زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
وأخو الجهالة ينعمُ*
ما زالت ذاكرتي تختزن بالكثير من الألم، وقائع تعود إلى بضع سنوات عندما اعتقلت الشرطة في العاصمة العراقية بغداد، امرأة في الأربعين من العمر، بتهمة قتل طفلها وهو دون الثالثة، وأكل كبده! وبررت فعلتها بأن عرافا أبلغها بأن فرصتها الوحيدة للحمل والإنجاب هي أن تأكل كبد طفل صغير، فكان أن فعلت ما فعلت، وقرر القضاء أنها ليست أهلا لحمل بيبي، بل قضى بأن «تحمل» في جيدها حبلا يؤدي إلى خروج روحها من جسدها فيما يشبه خروج الطفل من بطنها، وأذكر أنني وفي ذات عيد أضحى في مدينة أبوظبي كنت منهمكا في مساعدة جزار تولى ذبح أضحيتي أمام مسكني، عندما أتى شاب آسيوي بائس الحال ورث الثياب وجلس يراقبنا، فقمت بعد فراغنا من مهمتنا، بمناولته كيسا به كمية من اللحم الطيب، ولكن الشاب رفض الهدية، وأشار بيده إلى النفايات المتبقية من الخروف فحسبت انه يريد جلد أو رأس الخروف فقلت له: خذ منها ما تشاء، فقام من موضعه وتناول خصيتي الخروف، وهز رأسه دليل امتنان فأوقفته وأبلغته أن بإمكانه أيضا أن يأخذ معه كيس اللحم، ولكنه شرح لي بغيته: أنا ما في يولد بتشا (عيال) وهذا مال خروف زين حق نفر ما في بتشا! غلا الدم في عروقي: هذا الحيوان يرفض اللحم الحلال ويريد أكل خصيتي الخروف لأنه يعتقد أن ذلك سيزيل ما به من عقم. كدت من الغيظ أن أهوي على عنقه بالسكين ولكنه فر بغنيمته. وددت لو أسأله: هل هناك تطابق بين جيناتك وجينات الخروف؟ أم أنك تحلم بإنجاب طفل ذي مواصفات بهيمية مثلك؟ ولكن هيهات أن تقنع من رضعوا الجهالة والخرافة كابرا عن كابر بأنه حتى لو زرع خصية خروف في جسده فإن ذلك لن يزيل ما به من عقم بينما قد تكون هناك أقراص دوائية ناجعة المفعول تحل مشكلته.
في كل البلاد العربية تتكرر المأساة المتمثلة في موت شخص ضربا على يد من يزعم أنه يعاقب العفاريت أو الجان التي تسكن بدن الشخص المريض، وكان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان لا يقدم على أي عمل قبل أن يستشير بعلته نانسي عراف البيت الأبيض الذي نهى ريغان كلية عن القيام بأي عمل في يوم الأربعاء، (أهلنا في منطقة النوبة السودانية يتشاءمون من يوم الأربعاء، ولا يعقدون القران فيه، وأسوأ أيام الأربعاء عندهم هو «أون أباق» أي الذي يأتي بعد انتهاء دورة ظهور القمر مباشرة) وكانت والدتي كلما وفدت واحدة من الغجر إلى بلدتنا تضع أمامها القطع النقدية لتقرأ لنا البخت فتقول الغجرية لأحدنا: عمرك طويل، أجلك قصير، فتتيه أمي فرحا وسعادة لأنها كانت تحسب أن قصر «الأجل» أمر طيب، وطالما أن الأمريكان يؤمنون بالخرافات فلا تثريب على أمي الأمية، ومن عجيب المفارقات أن الذين يستعينون بالعرافين لا يدركون أنه لو كان للعرافين مصداقية لما لجأوا إلى الناس يقبضون منهم الأتعاب لتوفير المال اللازم لضروريات الحياة، ومرتين كل أسبوع يستضيف تلفزيون بي بي سي البريطاني عرافة لتدل الجمهور على الأرقام المرشحة للفوز بالملايين في اليانصيب ولم يسأل أحد من الأغبياء الذين يتابعونها نفسه مرة: لماذا لا تكسب العرافة النقود لنفسها بدلا من تقاضي أجر زهيد من بي بي سي؟ أو لماذا يتابعها الناس أسبوعا بعد أسبوع رغم أنه لم يحدث قط أن فازت الأرقام التي دلت الناس عليها؟ ومن طريف دنيا التنجيم أن المؤتمر السنوي للعرافين والمنجمين في أمريكا عام 1999، تأجل حسب البيان الصادر عن سكرتارية المؤتمر بسبب أحوال جوية طارئة حالت دون وصول معظم المشاركين!! فهمت؟ عنك!!
* العنوان عجز بيت الشعر: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله/ وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك