زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الكيل بمكيالين
موضوع مقالي اليوم بعيد عن أمور السياسة، ولكن الكلمتين اللتين جعلتهما عنوانا للمقال تردان بتكرار ممل، آلاف المرات في مقالات الصحفيين العرب، قرين الولايات المتحدة، فكل بضعة أسابيع أو أشهر يكتشفون ان «أمريكا تكيل بمكيالين» في كل ما يتعلق بالعرب وإسرائيل، والعبارة المؤلفة من كلمتين، تقال لتوصيف عدم الانصاف في المواقف والأحكام إلخ، بينما حقيقة الأمر هي أن لأمريكا مكيالا واحدا يعطي إسرائيل كل ما تريد.
حدث في كل من نيوزيلندا وإيطاليا طرد نائبتين من جلسات برلماني البلدين، لأنهما قامتا بإرضاع طفليهما داخل قاعات الاجتماعات. في البرلمان البلجيكي ضبطت كاميرا التلفزيون نائبا وهو يمارس لعبة إلكترونية على هاتفه الجوال، أثناء طرح الميزانية العامة للنقاش، ولم يحاسبه أحد على ذلك، ولكن عندما تمارس امرأة أمومتها داخل مبنى البرلمان تتعرض للطرد، يعني حتى في الدول الغربية لا تزال العقلية الذكورية هي التي تحدد قواعد السلوك. هل يفهم القارئ من هذا ان ابا الجعافر يعترض على إبعاد نائبتين عن جلسات البرلمان رغم أن كلاً منهما كشفت عن صدرها وأرضعت وليدها؟ لا انتظر إجابتك، وأقول نعم اعترض على ذلك وبشدة. لماذا؟ صبرك علي! ولكن هل يقبل أبو الجعافر أن تكشف امرأة عن نهدها وهو من مواطن «العفة» أمام الآخرين رجالا كانوا أم نساء؟ لا.. طبعا أمانع ونُص وخمسة.. ولو فعلتها امرأة في برلمان عربي لطالبت بطردها من البلد كلها. اشمعنى؟ واحدة، واحدة يا جماعة وبالهداوة: القانون في نيوزيلندا وإيطاليا وهولندا والسويد وغيرها لا يعاقب -مثلا- فتاة في الـ15 إذا جلست او سارت على الطريق وصدرها مفتوح بل حتى لو كانت تكشف عن 90% من مواطن العفة. أذكر انني قمت بجولة على متن قارب سياحي في نهر السين في باريس، وفي كل منحنى كانت هناك مجموعة من الفتيات، مستلقيات وهن «ربي كما خلقتني»، على أسطح قوارب ثابتة او متحركة.. وهكذا لم أستطع ان أرى شيئا من المناظر التي حول النهر. وكان معي عيالي وأم المعارك التي هي في نفس الوقت أم عيالي! حتى لو كنت صعلوكا وبصباصا وعيني زائغة لما كان من حسن الأدب ان يضبطوني وأنا ألقي النظرة تلو الأخرى على نساء شبه عاريات، وهكذا انقضت الرحلة النهرية وأنا أتغزل في حذائي، المهم أنه وطالما الأمر كذلك فلا تفسير لعقاب النائبتين على إرضاع طفليهما داخل مبنى البرلمان سوى ازدواجية المعايير الذكورية. يعني تتعرى فتاة بمزاجها في أي مكان «ما فيها شيء»، ولكن ان ترضع إحداهن وليدا في مبنى حكومي فتلك من الكبائر. مصيبة الرجال في كل مكان وزمان تكمن في أنهم لا ينظرون الى صدر المرأة، إلا كرمز جنسي، وينسون أن الثدي هو ينبوع الحياة الذي لولاه لهلك أكثر من البلايين من بني البشر عبر التاريخ.
نعم الرضاعة الطبيعية مفيدة للأم والطفل. هي مصدر لحليب مجاني معقم لا يستطيع أعتى المصانع إنتاج مثيل له. ونعم، الرضاعة تعني قدرا من التعري ولا بد ان تتم بعيدا عن أعين الناس. في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ظهر الحليب المجفف وصار استخدامه للأطفال نوعا من العنطزة والفشخرة الاجتماعية. وصارت الكثير من النساء يتباهين بسريلاك وسيميلاك وزفتلاك. والمحزن انه ورغم ان الطب الحديث أكد على نحو قاطع ان الرضاعة من الأم تحصن الوليد ضد أمراض كثيرة، وتعطي الأم قدرا من المناعة ضد سرطان الثدي والبدانة، فإن هناك نساء يرفضن إرضاع أطفالهن ولو شفطة واحدة. لماذا؟ بسبب قلة عقولهن، لأن هناك من تعتقد أن احتفاظها باستدارة نهدها أهم من عافية وليدها! أعذروني على هذه اللغة المباشرة والخشنة ولكن هذه مسألة من نوع «إما أبيض وإما أسود»، وليس فيها منطقة رمادية، أو حتى استخدام لغة بروتوكولية.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك