العدد : ١٧٢٥٥ - الجمعة ٢٠ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٥ - الجمعة ٢٠ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لم يكن دفاعا عن الحمير

على‭ ‬ذمة‭ ‬أرشيفي‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬قصاصات‭ ‬المجلات‭ ‬والجرائد،‭ ‬تعود‭ ‬الوقائع‭ ‬التي‭ ‬انا‭ ‬بصدد‭ ‬سردها‭ ‬الى‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬خلون،‭ ‬وكان‭ ‬مسرحها‭ ‬في‭ ‬العسيرات،‭ ‬وهي‭ ‬بلدة‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬سوهاج‭ ‬بجنوب‭ ‬صعيد‭ ‬مصر،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬مسرحا‭ ‬لمعركة‭ ‬بالأسلحة‭ ‬البيضاء‭ ‬والعصي‭ ‬والحجارة،‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬سبعة‭ ‬جرحى،‭ ‬ولولا‭ ‬تدخل‭ ‬الشرطة‭ ‬لارتفع‭ ‬عدد‭ ‬المصابين‭ ‬الى‭ ‬العشرات،‭ ‬لان‭ ‬المعركة‭ ‬كانت‭ ‬بين‭ ‬عائلتين‭ ‬كبيرتين،‭ ‬واشترك‭ ‬فيها‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب،‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬الضاري‭ ‬حمار،‭ ‬نعم‭ ‬ذلك‭ ‬الحيوان‭ ‬الذي‭ ‬يوصف‭ ‬بالغباء‭ ‬وينهق‭ ‬بصوت‭ ‬منكر،‭ ‬وما‭ ‬فعله‭ ‬ذلك‭ ‬الحمار‭ ‬هو‭ ‬انه‭ ‬عض‭ ‬حمارا‭ ‬آخر‭ ‬بدون‭ ‬مبرر‭ ‬مقبول،‭ ‬ومثل‭ ‬هذا‭ ‬الاعتداء‭ ‬يحدث‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬بني‭ ‬البشر،‭ ‬فالمعروف‭ ‬ان‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬والعنكبوت‭ ‬فقط‭ ‬هما‭ ‬الكائنان‭ ‬اللذان‭ ‬يقتلان‭ ‬كائنا‭ ‬من‭ ‬جنسهما‭ ‬بلا‭ ‬سبب‭ ‬أو‭ ‬مبرر،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬بقية‭ ‬الكائنات‭ ‬تقتل‭ ‬بني‭ ‬جنسها‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬طلبا‭ ‬للطعام‭ ‬أو‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬أو‭ ‬الحيز‭ ‬الجغرافي‭ (‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭ ‬البرية‭ ‬بل‭ ‬وبعض‭ ‬الحيوانات‭ ‬المنزلية‭ ‬مثل‭ ‬الكلب‭ ‬‮«‬مناطقية‭ ‬territorial‮»‬‭! ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تقتطع‭ ‬لنفسها‭ ‬منطقة،‭ ‬تعتبرها‭ ‬حكرا‭ ‬لها،‭ ‬ولا‭ ‬تسمح‭ ‬لغيرها‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الفصيلة‭ ‬بدخولها‭). ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬الحمار‭ ‬عض‭ ‬الحمار،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬الحمار‭ ‬المجني‭ ‬عليه،‭ ‬إلا‭ ‬ان‭ ‬قام‭ ‬بضرب‭ ‬الحمار‭ ‬الجاني،‭ ‬فتصدي‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬الحمار‭ ‬الذي‭ ‬أشعل‭ ‬الفتنة،‭ ‬وضرب‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬الحمار‭ ‬الذي‭ ‬عض‭ ‬حمار‭ ‬العائلة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وطبقنا‭ ‬طبق‭ ‬طبقكم‭ ‬يقدر‭ ‬طبقكم‭ ‬يطبق‭ ‬طبقنا‭ ‬زي‭ ‬ما‭ ‬طبقنا‭ ‬طبق‭ ‬طبقكم‭! ‬وعندئذ‭ ‬انضم‭ ‬الى‭ ‬الشخصين‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتيهما‭ ‬وبدأ‭ ‬الكر‭ ‬والفر،‭ ‬ما‭ ‬ادى‭ ‬الى‭ ‬سقوط‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجرحى‭ ‬كانت‭ ‬حالة‭ ‬بعضهم‭ ‬خطيرة،‭ ‬وأول‭ ‬ما‭ ‬يتبادر‭ ‬الى‭ ‬الذهن،‭ ‬هو‭ ‬انه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬ان‭ ‬يروح‭ ‬بشر‭ ‬ضحايا‭ ‬خلافات‭ ‬بين‭ ‬حمارين‭ ‬طالما‭ ‬ان‭ ‬أولئك‭ ‬البشر‭ ‬صعايدة‭!! ‬ولكن‭ ‬المنصفين‭ ‬فقط‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬سيقرأون‭ ‬بين‭ ‬السطور‭ ‬ويقولوا‭ ‬ان‭ ‬الصعيدي‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬ما‭ ‬نسميه‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬‮«‬الحقارة‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬التعريض‭ ‬للإذلال‭ ‬والهوان،‭ ‬ولا‭ ‬يسكت‭ ‬على‭ ‬الحال‭ ‬المائل،‭ ‬فصاحب‭ ‬الهمة‭ ‬والكرامة‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬ممتلكاته‭ ‬بنفس‭ ‬حماس‭ ‬دفاعه‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬أبطال‭ ‬العبور‭ ‬في‭ ‬اكتوبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1973‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬الصعايدة‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يعرفون‭ ‬ان‭ ‬وجود‭ ‬الاسرائيليين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الشرقية‭ ‬من‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬‮«‬عيب‮»‬‭ ‬لأنه‭ ‬ينتهك‭ ‬كرامة‭ ‬وشرف‭ ‬وسيادة‭ ‬مصر،‭ ‬ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أي‭ ‬انهم‭ ‬لم‭ ‬يسمعوا‭ ‬بوعد‭ ‬بلفور‭ ‬ولا‭ ‬ذاقوا‭ ‬البيتي‭ ‬فور‭.‬

والشاهد‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬قبول‭ ‬الهوان‭ ‬الجزئي‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬قبول‭ ‬الهوان‭ ‬الكامل،‭ ‬وتعجبني‭ ‬مقولة‭ ‬الزعيم‭ ‬الشيوعي‭ ‬فلادمير‭ ‬لينين‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬من‭ ‬يسقط،‭ ‬يسقط‭ ‬عموديا‮»‬،‭ ‬يعني‭ ‬من‭ ‬باع‭ ‬ذمته‭ - ‬مثلا‭ - ‬متعللا‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬مزنوقا،‭ ‬سيبيعها‭ ‬مرارا،‭ ‬لأنه‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭: ‬من‭ ‬يهن‭ ‬يسهل‭ ‬الهوان‭ ‬عليه‭ / ‬ما‭ ‬لجرح‭ ‬بميت‭ ‬إيلام‭!! ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يبصق‭ ‬عليه‭ ‬يتعرض‭ ‬للصفع‭ ‬من‭ ‬الباصق،‭ ‬ومن‭ ‬يقول‭ ‬ان‭ ‬ضرب‭ ‬الحبيب‭ ‬ألذ‭ ‬من‭ ‬الزبيب‭ ‬خانع‭ ‬وخائب‭ ‬وفاشل‭ ‬وذليل،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الضارب‭ ‬يستحق‭ ‬مسمى‭ ‬حبيب‭ ‬لما‭ ‬قام‭ ‬بالضرب‭ ‬أصلا،‭ ‬ولنفترض‭ ‬أنك‭ ‬مخطوب‭ ‬لواحدة‭ ‬وضربتك‭ ‬واستمتعت‭ ‬بالضرب‭ ‬بحجة‭ ‬الحب،‭ ‬ولأن‭ ‬ذوقك‭ ‬تالف‭ ‬وتعتقد‭ ‬ان‭ ‬الزبيب‭ ‬لذيذ،‭ ‬ماذا‭ ‬تتوقع‭ ‬منها‭ ‬بعد‭ ‬الزواج؟‭ ‬وتخيل‭ ‬انك‭ ‬كنت‭ ‬تجلس‭ ‬مع‭ ‬اصدقاء‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬تشفط‭ ‬دخان‭ ‬الشيشة‭ ‬فجاءت‭ ‬زوجتك‭ ‬التي‭ ‬تحبها‭ ‬جدا‭ ‬وامسكت‭ ‬بخرطوم‭ ‬الشيشة‭ ‬ونزلت‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬رأسك‭!! ‬هل‭ ‬ستصيح‭: ‬الله‭ ‬الله‭ ‬تاني‭ ‬كمان‭ ‬يا‭ ‬ست‭ ‬الحبايب؟‭ ‬الخلاصة‭ ‬هي‭ ‬ان‭ ‬مقولة‭ ‬ان‭ ‬ضرب‭ ‬الحبيب‭ ‬لذيذ‭ ‬تجسد‭ ‬انهزاميتنا،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬زوجة‭ ‬تسكت‭ ‬على‭ ‬عدوان‭ ‬الزوج‭ ‬لتستر‭ ‬عائلتها‭ ‬وهي‭ ‬تعلم‭ ‬ان‭ ‬ضرب‭ ‬الحبيب‭ ‬المفترض‭ ‬أسوأ‭ ‬طعما‭ ‬من‭ ‬الصبار‭ ‬المخلوط‭ ‬بزيت‭ ‬الخروع،‭ ‬وكم‭ ‬مرة‭ ‬داست‭ ‬فيها‭ ‬امريكا‭ ‬وأخواتها‭ ‬على‭ ‬كرامتنا‭ ‬فابتلعنا‭ ‬الإهانة‭ ‬ومعها‭ ‬كرامتنا‭ ‬بمنطق‭ ‬ان‭ ‬ضرب‭ ‬الحبيب‭ ‬ممتع؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا