زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تكنولوجيا قد تكون خبيثة
يعيش ملايين الطلاب العرب في جو من التوتر الشديد، لأنهم يستعدون للجلوس لامتحانات الشهادة الثانوية، أو جلسوا لها سلفا، وفي انتظار النتائج. وأعتذر للطلاب الذين سبق أن خاضوا تجربة تلك الامتحانات، لأنني تأخرت في تنبيههم إلى وسيلة تضمن لهم جميعا الحصول على درجات تتراوح ما بين 95% و107%، ليدخلوا جميعا كليات الطب والصيدلة والهندسة، وعلى كل حال ما فات شيء، وبدلا من أن تلتحق بكلية لا ترفع رأس العائلة، قم بإعادة السنة واجلس للامتحان العام المقبل مسلحا بجهاز أسميه «نظارة الشطارة»، وبذلك تنتفي الحاجة للجوء إلى أساليب الغش البدائية التي قد تعرض الطالب للحرمان من الامتحان نهائيا.
وهناك بالطبع من استخدم التكنولوجيا لممارسة الغش في الامتحان، وأذكر بإعجاب شديد ما فعله مسؤول في التلفزيون الأردني قبل سنوات عندما أرسل فريقا من المصورين إلى المدرسة التي يجلس فيها ابنه للامتحان المصيري بحجة إعداد تقرير عن الامتحان، وقامت الكاميرات بعمل زوووم وشفط ما هو مكتوب في أوراق الأسئلة، ليقرأها ويجيب عنها شخص خارج المدرسة ويرسل أجوبة مختصرة للطالب ابن المسؤول الكبير عبر رسائل جوال نصية قصيرة بينما هاتفه صامت لا يصدر صوتا عند تسلم الرسائل، وانتهى الأمر بطرد الأب من عمله والابن من المدرسة.
في الأسواق الآن نظارة صينية الصنع توحي عدساتها بأنها طبية، وفي منتصف كل من العدستين هناك كاميرتان دقيقتان يصعب اكتشافهما وفي طرف كل ذراع للنظارة هناك سماعة، وتقوم الكاميرا بالتقاط صور ورقة الامتحان إما بالجملة أو سؤالا تلو السؤال وبثه إلى كمبيوتر صغير (لابتوب)، أو هاتف «ذكي» يحمله الشخص المكلف بتزويد الطالب الممتحن بالأجوبة، فيرسل إجابة كل سؤال صوتيا ويتلقاها الطالب في السماعة الصغيرة ويبدأ في الكتابة والإجابة. هذا بمقاييس العصر ليست جريمة كبيرة، ففي برنامج من سيربح المليون تستطيع أن تطلب منحك خيار إجابتين لتختار منهما ما تعتقد أنه الإجابة الصحيحة، وإذا كان مخك تخين ولم تنفع معك حكاية الخيارين، تستطيع أن تستنجد بصديق تأنس فيه الكفاءة، ولو طلع الصديق «أبو جهل» مثلك، بإمكانك طلب العون من مئات الناس الجالسين أمامك في الستوديو، وهكذا قد تفوز بمليون ريال. فما البأس من الاستعانة بصديق في الامتحان علما بأن معظم الممتحنين لن يحصلوا على مليون ريال طوال حياتهم العملية.
والعتب هنا ليس على الطالب الذي يشتري تلك النظارة بل على الشركة التي صنعتها لتجعل الغش في الامتحانات ممكنا، والدليل على سوء نيتها هو ما يقال عن أنها قامت سلفا بتسريب عدد كبير من تلك النظارات إلى الأسواق العربية عبر الأبواب الخلفية، وقد لاحظت خلال زيارتي للندن ولعا عجيبا للسياح العرب بالأجهزة الإلكترونية التلصصية، بالتكالب في منطقة كوينز واي على محلات تبيع أجهزة للتنصت على المكالمات الهاتفية وأخرى لتضليل رادارات شرطة المرور وكاميرات جيمس بوند، والتقيت بشاب عربي في لندن ذات صيف، وقال لي إنه يقرأ لي ويتمنى لو يلتقط صورة معي فقلت له إن جعفر عجرم لا يمانع، فوقف إلى جانبي وأنا في حيرة من أمر من سيقوم بالتقاط الصورة، فإذا به يضع سيجارة على فمه وهو يبتسم بخبث ثم يشعلها بولاعة/ قداحة ثم يقول: شكرا. سألته: شكرا على ماذا؟ فقال: شكرا على الصورة وشرح لي أن الولاعة كاميرا تعينه على التقاط صور لآخرين دون أن يحسوا بذلك، فكرت في أن انتزع السيجارة من فمه وأحشرها فيه ثانية بالمقلوب. ذاك شخص مريض دفع الشيء الفلاني ليصور خلق الله (خاصة البنات) دون علمهن وهذا في حد ذاته دليل سوء نية وطوية.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك