زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الفساد المؤسسي والشخصي
الصحافة الحرة المنضبطة لا تنافق ولا تجامل كثيرا (يعني تنافق وتجامل على خفيف، كما هو حال الصحف الأمريكية منذ عدوان إسرائيل الفاجر على غزة، فهي تبكي على الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، وغير معنية بنحو ستة آلاف رهينة فلسطيني في سجون إسرائيل، وذلك من باب التزلف لليهود الأمريكان الذين بيدهم المال وكبريات شركات الإعلام).
ما علينا: قبل شهور، جعلت مجلة نيوزويك الأمريكية من الفساد في أوربا موضوعا للغلاف، وحوى الموضوع قائمة بالدول التي ينخر فيها الفساد بمعنى تفشي الرشوة والاختلاس ونهب المال العام، تحت تصنيفات أربعة هي: دول «كاملة النظافة» وتشمل فنلندا والدنمارك وسنغافورة والسويد، ودول «نظيفة»، وتشمل النرويج وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة، ودول نُص نص وهي ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا وبتسوانا ودول «وسخة» أو «ديرتي» كما جاء في المجلة وهي إيطاليا وناميبيا وتونس واليونان ودول قذرة أو «فِلثي» كما قالت نيوزويك وتشمل روسيا وتنزانيا واوكرانيا ونيجيريا وفي ذيل القائمة تأتي بنجلاديش، ووجود دولة عربية واحدة ضمن قائمة الدول التي يتفشى فيها الفساد المالي والإداري لا يعني أن بقية الدول براء من تلك التهمة، بل قد يعني انه ومن فرط أن الفساد فيها مؤسسي ويشكل عماد وأساس التعامل فإن مواطنيها لا يرون فيه ما يستوجب الشكوى أو الململة! وعموما فإن من يكون محاطا بالزبالة تكون مقاييس النظافة عنده مختلة.
في مطار عربي كنا في حالة عبور «ترانزيت»، ولكن موظف الجمرك كاد يمنعنا من مجرد الانتظار في المطار، لأن ولدي كان يحمل 8 أصابع بطاريات جافة، خاصة بجهاز ووكمان الصغير (هل تذكرون ذلك المسجل الصغير ابو سماعات الذي صرعه الآيبود ثم جار الزمان على الآيبود؟) وظل الواقفون خلفنا يتململون بينما كان صاحبنا يوجه إلينا عشرات الأسئلة عن مبرر حمل الولد لذلك العدد «الهائل» من البطاريات التي لم يكن سعرها يزيد على دولارين، وانتهى الفيلم الهندي بان قام بمصادرة بطاريتين، فقدمت له ثلاث بطاريات أخريات قائلا: معك حق فكثرة البطاريات تفسد الأخلاق فخذ هذه أيضا فتناولها شاكرا وتحول المحقق البوليسي إلى كائن مهذب يبتسم ويقهقه في بلاهة بل واستدعى أحد العمال ليحمل عني حقيبة يدي.
وفي مطار عربي آخر فوجئت بان الطائرة المتجهة الى الخرطوم لا تسمح للراكب بأكثر من حقيبة كبيرة واحدة، وكانت معي ثلاث حقائب اثنتان منها تخصان صديقا جاء معي الى المطار لسداد كلفة تحميلهما، فقرر صاحبي العودة بحقيبتيه، وفجأة جاءنا شاب يلبس شارة المطار وقال لنا: لا بأس ضعوا الأمتعة في الميزان فجاء وزنها نحو 150 كيلوجراما، وشرع صاحبي في فتح محفظة نقوده لسداد قيمة نحو 125 كيلوجراما، ولكن الشاب ابن الناس قال لنا إننا لن ندفع شيئا على الحقائب الثلاثة لأننا أزوال، والأزوال طيبون فشكرته شعرا ونثرا وزجلا، ولكن صديقي قال ان الشاب «المطاري» لم يقم بكل ذلك حبا في بني السودان وقرر ان يمنحه بعض المال فغضبت وزجرته لسوء ظنه بالرجل وتوجهت نحو حاجز الجوازات. و.. «عينك ما تشوف إلا النور» فلفلوا حقيبة يدي وجيوبي الأنفية وقالوا انهم يشكون في ان جوازي مزور، ولمحت الشاب الشهم يراقب ما يحدث لي وكان لدهشتي مبتسما، فاستنجدت به، فأدرك عندئذ أنني غبي وقال لي صراحة: خلي عندك دم واظهر تقديرك للخدمات التي قدمت لك وإعفائك من كلفة الأمتعة الزائدة!! أنا جعفر عباس الذي لا يبوس ولا ينباس ولا يرتشي ولا يرتاش ادفع رشوة؟ قلت له بصوت واضح جهوري: أعد أمتعتي إلى الميزان يا جبان أو أعد إلي جوازي لأنني لن ادفع رشوة!! وسمع صياحي حتى قباطنة الطائرات التي كانت تحلق حول المطار، هنا حدثت المعجزة وأعيد الجواز إليّ مع الاعتذار!
هذا فقط عن فساد الصغار أما فساد الكبار فمسألة لا تحتمل «الهزار»!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك