زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لست مليونيرا ولكنني «غني»
بعث التريليونير الأمريكي إيلون ماسك في شهر مايو المنصرم بمجموعة من الحسناوات في جولة في الفضاء الخارجي، فقط من باب استعراض العضلات المالية، ولِم لا وهو أول من تجاوزت ثروته التريليون دولار في تاريخ العالم. ومنذ أن دفع الأمريكي المعتوه دنيس تيتو نحو 25 مليون دولار للقيام برحلة فضائية وأحوال الأثرياء الغربيين تدهشني: هذا يريد أن يدور حول الكرة الأرضية ببالون، وذاك يريد أن يدخل التاريخ كأول شخص يبحر عبر المحيطات في حوض حمام (بانيو)، ولكن يدهشني أكثر ولع المليونيرات بالقمار: ماذا يريد شخص لديه خمسمائة مليون دولار من مائدة الميسر؟ ثلاثة ملايين أخرى؟ بل ماذا يفعل إنسان بخمسمائة مليون؟ دعك من القمار، لماذا يلهث من لديه مثل ذلك المبلغ لكسب المزيد ويصاب بارتفاع ضغط الدم وانسداد الشرايين وتساقط الشعر والبواسير من طول الجلوس على الكراسي، وبسبب الحزن لعدم فوزه بمناقصة أو عطاء؟ لو كان لدي خمسمائة ألف (وليس مليون) دولار، لجلست في البيت سنة كاملة بلا شغل أو مشغلة ألحس الآيسكريم وآكل الدو نط التي هي اللقيمات بعد عولمتها، تماما مثلما أصبحت الكفتة بيرجر بعد أن نالت الجنسية الأمريكية، وبمثل ذلك المبلغ لسافرت الى إيطاليا (بمفردي طبعا) لشراء أحذية بألف دولار (خليها عشرة آلاف. عنه ما حدش حوّش) لزوجتي إشباعا لهوايتها العجيبة في اقتناء الأحذية.
ما يغيظني بشأن أحوالي المادية هو أنني في قرارة نفسي أحس بأنني من ميسوري الحال جدا، ولا ينقصني شيء من الناحية المادية، وهذا ما يسميه رجال الاعمال انعدام الطموح، كما أن أهلي لا يقصرون في استغلال ثرواتي، وكأنما هناك جهة ما تبلغهم أن أبا الجعافر صار ثريا، فما إن تتجاوز مدخراتي بضعة آلاف من الريالات حتى تصلني رسالة أو مكالمة هاتفية مؤداها أن الأمطار هدمت السور الشرقي لقصر عباس، المكون من غرفتين وبيت للدجاج، وفي فنائه شجرة ليمون ذكر لا تنتج حتى الأريج المعتاد، أو أن أسنان فلانة تعاني من تسريب نفطي ولا بد من عمليات تنقيب فيها، ثم ترقيع الحفرة بكسوة ذهبية، أو أن فلانة ستتزوج بواحد جربان لا يملك حتى حذاء صالحا للاستعمال ولا بد من توفير الملابس له وللعروس. أذكر أنني كنت في الثمانينيات أعطي أمي 50 جنيها شهريا، وأنها كانت تقول إن ذلك سيفسدها لأنه يفوق احتياجاتها، ثم دارت الأيام وصارت تتقاضى مني شهريا نصف مليون جنيه وتصفني بالبخل والعقوق، فأقول لها: يا حاجة. يا مسز عباس، (تعتبرها شتيمة وتصفعني) بلاش بطر فأنت بهذا المبلغ مليونيرة لأن دخلك السنوي من جانبي فقط ستة ملايين من الجنيهات، فتقدم لي محاضرة في التضخم والعرض والطلب، وتذكرني بما أنفقته العائلة على تعليمي، فأتذكر انهم كانوا يعطونني جنيها ونصف الجنيه شهريا في المرحلة الجامعية، وأن ذلك جعل مني طالبا مترفا إذ انتقلت من السجائر المحلية إلى المستوردة وتوقفت عن التخميس؛ أي أن يتقاسم السيجارة الواحدة خمسة أشخاص! بل لما كثرت «النقنقة» حول أنني أستأثر بجانب كبير من راتبي، لأنني ولد جاحد و«نسيت المبالغ المتلتلة التي صرفناها لتنال تعليما جامعيا»، جلست ذات يوم مع والدي ومعي ورقة وقلم وحسبت له بالقرش والمليم المبالغ التي أنفقها علي منذ دخولي المدرسة الابتدائية، وقدمت له خلاصة الحسابات واتضح أن مجموع ما صرفه علي خلال 16 سنة لم يكن يزيد على عشرين جنيها، وقدمت له ثلاثين جنيها وقلت له: هذه فلوسك مع الأرباح «الربوية»، وعلى كده خالصين، فأخذ مني المبلغ والسرور باد على وجهه، وقال: خلاص كل شهر 30 جنيه، فقلت له طلباتك أوامر يا عبس، بس فيفتي فيفتي مع مسز عباس.
والله كل ما أتذكر دعوات أمي لي كلما أعطيتها نقودا او ملابس أحسست بأنني جعفر بن طلال (قالوا إن سودانيا كان يقف في ساعة متأخرة من الليل في شارع لا توجد فيه تاكسيات وتوقفت له سيارة فارهة وعرض صاحبه توصيل الزول إلى وجهته وكان صاحب السيارة هو خالد ابن الأمير الوليد بن طلال، وأثناء الرحلة سأله السوداني عن اسمه فقال: خالد بن الوليد، فرد عليه السوداني: وأنا سعد بن أبي وقاص)!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك