أول امرأة ترأس قسم التدقيق في تاريخ شركة نفط البحرين.. وثاني بحرينية تنتدب من شركة «كي بي إم جي فخرو» إلى أوروبا ويتم ترقيتها في لندن.... عضو جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين «إف سي سي إيه» ببريطانيا وجمعية المحققين المعتمدين للاحتيال «إيه سي إف إي» وجمعية الاختصاصيين المعتمدين في مكافحة غسل الأموال «ايه سي ايه ام اس» وبالمعهد الدولي للمدققين الداخليين «آي إيه إيه» بأمريكا وجمعية المدققين الداخليين البحرينية «بي آي إيه إيه».. المدربة الدولية للتدقيق والمخاطر.. المدير التنفيذي للحوكمة والتدقيق الداخلي بشركة أورينت ميدل إيست للاستشارات هدى يوسف لــ«أخبار الخليج»:
تقول الأديبة الشهيرة أحلام مستغانمي: «كن مختلفا.. فالعالم لم يعد بحاجة إلى المزيد من النسخ!».
بالفعل، هي بحثت عن الاختلاف، وبالطبع كان هذا هو الخيار الأصعب، وبشيء من الإرادة والإصرار استطاعت وعن جدارة أن تحتل مكانة مرموقة في عالم النساء البحرينيات، وأن تترك به بصمة مميزة سواء على الصعيد الوطني أو العالمي.
هدي يوسف، المدير التنفيذي للحوكمة والتدقيق الداخلي بشركة ميدل ايست للاستشارات، خبيرة التدقيق وإدارة المخاطر، محاسب قانوني معتمد، ومحقق معتمد للاحتيال، واختصاصي معتمد في مكافحة غسل الأموال، امرأة من طراز خاص، آمنت بأنه ليس المهم هو نجاحك ولكن الأهم هو قيمتك بعد تحقيقه، وأن السعادة ببلوغ هدفك تتحقق من دون التخلي عن مبادئك، فهكذا نشأت وسط أسرة عاشقة للقيم والمبادئ الأصيلة وللعلم والمعرفة والعمل والكفاح.
من المؤكد أن للنجاح ضريبة يدفعها الانسان أثناء ارتقائه سلمه، وقد تكون باهظة، ولكن الأمر يتطلب قدرا من الرضا والموازنة والاتزان والذكاء في إدارة الأمور، وهذا هو ما حدث معها على أرض الواقع وجعلها فخورة باختياراتها وبما حققته اليوم عبر رحلة مليئة بالإنجازات والكفاحات والتحديات التي سوف نتوقف عند أهم محطاتها في الحوار التالي:
كيف أثرت نشأتك على مسيرتك؟
لقد حرص الوالدان على زرع قيمة تحمل المسؤولية بداخلي منذ نعومة أظفاري، وذلك نظرا لكوني الابنة الكبرى في أسرتي، الأمر الذي اسهم في تشكيل شخصيتي ونضجها مبكرا، وأذكر أنني كنت طفلة فضولية بشدة ساعية دوما وبكل حماس إلى العلم والمعرفة وهو ما انعكس على مسيرتي لاحقا ومنحني مهارة التحليل لكافة الأشياء والأحداث من حولي، هذا فضلا عن شغفي بالقراءة في مختلف المجالات منذ المرحلة الابتدائية، حيث كنت أقضي أوقاتا طويلة في غرفة المكتبة الخاصة الضخمة التي أسسها والدي في المنزل والتي تضم كافة أنواع المؤلفات لحبي للتعلم الذي كان يدفعني إلى انفاق معظم مصروفي الخاص في شراء الكتب، إلى جانب محاولاتي لكتابة الشعر.
متى جاء قرار دخول عالم المحاسبة؟
في مرحلة الثانوية العامة قررت دخول عالم المحاسبة الشيق، وقدوتي في ذلك والدتي التي كانت تعمل في قسم التدقيق في أحد البنوك، وكذلك والدي الذي كان مغرما أيضا بنفس المجال من خلال عمله في إحدى الوزارات، وبرغم شغفي منذ الطفولة بالعلوم الإنسانية وحلمي أن أصبح طبيبة نفسانية في المستقبل إلا أن السير على نفس نهج الوالدة كان أقوى من هذا الولع، وقررت الاقتداء بها وأقدمت على دراسة تخصص المحاسبة في كلية البحرين الجامعية، وتفوقت فيها حيث تم إدراج اسمي ضمن لوحة الشرف خلال أربع سنوات الدراسة.
وبعد التخرج؟
أثناء الدراسة الجامعية كنت قد تدربت عمليا في شركة «كي بي ام جي فخرو» للمحاسبة، وتعلقت بهذا المجال بشدة حين عايشته على أرض الواقع، وخاصة خلال تعاملي مع أسماء لامعة ومرموقة بالشركة في هذا المجال، وكانت الزميلة شيخة طريف أول من ابتعثت للخارج من قبل الشركة وتعلمت منها الكثير واتخذتها نموذجا أقتدي به، وبعد التخرج في الجامعة تم تعييني وقضيت بالشركة حوالي ست سنوات من العمل في قسم القطاع المصرفي، ثم تم ابتعاثي إلى أوروبا للعمل مدة عام بفرع الشركة في لندن وهناك حققت إنجازا فريدا من نوعه.
وما هو ذلك الإنجاز؟
أثناء عملي في لندن تمت ترقيتي هناك، وكنت بذلك أول بحرينية في تاريخ الشركة يتم ترقيتها خلال فترة الانتداب إلى منصب مديرة التدقيق، وهو انجاز أفخر به كثيرا، وبعد عودتي إلى البحرين حصلت على عرض عمل من بنك استثماري عالمي كمدير أول في قسم التدقيق الداخلي، وقمت بإدارة أول تدقيق للمحافظ الاستثمارية لهذا البنك في أمريكا، وعقب ثلاث سنوات التحقت بشركة نفط البحرين «بابكو» رئيسة لقسم التدقيق، وكان تحديا كبيرا وصعبا نظرا لكوني امرأة اقتحمت بيئة عرف عنها بأنها ذكورية لعهود طوال، ولكني كنت بقدره ولله الحمد، وهنا حدثت أهم نقلة في مشواري.
حدثينا عن تلك النقلة؟
أرى أن محطة العمل بشركة نفط البحرين كانت من أهم المحطات في مسيرتي المهنية، وكان لي شرف إعادة هيكلة قسم التدقيق وتطويره، ولأول مرة قمت بتدريب مهندسين بالشركة كي يصبحوا مدققين بها وهو انجاز فريد من نوعه، وبعد تلك المحطة انتقلت للعمل لدى شركة اورينت ميدل إيست للاستشارات.
من وراء نجاحك؟
يمكن القول بأنني إلى حد كبير نشأت وتربيت في بيت جدتي التي توصف بأنها إنسانة عصامية واستثنائية بامتياز، واذا كنت اعتبر والدتي قدوتي فجدتي هي ملهمتي، فبرغم أنها لم تكمل تعليمها نظرا للعادات والتقاليد السائدة في ذلك الوقت، إلا أنها كانت تتمتع بقدرات هائلة وبمهارات عديدة، الأمر الذي جعلها مؤهلة لأن تدعم جدي في بداية مشواره وبجدارة فائقة والذي كان يتمتع هو الآخر بشخصية مميزة تعلمت منها الكثير من القيم والمبادئ الجميلة، لذلك كانت وفاته بالنسبة لي نقطة فارقة في حياتي لقربي الشديد منه، وحتى اليوم أتذكر وصية جدتي لي بان أكون صادقة وعادلة في تعاملي مع الآخرين، وأن أتحلى بالصبر دوما لأنه مفتاح الفرج وخاصة في الأوقات الصعبة.
مبدأ تسيرين عليه؟
لقد نشأت على مبدأ مهم تعلمته من جدتي والوالدين وهو أن الغاية لا تبرر الوسيلة، ومن ثم يبقي التمسك بالقيم والمبادئ أهم من الوصول إلى أي هدف، لذلك أرفض بشدة أن تكون الاخلاق سلعة تباع لمن يدفع أكثر أو لتحقيق أي مكاسب شخصية أو مهنية وأعتقد أن تلك القناعات اسهمت بشكل كبير في نجاحي ووصولي إلى ما حققته اليوم.
فاتورة الطموح العملي؟
لا شك أن أكبر ثمن دفعته مقابل تحقيق طموحي العلمي والعملي هو الحرمان من قضاء أطول وقت مع الأهل والأصدقاء، ولكن هذه هي الحياة مزيج من الاخذ والعطاء، والمهم أن نسعى لتحقيق أكبر قدر من التوازن بين الواجبات والمسؤوليات المتشعبة التي تقع على كاهل المرأة في هذا العصر.
رأيك في الجيل الجديد؟
الجيل الجديد أمامه اليوم خيارات متعددة بسبب الانفتاح الإعلامي والتكنولوجي الذي يميز هذا العصر، وهو يتمتع بقدرات أكبر من عمره وبمرونة في التغيير والتكيف مع سرعة المستجدات من حوله، وعلى صعيد آخر يمكن القول بأن أبناء هذا الجيل أشخاصا يتصفون بالعجالة في كل شيء ولا يعطون وزنا للمواقف والخبرات بالقدر المطلوب ، بمعنى آخر هم لا يعيشون التجارب المختلفة بعمق، والأهم أن نمط الحياة العصرية السريع صنع جيلا يعاني من الهشاشة النفسية، فمع أول مشكلة أو صعوبة يصاب بالإحباط وأحيانا الانهيار لعدم تمتعهم بالصبر أو قوة التحمل.
حلمك الضائع؟
هناك بعض الأحلام والطموحات تتوه منا وسط زحمة الحياة ومشاغلها ومسؤولياتها، ولعل أهمها هو التعمق في مجال علم النفس وهو شغفي منذ الصغر، ومن ثم أداء دوري فيما يتعلق بالإرشاد النفسي، ويمكن الجزم بأنه مازال يراودني حتى اليوم، لذلك احرص على التعلم في هذا المجال لإشباع هذه الرغبة بداخلي، وخاصة أنني من الشخصيات المحبة للعلم بشدة ولن أتوقف عن مسيرة التعلم طالما حييت.
أمنية؟
سأظل أحلم وأتمني طالما سنحت لي الظروف بتحقيق طموحاتي، وكم أنا فخورة لكوني مدربة دولية في مجال التدقيق والمخاطر سواء على الصعيد الوطني أو الدولي عبر دورات محلية وخليجية ودولية، وكل أملي هو أن أترك بصمة خاصة ومميزة في هذا المجال، وأن أسهم في صناعة جيل بحريني جديد في هذا التخصص المهم وعلى مستوى عالمي، وأن أنقل خبراتي المتراكمة له للاستفادة منها ومن ثم أصبح قدوة لهم يسيرون على نهجها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك