العدد : ١٧٢٦١ - الخميس ٢٦ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦١ - الخميس ٢٦ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ محرّم ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

حتى الكمبيوتر مُتبطِّل

خلال‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬عمل‭ ‬الملايين‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬بيوتهم،‭ ‬ولم‭ ‬تشْكُ‭ ‬جهة‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إنتاجية‭ ‬موظفيها‭ ‬تدنت‭ ‬بسبب‭ ‬ذلك‭. ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬كشفت‭ ‬دراسات‭ ‬أجرتها‭ ‬جامعة‭ ‬ايسيكس‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬60‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬لا‭ ‬تتقيد‭ ‬بمواعيد‭ ‬العمل‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬التاسعة‭ ‬صباحا‭ ‬إلى‭ ‬الخامسة‭ ‬عصرا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬معظم‭ ‬الشركات‭ ‬والإدارات‭ ‬الحكومية،‭ ‬لا‭ ‬تمانع‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬الموظفون‭ ‬أعمالهم‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬منازلهم،‭ ‬فطالما‭ ‬العمل‭ ‬يتطلب‭ ‬فقط‭ ‬استخدام‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬وطالما‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭ ‬كمبيوترات‭ ‬مركزية‭ ‬ترصد‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وجودتها‭ ‬أو‭ ‬رداءتها،‭ ‬فلا‭ ‬معنى‭ ‬لتعريض‭ ‬الموظفين‭ ‬للتلتلة‭ ‬والانتقال‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬أماكن‭ ‬العمل‭. ‬وأريد‭ ‬من‭ ‬القارئ‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬حكومية‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬أن‭ ‬يتذكر‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬أساليب‭ ‬العمل‭ ‬قبل‭ ‬20‭ ‬سنة،‭ ‬وكيف‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭: ‬ما‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬عمل‭ ‬حكومي‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬إلا‭ ‬والكمبيوتر‭ ‬يتولى‭ ‬فيه‭ ‬تصريف‭ ‬معظم‭ ‬الأعباء،‭ ‬ولكنني‭ ‬أتحداكم‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬تذكروا‭ ‬لي‭ ‬اسم‭ ‬وزارة‭ ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬حكومية‭ ‬واحدة،‭ ‬تقلصت‭ ‬فيها‭ ‬العمالة‭ ‬نتيجة‭ ‬لاستخدام‭ ‬الكمبيوتر‭! ‬بالعكس‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬العمالة‭ ‬تضاعفت‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬فقط‭ ‬لأن‭ ‬حكوماتنا‭ ‬تحل‭ ‬مشكلة‭ ‬العطالة‭ ‬بتكديس‭ ‬أجهزتها‭ ‬بعطالة‭ ‬مُقَنَّعة،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬مصالح‭ ‬العباد‭ ‬والبلاد،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬نوعية‭  ‬الإداري‭ ‬الذي‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يستمد‭ ‬أهميته‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬مرؤوسيه،‭ ‬ويعمد‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬مالية‭ ‬إلى‭ ‬المطالبة‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬الوظائف،‭ ‬ليتباهى‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬تحته‮»‬‭ ‬كذا‭ ‬مائة‭ ‬أو‭ ‬عشرة‭ ‬موظفين،‭ ‬أما‭ ‬السلالة‭ ‬النادرة‭ ‬من‭ ‬المديرين،‭ ‬والتي‭ ‬يقرر‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬إنهاء‭ ‬خدمات‭ ‬بعض‭ ‬الموظفين‭ ‬لأن‭ ‬حجم‭ ‬العمل‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬وجود‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العاملين،‭ ‬فإنه‭ ‬يوصف‭ ‬بالقسوة‭ ‬والغطرسة،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬واجبه‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬ضمان‭ ‬مصلحة‭ ‬العمل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬مصالح‭ ‬العمالة‭ ‬المنتجة‭ ‬وليس‭ ‬الطفيلية‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬المكاتب‭ ‬إلى‭ ‬مقاهٍ‭ ‬لشرب‭ ‬الساخن‭ ‬والبارد‭ ‬وإجراء‭ ‬مكالمات‭ ‬هاتفية‭ ‬بلوشية‭. (‬بسبب‭ ‬حراس‭ ‬الفضيلة‭ ‬فشلت‭ ‬ذات‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬لولدي‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬جامعات‭ ‬بريطانية‭ ‬هي‭ ‬ويسكس‭ ‬وساسكس‭ ‬وإسكس،‭ ‬لأنني‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬مواقعها‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬لتقديم‭ ‬طلبات‭ ‬الالتحاق‭ ‬بها،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬شركات‭ ‬الاتصالات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقدم‭ ‬خدمات‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وضعت‭ ‬تلك‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬القوائم‭ ‬السوداء‭ ‬لأن‭ ‬أسماءها‭ ‬مريبة‭ ‬بل‭ ‬غير‭ ‬شريفة‭ ‬لأنها‭ ‬تنتهي‭ ‬بـ«سكس‮»‬،‭ ‬وحاشا‭ ‬لعيالنا‭ ‬أن‭ ‬يلتحقوا‭ ‬بجامعات‭ ‬يكون‭ ‬السكس‭ -‬وبكل‭ ‬بجاحة‭ ‬ووقاحة‭- ‬جزءا‭ ‬أساسيا‭ ‬من‭ ‬اسمها‭. ‬وربما‭ ‬مناهجها‭).‬

وهل‭ ‬من‭ ‬الوارد‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬جهة‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬لموظفيها‭ ‬بأداء‭ ‬أعبائهم‭ ‬الوظيفية‭ ‬من‭ ‬بيوتهم‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أن‭ ‬العبرة‭ ‬بالنتائج‭ ‬والناتج‭ ‬والإنتاجية‭ ‬رغم‭ ‬نجاح‭ ‬التجربة‭ ‬خلال‭ ‬محنة‭ ‬كورونا؟‭ ‬لن‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬يشيب‭ ‬الغراب،‭ ‬لسبب‭ ‬بسيط‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬عندنا‭ ‬ترضي‭ ‬النزعات‭ ‬السادية‭ ‬عند‭ ‬قادة‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬مديرين‭ ‬ورؤساء‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬مهمتهم‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭ ‬ممارسة‭ ‬‮«‬السلطة‮»‬‭ ‬بكل‭ ‬ملحقاتها‭ ‬من‭ ‬عنجهية‭ ‬ومجالس‭ ‬تأديب‭ ‬ولفت‭ ‬نظر‭ ‬وخصم‭ ‬راتب‭ ‬وتأجيل‭ ‬علاوة‭ ‬وحرمان‭ ‬من‭ ‬الإجازة‭! ‬ولهذا‭ ‬كنا‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬التقط‭ ‬بدعة‭ ‬البصمات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬لتسجيل‭ ‬الحضور‭ ‬والغياب،‭ ‬فعندنا‭ ‬لا‭ ‬يحس‭ ‬الكبير‭ ‬بأنه‭ ‬كبير،‭ ‬طالما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬أمامه‭ ‬موظفين‭ ‬يصيح‭ ‬في‭ ‬وجوههم‭ ‬لإثبات‭ ‬وجوده،‭ ‬وليثبت‭ ‬لزواره‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬خطير‮»‬،‭ ‬لذا‭ ‬تجد‭ ‬عندنا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يحظى‭ ‬بالترقية‭ ‬والتفرغ‭ ‬للدراسة‭ ‬والمهام‭ ‬الخارجية‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬حقيبة‭ ‬المدير‭ ‬إلى‭ ‬سيارته‭ ‬وينقل‭ ‬إليه‭ ‬الوشايات‭ ‬ويخصص‭ ‬حتى‭ ‬ساعات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬العمل‭ ‬لممارسة‭ ‬البكش‭ ‬معه،‭ ‬وفي‭ ‬مناخات‭ ‬كهذه‭ ‬ستواصل‭ ‬العمالة‭ ‬ترهلها‭ ‬وتبقى‭ ‬الكمبيوترات‭ ‬شبه‭ ‬معطلة‭.‬

مع‭ ‬فارق‭ ‬أساسي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬المتبطل‭ ‬لا‭ ‬يتعرض‭ ‬للإهانة‭ ‬والبهدلة،‭ ‬بل‭ ‬يتلقى‭ ‬الشكر‭ ‬بإيكال‭ ‬أمره‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬يحسن‭ ‬حتى‭ ‬استخدام‭ ‬الحاسبة‭ ‬العادية‭!! ‬والبركة‭ ‬في‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬ليملأ‭ ‬الموظفون‭ ‬وقتهم‭ ‬خلال‭ ‬ساعات‭ ‬الدوام‭ ‬المملة‭ ‬بتمارين‭ ‬تنشط‭ ‬العقل‭ ‬عوضا‭ ‬عن‭ ‬روتين‭ ‬يعطل‭ ‬العقل‭ ‬ويشله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا