العدد : ١٧٢٦٧ - الأربعاء ٠٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦٧ - الأربعاء ٠٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ محرّم ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الرجل الذي فقد أصله

صار‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬غربية‭ ‬حلم‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬قارات‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وهناك‭ ‬اليوم‭ ‬ملايين‭ ‬العرب‭ ‬يحملون‭ ‬جنسيات‭ ‬أوروبية‭ ‬وأمريكية،‭ ‬ومعظمهم‭ ‬مازال‭ ‬مستعصما‭ ‬بثقافته،‭ ‬ومعتزّا‭ ‬بأصوله‭ ‬وجذوره،‭ ‬ولكن‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬ضاع،‭ ‬وصار‭ ‬مُنبتّا‭ ‬لا‭ ‬أرضا‭ ‬قطع‭ ‬ولا‭ ‬ظهرا‭ ‬أبقى،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬الأخيرة‭ ‬العراقي‭ ‬سامي‭ ‬هاشمي‭ ‬الذي‭ ‬هاجر‭ ‬الى‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وتفرنج‭ ‬وتبرطن‭ ‬بدرجة‭ ‬انه‭ ‬غير‭ ‬اسمه‭ ‬الى‭ ‬تشارلس‭ ‬كين،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التجارة‭ ‬والاستثمار،‭ ‬وانتمى‭ ‬الى‭ ‬المجتمع‭ ‬المخملي،‭ ‬وصار‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬بارتي‭ ‬الى‭ ‬أخرى،‭ ‬والبارتي‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬عامة‭ ‬الناس‭ ‬غير‭ ‬المتحضرين‭ ‬‮«‬حفلة‮»‬،‭ ‬وبشاربه‭ ‬المفتول‭ ‬وتقاطيعه‭ ‬الوسيمة‭ ‬ونقوده‭ ‬الكثيرة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬واردا‭ ‬ان‭ ‬يتزوج‭ ‬عراقية‭ ‬غلبانة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ارستقراطية،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬واردا‭ ‬ان‭ ‬يتزوج‭ ‬بريطانية‭ ‬أي‭ ‬كلام،‭ ‬بل‭ ‬تزوج‭ ‬بملكة‭ ‬جمال‭ ‬اسمها‭ ‬ترودي،‭ ‬ورزق‭ ‬منها‭ ‬بطفلين،‭ ‬وكما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الزواج‭ ‬المصلحي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬اعتبارات‭ ‬المظهر‭ ‬والمال‭ ‬فقد‭ ‬انتهت‭ ‬العلاقة‭ ‬بالطلاق،‭ ‬وأحس‭ ‬هاشمي‭ ‬بالرغبة‭ ‬في‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬طليقته‭ ‬ترودي‭ ‬التي‭ ‬طُعنته‭ ‬في‭ ‬رجولته،‭ ‬ولجأ‭ ‬الى‭ ‬طبيب‭ ‬ليجري‭ ‬له‭ ‬جراحة‭ ‬تكسبه‭ ‬أنوثة‭ ‬كاملة،‭ ‬وحلق‭ ‬هاشمي‭ ‬شاربه‭ ‬العراقي‭ ‬وصار‭ ‬يتناول‭ ‬جرعات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬هرمونات‭ ‬الانوثة،‭ ‬وخلال‭ ‬ستة‭ ‬اشهر‭ ‬كانت‭ ‬الهرمونات‭ ‬قد‭ ‬فعلت‭ ‬مفعولها‭ ‬وصار‭ ‬هاشمي‭/ ‬كين‭ ‬يعيش‭ ‬كامرأة،‭ ‬ثم‭ ‬قرر‭ ‬ان‭ ‬يسير‭ ‬الى‭ ‬آخر‭ ‬المشوار‭ ‬وخضع‭ ‬لجراحة‭ ‬تم‭ ‬فيها‭ ‬استئصال‭ ‬اعضاء‭ ‬الذكورة‭ ‬وزرع‭ ‬نهدين‭ ‬من‭ ‬السيليكون،‭ ‬وصار‭ ‬يلتقط‭ ‬لنفسه‭ ‬الصور‭ ‬وهو‭ ‬شبه‭ ‬عار‭ ‬كامرأة‭ ‬ذات‭ ‬غنج،‭ ‬وكلفه‭ ‬ذلك‭ ‬نحو‭ ‬خمسة‭ ‬وخمسين‭ ‬الف‭ ‬دولار‭ ‬امريكي،‭ ‬ولكنه‭ ‬أصبح‭ ‬مثل‭ ‬بعض‭ ‬المطربين‭ ‬العرب‭ ‬المعاصرين‭ ‬الذين‭ ‬يصعب‭ ‬تصنيفهم‭ ‬كرجال‭ ‬او‭ ‬كنساء،‭ ‬ورغم‭ ‬انه‭ ‬اتخذ‭ ‬لنفسه‭ ‬اسما‭ ‬نسائيا،‭ ‬هو‭ ‬سامنثا،‭ ‬وارتاد‭ ‬الحانات‭ ‬والأندية‭ ‬الليلية‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬بوي‭ ‬فريند،‭ ‬يقتنع‭ ‬به‭ ‬كأنثى،‭ ‬فإنه‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وأصيب‭ ‬بالإحباط‭!! ‬ماذا‭ ‬يفعل‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬كهذا‭: ‬فقد‭ ‬الاعضاء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تجعل‭ ‬منه‭ ‬رجلا،‭ ‬وصار‭ ‬له‭ ‬نهدان‭ ‬بارزان‭ ‬بفضل‭ ‬الجراحة‭ ‬التجميلية،‭ ‬وصار‭ ‬جسمه‭ ‬ناعما‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬نتف‭ ‬شعر‭ ‬جسمه‭ ‬بـ«الحلاوة‮»‬‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر‭ ‬ثم‭ ‬بالليزر‭ ‬لاحقا‭!! ‬وقع‭ ‬هاشمي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬سامنثا‭ ‬في‭ ‬حيص‭ ‬بيص‭ ‬فالانتماء‭ ‬الى‭ ‬جنس‭ ‬النساء‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬عليه‭ ‬بأي‭ ‬‮«‬مكاسب‮»‬،‭ ‬واكتشف‭ ‬ان‭ ‬نساء‭ ‬المجتمع‭ ‬المخملي‭ ‬الذي‭ ‬اندمج‭ ‬فيه‭ ‬لإثبات‭ ‬أنوثته‭ ‬مجتمع‭ ‬سطحي‭ ‬وتافه،‭ ‬فرغم‭ ‬أنوثته‭ ‬المكتسبة‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الأنثى‭ ‬ذا‭ ‬تفكير‭ ‬عملي‭ ‬وناجحا‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬المال‭ ‬بدرجة‭ ‬انه‭ ‬أوشك‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬نادي‭ ‬شفيلد‭ ‬يونايتد‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭!‬

ثم‭ ‬قرر‭ ‬هاشمي‭/ ‬سامنثا‭ ‬ان‭ ‬يعود‭ ‬رجلا،‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬الجراحية‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬النهدين‭ ‬الاصطناعيين،‭ ‬وإعادة‭ ‬تجميع‭ ‬اعضاء‭ ‬ذكورة‭ ‬جديدة‭ ‬له،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬ولكن‭ ‬صورته‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬ارتد‭ ‬من‭ ‬الانوثة‭ ‬الى‭ ‬الرجولة‭ ‬تشير‭ ‬الى‭ ‬أنه‭ ‬رجل‭ ‬نُص‭ ‬كُم‭ ‬أو‭ ‬خنثى‭ ‬مشكل،‭ ‬فقد‭ ‬احتفظ‭ ‬وجهه‭ ‬بالملامح‭ ‬النسائية‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬أثر‭ ‬لشارب‭ ‬او‭ ‬لحية‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬استأصل‭ ‬الليزر‭ ‬بصيلات‭ ‬الشعر‭ ‬تماما‭ ‬وقضى‭ ‬عليها‭!!‬

والشاهد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬ان‭ ‬هاشمي‭ ‬هذا‭ ‬يمثل‭ ‬نموذجا‭ ‬كلاسيكيا‭ ‬للشخص‭ ‬الذي‭ ‬يفقد‭ ‬ظله‭ ‬وهويته‭ ‬وثقافته‭ ‬مجاراة‭ ‬للثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬انتمى‭ ‬اليها‭ ‬بالعافية،‭ ‬فالبعض‭ ‬يكتفي‭ ‬بتقليد‭ ‬الغربيين‭ ‬في‭ ‬قشور‭ ‬المسائل‭ ‬مثل‭ ‬اللبس‭ ‬والشراب‭ ‬والرقص‭ ‬واستخدام‭ ‬عبارات‭ ‬مثل‭: ‬جيسس‭ ‬كرايست‭ (‬يا‭ ‬يسوع‭ ‬المسيح‭) ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬‮«‬يا‭ ‬رحمن‭ ‬يا‭ ‬رحيم‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬يتنازل‭ ‬عن‭ ‬الجزء‭ ‬يتنازل‭ ‬حتما‭ ‬عن‭ ‬الكل،‭ ‬وهاشمي‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬اسمه‭ ‬وثقافته‭ ‬وانتهى‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬وقد‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬رجولته‭. ‬صحيح‭ ‬انه‭ ‬استردها‭ ‬ولكنه‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الجميع‭ ‬كائنا‭ ‬بلا‭ ‬هوية‭ ‬ولا‭ ‬انتماء‭! ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يحيرني‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬طفلاه‭ ‬يناديانه‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬صار‭ ‬امرأة‭ ‬تدعى‭ ‬سامنثا؟‭ ‬بابا؟‭ ‬ما‭ ‬يصير؟‭ ‬حتى‭ ‬الأطفال‭ ‬يعرفون‭ ‬ان‭ ‬المرأة‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬بابا‭! ‬ربما‭ ‬‮«‬مابا‮»‬‭!! ‬وهكذا‭ ‬أضاع‭ ‬العراقي‭ ‬المتبرطن‭ ‬حتى‭ ‬انتماءه‭ ‬الى‭ ‬عياله‭ ‬فلا‭ ‬هو‭ ‬أبوهم‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬خالتهم‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬ماما‭. ‬بل‭ ‬مجرد‭ ‬مسخ‭ ‬أو‭ ‬دمية‭ ‬من‭ ‬الصلصال‭ ‬يعاد‭ ‬تشكيلها‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬الى‭ ‬آخر‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا