الواقعة اسم من أسماء يوم القيامة، جاء النص عليها في اسلوب لا مجال للاختلاف حوله، بل هو اليقين بعينه حيث استمد القرآن الكريم اسمها من الواقع الذي تحققت فيه أحداثها، والناس أمامها على صنفين، الأول: هم الذين أمروا فاستجابوا لله وللرسول وأما الصنف الثاني: فهم الذين نهوا فلم يمتثلوا، وهم الذين أعرضوا عن هدايات السماء، فهؤلاء خفضتهم الواقعة، وأما الذين استمعوا إلى الهدى، فسارعوا إليه، فجمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، ومعادلة الإيمان والعمل الصالح، وهذا سبيلهم إلى النجاة يوم القيامة، والسعادة في الحياة الدنيا، يقول تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ» النور/39.
إذًا، فالكافر الذي اعتقد أنه لا إله لهذا الكون، ثم اكتشف بعد ذلك أن للكون إلها قادرا حكيما مدبرا، أمره كله، ونهيه كله بين «الكاف والنون» فقد خسر الدنيا، والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، أما المؤمن الطائع، فقد نال سعادة الدارين، وفاز بجنة عرضها السماوات، والأرض أعدت لأهل الإيمان واليقين الثابت، وساعتها لا ينفع الندم، ولا يستدرك ما على ما فات، بل ولم يستكمل ما نقص.
وسورة الواقعة تذكر في بيان واضح وصريح أن المآلات التي سوف تنتهي إليها حياة هذا الإنسان البائس، وأصبح من الخير أن يُفَعِل الإنسان آيات من سورة «الإنسان» ليحقق هذا الإنسان في حياته الاستقامة والالتزام بأوامر الدين ونواهيه إذا كان هذا الإنسان يؤمن بالله واليوم الآخر، وبالقضاء خيره وشره.
والإنسان حتى يحقق ذلك، فعليه أن يتدبر قوله تعالى: « وَالَذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)» سورة الفرقان.
عطاء غير مقطوع ولا مجذوذ، ومبالغة في العطاء قد يسره الله تعالى لعباده المؤمنين.
إذًا، فعليك أيها المسلم المبادرة إلى التوبة والإنابة، وبذل الوسع لبلوغ الغاية، فلا تؤجل، ولا تسوف فالإنسان لا يدري متى يحين أجله، فاحرص على الطاعة، وتشبث بأسبابها، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا!
إن الحق سبحانه وتعالى من فضله، وجوده وكرمه أسهب في ذكر أسباب النجاة من النار، كما بالغ في وصف الأسباب التي تنتهي بصاحبها إلى الجنة، وأفاض في ذكر ما فيها من نعيم مقيم، فعليك أن تأخذ بأسباب الرفعة في الدنيا، وتنجو من أسباب الهلاك في الآخرة، ثم حاول أن تتجنب كل ما يؤدي إلى السقوط والخفض في الدنيا، والخسران المبين في الآخرة، واحرص على كل ما من شأنه أن يرفع من قدرك بين الناس، وبحسن أخلاقك، وجميل سجاياك، واحرص على أن تتمثل حديث رسول (صلى الله عليه وسلم) القائل: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» الحديث صحيح/ مختصر المقاصد/ الزرقاني.
واعلم أنك لست مسلمًا بكثرة صلاتك وصومك، وعباداتك فقط، بل أنت مسلم حين يسلم الناس من لسانك ويدك، وأن تكف أذاك عنهم، وأنت لست مؤمنًا إلا بقدر ما تحقق الأمن والأمان لمن حولك في أنفسهم وأموالهم، أي عليك أن تُفَعِّل عباداتك لتحول الطاعات إلى سلوك اجتماعي في ليلك ونهارك، في صحوك ومنامك.
ذلكم هو الإسلام الذي يجب عليك أن تحققهً لكل من حولك، وتحقق مبدأ المواطنة التي نادى بها الإسلام في صحيفة المدينة التي حررها الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما أقام دولة الإسلام في المدينة وأمر أتباعه بالمحافظة عليها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك