العدد : ١٧٢٥٣ - الأربعاء ١٨ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٣ - الأربعاء ١٨ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إرادة الشعوب لا تُهزم.. قراءة من أعماق التاريخ

بقلم: مؤيد قاسم الديك {

الأربعاء ١٨ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

ذات‭ ‬يوم،‭ ‬وقف‭ ‬الزعيم‭ ‬التاريخي‭ ‬لجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬مخاطبًا‭ ‬شعبه،‭ ‬وقد‭ ‬انزاح‭ ‬عن‭ ‬رقاب‭ ‬الأمة‭ ‬نير‭ ‬العنصرية،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬إنّ‭ ‬أعظم‭ ‬مجدٍ‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬يكمُنُ‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬السقوط‭ ‬أبدًا،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬نسقط‭ ‬فيها‮»‬‭.‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬وصلت‭ ‬سطوة‭ ‬بريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬ربع‭ ‬سكان‭ ‬الأرض‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬مساحتها‭ ‬مئتين‭ ‬وثلاثين‭ ‬ألف‭ ‬كم‭ ‬مربع،‭ ‬لتصل‭ ‬الغرب‭ ‬بالشرق‭ ‬وتتمدد‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬وثلاثين‭ ‬مليون‭ ‬كم‭ ‬مربع‭ ‬حتى‭ ‬أطلقوا‭ ‬عليها‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬الإمبراطورية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تغرب‭ ‬عنها‭ ‬الشمس‮»‬‭!‬

وذات‭ ‬يوم‭ ‬خضعت‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬لنظام‭ ‬عنصري،‭ ‬اتخذ‭ ‬من‭ ‬قوانينه‭ ‬أداة‭ ‬إذلالٍ‭ ‬لتلك‭ ‬الأمة‭ ‬الإفريقية‭ ‬الكبيرة‭ ‬ضحية‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭.‬

وذات‭ ‬يوم‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬موسوليني،‭ ‬الذي‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬قبضته‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬إيطاليا،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬مدعومًا‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬غربية،‭ ‬فأوغل‭ ‬في‭ ‬دم‭ ‬الأبرياء‭.‬

واليوم‭ ‬نتساءل‭: ‬أين‭ ‬موسوليني،‭ ‬وأين‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وتلك‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬البريطانية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تغيب‭ ‬عنها‭ ‬الشمس؟

ثمّةَ‭ ‬رابط‭ ‬بين‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحكومته‭ ‬المتطرفة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وتلك‭ ‬الأنظمة‭ ‬الفاشية،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬مصيرها‭ ‬الزوال‭ ‬والاضمحلال‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فالاستقواء‭ ‬بقوى‭ ‬ظالمة‭ ‬لن‭ ‬ينفعك،‭ ‬وإن‭ ‬أطال‭ ‬في‭ ‬أيامك‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬وفي‭ ‬دعم‭ ‬العدوان‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬شهورا‭ ‬إضافية‭.‬

لقد‭ ‬اعتمد‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وحكومات‭ ‬إسرائيل‭ ‬المتعاقبة‭ ‬على‭ ‬حكومات‭ ‬الغرب،‭ ‬فدعمته‭ ‬وغذّته‭ ‬بكل‭ ‬آلات‭ ‬البطش‭ ‬والقوة‭ ‬لإخضاع‭ ‬شعب‭ ‬أعزل‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬إرادته‭.‬

كما‭ ‬اعتمد‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحكومات‭ ‬إسرائيل‭ ‬المتعاقبة‭ ‬سرديةّ‭ ‬ورواية‭ ‬ضلّلت‭ ‬العالم،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬خداعه‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬عقود،‭ ‬حتى‭ ‬جاءت‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬البشعة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬التي‭ ‬عرّت‭ ‬سرديتهم‭ ‬وكشفت‭ ‬زيفهم،‭ ‬فراحت‭ ‬تتهاوى‭ ‬أمام‭ ‬ناظريهم،‭ ‬لتصعد‭ ‬الرواية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بطهارتها‭ ‬وصدقها،‭ ‬فتلقفها‭ ‬شباب‭ ‬الغرب‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬أكبر‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬وآمنوا‭ ‬بها‭ ‬وتبنوها‭.‬

لقد‭ ‬سقطت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أخلاقيًّا،‭ ‬وسقط‭ ‬نتنياهو‭ ‬كموسوليني‭ ‬وفاشيته‭ ‬تماما،‭ ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬راهن‭ ‬على‭ ‬قوته‭ ‬وبطشه،‭ ‬كما‭ ‬راهن‭ ‬نظام‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬على‭ ‬قوانينه‭ ‬العنصرية‭.. ‬لقد‭ ‬راهن‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬اللامحدود‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬إنشاء‭ ‬هذا‭ ‬الكيانين‭ ‬المدعومين‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري،‭ ‬حتى‭ ‬نسي‭ ‬نتنياهو‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬لم‭ ‬يرحم‭ ‬موسوليني‭ ‬ونظام‭ ‬الأبارتهايد،‭ ‬كما‭ ‬نسي‭ ‬أن‭ ‬إرادة‭ ‬الشعوب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬هزيمتها،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬خداع‭ ‬العالم‭ ‬ومحاولة‭ ‬إقناعه‭ ‬بسردية‭ ‬سقطت‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬وللأبد‭ ‬بعد‭ ‬الفظائع‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬أولئك‭ ‬الحاقدون‭ ‬الطارئون‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭.‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬إسرائيل‭ ‬تملك‭ ‬خطابًا‭ ‬أخلاقيًّا‭ ‬أمام‭ ‬العالم،‭ ‬فهناك‭ ‬وزراء‭ ‬مختلّون‭ ‬يقطرون‭ ‬عنصرية‭ ‬يصرخون‭ ‬صباح‭ ‬مساء‭ ‬على‭ ‬مسمع‭ ‬ومرأى‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬عبر‭ ‬محاولة‭ ‬خداع‭ ‬العالم‭ ‬بأن‭ ‬قتل‭ ‬الرضيع‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬كقتل‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬السلاح‭!‬

‭ ‬لقد‭ ‬سقط‭ ‬موسوليني‭ ‬عندما‭ ‬ثار‭ ‬عليه‭ ‬الداخل‭ ‬وفقد‭ ‬تعاطف‭ ‬الخارج‭ ‬وكذلك‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وما‭ ‬أشبه‭ ‬حال‭ ‬إسرائيل‭ ‬اليوم‭ ‬بتينك‭ ‬الحقبتين‭! ‬فإسرائيل‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬تتصدع‭ ‬في‭ ‬خلافات‭ ‬وانقسامات‭ ‬أيديولوجية‭ ‬حادة،‭ ‬والشرخ‭ ‬بين‭ ‬عرقيات‭ ‬المجتمع‭ ‬يزداد،‭ ‬والعالم‭ ‬الغربي‭ ‬بدأ‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬قاتل‭ ‬الأطفال‭ ‬ومجوّعهم،‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬هكذا‭ ‬حكومة‭ ‬مكلف‭ ‬أخلاقيًّا‭. ‬واليوم‭ ‬نرى‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الفاشي‭ ‬يترنح‭ ‬رغم‭ ‬فظاعة‭ ‬أفعاله‭.‬

إسرائيل‭ ‬أمام‭ ‬لحظة‭ ‬مصيرية‭ ‬في‭ ‬تاريخها،‭ ‬إما‭ ‬الغرق‭ ‬في‭ ‬التطرف‭ ‬فتصبح‭ ‬كيانًا‭ ‬منبوذًا‭ ‬حتى‭ ‬ممن‭ ‬أنشأها‭ ‬ورعاها،‭ ‬أو‭ ‬الذهاب‭ ‬نحو‭ ‬الواقعية‭ ‬والقبول‭ ‬بحلول‭ ‬تعيد‭ ‬بها‭ ‬الحق‭ ‬إلى‭ ‬أهله‭.‬

شكرًا‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا؛‭ ‬فنحن‭ ‬تعلمنا‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬التاريخ،‭ ‬وهزائمنا‭ ‬كانت‭ ‬أعظم‭ ‬معلم‭ ‬لنا‭. ‬لقد‭ ‬تعلمنا‭ ‬أن‭ ‬السقوط‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬انتهاءنا‭ ‬وإلا‭ ‬لطويت‭ ‬هويتنا‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1948،‭ ‬ولما‭ ‬عاد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬تين‭ ‬أو‭ ‬زيتون‭.. ‬نعم،‭ ‬فاتورتنا‭ ‬باهظة،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬عجلة‭ ‬التضحيات‭ ‬مستمرة‭ ‬ولكننا‭ ‬مؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬الوقت‭ ‬سيكون‭ ‬لصالح‭ ‬المقهورين‭ ‬المعذّبين‭ ‬وأن‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬ستتحقق،‭ ‬ولو‭ ‬بعد‭ ‬حين‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا