العدد : ١٧٢٦١ - الخميس ٢٦ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦١ - الخميس ٢٦ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ محرّم ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن الخير والسَّفه

أحدثكم‭ ‬قليلا‭ ‬عن‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬مسيلمات‭ ‬العالم‭ ‬إنه‭ ‬فبرك‭ ‬مصل‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬فيروس‭ ‬الكورونا،‭ ‬لزرع‭ ‬شرائح‭ ‬الكترونية‭ ‬في‭ ‬أجسام‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬ثم‭ ‬إبادة‭ ‬نحو‭ ‬مليار،‭ ‬وقلت‭ ‬مرارا‭ ‬وسأظل‭ ‬أردد‭ ‬أنني‭ ‬شديد‭ ‬الإعجاب‭ ‬به،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بيني‭ ‬وبينه‭ ‬‮«‬تستطيل‭ ‬حواجز،‭ ‬بحر‭ ‬وينهض‭ ‬ألف‭ ‬باب‮»‬،‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬أغنى‭ ‬أغنياء‭ ‬العالم،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬بيل‭ ‬غيتس،‭ ‬مؤسس‭ ‬وصاحب‭ ‬شركة‭ ‬مايكروسوفت‭ ‬للكمبيوتر،‭ ‬وليس‭ ‬مرد‭ ‬إعجابي‭ ‬به‭ ‬أملي‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتبناني،‭ ‬أو‭ ‬ان‭ ‬يوصي‭ ‬لي‭ ‬بواحد‭ ‬على‭ ‬التريليون‭ ‬من‭ ‬ثروته،‭ ‬بل‭ ‬لكونه‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الأنشطة‭ ‬الخيرية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وقد‭ ‬تبرع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬بنحو‭ ‬47‭ ‬مليارا‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬للطفولة‭ ‬ومكافحة‭ ‬الأمراض،‭ ‬وأنه‭ ‬سيوقف‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬ثروته‭ ‬للعمل‭ ‬الخيري،‭ ‬وأعلن‭ ‬غيتس‭ ‬صراحة‭ ‬انه‭ ‬لن‭ ‬يترك‭ ‬لعياله‭ ‬سوى‭ ‬40‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬ثورته‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬الآن‭ ‬70‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬ابنه‭ ‬لرفعت‭ ‬عليه‭ ‬دعوى‭ ‬بزعم‭ ‬انه‭ ‬مختل‭ ‬عقليا‭.‬

أذكر‭ ‬أنني‭ ‬تلقيت‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬بعيدة‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬السيد‭ ‬عوض‭ ‬بن‭ ‬بنيه‭ ‬الردادي،‭ ‬وكيل‭ ‬الشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بوزارة‭ ‬العمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬السعودية‭ ‬بمناسبة‭ ‬المهرجان‭ ‬الذي‭ ‬تنظمه‭ ‬الوزارة‭ -‬أو‭ ‬كانت‭ ‬تنظمه‭- ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬لعدة‭ ‬أيام،‭ ‬للفت‭ ‬الأنظار‭ ‬الى‭ ‬معاناة‭ ‬الأيتام‭ ‬وحث‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬رعايتهم،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬فينا‭ ‬خير‭ ‬لما‭ ‬احتاجت‭ ‬الوزارة‭ ‬إلى‭ ‬بذل‭ ‬الجهد‭ ‬والوقت‭ ‬والمال‭ ‬لتنظيم‭ ‬المهرجان‭ ‬بفعاليات‭ ‬متنوعة‭!! ‬ولكننا‭ ‬برغم‭ ‬كل‭ ‬جعجعتنا‭ ‬الفارغة‭ ‬نعتقد‭ ‬ان‭ ‬العمل‭ ‬الخيري‭ ‬فرض‭ ‬كفاية،‭ ‬إذا‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬البعض‭ ‬سقط‭ ‬عن‭ ‬الباقين،‭ ‬وأنه‭ ‬طالما‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬حكومة‮»‬‭ ‬فإن‭ ‬عليها‭ ‬ان‭ ‬تتكفل‭ ‬باليتيم‭ ‬والسائل‭ ‬والمحروم‭. ‬وواجبنا‭ ‬هو‭ ‬كنز‭ ‬الذهب‭ ‬والفضة‭ ‬لنأخذها‭ ‬معنا‭ ‬إلى‭ ‬القبور،‭ ‬ثم‭ ‬نحملها‭ ‬يوم‭ ‬النشور‭ ‬لتحمى‭ ‬في‭ ‬جهنم‭ ‬وتكوى‭ ‬بها‭ ‬جباهنا‭.‬

وبينما‭ ‬المعنيون‭ ‬بشؤون‭ ‬اليتامى‭ ‬لا‭ ‬يطلبون‭ ‬لهم‭ ‬سوى‭ ‬الحد‭ ‬الادنى‭ ‬الذي‭ ‬يعصمهم‭ ‬من‭ ‬الزلل‭ ‬والانحراف،‭ ‬فإن‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬شغل‭ ‬لهم‭ ‬عاما‭ ‬تلو‭ ‬عام‭ ‬سوى‭ ‬تدبير‭ ‬المال‭ ‬بالاقتراض‭ ‬والاختلاس‭ ‬والرهن‭ ‬وبيع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ثمين،‭ ‬لقضاء‭ ‬بضعة‭ ‬أسابيع‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬يتاح‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬البودي‭ ‬مساج‮»‬‭ ‬والعصائر‭ ‬الاسكتلندية،‭ ‬وذوات‭ ‬الثدي‭ ‬اللواتي‭ ‬يضحكن‭ ‬علينا‭ ‬بالحب‭ ‬الموسمي‭ ‬فيعصرن‭ ‬جيوبنا،‭ ‬ونعود‭ ‬في‭ ‬خاتمة‭ ‬المطاف،‭ ‬ونحن‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬‮«‬اليتم‮»‬‭ ‬العاهر‭ ‬استعدادا‭ ‬لجولات‭ ‬آسيوية‭ ‬أو‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى‭! ‬ولا‭ ‬يلفت‭ ‬انتباهنا‭ ‬قط‭ ‬كيف‭ ‬ان‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬الأعمار‭ ‬يقفون‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬يناشدون‭ ‬المارة‭ ‬دعم‭ ‬صندوق‭ ‬السرطان‭ ‬او‭ ‬أيتام‭ ‬الكنغو‭ ‬او‭ ‬التماسيح‭ ‬الشاذة‭ ‬جنسيا‭ ‬في‭ ‬البرازيل‭! ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬العادي‭ ‬هناك‭ ‬يعرف‭ ‬ان‭ ‬حكومته‭ ‬غنية‭ ‬وقوية،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فإنه‭ ‬يدرك‭ ‬ان‭ ‬عليه‭ ‬التزاما‭ ‬أخلاقيا‭ ‬تجاه‭ ‬قضايا‭ ‬بعينها،‭ ‬لذا‭ ‬تجد‭ ‬المنظمات‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬الطليعة‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬للمجاعات‭ ‬والأوبئة،‭ ‬فنلطم‭ ‬نحن‭ ‬الخدود‭ ‬ونقيم‭ ‬سرادق‭ ‬العزاء‭ ‬لان‭ ‬الصليبيين‭ ‬يدسون‭ ‬السم‭ ‬في‭ ‬الدسم‭. ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬الملياردير‭ ‬وارين‭ ‬بافيت‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬لبيل‭ ‬غيتس‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لينفقها‭ ‬عبر‭ ‬مؤسسة‭ ‬‮«‬بيل‭ ‬ومليندا‮»‬‭ ‬لمحاربة‭ ‬الفقر‭ ‬والمرض‭. ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬بافيت‭ ‬إنه‭ ‬أولى‭ ‬بكسب‭ ‬السمعة‭ ‬الطيبة‭ ‬بإنشاء‭ ‬مؤسسته‭ ‬الخيرية‭ ‬الخاصة‭ ‬فينال‭ ‬الصيت‭ ‬كما‭ ‬نال‭ ‬الغنى،‭ ‬بل‭ ‬وثق‭ ‬في‭ ‬ملياردير‭ ‬آخر‭ ‬وسلمه‭ ‬تلك‭ ‬الأموال‭ ‬المهولة‭.‬

لو‭ ‬عامَل‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬أيتام‭ ‬بلده‭ ‬كما‭ ‬يعامل‭ ‬جرسونات‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬يهدر‭ ‬فيها‭ ‬ماء‭ ‬صلبه‭ ‬ووجهه‭ ‬لما‭ ‬جنح‭ ‬حدث‭ ‬او‭ ‬تشرد،‭ ‬أقول‭ ‬هذا‭ ‬وأنا‭ ‬أعرف‭ ‬مرارة‭ ‬اليتم،‭ ‬ليس‭ ‬لأنّ‭ ‬والدي‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭ ‬وتركنا‭ ‬بلا‭ ‬عائل،‭ ‬وليس‭ ‬لأنه‭ ‬رحل‭ ‬وأنا‭ ‬بعد‭ ‬طفل‭ ‬او‭ ‬صبي‭ (‬فقد‭ ‬مات‭ -‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬بعد‭ ‬تخرجي‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬وترك‭ ‬لنا‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يقيم‭ ‬الأود‭ ‬وأنا‭ -‬والحمد‭ ‬لله‭- ‬أنتمي‭ ‬لشعب‭ ‬مازال‭ ‬يعرف‭ ‬بعض‭ ‬التراحم‭ ‬والتكافل‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬فقدان‭ ‬الأب‭ ‬الراعي‭ ‬المحب‭ ‬الناصح‭ ‬والرادع‭ ‬والزاجر‭ ‬يترك‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬خواء‭ ‬يصعب‭ ‬ملؤه،‭ ‬فذلك‭ ‬الأب‭ ‬الأمي‭ ‬كان‭ ‬يملك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تملكه‭ ‬هارفارد‭ ‬او‭ ‬اوكسفورد‭: ‬الحب‭ ‬بلا‭ ‬منة‭ ‬أو‭ ‬حدود‭ ‬او‭ ‬انتظار‭ ‬جزاء‭ ‬أو‭ ‬شكور،‭ ‬وبرحيله‭ ‬فقدت‭ ‬بوصلتي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬أبا‭ ‬ومطالبا‭ ‬بالاقتداء‭ ‬به‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا