العدد : ١٧٢٥٨ - الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٨ - الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

في أوقات الأزمات.. تبرز أهمية وقيمة التلاحم الوطني

بقلم: نبيلة رجب

الأحد ٢٢ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬أوقاتِ‭ ‬الأزماتِ‭ ‬الكبرى،‭ ‬لا‭ ‬يُقاسُ‭ ‬وعي‭ ‬الشعوبِ‭ ‬بكمّ‭ ‬ما‭ ‬تعرفُه‭ ‬من‭ ‬أخبار،‭ ‬بل‭ ‬بقدرتِها‭ ‬على‭ ‬البقاءِ‭ ‬متماسكة‭ ‬وسط‭ ‬التقلّبات‭ ‬العالمية‭. ‬وبقدرتها‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬إنسانيتها،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬تشتدُّ‭ ‬الرياحُ‭ ‬من‭ ‬كلِّ‭ ‬صوب‭.‬

حين‭ ‬تتداخلُ‭ ‬الأصواتُ،‭ ‬وتتعقدُ‭ ‬المشاهدُ‭ ‬من‭ ‬حولنا،‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نستحضرَ‭ ‬القيمَ‭ ‬التي‭ ‬شكَّلت‭ ‬أوطانَنا‭. ‬لا‭ ‬لنردّ‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬أحد،‭ ‬بل‭ ‬لنُطمئن‭ ‬بها‭ ‬أنفسنا،‭ ‬ونذكّر‭ ‬أبناءنا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يربطنا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬ليس‭ ‬موقفا‭ ‬طارئا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭ ‬نعيشه‭ ‬معا،‭ ‬ونصونه‭ ‬معا،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الناس،‭ ‬في‭ ‬إحساسهم‭ ‬العميق‭ ‬بالمسؤولية،‭ ‬وفي‭ ‬تمسكهم‭ ‬بما‭ ‬يجمع‭ ‬لا‭ ‬بما‭ ‬يفرق‭.‬

نحن‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬نتأثر‭ ‬بما‭ ‬يدور‭ ‬من‭ ‬حولنا،‭ ‬بما‭ ‬يُقال‭ ‬في‭ ‬المجالس،‭ ‬وما‭ ‬يُنشر‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل،‭ ‬وحتى‭ ‬بما‭ ‬نشعر‭ ‬به‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نعبر‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬نملكه‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ليس‭ ‬أمرًا‭ ‬عابرًا؛‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬من‭ ‬الألفة‭ ‬الراسخة،‭ ‬لا‭ ‬يصنعه‭ ‬ظرف‭ ‬ولا‭ ‬تزعزعه‭ ‬ريح،‭ ‬امتدادًا‭ ‬من‭ ‬الجيرة‭ ‬القديمة،‭ ‬من‭ ‬ألفة‭ ‬لم‭ ‬تفرق‭ ‬يوما‭ ‬بين‭ ‬بيت‭ ‬وبيت‭. ‬وهذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬نتمسك‭ ‬به‭ ‬ونحميه،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتسلل‭ ‬إليه‭ ‬التشويش‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬

وقد‭ ‬نختلف‭ ‬وهذا‭ ‬طبيعي‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬يجري،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬المواقف،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬قراءة‭ ‬الحدث‭. ‬لكن‭ ‬التحدي‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الاختلاف‭ ‬ذاته،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬مسافة،‭ ‬إلى‭ ‬جدار‭ ‬يُقصي‭ ‬الآخر‭ ‬لأنه‭ ‬يرى‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬مختلفة‭.‬

وهنا‭ ‬يبرز‭ ‬الوعي‭ ‬الحقيقي‭. ‬الوعي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُطالبنا‭ ‬بكبت‭ ‬مشاعرنا،‭ ‬بل‭ ‬بتوجيهها‭ ‬بعقلانية‭. ‬أن‭ ‬نُعبر‭ ‬عما‭ ‬نؤمن‭ ‬به‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نجرح،‭ ‬أن‭ ‬نختلف‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نُقصي،‭ ‬أن‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬المودة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬التباين‭. ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬التماسك،‭ ‬هذا‭ ‬الحب،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يبني،‭ ‬أما‭ ‬حين‭ ‬تغيب‭ ‬الحكمة،‭ ‬فلا‭ ‬تترك‭ ‬خلفها‭ ‬إلا‭ ‬المسافة‭ ‬المتداعية‭.‬

من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نستحضر‭ ‬في‭ ‬أذهاننا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نغفله،‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬ليست‭ ‬كلمات‭ ‬على‭ ‬الخريطة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬وجوه‭ ‬نعرفها،‭ ‬وقلوب‭ ‬ارتبطنا‭ ‬بها‭. ‬علاقة‭ ‬لا‭ ‬تصنعها‭ ‬الأخبار،‭ ‬ولا‭ ‬تُلغيها‭ ‬المواقف‭ ‬المؤقتة،‭ ‬بل‭ ‬تنسجها‭ ‬حياة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬التقدير‭. ‬وكلما‭ ‬اشتد‭ ‬الغبار،‭ ‬احتجنا‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬بعضنا‭ ‬كما‭ ‬عهدنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬بلا‭ ‬تصنيفات،‭ ‬وبلا‭ ‬عدسات‭ ‬ضيقة‭.‬

ولأننا‭ ‬نُدرك‭ ‬تماما‭ ‬معنى‭ ‬الفقد،‭ ‬نرجو‭ ‬ألا‭ ‬نخسر‭ ‬تماسكنا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬مضطرب‭ ‬تتسارع‭ ‬فيه‭ ‬الأحداث‭. ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نجتاز‭ ‬ما‭ ‬تعيشه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬توتر‭ ‬بما‭ ‬يليق‭ ‬بنا‭: ‬ناضجين،‭ ‬متراحمين،‭ ‬نحتكم‭ ‬للعقل،‭ ‬ونصون‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أجمل‭ ‬فينا‭.‬

في‭ ‬الأوقات‭ ‬التي‭ ‬تشتد‭ ‬فيها‭ ‬الرياح‭ ‬من‭ ‬حولنا،‭ ‬لا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬الصوت،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬الجذور‭. ‬أن‭ ‬نُثبت‭ ‬لأنفسنا‭ ‬قبل‭ ‬غيرنا‭ ‬أن‭ ‬وحدتنا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يوما‭ ‬ردّة‭ ‬فعل،‭ ‬بل‭ ‬خيارًا‭ ‬دائما‭. ‬وأنّ‭ ‬الوعي‭ ‬الوطني‭ ‬لا‭ ‬يُقاس‭ ‬بما‭ ‬نقوله،‭ ‬بل‭ ‬بما‭ ‬نتجنب‭ ‬قوله‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬التجنب‭ ‬صيانة‭ ‬لوطن،‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬غيره‭.‬

ليتنا،‭ ‬حين‭ ‬تكثر‭ ‬الضوضاء،‭ ‬نلوذ‭ ‬بروحنا‭ ‬الجماعية‭ ‬وتلاحمنا‭ ‬الوطني‭ ‬وتماسكنا‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ونتأمل‭ ‬بصدق‭ ‬كيف‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬أوطاننا‭ ‬ومكتسباتنا‭.. ‬فهذه‭ ‬هي‭ ‬الثروة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُقاس‭ ‬بالأرقام،‭ ‬ولا‭ ‬تُعوض‭ ‬إن‭ ‬ضاعت‭.‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬لا‭ ‬نطلب‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬أن‭ ‬يتوقف،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬نتوقع‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬يهدأ‭.  ‬لكننا‭ ‬نطلب‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ثمين‭ ‬فينا‭: ‬وحدتنا،‭ ‬محبتنا،‭ ‬وأخلاقنا‭ ‬التي‭ ‬تجعلنا‭ ‬نختار‭ ‬بعضنا،‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬رغم‭ ‬الصخب‭.‬

ولأن‭ ‬الدعاء‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬التوتر‭ ‬ملاذ‭ ‬القلوب‭ ‬الصادقة،‭ ‬نقول‭:‬

اللهم‭ ‬اجعل‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬آمنا،‭ ‬مطمئنا،‭ ‬محروسا‭ ‬بأهله،‭ ‬محفوظا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سوء‭. ‬وارزقنا‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نستحقه،‭ ‬ومن‭ ‬المحبة‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬لا‭ ‬نفرط‭ ‬به‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا