العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

الحرب بين إسرائيل وإيران.. وخطة الخداع الاستراتيجي

بقلم: د. حسن نافعة {

الخميس ٢٦ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

لأن‭ ‬النيات‭ ‬العدوانية‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬تجاه‭ ‬إيران،‭ ‬ليست‭ ‬خافية‭ ‬على‭ ‬أحد،‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬تفاجأ‭ ‬إيران‭ ‬بالضربة‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬إليها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬فجر‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضي‭ (‬13يونيو‭ ‬2025‭)‬،‭ ‬وأن‭ ‬تتحسب‭ ‬لوقوعها،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬جاهزة‭ ‬للرد‭ ‬عليها‭ ‬بطريقة‭ ‬أقوى‭ ‬وأفضل‭.‬

فحين‭ ‬شنّ‭ ‬الكيان‭ ‬هجومه‭ ‬الكاسح‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬بدا‭ ‬وقع‭ ‬المفاجأة‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬واضحاً،‭ ‬وجاء‭ ‬ردّها‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬مرتبكاً،‭ ‬ما‭ ‬شكّل‭ ‬صدمة‭ ‬دفعت‭ ‬بالعديد‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬مشروعة‭ ‬حول‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬وعما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬التحذيرات‭ ‬قد‭ ‬وقعت‭ ‬ضحية‭ ‬خطة‭ ‬خداع‭ ‬استراتيجي‭ ‬شاركت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬وضعها،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬لعب‭ ‬بنفسه‭ ‬دوراً‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬حبكها‭.‬

مؤشرات‭ ‬عديدة‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬إيران‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬رسمت‭ ‬خططها‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمة،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬قناعة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬لن‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬منفرد‭ ‬بإعلان‭ ‬الحرب‭ ‬عليها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬مشاركة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو،‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬الحصول‭ ‬من‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬أخضر‭ ‬بشنّها‭.‬

ولأنه‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬رسمياً،‭ ‬وقبل‭ ‬ساعات‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬انطلاق‭ ‬الضربة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الاستباقية،‭ ‬أن‭ ‬الجولة‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬المفاوضات‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ستعقد‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬نهار‭ ‬الأحد‭ ‬15‭/‬6،‭ ‬تصورت‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬لن‭ ‬تقع‭ ‬قبل‭ ‬الإعلان‭ ‬رسميا‭ ‬عن‭ ‬فشل‭ ‬هذه‭ ‬الجولة‭ ‬وتعذر‭ ‬الاتفاق‭ ‬حول‭ ‬موعد‭ ‬لجولة‭ ‬جديدة،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬استبعدت‭ ‬من‭ ‬حساباتها‭ ‬احتمال‭ ‬استخدام‭ ‬المفاوضات‭ ‬كأداة‭ ‬في‭ ‬خطة‭ ‬خداع‭ ‬استراتيجي،‭ ‬واستبعدت‭ ‬أكثر‭ ‬احتمال‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬قبل‭ ‬المشاركة‭ ‬بنفسه‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطة،‭ ‬ويبدو‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الخطأ‭ ‬القاتل‭ ‬الذي‭ ‬ارتكبته‭.‬

تدرك‭ ‬إيران‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬هو‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأكثر‭ ‬ارتباطاً‭ ‬بمصالح‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الأكثر‭ ‬استعداداً‭ ‬للتعاون‭ ‬مع‭ ‬حكومته‭ ‬الحالية،‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفاً‭ ‬وعنصرية‭ ‬في‭ ‬تاريخه،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أنها‭ ‬تتذكر‭ ‬أنه‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬تمكن‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬إقناعه‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬دولي‭ ‬وقّعت‭ ‬عليه‭ ‬وضمنته‭ ‬الدولة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وهو‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬السابق‭ ‬مع‭ ‬إيران‭.‬

لذا،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬التفسير‭ ‬الوحيد‭ ‬للأسباب‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تجاهل‭ ‬إيران‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬هو‭ ‬احتمال‭ ‬وقوعها‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬تحليلات‭ ‬سياسية‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬فرضية‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬ترامب‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬أمريكا‭ ‬أولاً‮»‬‭ ‬سوف‭ ‬يضعه‭ ‬إن‭ ‬آجلاً‭ ‬أو‭ ‬عاجلا‭ ‬في‭ ‬تناقض‭ ‬مع‭ ‬نهج‭ ‬نتنياهو‭ ‬الذي‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬ترجيح‭ ‬كفة‭ ‬مصالحه‭ ‬الشخصية‭ ‬على‭ ‬كفة‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬قراراته،‭ ‬وهذا‭ ‬خطأ‭ ‬قاتل‭ ‬لأن‭ ‬خطط‭ ‬الحرب‭ ‬والسلام‭ ‬ومصائر‭ ‬الشعوب‭ ‬لا‭ ‬تبنى‭ ‬على‭ ‬تحليلات‭ ‬أو‭ ‬افتراضات‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭. ‬

ربما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬تربطه‭ ‬بترامب‭ ‬علاقة‭ ‬شخصية‭ ‬قوية‭ ‬جداً،‭ ‬وراهن‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬فوزه‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بل‭ ‬وأعلن‭ ‬دعمه‭ ‬الصريح‭ ‬له‭ ‬إبان‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية‭.‬

وربما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬كسب‭ ‬رهانه‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬إنجازات‭ ‬ميدانية‭ ‬لافتة‭ ‬رفعت‭ ‬من‭ ‬أسهمه‭ ‬لدى‭ ‬ترامب‭. ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الإنجازات‭: ‬إخراج‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬اعتقد‭ ‬نتنياهو‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬بات‭ ‬مفتوحاً‭ ‬أمامه‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬ولم‭ ‬تبق‭ ‬سوى‭ ‬عقبة‭ ‬واحدة‭ ‬تجب‭ ‬إزاحتها‭ ‬ليصبح‭ ‬طريقه‭ ‬سالكاً‭ ‬تماما‭ ‬هي‭: ‬إيران‭. ‬صحيح‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬تامة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬أصبحت‭ ‬أضعف‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬‮«‬تهميش‭ ‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يدرك‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬حلمه‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الهيمنة‭ ‬المنفردة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بالدخول‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬وهو‭ ‬هدف‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬قدراته‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬صديقه‭ ‬ترامب‭. ‬لذا،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬نتنياهو‭ ‬بدأ‭ ‬سعيه‭ ‬الحثيث‭ ‬لتوريط‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬يخطط‭ ‬لشنّها‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬لدخول‭ ‬ترامب‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬المهمة‭ ‬صعبة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬نتنياهو،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاتفاق‭ ‬التام‭ ‬بين‭ ‬الرجلين‭ ‬حول‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬يسعيان‭ ‬لتحقيقها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬إيران،‭ ‬رغم‭ ‬ظهور‭ ‬اختلافات‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬حول‭ ‬الوسائل‭ ‬الكفيلة‭ ‬بتحقيقها‭. ‬فبينما‭ ‬يميل‭ ‬ترامب،‭ ‬بحكم‭ ‬عقليته‭ ‬التجارية،‭ ‬نحو‭ ‬تفضيل‭ ‬الوسائل‭ ‬السلمية،‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬فرض‭ ‬أقصى‭ ‬العقوبات‭ ‬والتهديد‭ ‬الدائم‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬القوة،‭ ‬يميل‭ ‬نتنياهو،‭ ‬المتعطش‭ ‬للدماء،‭ ‬إلى‭ ‬تفضيل‭ ‬استخدام‭ ‬السلاح‭.‬

لذا،‭ ‬فإن‭ ‬المعضلة‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬تعين‭ ‬عليه‭ ‬مواجهتها‭ ‬والتغلب‭ ‬عليها‭ ‬انحصرت‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬صيغة‭ ‬تحقق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الأهداف‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬والوسائل‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬تحقيقها،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والتوزيع‭ ‬العادل‭ ‬للأدوار‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬

وفي‭ ‬تقديري‭ ‬أن‭ ‬تتبع‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬سلكته‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭- ‬الإسرائيلية‭ ‬يوحي‭ ‬بأن‭ ‬ترامب‭ ‬ونتنياهو‭ ‬تمكنا‭ ‬معاً‭ ‬من‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬الصيغة‭ ‬المناسبة‭ ‬لحل‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة،‭ ‬وهي‭ ‬صيغة‭ ‬تكشفت‭ ‬معالمها‭ ‬الرئيسية‭ ‬تباعاً‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الهجوم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬إيران‭.‬

ففي‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الأهداف‭ ‬المعلنة‭ ‬والوسائل‭ ‬المستخدمة‭ ‬لتحقيقها،‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬صيغة‭ ‬مفادها‭ ‬وجود‭ ‬أهداف‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬تشمل‭:‬

1-منع‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬سلاح‭ ‬نووي،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تطلب‭ ‬الأمر‭ ‬حرمانها‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭.‬

2-تخفيض‭ ‬ترسانة‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬والمسيرات‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬تهديداً‭ ‬للكيان‭.‬

3-إلزام‭ ‬إيران‭ ‬بالامتناع‭ ‬عن‭ ‬تمويل‭ ‬الفصائل‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬تقاوم‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لأراضيها‭ ‬وعن‭ ‬مدّها‭ ‬بالأسلحة‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬بالكامل‭ ‬سيؤدي‭ ‬بالضرورة‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬إلى‭ ‬الدرجة‭ ‬التي‭ ‬تجعله‭ ‬آيلاً‭ ‬للسقوط‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬ضرر‭ ‬إذا‭ ‬أصرّ‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬أهداف‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬متباينة،‭ ‬لأن‭ ‬التباين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬بطريقة‭ ‬أفضل،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬ليست‭ ‬كذلك‭.‬

كما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬دخول‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬وكأنه‭ ‬ينطوي‭ ‬بالضرورة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬تنازلات،‭ ‬لأنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أداة‭ ‬ضرورية‭ ‬لإدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬بطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

وفي‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بلعبة‭ ‬توزيع‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الكيان‭ ‬والإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬القيام‭ ‬بها،‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬صيغة‭ ‬تشمل‭ ‬العناصر‭ ‬التالية‭:‬

1-‭ ‬منح‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬حق‭ ‬المبادرة‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬ضد‭ ‬إيران،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬وصول‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬لن‭ ‬يرضخ‭ ‬للضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬للتهديد‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة،‭ ‬وأن‭ ‬المفاوضات‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬المتعذر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تحقيق‭ ‬كامل‭ ‬الأهداف‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية‭.‬

2-التزام‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬بمدّ‭ ‬الكيان‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬والأدوات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تساعده‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬المتفق‭ ‬عليها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬منها‭ ‬بالذخيرة،‭ ‬وفي‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بها‭ ‬نظم‭ ‬التسليح‭ ‬المعتمدة‭ ‬سلفاً‭.‬

3-التزام‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬بعدم‭ ‬ترك‭ ‬الكيان‭ ‬يحارب‭ ‬وحيداً‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬إذا‭ ‬امتدت‭ ‬الحرب‭ ‬فترة‭ ‬أطول‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬للكيان‭ ‬احتماله،‭ ‬والتدخل‭ ‬لإنقاذه‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تعرضه‭ ‬لمخاطر‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬مواجهتها‭ ‬منفرداً،‭ ‬أو‭ ‬لاستكمال‭ ‬ما‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬تحقيقه‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬سلفا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بالتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬بضرب‭ ‬المفاعلات‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية‭ ‬وخاصة‭ ‬منشأة‭ ‬‮«‬فوردو‮»‬‭.‬

فإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬أعلن‭ ‬بنفسه،‭ ‬وعقب‭ ‬إقدام‭ ‬نتنياهو‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬أنه‭ ‬علم‭ ‬مسبقاً‭ ‬بالقرار‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬رغم‭ ‬صدور‭ ‬تصريحات‭ ‬أمريكية‭ ‬رسمية‭ ‬تؤكد‭ ‬عزم‭ ‬الولايات‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الجولة‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬المفاوضات‭ ‬المزمع‭ ‬عقدها‭ ‬في‭ ‬مسقط،‭ ‬لتبيّن‭ ‬لنا‭ ‬بوضوح‭ ‬تام‭ ‬أن‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬جادة‭ ‬وأنها‭ ‬استخدمت‭ ‬كغطاء‭ ‬في‭ ‬خطة‭ ‬خداع‭ ‬استراتيجي‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬ترامب‭ ‬بنفسه‭.‬

إن‭ ‬نجاح‭ ‬خطة‭ ‬الخداع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬مكّنت‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬أخذ‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬استباقية‭ ‬موجعة‭ ‬ترتب‭ ‬عليها‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬قيادات‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬وفي‭ ‬حرس‭ ‬الثورة‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬السواء‭. ‬ولكن‭ ‬بقيت‭ ‬لدى‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬الإمكانيات‭ ‬والقدرات‭ ‬والأوراق‭ ‬ما‭ ‬يؤهلها‭ ‬لتقول‭ ‬كلمتها‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬عليها‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا