العدد : ١٧٣١٠ - الخميس ١٤ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٠ - الخميس ١٤ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

كازاخستان كما رأيتها

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ٢٧ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

زرت‭ ‬مؤخرا‭ ‬جمهورية‭ ‬كازاخستان‭ ‬هذه‭ ‬الجمهورية‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬خمس‭ ‬جمهوريات‭ ‬سوفيتية‭ ‬سابقة‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬آستانا‭ ‬الدولي‭ ‬2025‭ ‬الذي‭ ‬احتضنته‭ ‬العاصمة‭ ‬الكازاخية‭ ‬أستانا‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬رئيس‭ ‬كازاخستان‭ ‬قاسم‭ ‬جومارت‭ ‬توكاييف،‭ ‬فكانت‭ ‬الزيارة‭ ‬فرصة‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجمهورية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬الجمهورية‭ ‬الرابعة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأهمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وعلى‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحقبة‭ ‬السوفيتية،‭ ‬حيث‭ ‬النظام‭ ‬المركزي‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الموجه‭ ‬فوجدتها‭ ‬دولة‭ ‬متطورة‭ ‬ذات‭ ‬نظام‭ ‬منفتح‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬تتمتع‭ ‬بعلاقات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وتجارية‭ ‬متوازنة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭. ‬دولة‭ ‬تنتهج‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬معتدلة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬وعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية،‭ ‬تسعى‭ ‬لتكون‭ ‬عضوا‭ ‬فاعلا‭ ‬ونشطا‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬المنتدى‭ ‬الذي‭ ‬احتضنته‭ ‬أستانا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تعزيز‭ ‬علاقات‭ ‬كازاخستان‭ ‬وشبك‭ ‬مصالحها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لتكون‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المنظومة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭. ‬جمهورية‭ ‬كازاخستان‭ ‬تحتل‭ ‬المركز‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المساحة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬إذ‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬مليوني‭ ‬وسبعمائة‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع،‭ ‬ولها‭ ‬حدود‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وجمهورية‭ ‬أوزبكستان‭ ‬وجمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬وجمهورية‭ ‬قرغيزستان‭ ‬وجمهورية‭ ‬تركمنستان‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬لديها‭ ‬منافذ‭ ‬بحرية،‭ ‬ولذلك‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المنافذ‭ ‬البحرية‭ ‬لدول‭ ‬الجوار‭ ‬وخصوصا‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬التي‭ ‬تربطها‭ ‬معها‭ ‬علاقات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتجارية‭ ‬كبيرة،‭ ‬أما‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬فيبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬20‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬69%‭ ‬منهم‭ ‬يعتنقون‭ ‬الديانة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وملتزمون‭ ‬دينيا‭ ‬وإن‭ ‬الرئيس‭ ‬توكاييف‭ ‬قد‭ ‬أدى‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭.‬

بعد‭ ‬انهيار‭ ‬اتحاد‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬السوفيتية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عاد‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬لكازخستان‭ ‬نور‭ ‬سلطان‭ ‬نزارباييف‭ ‬من‭ ‬موسكو،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬عضوا‭ ‬بالمكتب‭ ‬السياسي‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬السوفيتي‭ ‬لموطنه‭ ‬كازاخستان،‭ ‬وأصبح‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬لجمهورية‭ ‬كازاخستان‭ ‬بعد‭ ‬انفصالها‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وبدأ‭ ‬عملية‭ ‬الإصلاح‭ ‬لتجاوز‭ ‬تداعيات‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬جمهورية‭ ‬كازاخستان‭ ‬أقل‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬تأثرا‭ ‬بالانهيار،‭ ‬حيث‭ ‬استعادت‭ ‬الجمهورية‭ ‬عافيتها‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬بسيطة‭ ‬بعكس‭ ‬بعض‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬كثيرا‭ ‬ولفترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الانهيار،‭ ‬وبعد‭ ‬وصول‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬قاسم‭ ‬جومارت‭ ‬توكاييف‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬واصل‭ ‬المشوار‭ ‬الذي‭ ‬بدأه‭ ‬سلفه‭ ‬نزارباييف‭ ‬معتمدا‭ ‬على‭ ‬الشباب‭ ‬المتعلم‭ ‬والمثقف‭ ‬والمتحمس‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬بحيوية‭ ‬وقدرة‭ ‬فائقة،‭ ‬ولذلك‭ ‬نرى‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬الوزراء‭ ‬والمسؤولين‭ ‬والمستشارين‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المتعلم‭ ‬الذين‭ ‬يتقنون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬ويديرون‭ ‬البلاد‭ ‬بكل‭ ‬كفاءة‭ ‬واقتدار‭.‬

لقد‭ ‬أولت‭ ‬القيادة‭ ‬الكازاخستانية‭ ‬الجديدة‭ ‬للبلاد‭ ‬الجانب‭ ‬الديني‭ ‬اهتماما‭ ‬خاصا‭ ‬باعتبارها‭ ‬دولة‭ ‬إسلامية‭ ‬وجزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬ببناء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المساجد‭ ‬ودور‭ ‬العبادة،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬عدد‭ ‬المساجد‭ ‬أيام‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬العشرات،‭ ‬فإن‭ ‬عددها‭ ‬اليوم‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬مسجد‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬الجمهورية‭ ‬أكبرها‭ ‬مسجد‭ ‬أستانا‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬تحفة‭ ‬معمارية‭ ‬دينية‭ ‬فريدة‭ ‬بنيت‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬الإسلامي‭ ‬تزينه‭ ‬أسماء‭ ‬الله‭ ‬الحسنى‭ ‬على‭ ‬جدرانه‭ ‬ويتسع‭ ‬لـ30‭ ‬ألف‭ ‬مصلٍ‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬واسعة‭ ‬تحملت‭ ‬تكاليفه‭ ‬الحكومة‭ ‬الكازاخستانية‭ ‬في‭ ‬إطارا‭ ‬اهتمامها‭ ‬ببناء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المساجد،‭ ‬كما‭ ‬تستضيف‭ ‬كازاخستان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللقاءات‭ ‬والحوارات‭ ‬والمنتديات‭ ‬الإسلامية‭ ‬وتحضر‭ ‬كل‭ ‬الاجتماعات‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الإسلامي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬وهي‭ ‬عضو‭ ‬فعال‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬التعاون‭ ‬الإسلامي‭.‬

وقد‭ ‬تمكنت‭ ‬كازاخستان‭ ‬من‭ ‬تحويل‭ ‬مدينة‭ ‬أستانا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬العاصمة‭ ‬الجديدة‭ ‬للبلاد‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬القديمة‭ ‬ألما‭ ‬آتا‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬اقتصادي‭ ‬ومالي‭ ‬وتجاري‭ ‬واستثماري‭ ‬يستقطب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والشركات‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬أقامت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬الاستثمارية‭ ‬المشتركة‭ ‬مع‭ ‬القطاعين‭ ‬الحكومي‭ ‬والخاص‭ ‬ومركزا‭ ‬لإنتاج‭ ‬الحبوب‭ ‬والصناعات‭ ‬الغذائية‭ ‬وتصدير‭ ‬الماشية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تضاعف‭ ‬الناتج‭ ‬القومي‭ ‬والإنتاج‭ ‬الصناعي‭ ‬وبلغت‭ ‬قيمة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬8‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭.‬

ولتشجيع‭ ‬السياحة‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الدخل‭ ‬القومي‭ ‬للبلاد‭ ‬وتوفير‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للشباب‭ ‬ألغت‭ ‬التأشيرة‭ ‬عن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لتسهيل‭ ‬زيارات‭ ‬الوفود‭ ‬السياحية‭ ‬للبلاد‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بطبيعة‭ ‬كازاخستان‭ ‬ومناظرها‭ ‬الخلابة‭ ‬وجبالها‭ ‬التي‭ ‬تكتسيها‭ ‬الثلوج‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العام‭.‬

ومن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬الروسية‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬كازخستان‭ ‬ويتحدثها‭ ‬الكبير‭ ‬والصغير‭ ‬بعكس‭ ‬بعض‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬فيها‭ ‬للغة‭ ‬الروسية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬مضي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬على‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬يتقن‭ ‬اللغة‭ ‬الروسية‭ ‬ويتداولها‭ ‬الشعب‭ ‬الكازاخستاني‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اللغة‭ ‬الكازاخستانية،‭ ‬فترى‭ ‬أطفالا‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬أعمارهم‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬يتحدثون‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬باللغة‭ ‬الروسية‭ ‬رغم‭ ‬انهم‭ ‬كازاخ،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬ارتباط‭ ‬هذه‭ ‬الجمهورية‭ ‬بروسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬أسماء‭ ‬الشوارع‭ ‬والميادين‭ ‬وأسعار‭ ‬السلع‭ ‬مكتوبة‭ ‬باللغتين‭ ‬الكازاخستانية‭ ‬والروسية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا