ذات يوم، وقف الزعيم التاريخي لجنوب إفريقيا نيلسون مانديلا مخاطبًا شعبه، وقد انزاح عن رقاب الأمة نير العنصرية، فقال: «إنّ أعظم مجدٍ في الحياة لا يكمُنُ في عدم السقوط أبدًا، بل في النهوض بعد كل مرة نسقط فيها».
ذات يوم وصلت سطوة بريطانيا إلى حد السيطرة على ربع سكان الأرض شرقا وغربا، بعد أن كانت لا تتجاوز مساحتها مئتين وثلاثين ألف كم مربع، لتصل الغرب بالشرق وتتمدد على أكثر من خمسة وثلاثين مليون كم مربع حتى أطلقوا عليها لقب «الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس»!
وذات يوم خضعت جنوب إفريقيا لنظام عنصري، اتخذ من قوانينه أداة إذلالٍ لتلك الأمة الإفريقية الكبيرة ضحية الاستعمار الغربي.
وذات يوم كان هناك موسوليني، الذي اعتقد أن قبضته أكبر من إيطاليا، ما دام مدعومًا من قوى غربية، فأوغل في دم الأبرياء.
واليوم نتساءل: أين موسوليني، وأين ذلك النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وتلك الإمبراطورية البريطانية، التي كانت لا تغيب عنها الشمس؟
ثمّةَ رابط بين نتنياهو وحكومته المتطرفة من جهة، وتلك الأنظمة الفاشية، التي كان مصيرها الزوال والاضمحلال من جهة أخرى، فالاستقواء بقوى ظالمة لن ينفعك، وإن أطال في أيامك في السلطة وفي دعم العدوان بعض الوقت شهورا إضافية.
لقد اعتمد نتنياهو، وحكومات إسرائيل المتعاقبة على حكومات الغرب، فدعمته وغذّته بكل آلات البطش والقوة لإخضاع شعب أعزل إلا من إرادته.
كما اعتمد نتنياهو وحكومات إسرائيل المتعاقبة سرديةّ ورواية ضلّلت العالم، ونجحت في خداعه لأكثر من سبعة عقود، حتى جاءت حرب الإبادة البشعة في قطاع غزة، التي عرّت سرديتهم وكشفت زيفهم، فراحت تتهاوى أمام ناظريهم، لتصعد الرواية الفلسطينية بطهارتها وصدقها، فتلقفها شباب الغرب وخاصة في أكبر الجامعات الأمريكية والأوروبية وآمنوا بها وتبنوها.
لقد سقطت إسرائيل أخلاقيًّا، وسقط نتنياهو كموسوليني وفاشيته تماما، وذلك عندما راهن على قوته وبطشه، كما راهن نظام الأبارتهايد على قوانينه العنصرية.. لقد راهن نتنياهو على الدعم اللامحدود من الدول التي كانت وراء إنشاء هذا الكيانين المدعومين من الغرب الاستعماري، حتى نسي نتنياهو أن التاريخ لم يرحم موسوليني ونظام الأبارتهايد، كما نسي أن إرادة الشعوب لا يمكن هزيمتها، كما لا يمكن خداع العالم ومحاولة إقناعه بسردية سقطت مرة واحدة وللأبد بعد الفظائع التي يرتكبها أولئك الحاقدون الطارئون على هذه الأرض.
لم تعد إسرائيل تملك خطابًا أخلاقيًّا أمام العالم، فهناك وزراء مختلّون يقطرون عنصرية يصرخون صباح مساء على مسمع ومرأى من شعوب الأرض عبر محاولة خداع العالم بأن قتل الرضيع في فلسطين كقتل من يحمل السلاح!
لقد سقط موسوليني عندما ثار عليه الداخل وفقد تعاطف الخارج وكذلك نظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا، وما أشبه حال إسرائيل اليوم بتينك الحقبتين! فإسرائيل من الداخل تتصدع في خلافات وانقسامات أيديولوجية حادة، والشرخ بين عرقيات المجتمع يزداد، والعالم الغربي بدأ يبتعد عن قاتل الأطفال ومجوّعهم، والدفاع عن هكذا حكومة مكلف أخلاقيًّا. واليوم نرى هذا النظام الفاشي يترنح رغم فظاعة أفعاله.
إسرائيل أمام لحظة مصيرية في تاريخها، إما الغرق في التطرف فتصبح كيانًا منبوذًا حتى ممن أنشأها ورعاها، أو الذهاب نحو الواقعية والقبول بحلول تعيد بها الحق إلى أهله.
شكرًا نيلسون مانديلا؛ فنحن تعلمنا كثيرًا من التاريخ، وهزائمنا كانت أعظم معلم لنا. لقد تعلمنا أن السقوط لا يعني انتهاءنا وإلا لطويت هويتنا منذ سنة 1948، ولما عاد في هذه الأرض تين أو زيتون.. نعم، فاتورتنا باهظة، وما زالت عجلة التضحيات مستمرة ولكننا مؤمنون بأن الوقت سيكون لصالح المقهورين المعذّبين وأن العدالة في هذه الأرض ستتحقق، ولو بعد حين.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك