زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لم يبق سوى الأوكسجين
أشتاق لتلك الأيام التي كنت أتلقى فيها بين الحين والحين رسائل إلكترونية ذات قيمة معرفية عالية، لأن هذه الرسائل وبعكس رسائل واتساب مثلا، قد تأتي طويلة ومعززة بالصور والشروحات، ومن بين الرسائل الدسمة التي تلقيتها مؤخرا، واحدة- مدعومة بما يؤكد سلامة محتواها- تتكلم عن مادة معينة موجودة في معظم أنواع الشامبو، تقول جهات طبية محترمة، انها تسبب سرطانات الجلد، ورسائل تكشف أن بعض أنواع معجون الأسنان المشهورة تلحق أضرارا بليغة باللثة والأسنان، واستحضر هنا كيف أنني ناصرت ثورة فبراير الليبية منذ يومها الأول لعدة أسباب، من بينها أنني ظللت أتمنى للشعب الليبي الخلاص من حكم ذلك الجهول المخبول، ليعيش موفور الكرامة وسيد نفسه وقراره، والثاني هو أن القذافي قام بانقلابه المشؤوم على النظام الملكي في الأول من سبتمبر من عام 1969، وكنت قد سبقت ذلك الانقلاب في الوصول إلى الدنيا في مثل ذلك اليوم، وقبل الانقلاب بساعات وفي رواية أخرى بسنوات قليلة/ كثيرة، وكان يؤلمني ارتباط يوم مولدي بيوم صعود ذلك الجزافي الى كرسي الحكم واختطافه يوم مولدي تحت مسمى «الفاتح من سبتمبر»، وهكذا فإن ثورة فبراير الظافرة حررت يوم مولدي، من ذلك الارتباط المشؤوم، وكلنا قيادات وشعوبا في العالم العربي، مذنبون لكوننا كنا نتعامل مع القذافي كمهرج، لأنه كان هوائيا يفعل أشياء غير متوقعة للفت الانتباه إلى نفسه، وقد أدركت لأول مرة أن معمر القذافي شخص غير سوي عندما منع استخدام الشامبو في ليبيا في السبعينيات، من منطلق ان البيض يدخل في صناعته. ليش يا سعادة الأخ العقيد؟ قال: لأن مئات الملايين من بني البشر لا يجدون بيضا للأكل، شخصيا لا استخدم الشامبو، ولكنني استخدمته لحين من الدهر نكاية بالقذافي، رغم أنني وفي دواخلي أكثر منه تعاطفا مع المعذبين في الأرض من الفقراء، ولكنني وبعكسه عاقل وأعرف أن توقف الناس عن استخدام الشامبو الذي يحوي البيض لن يعني ان حصة الفقراء من البيض سترتفع.
وما شجعني على الاستغناء تماما عن الشامبو بكل أنواعه منذ سنوات عديدة، أن الله حباني بشعر وجوده وعدمه سيان في نظري، بمعنى أنني لم أكن أخشى على نفسي من الصلع، ولما شاب رأسي لم تفرق المسألة معي، وقبلها لم اكن استخدم الا شامبو الأطفال وصابون الأطفال وكريمات الأطفال، ظنا مني ان الخواجات لا يتلاعبون بأرواح الأطفال، ولكنني فوجئت مؤخرا، بان معظم شامبوهات الاطفال تحوي تلك مادة ضارة بالجلد، وهكذا ازددت سوء ظن بالمخترعات الحديثة وقررت العودة الى صابون «حبوبة فاطمة»، وهو نوع من الصابون تنتجه السجون السودانية وكانت وزارة التربية تقدمه فيما مضى مجانا لتلاميذ المدارس لما له من خواص فعالة في قتل القمل الخبيث، وإذابة الدهون والشحوم التي في الملابس، وكان الأرستقراطيون منا يستخدمون صابون «الفنيك» carbolic soap وكانوا يمشون في الأرض مرحا بينما تفح منهم رائحة الديتول، فالفنيك أساسا مادة طبية مطهرة شديدة النفاذ الى الأنف والأذن والحنجرة، وكان هناك نوع من معجون الأسنان سوداني الصنع اسمه سوبر كريستال يستخدمه البعض كفاتح للشهية، لأنه كان يحوي كمية كبيرة من الشطة، فتجد شخصا يدخل بعضا من ذلك المعجون في فمه ثم يبدأ بالصراخ الى ان يغسل فمه سبع مرات إحداهن بالتراب، ولكن ما لم نكن نعرفه وقتها هو أن ذلك المعجون الذي كنا نتهكم على من يستخدمونه كان ذا مواصفات طبية وعلمية عالية، وكان خاليا من المواد الإضافية التي تجعل معجون الاسنان حلو المذاق ولكن فاتكا بالفم، و بالطبع انتصرت المعجونات المستوردة بكل عيوبها على ذلك المعجون الوطني النظيف. وبعد صابون حبوبة فاطمة انتجت المصانع السودانية انواعا من الصابون كانت تصلح للأكل من فرط حلاوة رائحتها وجمال شكلها ولكنها ايضا انهزمت امام المستورد. وشيئا فشيئا لحق السودان بركب العرب فبات يستورد كل شيء ما عدا الأوكسجين!!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك