسعفة أولية من ذوي الهمم تنضم إلى فريق أكاديمية المسعفين لتمتعي بخبرة واسعة في هذا المجال وحبي الشديد له.
*حلمك القادم؟
- أتمنى مواصلة دراستي العليا والحصول على رسالة الماجستير في التربية الخاصة لإيصال رسالة من خلالها لذوي الهمم مفادها «أنا منكم وإليكم.. وأستطيع خدمتكم».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك