زرت مؤخرا جمهورية كازاخستان هذه الجمهورية السوفيتية السابقة الواقعة في منطقة آسيا الوسطى التي تضم خمس جمهوريات سوفيتية سابقة للمشاركة في منتدى آستانا الدولي 2025 الذي احتضنته العاصمة الكازاخية أستانا تحت رعاية رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، فكانت الزيارة فرصة للتعرف على هذه الجمهورية التي تعد الجمهورية الرابعة من بين الجمهوريات السوفيتية السابقة الخامسة عشرة من حيث الأهمية الاقتصادية وعلى نمط الحياة فيها في مرحلة ما بعد الحقبة السوفيتية، حيث النظام المركزي والاقتصاد الموجه فوجدتها دولة متطورة ذات نظام منفتح على العالم تتمتع بعلاقات سياسية واقتصادية وتجارية متوازنة مع دول العالم أجمع. دولة تنتهج سياسة خارجية معتدلة قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الخارجية، تسعى لتكون عضوا فاعلا ونشطا على الساحة الدولية، فكان هذا المنتدى الذي احتضنته أستانا لأول مرة عام 2008 في هذا الإطار في إطار تعزيز علاقات كازاخستان وشبك مصالحها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع دول العالم لتكون جزءا من المنظومة الاقتصادية العالمية. جمهورية كازاخستان تحتل المركز التاسع من حيث المساحة بين دول العالم، إذ تبلغ مساحتها مليوني وسبعمائة كيلومتر مربع، ولها حدود مع روسيا الاتحادية وجمهورية أوزبكستان وجمهورية الصين الشعبية وجمهورية قرغيزستان وجمهورية تركمنستان ومع ذلك لا توجد لديها منافذ بحرية، ولذلك تعتمد على المنافذ البحرية لدول الجوار وخصوصا روسيا الاتحادية التي تربطها معها علاقات اقتصادية وتجارية كبيرة، أما عدد سكانها فيبلغ حوالي 20 مليون نسمة 69% منهم يعتنقون الديانة الإسلامية وملتزمون دينيا وإن الرئيس توكاييف قد أدى فريضة الحج في عام 2022.
بعد انهيار اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية في بداية التسعينيات من القرن الماضي عاد الرئيس السابق لكازخستان نور سلطان نزارباييف من موسكو، حيث كان عضوا بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي لموطنه كازاخستان، وأصبح أول رئيس لجمهورية كازاخستان بعد انفصالها عن الاتحاد السوفيتي وبدأ عملية الإصلاح لتجاوز تداعيات انهيار الاتحاد، ولذلك كانت جمهورية كازاخستان أقل الجمهوريات السوفيتية السابقة تأثرا بالانهيار، حيث استعادت الجمهورية عافيتها خلال فترة بسيطة بعكس بعض الجمهوريات السوفيتية التي عانت كثيرا ولفترة طويلة من الانهيار، وبعد وصول الرئيس الحالي قاسم جومارت توكاييف إلى السلطة واصل المشوار الذي بدأه سلفه نزارباييف معتمدا على الشباب المتعلم والمثقف والمتحمس الذي يتمتع بحيوية وقدرة فائقة، ولذلك نرى ان كل الوزراء والمسؤولين والمستشارين من الشباب المتعلم الذين يتقنون أكثر من لغة ويديرون البلاد بكل كفاءة واقتدار.
لقد أولت القيادة الكازاخستانية الجديدة للبلاد الجانب الديني اهتماما خاصا باعتبارها دولة إسلامية وجزءا لا يتجزأ من العالم الإسلامي، حيث بدأت ببناء المزيد من المساجد ودور العبادة، فإذا كان عدد المساجد أيام الاتحاد السوفيتي لا يتجاوز العشرات، فإن عددها اليوم يزيد على ثلاثة آلاف مسجد منتشرة في عموم الجمهورية أكبرها مسجد أستانا الكبير الذي يعتبر تحفة معمارية دينية فريدة بنيت على النمط الإسلامي تزينه أسماء الله الحسنى على جدرانه ويتسع لـ30 ألف مصلٍ على مساحة واسعة تحملت تكاليفه الحكومة الكازاخستانية في إطارا اهتمامها ببناء المزيد من المساجد، كما تستضيف كازاخستان العديد من اللقاءات والحوارات والمنتديات الإسلامية وتحضر كل الاجتماعات ذات الطابع الإسلامي على مستوى العالم وهي عضو فعال في منظمة التعاون الإسلامي.
وقد تمكنت كازاخستان من تحويل مدينة أستانا بعد أن أصبحت العاصمة الجديدة للبلاد بدلا من العاصمة القديمة ألما آتا إلى مركز اقتصادي ومالي وتجاري واستثماري يستقطب العديد من الدول والشركات بما فيها الدول الخليجية التي أقامت العديد من المشاريع الاستثمارية المشتركة مع القطاعين الحكومي والخاص ومركزا لإنتاج الحبوب والصناعات الغذائية وتصدير الماشية، ما أدى إلى تضاعف الناتج القومي والإنتاج الصناعي وبلغت قيمة الاستثمارات أكثر من 8 مليارات دولار.
ولتشجيع السياحة للمساهمة في دعم الدخل القومي للبلاد وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب ألغت التأشيرة عن العديد من الدول بما فيها مملكة البحرين لتسهيل زيارات الوفود السياحية للبلاد للاستمتاع بطبيعة كازاخستان ومناظرها الخلابة وجبالها التي تكتسيها الثلوج على مدار العام.
ومن الملاحظ أن اللغة الروسية حاضرة في كازخستان ويتحدثها الكبير والصغير بعكس بعض الجمهوريات السوفيتية السابقة التي لا وجود فيها للغة الروسية، على الرغم من مضي أكثر من ثلاثة عقود من الزمان على انهيار الاتحاد السوفيتي إلا أن الجميع يتقن اللغة الروسية ويتداولها الشعب الكازاخستاني إلى جانب اللغة الكازاخستانية، فترى أطفالا لا تتجاوز أعمارهم السنوات العشر يتحدثون فيما بينهم باللغة الروسية رغم انهم كازاخ، مما يؤكد ارتباط هذه الجمهورية بروسيا الاتحادية، فضلا عن أن أسماء الشوارع والميادين وأسعار السلع مكتوبة باللغتين الكازاخستانية والروسية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك