العدد : ١٧٢٥٧ - الأحد ٢٢ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٧ - الأحد ٢٢ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا أصدر أطباء فرنسا هذا الخطاب التحذيري؟

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الأحد ٢٢ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

أرسلَ‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬لأطباء‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬2025‭ ‬خطابا‭ ‬تحذيريا‭ ‬يرفعون‭ ‬فيه‭ ‬العلم‭ ‬الأحمر‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬مسؤولين‭ ‬كبار‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬منهم‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬ووزير‭ ‬الصحة،‭ ‬ووزير‭ ‬الزراعة‭ ‬والبيئة‭. ‬وقد‭ ‬تضمن‭ ‬الخطاب‭ ‬نقطة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط،‭ ‬وهي‭ ‬التهديدات‭ ‬التي‭ ‬يشكلها‭ ‬أحد‭ ‬الملوثات‭ ‬الذي‭ ‬تفشى‭ ‬وانتشر‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وتعرض‭ ‬له‭ ‬نسبة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المواطنين،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الأطفال‭ ‬عبر‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬التي‭ ‬يستهلكونها‭ ‬يوميا‭.‬

هذا‭ ‬الملوث‭ ‬القديم‭ ‬والمستجد‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البيئات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬هو‭ ‬عنصر‭ ‬الكادميوم،‭ ‬وتكمن‭ ‬خطورته‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬مستقر‭ ‬وثابت‭ ‬عند‭ ‬دخوله‭ ‬في‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يتحلل‭ ‬عند‭ ‬التعرض‭ ‬للمتغيرات‭ ‬البيئية،‭ ‬ولذلك‭ ‬له‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التراكم،‭ ‬والتضخم‭ ‬في‭ ‬تركيزه‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬ومنها‭ ‬وعبر‭ ‬طرق‭ ‬كثيرة‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان،‭ ‬ويبدأ‭ ‬في‭ ‬التراكم‭ ‬وارتفاع‭ ‬تركيزه‭ ‬في‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسم،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬وفي‭ ‬العظام‭ ‬عامة‭.‬

فهذا‭ ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬أطباء‭ ‬فرنسا‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬متابعة‭ ‬تحركات‭ ‬الكادميوم‭ ‬في‭ ‬عناصر‭ ‬البيئة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ومراقبة‭ ‬تركيزه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المنتجات‭ ‬والمواد‭ ‬الغذائية‭ ‬التي‭ ‬يستهلكها‭ ‬الإنسان،‭ ‬ثم‭ ‬تحليل‭ ‬تركيزه‭ ‬في‭ ‬أعضاء‭ ‬جسم‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬والتغيرات‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬التركيز‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬تأكد‭ ‬العلماء‭ ‬وأجمعوا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العنصر‭ ‬الثقيل‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬فعلاً‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وأنه‭ ‬توغل‭ ‬بعمق‭ ‬وبكثافة‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية‭ ‬البشرية،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬أجسام‭ ‬الفرنسيين‭ ‬سنوت‭ ‬طويلة،‭ ‬فعندئذٍ‭ ‬فقط‭ ‬اضطر‭ ‬الأطباء‭ ‬إلى‭ ‬دق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬على‭ ‬الملأ،‭ ‬وأعلنوا‭ ‬عن‭ ‬قلقهم‭ ‬الشديد،‭ ‬وأظهروا‭ ‬لكل‭ ‬شرائح‭ ‬وفئات‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬وعامة‭ ‬الشعب‭ ‬جميع‭ ‬المعلومات‭ ‬والحقائق‭ ‬العلمية‭ ‬الموثقة‭ ‬حول‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬البيئية‭ ‬الصحية‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي‭. ‬وقد‭ ‬وصل‭ ‬التحذير‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬الأطباء‭ ‬وصفوا‭ ‬الحالة‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬قنبلة‭ ‬زمنية‭ ‬موقوتة‭ ‬للصحة‭ ‬العامة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬ذكروا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬تعد‭ ‬حالة‭ ‬طوارئ‭ ‬صحية‭ ‬عامة،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬واجبنا‭ ‬إنذار‭ ‬المسؤولين‭ ‬لحماية‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬للفرنسيين‭.‬

فهذه‭ ‬التعبئة‭ ‬الصحية‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التحرك‭ ‬السريع‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬المزمن‭ ‬المتغلغل‭ ‬والمتجذر‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬جسم‭ ‬الشعب‭ ‬الفرنسي،‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬الكادميوم‭ ‬وتاريخه‭ ‬الأسود،‭ ‬وسيرته‭ ‬المظلمة‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ودوره‭ ‬العقيم‭ ‬في‭ ‬وقوع‭ ‬كوارث‭ ‬بيئية‭ ‬وصحية‭ ‬مرضية‭ ‬أودت‭ ‬بحياة‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬فسقطوا‭ ‬ضحية‭ ‬سهلة‭ ‬لتعرضهم‭ ‬لهذا‭ ‬الملوث‭ ‬الخطير‭.‬

فالكادميوم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬المسببة‭ ‬للسرطان‭ ‬للإنسان‭ ‬ضمن‭ ‬المجموعة‭ ‬الأولى،‭ ‬حسب‭ ‬تصنيف‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬لأبحاث‭ ‬السرطان‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬الذراع‭ ‬العلمي‭ ‬المختص‭ ‬بالسرطان‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكادميوم‭ ‬عندما‭ ‬يتراكم‭ ‬عبر‭ ‬السنين‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان‭ ‬يرفع‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬إصابته‭ ‬بعدة‭ ‬أمراض‭ ‬مزمنة‭ ‬منها‭ ‬السرطان‭ ‬كالكبد‭ ‬والبروستات‭ ‬والبنكرياس‭ ‬والرئة،‭ ‬وأمراض‭ ‬القلب،‭ ‬وتلف‭ ‬في‭ ‬الجينات‭.‬

وهناك‭ ‬مصدران‭ ‬رئيسان‭ ‬لهذا‭ ‬الملوث‭ ‬العقيم،‭ ‬الأول‭ ‬مصدر‭ ‬طبيعي‭ ‬لا‭ ‬شأن‭ ‬للإنسان‭ ‬فيه،‭ ‬وهو‭ ‬وجود‭ ‬الكادميوم‭ ‬في‭ ‬الأتربة‭ ‬وبعض‭ ‬الصخور‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬والثاني‭ ‬صناعي،‭ ‬ومن‭ ‬أيدي‭ ‬وصنع‭ ‬البشر،‭ ‬وبخاصة‭ ‬البطاريات‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬وأحجامها،‭ ‬وتدخين‭ ‬سجائر‭ ‬التبغ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأسمدة‭ ‬الكيميائية،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬أسمدة‭ ‬الفوسفات‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الكادميوم،‭ ‬حسب‭ ‬مصدر‭ ‬إنتاج‭ ‬هذا‭ ‬السماد‭ ‬الفوسفوري‭. ‬ومع‭ ‬استخدام‭ ‬هذا‭ ‬السماد‭ ‬لزراعة‭ ‬المحاصيل‭ ‬المأكولة،‭ ‬فإن‭ ‬الكادميوم‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬السماد‭ ‬يتراكم‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬التربة‭ ‬الزراعية،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬أوراق‭ ‬النباتات‭ ‬التي‭ ‬يستهلكها‭ ‬الإنسان‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنتاج‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬النباتية‭. ‬ولذلك‭ ‬أكدت‭ ‬التحاليل‭ ‬الميدانية‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية‭ ‬أنها‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الكادميوم،‭ ‬مثل‭ ‬الأرز،‭ ‬والحبوب،‭ ‬ورقائق‭ ‬الذرة‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها،‭ ‬والخبز،‭ ‬والبطاطس،‭ ‬وأنواع‭ ‬الباستا‭ ‬الكثيرة‭.‬

فوجود‭ ‬الكادميوم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬الإنسان‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭ ‬ويتعرض‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬ساعة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية‭ ‬التي‭ ‬يتناولها،‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انتقاله‭ ‬بسهولة‭ ‬ويسر‭ ‬إلى‭ ‬أعضاء‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬ثم‭ ‬تراكمه‭ ‬مع‭ ‬الوقت،‭ ‬وتفاقم‭ ‬تركيزه‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬نُشرت‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الغذاء‭ ‬وعلم‭ ‬السموم‭ ‬الكيميائية‮»‬‭ (‬Food‭ ‬and‭ ‬Chemical‭ ‬Toxicology‭) ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2023،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬التعرض‭ ‬للكادميوم‭ ‬من‭ ‬ست‭ ‬مواد‭ ‬غذائية‭ ‬شائعة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أفادت‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬الكادميوم‭ ‬في‭ ‬أجسام‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وأكثر‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬تعرضاً‭ ‬هم‭ ‬الرضع‭ ‬والأطفال‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬6‭ ‬أشهر‭ ‬إلى‭ ‬60‭ ‬شهراً‭. ‬

‭ ‬كما‭ ‬نَشرت‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬صحة‭ ‬المستهلكين‮»‬‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬تقريراً‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬يونيو‭ ‬2025‭ ‬بمناسبة‭ ‬يوم‭ ‬البيئة‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬أسمدة‭ ‬الفوسفات‭ ‬ومخاطر‭ ‬التعرض‭ ‬للكادميوم‮»‬‭. ‬وأفاد‭ ‬التقرير‭ ‬بأن‭ ‬نحو‭ ‬47%‭ ‬من‭ ‬البالغين‭ ‬و18%‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬تركيز‭ ‬الكادميوم‭ ‬في‭ ‬أجسامهم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التركيز‭ ‬تضاعف‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الشباب‭ ‬منذ‭ ‬2007،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬36%‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬تحت‭ ‬عمر‭ ‬الثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬زاد‭ ‬التركيز‭ ‬عندهم‭ ‬عن‭ ‬المواصفات‭ ‬الخاصة‭ ‬بذلك‭.‬

فهذا‭ ‬العنصر‭ ‬له‭ ‬سوابق‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬صحة‭ ‬البشر،‭ ‬ويرجع‭ ‬تاريخه‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬عاماً،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬مقاطعة‭ ‬‮«‬توياما‮»‬‭ ‬في‭ ‬اليابان،‭ ‬حيث‭ ‬وقعت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الكوارث‭ ‬البيئية‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء‭. ‬فالإنسان‭ ‬بسبب‭ ‬جهله‭ ‬بخصائص‭ ‬هذا‭ ‬العنصر‭ ‬وأسلوب‭ ‬تصرفه‭ ‬عند‭ ‬دخوله‭ ‬في‭ ‬عناصر‭ ‬البيئة،‭ ‬سمح‭ ‬له‭ ‬بأن‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬الأنهار‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬المقاطعة‭ ‬اليابانية،‭ ‬ونتيجة‭ ‬لثبات‭ ‬العنصر‭ ‬وعدم‭ ‬تحلله،‭ ‬كان‭ ‬يتراكم‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬وسنة‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬النهر‭ ‬وفي‭ ‬مياهه،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬الأسماك‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬فيه‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬فاقم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الطامة‭ ‬الكبرى،‭ ‬ورفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬تأثيرها‭ ‬في‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المقاطعة،‭ ‬هو‭ ‬استخدام‭ ‬ماء‭ ‬النهر‭ ‬الملوث‭ ‬بالكادميوم‭ ‬لري‭ ‬حقول‭ ‬الأرز‭ ‬خاصة،‭ ‬والمحاصيل‭ ‬المأكولة‭ ‬الأخرى‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬فكانت‭ ‬نتيجة‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات،‭ ‬انتقال‭ ‬الكادميوم‭ ‬السام‭ ‬والمسرطن‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المحاصيل‭ ‬الزراعية‭ ‬إلى‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬والبدء‭ ‬في‭ ‬التراكم‭ ‬وتخزينه‭ ‬في‭ ‬العظام‭ ‬والكلية،‭ ‬حتى‭ ‬بلغت‭ ‬المستويات‭ ‬الحرجة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬الناس‭ ‬يتألمون‭ ‬بدرجة‭ ‬لا‭ ‬تطاق،‭ ‬ويعانون‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الألم‭ ‬بمستويات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬المرضى‭ ‬أَطلقوا‭ ‬على‭ ‬حالتهم‭ ‬‮«‬إتاي‭_‬إتاي‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬مؤلم‭_‬مؤلم،‭ ‬وظهرت‭ ‬عليهم‭ ‬أعراض‭ ‬مثل‭ ‬هشاشة‭ ‬العظام،‭ ‬وسهولة‭ ‬كسرها،‭ ‬وآلام‭ ‬حادة‭ ‬في‭ ‬المفاصل‭ ‬والعمود‭ ‬الفقري‭. ‬

واليوم‭ ‬وبعد‭ ‬قرابة‭ ‬150‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكرب‭ ‬العظيم‭ ‬الذي‭ ‬نزل‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الياباني،‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬مشهد‭ ‬مماثل،‭ ‬وكأن‭ ‬الإنسان‭ ‬لم‭ ‬يتعظ‭ ‬من‭ ‬تجاربه‭ ‬السابقة،‭ ‬ولم‭ ‬يتعلم‭ ‬من‭ ‬خبراته‭ ‬المتراكمة،‭ ‬ولم‭ ‬يستفد‭ ‬من‭ ‬زلاته‭ ‬وهفواته،‭ ‬فقد‭ ‬رجع‭ ‬الكادميوم‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬يكشر‭ ‬عن‭ ‬أنيابه‭ ‬أمام‭ ‬المجتمع‭ ‬البشري،‭ ‬ويكشف‭ ‬عن‭ ‬وجوده،‭ ‬ويعرِّض‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬للأمراض‭ ‬والأسقام‭ ‬المزمنة‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا