العدد : ١٧٢٦٠ - الأربعاء ٢٥ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٦٠ - الأربعاء ٢٥ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

مقالات

استوصوا بهن خيرا

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٢ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

في‭ ‬حماية‭ ‬النساء‭ ‬ورعايتهم‭ ‬يقول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلّم‭ (‬رفقاً‭ ‬بالقوارير‭) ‬و‭(‬استوصوا‭ ‬بالنساء‭ ‬خيرا‭...)‬،‭ ‬والمرأة‭ ‬في‭ ‬صورتها‭ ‬النمطية‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬رجل‭ ‬ما،‭ ‬والدها،‭ ‬أخيها،‭ ‬عمها،‭ ‬زوج‭ ‬إلخ‭...‬،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الوصية‭ ‬موجهة‭ ‬الى‭ ‬الرجال،‭ ‬ولاسيما‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬أصبحت‭ ‬المرأة‭ ‬تحت‭ ‬يديه‭ ‬بموجب‭ ‬رابطة‭ ‬زواج،‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬تكوين‭ ‬الأسرة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬أساس‭ ‬المجتمعات‭ ‬والدول‭.‬

قبل‭ ‬ليلتين،‭ ‬ومن‭ ‬خلف‭ ‬جدار‭ ‬غرفة‭ ‬نُزلي‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬اقتحم‭ ‬هدوئي‭ ‬أصوات‭ ‬الأسرة‭ ‬المقيمة‭ ‬بجواري‭ ‬ممتزجاً‭ ‬بصراخ‭ ‬أطفال،‭ ‬فظننت‭ ‬بأنها‭ ‬عادة‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬الأماكن،‭ ‬يُشعلونها‭ ‬ضجيجاً‭ ‬ويجبرون‭ ‬آباءهم‭ ‬على‭ ‬تهدئتهم‭ ‬بمثله،‭ ‬ولكن،‭ ‬بعد‭ ‬قليل‭ ‬امتزج‭ ‬الصراخ‭ ‬باصطدام‭ ‬أجسام‭ ‬بالحائط‭ ‬وتكسير‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬علو‭ ‬صوت‭ ‬نسائي‭ ‬يتألم،‭ ‬ثم‭ ‬انتهى‭ ‬بصوت‭ ‬رجولي‭ ‬يأمر‭ ‬المرأة‭ ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬الغرفة‭ ‬قائلا‭: (‬اخرجي‭ ‬برا‭)‬،‭ ‬طردها‭ ‬من‭ ‬الغرفة‭ ‬وكانت‭ ‬الساعة‭ ‬تقارب‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭.‬

بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬مزعجاً‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬حرماني‭ ‬من‭ ‬النوم،‭ ‬ومزعجاً‭ ‬أكثر‭ ‬لأنني‭ ‬قد‭ ‬آلمني‭ ‬كثيراً‭ ‬شعوري‭ ‬بما‭ ‬كانت‭ ‬تمُر‭ ‬به‭ ‬تلك‭ ‬الزوجة‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬ومشاعر‭ ‬خوف‭ ‬وألم‭ ‬نفسي‭ ‬وجسدي،‭ ‬وتمنيت‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬بيدي‭ ‬سلطة‭ ‬لمنع‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬لذا‭ ‬اكتفيت‭ ‬فقط‭ ‬بالنزول‭ ‬إلى‭ ‬الاستقبال‭ ‬بعد‭ ‬محاولات‭ ‬عدة‭ ‬باءت‭ ‬بالفشل‭ ‬للوصول‭ ‬إليهم‭ ‬هاتفياً،‭ ‬والمفارقة‭ ‬بأنني‭ ‬أثناء‭ ‬انتظاري‭ ‬المصعد‭ ‬خرجت‭ ‬المرأة‭ ‬ذاتها‭ ‬منه‭ ‬حاملة‭ ‬طفلتها‭ ‬وعائدة‭ ‬إلى‭ ‬الغرفة،‭ ‬حيث‭ ‬مصيرها‭ ‬المنتظر‭ ‬مع‭ ‬الجولة‭ ‬الثانية‭ ‬لتلك‭ ‬الليلة‭.‬

أخبرت‭ ‬موظفي‭ ‬الاستقبال‭ ‬وقفلت‭ ‬عائدة‭ ‬إلى‭ ‬غرفتي،‭ ‬ولم‭ ‬يستمر‭ ‬الهدوء‭ ‬كثيراً‭ ‬بل‭ ‬عاودت‭ ‬أصوات‭ ‬الضجيج‭ ‬والصراخ‭ ‬والتكسير‭ ‬والضرب‭ ‬ثانية‭ ‬بعد‭ ‬قليل،‭ ‬فقمت‭ ‬بالاتصال‭ ‬باستقبال‭ ‬الفندق‭ ‬الذين‭ ‬جاوبوا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬وأخبرتهم‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬الجوار،‭ ‬فحضر‭ ‬مجموعة‭ ‬موظفين‭ ‬لا‭ ‬اعلم‭ ‬صفاتهم،‭ ‬وانقضى‭ ‬باقي‭ ‬الليلة‭ ‬بهدوء،‭ ‬أو‭ ‬لربما‭ ‬أنني‭ ‬نمت‭ ‬ولم‭ ‬استمع‭ ‬للمزيد‭ ‬بعدها‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬فندق،‭ ‬وسط‭ ‬أناس‭ ‬لا‭ ‬يعرفهم‭ ‬الزوج‭ ‬أو‭ ‬الزوجة،‭ ‬فكيف‭ ‬تتوقعون‭ ‬معاملته‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬مسكن‭ ‬الزوجية؟‭! ‬كان‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عون‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬اللاتي‭ ‬يتعرضن‭ ‬للعنف‭ ‬الأسري،‭ ‬ولاسيما‭ ‬البدني‭ ‬والنفسي‭.‬

وفي‭ ‬سياق‭ ‬معاكس‭ ‬استمعت‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬رأي‭ ‬أحد‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يحث‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬النساء‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الأمان‭ ‬عند‭ ‬الرجال،‭ ‬وتشجيعهن‭ ‬على‭ ‬الاكتفاء‭ ‬والاستقلال‭ ‬بذاتها‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أمان‭ ‬مع‭ ‬الرجل‭ ‬فتذكرت‭ ‬حادثة‭ ‬الزوجين‭.‬

وفي‭ ‬رأيي‭ ‬الشخصي‭ ‬فإنني‭ ‬لست‭ ‬مع‭ ‬مسألة‭ ‬استقلال‭ ‬المرأة‭ ‬عن‭ ‬الرجل‭ ‬واستقوائها‭ ‬عليه‭ ‬بصورة‭ ‬مطلقة،‭ ‬نعم‭ ‬أؤيد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للمرأة‭ ‬شخصيتها‭ ‬ورأيها‭ ‬وكفاءة‭ ‬مالية‭ ‬تعينها‭ ‬على‭ ‬الحياة،‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬ذريعة‭ ‬للانفصال‭ ‬أبداً‭ ‬عن‭ ‬الرجل‭ ‬أو‭ ‬الغاء‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬ولاسيما‭ ‬الزوج،‭ ‬لأن‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل‭ ‬مكملان‭ ‬لبعضهما‭ ‬وغير‭ ‬قابلين‭ ‬للتجزئة‭ ‬لأنهما‭ ‬أساس‭ ‬الحياة‭. ‬

ولكن‭ ‬تبقى‭ ‬الأسئلة‭ ‬معلقة‭ ‬دائماً‭: ‬لماذا‭ ‬يقوم‭ ‬بعض‭ ‬الأزواج‭ ‬بالإساءة‭ ‬إلى‭ ‬الزواج‭ ‬كرابطة‭ ‬مقدسة‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬الحماية‭ ‬والأمن‭ ‬والطمأنينة‭ ‬والحب‭ ‬للمرأة،‭ ‬لماذا‭ ‬يقوم‭ ‬البعض‭ ‬بممارسة‭ ‬سلوك‭ ‬بغيض‭ ‬تجاه‭ ‬زوجته‭ ‬يهدم‭ ‬به‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الزواج؟‭ ‬لماذا‭ ‬يُسهم‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬تقويض‭ ‬الصورة‭ ‬الذهنية‭ ‬لمنظومة‭ ‬الأسرة؟‭ ‬وإلى‭ ‬أين‭ ‬سنصل‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الفكر؟

والأكيد‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نُريد‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬فقد‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الإنسانية‭ ‬وإلى‭ ‬الكفر‭ ‬بالزواج‭ ‬كرابطة‭ ‬إنسانية‭ ‬مقدسة،‭ ‬نريد‭ ‬الاعتدال‭ ‬في‭ ‬المشاعر‭ ‬وفي‭ ‬المعاملة،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬أوصانا‭ ‬ديننا‭ ‬الحنيف‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا