زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لم يكن دفاعا عن الحمير
على ذمة أرشيفي الخاص من قصاصات المجلات والجرائد، تعود الوقائع التي انا بصدد سردها الى بضع سنوات خلون، وكان مسرحها في العسيرات، وهي بلدة صغيرة في محافظة سوهاج بجنوب صعيد مصر، وقد كانت مسرحا لمعركة بالأسلحة البيضاء والعصي والحجارة، أسفرت عن سقوط سبعة جرحى، ولولا تدخل الشرطة لارتفع عدد المصابين الى العشرات، لان المعركة كانت بين عائلتين كبيرتين، واشترك فيها العشرات من كل جانب، وتسبب في القتال الضاري حمار، نعم ذلك الحيوان الذي يوصف بالغباء وينهق بصوت منكر، وما فعله ذلك الحمار هو انه عض حمارا آخر بدون مبرر مقبول، ومثل هذا الاعتداء يحدث حتى بين بني البشر، فالمعروف ان ابن آدم والعنكبوت فقط هما الكائنان اللذان يقتلان كائنا من جنسهما بلا سبب أو مبرر، في حين ان بقية الكائنات تقتل بني جنسها أو غيرها طلبا للطعام أو دفاعا عن النفس أو الحيز الجغرافي (كثير من الحيوانات البرية بل وبعض الحيوانات المنزلية مثل الكلب «مناطقية territorial»! أي أنها تقتطع لنفسها منطقة، تعتبرها حكرا لها، ولا تسمح لغيرها حتى من نفس الفصيلة بدخولها). المهم أن الحمار عض الحمار، فما كان من أحد أفراد العائلة التي تملك الحمار المجني عليه، إلا ان قام بضرب الحمار الجاني، فتصدي شخص من عائلة الحمار الذي أشعل الفتنة، وضرب الشخص الذي ضرب الحمار الذي عض حمار العائلة الأخرى، وطبقنا طبق طبقكم يقدر طبقكم يطبق طبقنا زي ما طبقنا طبق طبقكم! وعندئذ انضم الى الشخصين أفراد عائلتيهما وبدأ الكر والفر، ما ادى الى سقوط عدد من الجرحى كانت حالة بعضهم خطيرة، وأول ما يتبادر الى الذهن، هو انه ليس من المستغرب ان يروح بشر ضحايا خلافات بين حمارين طالما ان أولئك البشر صعايدة!! ولكن المنصفين فقط هم من سيقرأون بين السطور ويقولوا ان الصعيدي لا يحب ما نسميه في السودان «الحقارة»، أي التعريض للإذلال والهوان، ولا يسكت على الحال المائل، فصاحب الهمة والكرامة يدافع عن ممتلكاته بنفس حماس دفاعه عن نفسه، ولهذا فإن أبطال العبور في اكتوبر من عام 1973 كانوا من الصعايدة الذين كانوا يعرفون ان وجود الاسرائيليين في الضفة الشرقية من قناة السويس «عيب» لأنه ينتهك كرامة وشرف وسيادة مصر، ولا يعرفون اكثر من ذلك أي انهم لم يسمعوا بوعد بلفور ولا ذاقوا البيتي فور.
والشاهد هو ان قبول الهوان الجزئي يؤدي الى قبول الهوان الكامل، وتعجبني مقولة الزعيم الشيوعي فلادمير لينين بأن «من يسقط، يسقط عموديا»، يعني من باع ذمته - مثلا - متعللا بأنه كان مزنوقا، سيبيعها مرارا، لأنه وكما قال الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه / ما لجرح بميت إيلام!! ومن لا يرد على من يبصق عليه يتعرض للصفع من الباصق، ومن يقول ان ضرب الحبيب ألذ من الزبيب خانع وخائب وفاشل وذليل، فإذا كان الضارب يستحق مسمى حبيب لما قام بالضرب أصلا، ولنفترض أنك مخطوب لواحدة وضربتك واستمتعت بالضرب بحجة الحب، ولأن ذوقك تالف وتعتقد ان الزبيب لذيذ، ماذا تتوقع منها بعد الزواج؟ وتخيل انك كنت تجلس مع اصدقاء في مقهى تشفط دخان الشيشة فجاءت زوجتك التي تحبها جدا وامسكت بخرطوم الشيشة ونزلت به على رأسك!! هل ستصيح: الله الله تاني كمان يا ست الحبايب؟ الخلاصة هي ان مقولة ان ضرب الحبيب لذيذ تجسد انهزاميتنا، وكم من زوجة تسكت على عدوان الزوج لتستر عائلتها وهي تعلم ان ضرب الحبيب المفترض أسوأ طعما من الصبار المخلوط بزيت الخروع، وكم مرة داست فيها امريكا وأخواتها على كرامتنا فابتلعنا الإهانة ومعها كرامتنا بمنطق ان ضرب الحبيب ممتع؟
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك