العدد : ١٧٢٦١ - الخميس ٢٦ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦١ - الخميس ٢٦ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ محرّم ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وأخو الجهالة ينعمُ*

ما‭ ‬زالت‭ ‬ذاكرتي‭ ‬تختزن‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الألم،‭ ‬وقائع‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬عندما‭ ‬اعتقلت‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬العراقية‭ ‬بغداد،‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬الأربعين‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬بتهمة‭ ‬قتل‭ ‬طفلها‭ ‬وهو‭ ‬دون‭ ‬الثالثة،‭ ‬وأكل‭ ‬كبده‭! ‬وبررت‭ ‬فعلتها‭ ‬بأن‭ ‬عرافا‭ ‬أبلغها‭ ‬بأن‭ ‬فرصتها‭ ‬الوحيدة‭ ‬للحمل‭ ‬والإنجاب‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تأكل‭ ‬كبد‭ ‬طفل‭ ‬صغير،‭ ‬فكان‭  ‬أن‭ ‬فعلت‭ ‬ما‭ ‬فعلت،‭ ‬وقرر‭ ‬القضاء‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬أهلا‭ ‬لحمل‭ ‬بيبي،‭ ‬بل‭ ‬قضى‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬تحمل‮»‬‭ ‬في‭ ‬جيدها‭ ‬حبلا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خروج‭ ‬روحها‭ ‬من‭ ‬جسدها‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬خروج‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬بطنها،‭ ‬وأذكر‭ ‬أنني‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬عيد‭ ‬أضحى‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أبوظبي‭ ‬كنت‭ ‬منهمكا‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬جزار‭ ‬تولى‭ ‬ذبح‭ ‬أضحيتي‭ ‬أمام‭ ‬مسكني،‭ ‬عندما‭ ‬أتى‭ ‬شاب‭ ‬آسيوي‭ ‬بائس‭ ‬الحال‭ ‬ورث‭ ‬الثياب‭ ‬وجلس‭ ‬يراقبنا،‭ ‬فقمت‭ ‬بعد‭ ‬فراغنا‭ ‬من‭ ‬مهمتنا،‭ ‬بمناولته‭ ‬كيسا‭ ‬به‭ ‬كمية‭ ‬من‭ ‬اللحم‭ ‬الطيب،‭ ‬ولكن‭ ‬الشاب‭ ‬رفض‭ ‬الهدية،‭ ‬وأشار‭ ‬بيده‭ ‬إلى‭ ‬النفايات‭ ‬المتبقية‭ ‬من‭ ‬الخروف‭ ‬فحسبت‭ ‬انه‭ ‬يريد‭ ‬جلد‭ ‬أو‭ ‬رأس‭ ‬الخروف‭ ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬خذ‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬تشاء،‭ ‬فقام‭ ‬من‭ ‬موضعه‭ ‬وتناول‭ ‬خصيتي‭ ‬الخروف،‭ ‬وهز‭ ‬رأسه‭ ‬دليل‭ ‬امتنان‭ ‬فأوقفته‭ ‬وأبلغته‭ ‬أن‭ ‬بإمكانه‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬معه‭ ‬كيس‭ ‬اللحم،‭ ‬ولكنه‭ ‬شرح‭ ‬لي‭ ‬بغيته‭: ‬أنا‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬يولد‭ ‬بتشا‭ (‬عيال‭) ‬وهذا‭ ‬مال‭ ‬خروف‭ ‬زين‭ ‬حق‭ ‬نفر‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬بتشا‭! ‬غلا‭ ‬الدم‭ ‬في‭ ‬عروقي‭: ‬هذا‭ ‬الحيوان‭ ‬يرفض‭ ‬اللحم‭ ‬الحلال‭ ‬ويريد‭ ‬أكل‭ ‬خصيتي‭ ‬الخروف‭ ‬لأنه‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬سيزيل‭ ‬ما‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عقم‭. ‬كدت‭ ‬من‭ ‬الغيظ‭ ‬أن‭ ‬أهوي‭ ‬على‭ ‬عنقه‭ ‬بالسكين‭ ‬ولكنه‭ ‬فر‭ ‬بغنيمته‭. ‬وددت‭ ‬لو‭ ‬أسأله‭: ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬تطابق‭ ‬بين‭ ‬جيناتك‭ ‬وجينات‭ ‬الخروف؟‭ ‬أم‭ ‬أنك‭ ‬تحلم‭ ‬بإنجاب‭ ‬طفل‭ ‬ذي‭ ‬مواصفات‭ ‬بهيمية‭ ‬مثلك؟‭ ‬ولكن‭ ‬هيهات‭ ‬أن‭ ‬تقنع‭ ‬من‭ ‬رضعوا‭ ‬الجهالة‭ ‬والخرافة‭ ‬كابرا‭ ‬عن‭ ‬كابر‭ ‬بأنه‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬زرع‭ ‬خصية‭ ‬خروف‭ ‬في‭ ‬جسده‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬يزيل‭ ‬ما‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عقم‭ ‬بينما‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬أقراص‭ ‬دوائية‭ ‬ناجعة‭ ‬المفعول‭ ‬تحل‭ ‬مشكلته‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬تتكرر‭ ‬المأساة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬موت‭ ‬شخص‭ ‬ضربا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬من‭ ‬يزعم‭ ‬أنه‭ ‬يعاقب‭ ‬العفاريت‭ ‬أو‭ ‬الجان‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬بدن‭ ‬الشخص‭ ‬المريض،‭ ‬وكان‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬رونالد‭ ‬ريغان‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستشير‭ ‬بعلته‭ ‬نانسي‭ ‬عراف‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬الذي‭ ‬نهى‭ ‬ريغان‭ ‬كلية‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء،‭ (‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬النوبة‭ ‬السودانية‭ ‬يتشاءمون‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء،‭ ‬ولا‭ ‬يعقدون‭ ‬القران‭ ‬فيه،‭ ‬وأسوأ‭ ‬أيام‭ ‬الأربعاء‭ ‬عندهم‭ ‬هو‭ ‬‮«‬أون‭ ‬أباق‮»‬‭ ‬أي‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬دورة‭ ‬ظهور‭ ‬القمر‭ ‬مباشرة‭) ‬وكانت‭ ‬والدتي‭ ‬كلما‭ ‬وفدت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الغجر‭ ‬إلى‭ ‬بلدتنا‭ ‬تضع‭ ‬أمامها‭ ‬القطع‭ ‬النقدية‭ ‬لتقرأ‭ ‬لنا‭ ‬البخت‭ ‬فتقول‭ ‬الغجرية‭ ‬لأحدنا‭: ‬عمرك‭ ‬طويل،‭ ‬أجلك‭ ‬قصير،‭ ‬فتتيه‭ ‬أمي‭ ‬فرحا‭ ‬وسعادة‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تحسب‭ ‬أن‭ ‬قصر‭ ‬‮«‬الأجل‮»‬‭ ‬أمر‭ ‬طيب،‭ ‬وطالما‭ ‬أن‭ ‬الأمريكان‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالخرافات‭ ‬فلا‭ ‬تثريب‭ ‬على‭ ‬أمي‭ ‬الأمية،‭ ‬ومن‭ ‬عجيب‭ ‬المفارقات‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬يستعينون‭ ‬بالعرافين‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬للعرافين‭ ‬مصداقية‭ ‬لما‭ ‬لجأوا‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬يقبضون‭ ‬منهم‭ ‬الأتعاب‭ ‬لتوفير‭ ‬المال‭ ‬اللازم‭ ‬لضروريات‭ ‬الحياة،‭ ‬ومرتين‭ ‬كل‭ ‬أسبوع‭ ‬يستضيف‭ ‬تلفزيون‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬البريطاني‭ ‬عرافة‭ ‬لتدل‭ ‬الجمهور‭ ‬على‭ ‬الأرقام‭ ‬المرشحة‭ ‬للفوز‭ ‬بالملايين‭ ‬في‭ ‬اليانصيب‭ ‬ولم‭ ‬يسأل‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الأغبياء‭ ‬الذين‭ ‬يتابعونها‭ ‬نفسه‭ ‬مرة‭: ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تكسب‭ ‬العرافة‭ ‬النقود‭ ‬لنفسها‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬تقاضي‭ ‬أجر‭ ‬زهيد‭ ‬من‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي؟‭ ‬أو‭ ‬لماذا‭ ‬يتابعها‭ ‬الناس‭ ‬أسبوعا‭ ‬بعد‭ ‬أسبوع‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭ ‬أن‭ ‬فازت‭ ‬الأرقام‭ ‬التي‭ ‬دلت‭ ‬الناس‭ ‬عليها؟‭ ‬ومن‭ ‬طريف‭ ‬دنيا‭ ‬التنجيم‭ ‬أن‭ ‬المؤتمر‭ ‬السنوي‭ ‬للعرافين‭ ‬والمنجمين‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬تأجل‭ ‬حسب‭ ‬البيان‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬سكرتارية‭ ‬المؤتمر‭ ‬بسبب‭ ‬أحوال‭ ‬جوية‭ ‬طارئة‭ ‬حالت‭ ‬دون‭ ‬وصول‭ ‬معظم‭ ‬المشاركين‭!! ‬فهمت؟‭ ‬عنك‭!!‬

*‭ ‬العنوان‭ ‬عجز‭ ‬بيت‭ ‬الشعر‭: ‬ذو‭ ‬العقل‭ ‬يشقى‭ ‬في‭ ‬النعيم‭ ‬بعقله‭/ ‬وأخو‭ ‬الجهالة‭ ‬في‭ ‬الشقاوة‭ ‬ينعم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا