زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
حتى الكمبيوتر مُتبطِّل
خلال جائحة كورونا، عمل الملايين وهم في بيوتهم، ولم تشْكُ جهة ما من أن إنتاجية موظفيها تدنت بسبب ذلك. في بريطانيا كشفت دراسات أجرتها جامعة ايسيكس أن نحو 60 في المائة من القوى العاملة في بريطانيا، لا تتقيد بمواعيد العمل المتعارف عليها من التاسعة صباحا إلى الخامسة عصرا، بعد أن أصبحت معظم الشركات والإدارات الحكومية، لا تمانع في أن يؤدي الموظفون أعمالهم وهم في منازلهم، فطالما العمل يتطلب فقط استخدام الكمبيوتر، وطالما هناك في مواقع العمل كمبيوترات مركزية ترصد الإنتاجية وجودتها أو رداءتها، فلا معنى لتعريض الموظفين للتلتلة والانتقال من وإلى أماكن العمل. وأريد من القارئ الذي يعمل في دائرة حكومية في دولة عربية أن يتذكر كيف كانت أساليب العمل قبل 20 سنة، وكيف هي اليوم: ما من موقع عمل حكومي في عالمنا العربي المعاصر إلا والكمبيوتر يتولى فيه تصريف معظم الأعباء، ولكنني أتحداكم جميعا أن تذكروا لي اسم وزارة أو إدارة حكومية واحدة، تقلصت فيها العمالة نتيجة لاستخدام الكمبيوتر! بالعكس من المؤكد أن العمالة تضاعفت خلال سنوات التوسع في استخدام الكمبيوتر، وليس ذلك فقط لأن حكوماتنا تحل مشكلة العطالة بتكديس أجهزتها بعطالة مُقَنَّعة، مما يؤدي إلى تعطيل مصالح العباد والبلاد، ولكن أيضا لأن هناك نوعية الإداري الذي يعتقد أنه يستمد أهميته من عدد مرؤوسيه، ويعمد في بداية كل سنة مالية إلى المطالبة بالمزيد من الوظائف، ليتباهى بأن «تحته» كذا مائة أو عشرة موظفين، أما السلالة النادرة من المديرين، والتي يقرر الواحد منهم إنهاء خدمات بعض الموظفين لأن حجم العمل لا يتطلب وجود عدد كبير من العاملين، فإنه يوصف بالقسوة والغطرسة، مع أن واجبه الأول هو ضمان مصلحة العمل، ومن ثم مصالح العمالة المنتجة وليس الطفيلية التي تحول المكاتب إلى مقاهٍ لشرب الساخن والبارد وإجراء مكالمات هاتفية بلوشية. (بسبب حراس الفضيلة فشلت ذات عام في الحصول على قبول لولدي في ثلاث جامعات بريطانية هي ويسكس وساسكس وإسكس، لأنني فشلت في دخول مواقعها على الإنترنت لتقديم طلبات الالتحاق بها، والسبب في ذلك أن شركات الاتصالات العربية التي كانت تقدم خدمات الإنترنت، وضعت تلك الجامعات في القوائم السوداء لأن أسماءها مريبة بل غير شريفة لأنها تنتهي بـ«سكس»، وحاشا لعيالنا أن يلتحقوا بجامعات يكون السكس -وبكل بجاحة ووقاحة- جزءا أساسيا من اسمها. وربما مناهجها).
وهل من الوارد أن تسمح جهة ما في العالم العربي لموظفيها بأداء أعبائهم الوظيفية من بيوتهم من منطلق أن العبرة بالنتائج والناتج والإنتاجية رغم نجاح التجربة خلال محنة كورونا؟ لن يحدث ذلك حتى يشيب الغراب، لسبب بسيط وهو أن بيئة العمل عندنا ترضي النزعات السادية عند قادة العمل من مديرين ورؤساء يعتقدون أن مهمتهم الأساسية هي ممارسة «السلطة» بكل ملحقاتها من عنجهية ومجالس تأديب ولفت نظر وخصم راتب وتأجيل علاوة وحرمان من الإجازة! ولهذا كنا أول من التقط بدعة البصمات الإلكترونية لتسجيل الحضور والغياب، فعندنا لا يحس الكبير بأنه كبير، طالما أنه لا يجد أمامه موظفين يصيح في وجوههم لإثبات وجوده، وليثبت لزواره أنه «خطير»، لذا تجد عندنا أن من يحظى بالترقية والتفرغ للدراسة والمهام الخارجية هو من يحمل حقيبة المدير إلى سيارته وينقل إليه الوشايات ويخصص حتى ساعات ما بعد العمل لممارسة البكش معه، وفي مناخات كهذه ستواصل العمالة ترهلها وتبقى الكمبيوترات شبه معطلة.
مع فارق أساسي هو أن الكمبيوتر المتبطل لا يتعرض للإهانة والبهدلة، بل يتلقى الشكر بإيكال أمره إلى شخص لا يحسن حتى استخدام الحاسبة العادية!! والبركة في الألعاب الإلكترونية ليملأ الموظفون وقتهم خلال ساعات الدوام المملة بتمارين تنشط العقل عوضا عن روتين يعطل العقل ويشله.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك