العدد : ١٧٢٦٤ - الأحد ٢٩ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦٤ - الأحد ٢٩ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ محرّم ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تكنولوجيا قد تكون خبيثة

يعيش‭ ‬ملايين‭ ‬الطلاب‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬الشديد،‭ ‬لأنهم‭ ‬يستعدون‭ ‬للجلوس‭ ‬لامتحانات‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية،‭ ‬أو‭ ‬جلسوا‭ ‬لها‭ ‬سلفا،‭ ‬وفي‭ ‬انتظار‭ ‬النتائج‭. ‬وأعتذر‭ ‬للطلاب‭ ‬الذين‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬خاضوا‭ ‬تجربة‭ ‬تلك‭ ‬الامتحانات،‭ ‬لأنني‭ ‬تأخرت‭ ‬في‭ ‬تنبيههم‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬تضمن‭ ‬لهم‭ ‬جميعا‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬درجات‭ ‬تتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬95‭% ‬و107‭%‬،‭ ‬ليدخلوا‭ ‬جميعا‭ ‬كليات‭ ‬الطب‭ ‬والصيدلة‭ ‬والهندسة،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬ما‭ ‬فات‭ ‬شيء،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تلتحق‭ ‬بكلية‭ ‬لا‭ ‬ترفع‭ ‬رأس‭ ‬العائلة،‭ ‬قم‭ ‬بإعادة‭ ‬السنة‭ ‬واجلس‭ ‬للامتحان‭ ‬العام‭ ‬المقبل‭ ‬مسلحا‭ ‬بجهاز‭ ‬أسميه‭ ‬‮«‬نظارة‭ ‬الشطارة‮»‬،‭ ‬وبذلك‭ ‬تنتفي‭ ‬الحاجة‭ ‬للجوء‭ ‬إلى‭ ‬أساليب‭ ‬الغش‭ ‬البدائية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعرض‭ ‬الطالب‭ ‬للحرمان‭ ‬من‭ ‬الامتحان‭ ‬نهائيا‭.‬

وهناك‭ ‬بالطبع‭ ‬من‭ ‬استخدم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬لممارسة‭ ‬الغش‭ ‬في‭ ‬الامتحان،‭ ‬وأذكر‭ ‬بإعجاب‭ ‬شديد‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬مسؤول‭ ‬في‭ ‬التلفزيون‭ ‬الأردني‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬عندما‭ ‬أرسل‭ ‬فريقا‭ ‬من‭ ‬المصورين‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬يجلس‭ ‬فيها‭ ‬ابنه‭ ‬للامتحان‭ ‬المصيري‭ ‬بحجة‭ ‬إعداد‭ ‬تقرير‭ ‬عن‭ ‬الامتحان،‭ ‬وقامت‭ ‬الكاميرات‭ ‬بعمل‭ ‬زوووم‭ ‬وشفط‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مكتوب‭ ‬في‭ ‬أوراق‭ ‬الأسئلة،‭ ‬ليقرأها‭ ‬ويجيب‭ ‬عنها‭ ‬شخص‭ ‬خارج‭ ‬المدرسة‭ ‬ويرسل‭ ‬أجوبة‭ ‬مختصرة‭ ‬للطالب‭ ‬ابن‭ ‬المسؤول‭ ‬الكبير‭ ‬عبر‭ ‬رسائل‭ ‬جوال‭ ‬نصية‭ ‬قصيرة‭ ‬بينما‭ ‬هاتفه‭ ‬صامت‭ ‬لا‭ ‬يصدر‭ ‬صوتا‭ ‬عند‭ ‬تسلم‭ ‬الرسائل،‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بطرد‭ ‬الأب‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬والابن‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭.‬

في‭ ‬الأسواق‭ ‬الآن‭ ‬نظارة‭ ‬صينية‭ ‬الصنع‭ ‬توحي‭ ‬عدساتها‭ ‬بأنها‭ ‬طبية،‭ ‬وفي‭ ‬منتصف‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬العدستين‭ ‬هناك‭ ‬كاميرتان‭ ‬دقيقتان‭ ‬يصعب‭ ‬اكتشافهما‭ ‬وفي‭ ‬طرف‭ ‬كل‭ ‬ذراع‭ ‬للنظارة‭ ‬هناك‭ ‬سماعة،‭ ‬وتقوم‭ ‬الكاميرا‭ ‬بالتقاط‭ ‬صور‭ ‬ورقة‭ ‬الامتحان‭ ‬إما‭ ‬بالجملة‭ ‬أو‭ ‬سؤالا‭ ‬تلو‭ ‬السؤال‭ ‬وبثه‭ ‬إلى‭ ‬كمبيوتر‭ ‬صغير‭ (‬لابتوب‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬هاتف‭ ‬‮«‬ذكي‮»‬‭ ‬يحمله‭ ‬الشخص‭ ‬المكلف‭ ‬بتزويد‭ ‬الطالب‭ ‬الممتحن‭ ‬بالأجوبة،‭ ‬فيرسل‭ ‬إجابة‭ ‬كل‭ ‬سؤال‭ ‬صوتيا‭ ‬ويتلقاها‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬السماعة‭ ‬الصغيرة‭ ‬ويبدأ‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬والإجابة‭. ‬هذا‭ ‬بمقاييس‭ ‬العصر‭ ‬ليست‭ ‬جريمة‭ ‬كبيرة،‭ ‬ففي‭ ‬برنامج‭ ‬من‭ ‬سيربح‭ ‬المليون‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تطلب‭ ‬منحك‭ ‬خيار‭ ‬إجابتين‭ ‬لتختار‭ ‬منهما‭ ‬ما‭ ‬تعتقد‭ ‬أنه‭ ‬الإجابة‭ ‬الصحيحة،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬مخك‭ ‬تخين‭ ‬ولم‭ ‬تنفع‭ ‬معك‭ ‬حكاية‭ ‬الخيارين،‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تستنجد‭ ‬بصديق‭ ‬تأنس‭ ‬فيه‭ ‬الكفاءة،‭ ‬ولو‭ ‬طلع‭ ‬الصديق‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬جهل‮»‬‭ ‬مثلك،‭ ‬بإمكانك‭ ‬طلب‭ ‬العون‭ ‬من‭ ‬مئات‭ ‬الناس‭ ‬الجالسين‭ ‬أمامك‭ ‬في‭ ‬الستوديو،‭ ‬وهكذا‭ ‬قد‭ ‬تفوز‭ ‬بمليون‭ ‬ريال‭. ‬فما‭ ‬البأس‭ ‬من‭ ‬الاستعانة‭ ‬بصديق‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬معظم‭ ‬الممتحنين‭ ‬لن‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬مليون‭ ‬ريال‭ ‬طوال‭ ‬حياتهم‭ ‬العملية‭.‬

والعتب‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬الطالب‭ ‬الذي‭ ‬يشتري‭ ‬تلك‭ ‬النظارة‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬الشركة‭ ‬التي‭ ‬صنعتها‭ ‬لتجعل‭ ‬الغش‭ ‬في‭ ‬الامتحانات‭ ‬ممكنا،‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬سوء‭ ‬نيتها‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬قامت‭ ‬سلفا‭ ‬بتسريب‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬النظارات‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬العربية‭ ‬عبر‭ ‬الأبواب‭ ‬الخلفية،‭ ‬وقد‭ ‬لاحظت‭ ‬خلال‭ ‬زيارتي‭ ‬للندن‭ ‬ولعا‭ ‬عجيبا‭ ‬للسياح‭ ‬العرب‭ ‬بالأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التلصصية،‭ ‬بالتكالب‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬كوينز‭ ‬واي‭ ‬على‭ ‬محلات‭ ‬تبيع‭ ‬أجهزة‭ ‬للتنصت‭ ‬على‭ ‬المكالمات‭ ‬الهاتفية‭ ‬وأخرى‭ ‬لتضليل‭ ‬رادارات‭ ‬شرطة‭ ‬المرور‭ ‬وكاميرات‭ ‬جيمس‭ ‬بوند،‭ ‬والتقيت‭ ‬بشاب‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬ذات‭ ‬صيف،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭ ‬إنه‭ ‬يقرأ‭ ‬لي‭ ‬ويتمنى‭ ‬لو‭ ‬يلتقط‭ ‬صورة‭ ‬معي‭ ‬فقلت‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬جعفر‭ ‬عجرم‭ ‬لا‭ ‬يمانع،‭ ‬فوقف‭ ‬إلى‭ ‬جانبي‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬من‭ ‬سيقوم‭ ‬بالتقاط‭ ‬الصورة،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬يضع‭ ‬سيجارة‭ ‬على‭   ‬فمه‭ ‬وهو‭ ‬يبتسم‭ ‬بخبث‭ ‬ثم‭ ‬يشعلها‭ ‬بولاعة‭/ ‬قداحة‭ ‬ثم‭ ‬يقول‭: ‬شكرا‭. ‬سألته‭: ‬شكرا‭ ‬على‭ ‬ماذا؟‭ ‬فقال‭: ‬شكرا‭ ‬على‭ ‬الصورة‭ ‬وشرح‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬الولاعة‭ ‬كاميرا‭ ‬تعينه‭ ‬على‭ ‬التقاط‭ ‬صور‭ ‬لآخرين‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحسوا‭ ‬بذلك،‭ ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬انتزع‭ ‬السيجارة‭ ‬من‭ ‬فمه‭ ‬وأحشرها‭ ‬فيه‭ ‬ثانية‭ ‬بالمقلوب‭. ‬ذاك‭ ‬شخص‭ ‬مريض‭ ‬دفع‭ ‬الشيء‭ ‬الفلاني‭ ‬ليصور‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ (‬خاصة‭ ‬البنات‭) ‬دون‭ ‬علمهن‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬دليل‭ ‬سوء‭ ‬نية‭ ‬وطوية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا