العدد : ١٧٢٥٨ - الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٨ - الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

البحرين التاريخ العريق والوطن الناهض.. قلبٌ نابض بالولاء وروح متقدة بالمسؤولية

بقلم: الشريف د. محمد بن فارس الحسين

الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬خضمّ‭ ‬التحديات‭ ‬المتزايدة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬الإقليم‭ ‬والعالم،‭ ‬تظلُّ‭ ‬البحرين،‭ ‬بقيادتها‭ ‬الواعية‭ ‬وشعبها‭ ‬الوفيّ،‭ ‬مثالًا‭ ‬يُحتذى‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬التوازن‭ ‬الوطني،‭ ‬وتكريس‭ ‬مفاهيم‭ ‬المواطنة،‭ ‬وبناء‭ ‬مجتمع‭ ‬راسخ‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬من‭ ‬العدالة‭ ‬والانتماء‭ ‬والولاء‭.‬

وما‭ ‬تشهده‭ ‬المملكة‭ ‬من‭ ‬استقرار‭ ‬سياسي،‭ ‬وتلاحم‭ ‬شعبي،‭ ‬وتقدّم‭ ‬مدني،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬صدفة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ثمرة‭ ‬نهج‭ ‬ملكي‭ ‬حكيم‭ ‬أرسى‭ ‬قواعده‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬في‭ ‬مشروعه‭ ‬الإصلاحي‭ ‬ورؤيته‭ ‬الثاقبة‭ ‬للدولة‭ ‬المدنية‭ ‬الحديثة‭.‬

وفي‭ ‬قلب‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬تلتقي‭ ‬الحضارة‭ ‬بالحداثة،‭ ‬والتقاليد‭ ‬بالوعي‭ ‬المدني،‭ ‬تقف‭ ‬البحرين‭ ‬وطنًا‭ ‬عريقًا،‭ ‬ليس‭ ‬بموقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬برسالتها‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وبتجربتها‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تضيء‭ ‬دروب‭ ‬التعايش‭ ‬والإخاء‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬البحرين‭ ‬عنوانًا‭ ‬للمجتمع‭ ‬المتماسك،‭ ‬ومرآةً‭ ‬للمواطنة‭ ‬الحقّة،‭ ‬وساحةً‭ ‬يُجسّد‭ ‬فيها‭ ‬المواطن‭ ‬المسؤولية‭ ‬لا‭ ‬بوصفها‭ ‬واجبًا‭ ‬ثقيلًا،‭ ‬بل‭ ‬وفاءً‭ ‬وانتماءً‭ ‬نابعًا‭ ‬من‭ ‬الأعماق‭.‬

وحين‭ ‬يُذكَر‭ ‬الوطن،‭ ‬تستفيق‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬مشاعر‭ ‬لا‭ ‬تُلجَم،‭ ‬وتنبض‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬نبضات‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬التخاذل،‭ ‬وحين‭ ‬تكون‭ ‬البحرين‭ ‬هي‭ ‬هذا‭ ‬الوطن،‭ ‬فإنّ‭ ‬الحديث‭ ‬يتّسع‭ ‬حتى‭ ‬يعانق‭ ‬المجد‭ ‬ويكتب‭ ‬للتاريخ‭ ‬سطورًا‭ ‬من‭ ‬ذهب‭.‬

ففي‭ ‬زمنٍ‭ ‬تتعالى‭ ‬فيه‭ ‬خطابات‭ ‬الفُرقة‭ ‬وتنهار‭ ‬فيه‭ ‬معاني‭ ‬الانتماء‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض،‭ ‬وقفت‭ ‬البحرين‭ ‬شامخةً‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬قيادتها‭ ‬الحكيمة،‭ ‬تمثّل‭ ‬أنموذجًا‭ ‬فريدًا‭ ‬للوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬والمواطنة‭ ‬الأصيلة،‭ ‬والمسؤولية‭ ‬المجتمعية‭ ‬المتجذّرة‭ ‬في‭ ‬الضمير‭ ‬الجمعي‭ ‬لمواطنيها‭.‬

الوحدة‭ ‬الوطنية‭.. ‬نسيجٌ‭ ‬من

‭ ‬الولاء‭.. ‬وثوبٌ‭ ‬من‭ ‬الحكمة

البحرين‭ ‬ليست‭ ‬دولةً‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬حكايةُ‭ ‬وطنٍ‭ ‬كتبها‭ ‬شعبهُ‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الولاء،‭ ‬وصاغها‭ ‬التاريخ‭ ‬بمِداد‭ ‬الحكمة‭ ‬والاعتدال‭. ‬من‭ ‬المنامة‭ ‬إلى‭ ‬الرفاع،‭ ‬ومن‭ ‬المحرق‭ ‬إلى‭ ‬سترة،‭ ‬يتجلّى‭ ‬مشهد‭ ‬التآلف‭ ‬والتسامح‭ ‬لتكتب‭ ‬البحرين‭ ‬للعالم‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭: ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬خيار‭ ‬وجود،‭ ‬وليست‭ ‬لحظة‭ ‬عابرة‭.‬

لقد‭ ‬أدركت‭ ‬القيادة‭ ‬البحرينية‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬أن‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬لا‭ ‬تُبنى‭ ‬بالقوة،‭ ‬بل‭ ‬تُزرَع‭ ‬في‭ ‬العقول‭ ‬والقلوب،‭ ‬عبر‭ ‬التعليم،‭ ‬والإعلام،‭ ‬والقدوة‭ ‬الصالحة،‭ ‬فكان‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬مثالًا‭ ‬ونبراسًا،‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إنّ‭ ‬البحرين‭ ‬وطنُ‭ ‬الجميع،‭ ‬تتسع‭ ‬قلوبنا‭ ‬لأبنائها‭ ‬جميعًا،‭ ‬ونبني‭ ‬حاضرنا‭ ‬ومستقبلنا‭ ‬بعقولهم‭ ‬وسواعدهم‮»‬‭.‬

لم‭ ‬تُختزل‭ ‬المواطنة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬يومًا‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬القانون‭ ‬الإداري،‭ ‬بل‭ ‬اتسعت‭ ‬لتصبح‭ ‬شراكة‭ ‬في‭ ‬المصير‭ ‬وصناعة‭ ‬المستقبل‭. ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬لا‭ ‬تُختزل‭ ‬المواطنة‭ ‬في‭ ‬بطاقة‭ ‬هوية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مسؤولية‭ ‬متبادلة،‭ ‬عقدٌ‭ ‬أخلاقي‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬والدولة‭. ‬فالمواطن‭ ‬البحريني‭ ‬ليس‭ ‬متلقيًا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬مشاركًا‭ ‬فاعلًا‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬القرار،‭ ‬وبناء‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬وحماية‭ ‬مكتسباتها‭.‬

وقد‭ ‬أرست‭ ‬وثيقة‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬دعائم‭ ‬المواطنة‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وفتحت‭ ‬آفاق‭ ‬المشاركة‭ ‬السياسية‭ ‬الواسعة،‭ ‬وكرّست‭ ‬ثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والمساواة‭ ‬أمام‭ ‬القانون،‭ ‬ليكون‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬بحريني‭ ‬شريكًا‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭.‬

المسؤولية‭ ‬المجتمعية‭.. ‬ضمير‭ ‬حيّ‭ ‬وإنسان‭ ‬يبادر‭ ‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬المسؤولية‭ ‬المجتمعية‭ ‬مفهومًا‭ ‬حديثًا‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الإدارة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ركيزة‭ ‬من‭ ‬ركائز‭ ‬الشخصية‭ ‬الوطنية‭. ‬فالمجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬بطبيعته‭ ‬متكافل،‭ ‬متراحم،‭ ‬ينبض‭ ‬بالوعي،‭ ‬ويتقد‭ ‬بالهمّ‭ ‬الوطني‭.‬

فالمسؤولية‭ ‬المجتمعية‭ ‬ليست‭ ‬وافدةً‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬امتداد‭ ‬لثقافة‭ ‬‮«‬الفرجان‮»‬‭ ‬والديوانيات‭ ‬والتكافل‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬تشتهر‭ ‬به‭ ‬الثقافة‭ ‬البحرينية‭.‬

ومن‭ ‬أنصع‭ ‬النماذج‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬شهدناه‭ ‬خلال‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا؛‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تكتفِ‭ ‬الدولة‭ ‬بتوفير‭ ‬الرعاية‭ ‬والوقاية،‭ ‬بل‭ ‬هبّ‭ ‬المواطنون‭ ‬طواعيةً‭ ‬للعمل‭ ‬التطوعي،‭ ‬وانطلقت‭ ‬المبادرات‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وتسابقت‭ ‬الجمعيات‭ ‬الأهلية‭ ‬لخدمة‭ ‬الناس‭.‬

دروس‭ ‬ورسائل‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬إلى‭ ‬العالم

تُقدّم‭ ‬البحرين‭ ‬للعالم‭ ‬أنموذجًا‭ ‬حيًّا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُحتذى‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬إدارة‭ ‬التنوع،‭ ‬وبناء‭ ‬الوحدة،‭ ‬وتكريس‭ ‬مفهوم‭ ‬المواطنة‭ ‬الشاملة،‭ ‬دون‭ ‬الإخلال‭ ‬بالخصوصيات‭ ‬الثقافية‭ ‬أو‭ ‬الخلفيات‭ ‬الاجتماعية‭. ‬إنّ‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والمواطنة‭ ‬والمسؤولية‭ ‬المجتمعية،‭ ‬ليس‭ ‬نتاج‭ ‬صدفة،‭ ‬بل‭ ‬ثمرة‭ ‬وعي‭ ‬مجتمعي،‭ ‬ورؤية‭ ‬ملكية‭ ‬استشرافية،‭ ‬وإرادة‭ ‬سياسية‭ ‬صادقة،‭ ‬وشعبٍ‭ ‬وُلد‭ ‬وفي‭ ‬قلبه‭ ‬حب‭ ‬البحرين‭ ‬متجذرًا‭ ‬كاللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الخليج‭.‬

مواطنتنا‭ ‬هي‭ ‬قوتنا،‭ ‬ووحدتنا‭ ‬هي‭ ‬عزتنا،‭ ‬ومسؤوليتنا‭ ‬المجتمعية‭ ‬هي‭ ‬عنوان‭ ‬نهضتنا‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬رسالة‭ ‬البحرين‭ ‬للعالم‭ ‬أجمع‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬العلوم

‭ ‬الشرعية‭ ‬وتنمية‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية

Dr‭.‬MohamedFaris@yahoo‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا