العدد : ١٧٢٦٦ - الثلاثاء ٠١ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦٦ - الثلاثاء ٠١ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ محرّم ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الكيل بمكيالين

موضوع‭ ‬مقالي‭ ‬اليوم‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬أمور‭ ‬السياسة،‭ ‬ولكن‭ ‬الكلمتين‭ ‬اللتين‭ ‬جعلتهما‭ ‬عنوانا‭ ‬للمقال‭ ‬تردان‭ ‬بتكرار‭ ‬ممل،‭ ‬آلاف‭ ‬المرات‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬الصحفيين‭ ‬العرب،‭ ‬قرين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فكل‭ ‬بضعة‭ ‬أسابيع‭ ‬أو‭ ‬أشهر‭ ‬يكتشفون‭ ‬ان‭ ‬‮«‬أمريكا‭ ‬تكيل‭ ‬بمكيالين‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعرب‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬والعبارة‭ ‬المؤلفة‭ ‬من‭ ‬كلمتين،‭ ‬تقال‭ ‬لتوصيف‭ ‬عدم‭ ‬الانصاف‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬والأحكام‭ ‬إلخ،‭ ‬بينما‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬لأمريكا‭ ‬مكيالا‭ ‬واحدا‭ ‬يعطي‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تريد‭.‬

حدث‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬طرد‭ ‬نائبتين‭ ‬من‭ ‬جلسات‭ ‬برلماني‭ ‬البلدين،‭ ‬لأنهما‭ ‬قامتا‭ ‬بإرضاع‭ ‬طفليهما‭ ‬داخل‭ ‬قاعات‭ ‬الاجتماعات‭. ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬البلجيكي‭ ‬ضبطت‭ ‬كاميرا‭ ‬التلفزيون‭ ‬نائبا‭ ‬وهو‭ ‬يمارس‭ ‬لعبة‭ ‬إلكترونية‭ ‬على‭ ‬هاتفه‭ ‬الجوال،‭ ‬أثناء‭ ‬طرح‭ ‬الميزانية‭ ‬العامة‭ ‬للنقاش،‭ ‬ولم‭ ‬يحاسبه‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تمارس‭ ‬امرأة‭ ‬أمومتها‭ ‬داخل‭ ‬مبنى‭ ‬البرلمان‭ ‬تتعرض‭ ‬للطرد،‭ ‬يعني‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬العقلية‭ ‬الذكورية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬قواعد‭ ‬السلوك‭. ‬هل‭ ‬يفهم‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬ان‭ ‬ابا‭ ‬الجعافر‭ ‬يعترض‭ ‬على‭ ‬إبعاد‭ ‬نائبتين‭ ‬عن‭ ‬جلسات‭ ‬البرلمان‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬كلاً‭ ‬منهما‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬صدرها‭ ‬وأرضعت‭ ‬وليدها؟‭ ‬لا‭ ‬انتظر‭ ‬إجابتك،‭ ‬وأقول‭ ‬نعم‭ ‬اعترض‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬وبشدة‭. ‬لماذا؟‭ ‬صبرك‭ ‬علي‭! ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬يقبل‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬أن‭ ‬تكشف‭ ‬امرأة‭ ‬عن‭ ‬نهدها‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬مواطن‭ ‬‮«‬العفة‮»‬‭ ‬أمام‭ ‬الآخرين‭ ‬رجالا‭ ‬كانوا‭ ‬أم‭ ‬نساء؟‭ ‬لا‭.. ‬طبعا‭ ‬أمانع‭ ‬ونُص‭ ‬وخمسة‭.. ‬ولو‭ ‬فعلتها‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬برلمان‭ ‬عربي‭ ‬لطالبت‭ ‬بطردها‭ ‬من‭ ‬البلد‭ ‬كلها‭. ‬اشمعنى؟‭ ‬واحدة،‭ ‬واحدة‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬وبالهداوة‭: ‬القانون‭ ‬في‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وهولندا‭ ‬والسويد‭ ‬وغيرها‭ ‬لا‭ ‬يعاقب‭ -‬مثلا‭- ‬فتاة‭ ‬في‭ ‬الـ15‭ ‬إذا‭ ‬جلست‭ ‬او‭ ‬سارت‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬وصدرها‭ ‬مفتوح‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬90‭% ‬من‭ ‬مواطن‭ ‬العفة‭. ‬أذكر‭ ‬انني‭ ‬قمت‭ ‬بجولة‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬قارب‭ ‬سياحي‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬السين‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬منحنى‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفتيات،‭ ‬مستلقيات‭ ‬وهن‭ ‬‮«‬ربي‭ ‬كما‭ ‬خلقتني‮»‬،‭ ‬على‭ ‬أسطح‭ ‬قوارب‭ ‬ثابتة‭ ‬او‭ ‬متحركة‭.. ‬وهكذا‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬ان‭ ‬أرى‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬المناظر‭ ‬التي‭ ‬حول‭ ‬النهر‭. ‬وكان‭ ‬معي‭ ‬عيالي‭ ‬وأم‭ ‬المعارك‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬أم‭ ‬عيالي‭! ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬صعلوكا‭ ‬وبصباصا‭ ‬وعيني‭ ‬زائغة‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬الأدب‭ ‬ان‭ ‬يضبطوني‭ ‬وأنا‭ ‬ألقي‭ ‬النظرة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬نساء‭ ‬شبه‭ ‬عاريات،‭ ‬وهكذا‭ ‬انقضت‭ ‬الرحلة‭ ‬النهرية‭ ‬وأنا‭ ‬أتغزل‭ ‬في‭ ‬حذائي،‭ ‬المهم‭ ‬أنه‭ ‬وطالما‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬فلا‭ ‬تفسير‭ ‬لعقاب‭ ‬النائبتين‭ ‬على‭ ‬إرضاع‭ ‬طفليهما‭ ‬داخل‭ ‬مبنى‭ ‬البرلمان‭ ‬سوى‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬الذكورية‭. ‬يعني‭ ‬تتعرى‭ ‬فتاة‭ ‬بمزاجها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬‮«‬ما‭ ‬فيها‭ ‬شيء‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬ان‭ ‬ترضع‭ ‬إحداهن‭ ‬وليدا‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬حكومي‭ ‬فتلك‭ ‬من‭ ‬الكبائر‭. ‬مصيبة‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وزمان‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬ينظرون‭ ‬الى‭ ‬صدر‭ ‬المرأة،‭ ‬إلا‭ ‬كرمز‭ ‬جنسي،‭ ‬وينسون‭ ‬أن‭ ‬الثدي‭ ‬هو‭ ‬ينبوع‭ ‬الحياة‭ ‬الذي‭ ‬لولاه‭ ‬لهلك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬البلايين‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭.‬

نعم‭ ‬الرضاعة‭ ‬الطبيعية‭ ‬مفيدة‭ ‬للأم‭ ‬والطفل‭. ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬لحليب‭ ‬مجاني‭ ‬معقم‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أعتى‭ ‬المصانع‭ ‬إنتاج‭ ‬مثيل‭ ‬له‭. ‬ونعم،‭ ‬الرضاعة‭ ‬تعني‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬التعري‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬ان‭ ‬تتم‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬الناس‭. ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬وستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬ظهر‭ ‬الحليب‭ ‬المجفف‭ ‬وصار‭ ‬استخدامه‭ ‬للأطفال‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬العنطزة‭ ‬والفشخرة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬وصارت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬يتباهين‭ ‬بسريلاك‭ ‬وسيميلاك‭ ‬وزفتلاك‭. ‬والمحزن‭ ‬انه‭ ‬ورغم‭ ‬ان‭ ‬الطب‭ ‬الحديث‭ ‬أكد‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬قاطع‭ ‬ان‭ ‬الرضاعة‭ ‬من‭ ‬الأم‭ ‬تحصن‭ ‬الوليد‭ ‬ضد‭ ‬أمراض‭ ‬كثيرة،‭ ‬وتعطي‭ ‬الأم‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬المناعة‭ ‬ضد‭ ‬سرطان‭ ‬الثدي‭ ‬والبدانة،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬نساء‭ ‬يرفضن‭ ‬إرضاع‭ ‬أطفالهن‭ ‬ولو‭ ‬شفطة‭ ‬واحدة‭. ‬لماذا؟‭ ‬بسبب‭ ‬قلة‭ ‬عقولهن،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬احتفاظها‭ ‬باستدارة‭ ‬نهدها‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬عافية‭ ‬وليدها‭! ‬أعذروني‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬المباشرة‭ ‬والخشنة‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬مسألة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬‮«‬إما‭ ‬أبيض‭ ‬وإما‭ ‬أسود‮»‬،‭ ‬وليس‭ ‬فيها‭ ‬منطقة‭ ‬رمادية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬استخدام‭ ‬لغة‭ ‬بروتوكولية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا