في خضمّ التحديات المتزايدة التي يشهدها الإقليم والعالم، تظلُّ البحرين، بقيادتها الواعية وشعبها الوفيّ، مثالًا يُحتذى به في صناعة التوازن الوطني، وتكريس مفاهيم المواطنة، وبناء مجتمع راسخ على أسس من العدالة والانتماء والولاء.
وما تشهده المملكة من استقرار سياسي، وتلاحم شعبي، وتقدّم مدني، لم يكن صدفة، بل هو ثمرة نهج ملكي حكيم أرسى قواعده جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في مشروعه الإصلاحي ورؤيته الثاقبة للدولة المدنية الحديثة.
وفي قلب الخليج العربي، حيث تلتقي الحضارة بالحداثة، والتقاليد بالوعي المدني، تقف البحرين وطنًا عريقًا، ليس بموقعها الجغرافي فحسب، بل برسالتها الإنسانية، وبتجربتها الوطنية التي تضيء دروب التعايش والإخاء.
لقد كانت وما زالت البحرين عنوانًا للمجتمع المتماسك، ومرآةً للمواطنة الحقّة، وساحةً يُجسّد فيها المواطن المسؤولية لا بوصفها واجبًا ثقيلًا، بل وفاءً وانتماءً نابعًا من الأعماق.
وحين يُذكَر الوطن، تستفيق في الروح مشاعر لا تُلجَم، وتنبض في القلب نبضات لا تعرف التخاذل، وحين تكون البحرين هي هذا الوطن، فإنّ الحديث يتّسع حتى يعانق المجد ويكتب للتاريخ سطورًا من ذهب.
ففي زمنٍ تتعالى فيه خطابات الفُرقة وتنهار فيه معاني الانتماء في كثير من بقاع الأرض، وقفت البحرين شامخةً تحت راية قيادتها الحكيمة، تمثّل أنموذجًا فريدًا للوحدة الوطنية، والمواطنة الأصيلة، والمسؤولية المجتمعية المتجذّرة في الضمير الجمعي لمواطنيها.
الوحدة الوطنية.. نسيجٌ من
الولاء.. وثوبٌ من الحكمة
البحرين ليست دولةً فحسب، بل حكايةُ وطنٍ كتبها شعبهُ على صفحات الولاء، وصاغها التاريخ بمِداد الحكمة والاعتدال. من المنامة إلى الرفاع، ومن المحرق إلى سترة، يتجلّى مشهد التآلف والتسامح لتكتب البحرين للعالم رسالة واضحة: الوحدة الوطنية خيار وجود، وليست لحظة عابرة.
لقد أدركت القيادة البحرينية منذ وقت مبكر أن الوحدة الوطنية لا تُبنى بالقوة، بل تُزرَع في العقول والقلوب، عبر التعليم، والإعلام، والقدوة الصالحة، فكان جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله، مثالًا ونبراسًا، حين قال: «إنّ البحرين وطنُ الجميع، تتسع قلوبنا لأبنائها جميعًا، ونبني حاضرنا ومستقبلنا بعقولهم وسواعدهم».
لم تُختزل المواطنة في البحرين يومًا في حدود القانون الإداري، بل اتسعت لتصبح شراكة في المصير وصناعة المستقبل. في البحرين، لا تُختزل المواطنة في بطاقة هوية، بل هي مسؤولية متبادلة، عقدٌ أخلاقي بين المواطن والدولة. فالمواطن البحريني ليس متلقيًا فقط، بل مشاركًا فاعلًا في صياغة القرار، وبناء مؤسسات الدولة، وحماية مكتسباتها.
وقد أرست وثيقة ميثاق العمل الوطني عام 2001 دعائم المواطنة الحقيقية، وفتحت آفاق المشاركة السياسية الواسعة، وكرّست ثقافة حقوق الإنسان، والمساواة أمام القانون، ليكون كل مواطن بحريني شريكًا في مشروع الدولة الحديثة.
المسؤولية المجتمعية.. ضمير حيّ وإنسان يبادر
قد تكون المسؤولية المجتمعية مفهومًا حديثًا في علوم الإدارة والاقتصاد، لكنها في البحرين ركيزة من ركائز الشخصية الوطنية. فالمجتمع البحريني بطبيعته متكافل، متراحم، ينبض بالوعي، ويتقد بالهمّ الوطني.
فالمسؤولية المجتمعية ليست وافدةً على المجتمع البحريني، بل هي امتداد لثقافة «الفرجان» والديوانيات والتكافل الشعبي الذي تشتهر به الثقافة البحرينية.
ومن أنصع النماذج على ذلك ما شهدناه خلال جائحة كورونا؛ حيث لم تكتفِ الدولة بتوفير الرعاية والوقاية، بل هبّ المواطنون طواعيةً للعمل التطوعي، وانطلقت المبادرات المجتمعية، وتسابقت الجمعيات الأهلية لخدمة الناس.
دروس ورسائل من البحرين إلى العالم
تُقدّم البحرين للعالم أنموذجًا حيًّا يمكن أن يُحتذى في كيفية إدارة التنوع، وبناء الوحدة، وتكريس مفهوم المواطنة الشاملة، دون الإخلال بالخصوصيات الثقافية أو الخلفيات الاجتماعية. إنّ ما حققته مملكة البحرين على صعيد الوحدة الوطنية والمواطنة والمسؤولية المجتمعية، ليس نتاج صدفة، بل ثمرة وعي مجتمعي، ورؤية ملكية استشرافية، وإرادة سياسية صادقة، وشعبٍ وُلد وفي قلبه حب البحرين متجذرًا كاللؤلؤ في عمق الخليج.
مواطنتنا هي قوتنا، ووحدتنا هي عزتنا، ومسؤوليتنا المجتمعية هي عنوان نهضتنا تلك هي رسالة البحرين للعالم أجمع.
{ أكاديمي متخصص في العلوم
الشرعية وتنمية الموارد البشرية
Dr.MohamedFaris@yahoo.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك