العدد : ١٧٢٥٨ - الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٨ - الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الواقعة.. خافضة رافعة!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

الواقعة‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬يوم‭ ‬القيامة،‭ ‬جاء‭ ‬النص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬اسلوب‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬للاختلاف‭ ‬حوله،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬اليقين‭ ‬بعينه‭ ‬حيث‭ ‬استمد‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬اسمها‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬تحققت‭ ‬فيه‭ ‬أحداثها،‭ ‬والناس‭ ‬أمامها‭ ‬على‭ ‬صنفين،‭ ‬الأول‭: ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬أمروا‭ ‬فاستجابوا‭ ‬لله‭ ‬وللرسول‭ ‬وأما‭ ‬الصنف‭ ‬الثاني‭: ‬فهم‭ ‬الذين‭ ‬نهوا‭ ‬فلم‭ ‬يمتثلوا،‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬أعرضوا‭ ‬عن‭ ‬هدايات‭ ‬السماء،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬خفضتهم‭ ‬الواقعة،‭ ‬وأما‭ ‬الذين‭ ‬استمعوا‭ ‬إلى‭ ‬الهدى،‭ ‬فسارعوا‭ ‬إليه،‭ ‬فجمعوا‭ ‬بين‭ ‬الإيمان‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬ومعادلة‭ ‬الإيمان‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬وهذا‭ ‬سبيلهم‭ ‬إلى‭ ‬النجاة‭ ‬يوم‭ ‬القيامة،‭ ‬والسعادة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَالَّذِينَ‭ ‬كَفَرُوا‭ ‬أَعْمَالُهُمْ‭ ‬كَسَرَابٍ‭ ‬بِقِيعَةٍ‭ ‬يَحْسَبُهُ‭ ‬الظَّمْآنُ‭ ‬مَاءً‭ ‬حَتَّى‭ ‬إِذَا‭ ‬جَاءَهُ‭ ‬لَمْ‭ ‬يَجِدْهُ‭ ‬شَيْئًا‭ ‬وَوَجَدَ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬عِندَهُ‭ ‬فَوَفَّاهُ‭ ‬حِسَابَهُ‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬سَرِيعُ‭ ‬الْحِسَابِ‮»‬‭ ‬النور‭/‬39‭.‬

إذًا،‭ ‬فالكافر‭ ‬الذي‭ ‬اعتقد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬لهذا‭ ‬الكون،‭ ‬ثم‭ ‬اكتشف‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬للكون‭ ‬إلها‭ ‬قادرا‭ ‬حكيما‭ ‬مدبرا،‭ ‬أمره‭ ‬كله،‭ ‬ونهيه‭ ‬كله‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الكاف‭ ‬والنون‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬خسر‭ ‬الدنيا،‭ ‬والآخرة،‭ ‬وذلك‭ ‬هو‭ ‬الخسران‭ ‬المبين،‭ ‬أما‭ ‬المؤمن‭ ‬الطائع،‭ ‬فقد‭ ‬نال‭ ‬سعادة‭ ‬الدارين،‭ ‬وفاز‭ ‬بجنة‭ ‬عرضها‭ ‬السماوات،‭ ‬والأرض‭ ‬أعدت‭ ‬لأهل‭ ‬الإيمان‭ ‬واليقين‭ ‬الثابت،‭ ‬وساعتها‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬الندم،‭ ‬ولا‭ ‬يستدرك‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فات،‭ ‬بل‭ ‬ولم‭ ‬يستكمل‭ ‬ما‭ ‬نقص‭.‬

وسورة‭ ‬الواقعة‭ ‬تذكر‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬واضح‭ ‬وصريح‭ ‬أن‭ ‬المآلات‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬تنتهي‭ ‬إليها‭ ‬حياة‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬البائس،‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬أن‭ ‬يُفَعِل‭ ‬الإنسان‭ ‬آيات‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬‮«‬الإنسان‮»‬‭ ‬ليحقق‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬الاستقامة‭ ‬والالتزام‭ ‬بأوامر‭ ‬الدين‭ ‬ونواهيه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬يؤمن‭ ‬بالله‭ ‬واليوم‭ ‬الآخر،‭ ‬وبالقضاء‭ ‬خيره‭ ‬وشره‭. ‬

والإنسان‭ ‬حتى‭ ‬يحقق‭ ‬ذلك،‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يتدبر‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬‭ ‬وَالَذِينَ‭ ‬لَا‭ ‬يَدْعُونَ‭ ‬مَعَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬إِلَهًا‭ ‬آخَرَ‭ ‬وَلَا‭ ‬يَقْتُلُونَ‭ ‬النَّفْسَ‭ ‬الَّتِي‭ ‬حَرَّمَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬إِلَّا‭ ‬بِالْحَقِّ‭ ‬وَلَا‭ ‬يَزْنُونَ‭ ‬وَمَنْ‭ ‬يَفْعَلْ‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬يَلْقَ‭ ‬أَثَامًا‭ (‬68‭) ‬يُضَاعَفْ‭ ‬لَهُ‭ ‬الْعَذَابُ‭ ‬يَوْمَ‭ ‬الْقِيَامَةِ‭ ‬وَيَخْلُدْ‭ ‬فِيهِ‭ ‬مُهَانًا‭ (‬69‭) ‬إِلَّا‭ ‬مَنْ‭ ‬تَابَ‭ ‬وَآمَنَ‭ ‬وَعَمِلَ‭ ‬عَمَلًا‭ ‬صَالِحًا‭ ‬فَأُولَئِكَ‭ ‬يُبَدِّلُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬سَيِّئَاتِهِمْ‭ ‬حَسَنَاتٍ‭ ‬وَكَانَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬غَفُورًا‭ ‬رَحِيمًا‭ (‬70‭)‬‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الفرقان‭.‬

عطاء‭ ‬غير‭ ‬مقطوع‭ ‬ولا‭ ‬مجذوذ،‭ ‬ومبالغة‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬قد‭ ‬يسره‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لعباده‭ ‬المؤمنين‭.‬

إذًا،‭ ‬فعليك‭ ‬أيها‭ ‬المسلم‭ ‬المبادرة‭ ‬إلى‭ ‬التوبة‭ ‬والإنابة،‭ ‬وبذل‭ ‬الوسع‭ ‬لبلوغ‭ ‬الغاية،‭ ‬فلا‭ ‬تؤجل،‭ ‬ولا‭ ‬تسوف‭ ‬فالإنسان‭ ‬لا‭ ‬يدري‭ ‬متى‭ ‬يحين‭ ‬أجله،‭ ‬فاحرص‭ ‬على‭ ‬الطاعة،‭ ‬وتشبث‭ ‬بأسبابها،‭ ‬واعمل‭ ‬لدنياك‭ ‬كأنك‭ ‬تعيش‭ ‬أبدا،‭ ‬واعمل‭ ‬لآخرتك‭ ‬كأنك‭ ‬تموت‭ ‬غدا‭!‬

إن‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬من‭ ‬فضله،‭ ‬وجوده‭ ‬وكرمه‭ ‬أسهب‭ ‬في‭ ‬ذكر‭ ‬أسباب‭ ‬النجاة‭ ‬من‭ ‬النار،‭ ‬كما‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬بصاحبها‭ ‬إلى‭ ‬الجنة،‭ ‬وأفاض‭ ‬في‭ ‬ذكر‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬نعيم‭ ‬مقيم،‭ ‬فعليك‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬بأسباب‭ ‬الرفعة‭ ‬في‭ ‬الدنيا،‭ ‬وتنجو‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬الهلاك‭ ‬في‭ ‬الآخرة،‭ ‬ثم‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬تتجنب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬السقوط‭ ‬والخفض‭ ‬في‭ ‬الدنيا،‭ ‬والخسران‭ ‬المبين‭ ‬في‭ ‬الآخرة،‭ ‬واحرص‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يرفع‭ ‬من‭ ‬قدرك‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وبحسن‭ ‬أخلاقك،‭ ‬وجميل‭ ‬سجاياك،‭ ‬واحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تتمثل‭ ‬حديث‭ ‬رسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬القائل‭: ‬‮«‬إنما‭ ‬بعثت‭ ‬لأتمم‭ ‬مكارم‭ ‬الأخلاق‮»‬‭ ‬الحديث‭ ‬صحيح‭/ ‬مختصر‭ ‬المقاصد‭/ ‬الزرقاني‭.‬

واعلم‭ ‬أنك‭ ‬لست‭ ‬مسلمًا‭ ‬بكثرة‭ ‬صلاتك‭ ‬وصومك،‭ ‬وعباداتك‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أنت‭ ‬مسلم‭ ‬حين‭ ‬يسلم‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬لسانك‭ ‬ويدك،‭ ‬وأن‭ ‬تكف‭ ‬أذاك‭ ‬عنهم،‭ ‬وأنت‭ ‬لست‭ ‬مؤمنًا‭ ‬إلا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‭ ‬لمن‭ ‬حولك‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬وأموالهم،‭ ‬أي‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تُفَعِّل‭ ‬عباداتك‭ ‬لتحول‭ ‬الطاعات‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬اجتماعي‭ ‬في‭ ‬ليلك‭ ‬ونهارك،‭ ‬في‭ ‬صحوك‭ ‬ومنامك‭.‬

ذلكم‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تحققهً‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬حولك،‭ ‬وتحقق‭ ‬مبدأ‭ ‬المواطنة‭ ‬التي‭ ‬نادى‭ ‬بها‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬حررها‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬عندما‭ ‬أقام‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬وأمر‭ ‬أتباعه‭ ‬بالمحافظة‭ ‬عليها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا