العدد : ١٧٢٥٧ - الأحد ٢٢ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٧ - الأحد ٢٢ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

خطاب الكراهية في زمن النزاعات المسلحة: حين تصبح الكلمات أدوات قتل جماعي

بقلم: مازن شّقورة {

الأربعاء ١٨ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

قد‭ ‬علمتنا‭ ‬التجربة،‭ ‬من‭ ‬رواندا‭ ‬إلى‭ ‬ميانمار،‭ ‬ومن‭ ‬البوسنة‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين،‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬لا‭ ‬تبدأ‭ ‬دائماً‭ ‬من‭ ‬فوهة‭ ‬البندقية،‭ ‬بل‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تُولد‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬يزرع‭ ‬الكراهية‭. ‬لا‭ ‬نتحدث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬مجرد‭ ‬انفعالات‭ ‬أو‭ ‬مشاعر،‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬خطاب‭ ‬مؤسس‭ ‬على‭ ‬نفي‭ ‬‮«‬الآخر‮»‬‭ ‬وتجريده‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬الوجود،‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬عدو‭ ‬وجودي‭. ‬وعندما‭ ‬يُغلّف‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬بالخوف‭ ‬والطائفية‭ ‬والعنصرية‭ ‬ويُكسى‭ ‬بقداسة‭ ‬زائفة،‭ ‬يتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬وقود‭ ‬يشعل‭ ‬النزاع،‭ ‬ويُطيل‭ ‬أمده،‭ ‬ويُعمّق‭ ‬مآسيه‭.‬

في‭ ‬سياق‭ ‬النزاعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬لا‭ ‬يُعد‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬انفعالاً‭ ‬عاطفياً‭ ‬عابراً،‭ ‬بل‭ ‬أداة‭ ‬استراتيجية‭ ‬مُحكمة‭ ‬تُسخَّر‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬عسكرية‭. ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬يُحشد‭ ‬التأييد،‭ ‬وتُبرَّر‭ ‬الجرائم،‭ ‬وتُشرعن‭ ‬الانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬أبشع‭ ‬الجرائم‭ ‬وفق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

وقد‭ ‬ناقش‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬في‭ ‬اجتماعه‭ ‬الأخير‭ (‬2‭ ‬مايو‭ ‬2024‭)‬،‭ ‬تصاعد‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والمعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬باعتبارها‭ ‬تهديدات‭ ‬مباشرة‭ ‬للسلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين‭. ‬وأكد‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التحريض‭ ‬على‭ ‬الكراهية،‭ ‬متى‭ ‬تُرك‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬محاسبة،‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬المادي‭ ‬والمجازر‭ ‬الجماعية‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬مبالغات‭ ‬سياسية،‭ ‬بل‭ ‬حقائق‭ ‬موثقة‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬الذاكرة‭ ‬الإنسانية‭.‬

تكمن‭ ‬خطورة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬في‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬تجريد‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬إنسانيته‭. ‬فعندما‭ ‬يُصوّر‭ ‬اللاجئ‭ ‬أو‭ ‬الصحفي‭ ‬أو‭ ‬المنتمي‭ ‬إلى‭ ‬طائفة‭ ‬مختلفة‭ ‬كتهديد‭ ‬وجودي،‭ ‬يصبح‭ ‬الاعتداء‭ ‬عليه‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬احتمال،‭ ‬بل‭ ‬يُقدَّم‭ ‬كفعل‭ ‬دفاعي‭ ‬مشروع،‭ ‬بل‭ ‬كواجب‭ ‬وطني‭ ‬أو‭ ‬ديني‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭.‬

وقد‭ ‬وثّقت‭ ‬اللجنة‭ ‬الدولية‭ ‬للصليب‭ ‬الأحمر‭ ‬كيف‭ ‬يؤدي‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬إلى‭ ‬تعقيد‭ ‬إيصال‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ويخلق‭ ‬بيئات‭ ‬عدائية‭ ‬أمام‭ ‬عمال‭ ‬الإغاثة،‭ ‬ويُرهب‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحلية‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ما‭ ‬يُفاقم‭ ‬حجم‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭.‬

وفي‭ ‬دراسة‭ ‬حديثة‭ ‬نشرتها‭ ‬مجلة‭ ‬Critical‭ ‬Arab‭-‬American‭ ‬Studies،‭ ‬تبيّن‭ ‬أن‭ ‬النزاعات‭ ‬المسلحة‭ ‬تُعد‭ ‬بيئات‭ ‬خصبة‭ ‬لانتشار‭ ‬الخطاب‭ ‬العنصري،‭ ‬لأنها‭ ‬تعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬الهوية‭ ‬في‭ ‬ثنائية‭ ‬متطرفة‭: ‬‮«‬نحن‮»‬‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬‮«‬هم‮»‬،‭ ‬‮«‬الخير‮»‬‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬‮«‬الشر‮»‬،‭ ‬و«البشر‮»‬‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬‮«‬الوحوش‮»‬‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تناول‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭. ‬فاليوم،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬آلة‭ ‬الكراهية‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬محطات‭ ‬إذاعية‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬رواندا‭. ‬تغريدة‭ ‬واحدة،‭ ‬أو‭ ‬مقطع‭ ‬فيديو،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬هاشتاغ‮»‬‭ ‬منظم،‭ ‬كفيل‭ ‬بتحويل‭ ‬خطاب‭ ‬سام‭ ‬إلى‭ ‬عدوى‭ ‬جماعية‭ ‬تنتشر‭ ‬بلا‭ ‬رقيب‭.‬

وقد‭ ‬أظهرت‭ ‬تقارير‭ ‬المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬بيئة‭ ‬خصبة‭ ‬لتفشي‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬أثناء‭ ‬النزاعات،‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬الرقابة،‭ ‬ووجود‭ ‬خوارزميات‭ ‬تعزز‭ ‬المحتوى‭ ‬الصادم‭ ‬وتضخّمه‭. ‬الأخطر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخوارزميات‭ ‬لا‭ ‬تفرّق‭ ‬بين‭ ‬السخرية‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬القتل،‭ ‬ولا‭ ‬بين‭ ‬النقد‭ ‬والتحريض‭.‬

في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬يُعالج‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحاً‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭. ‬يكرّس‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬مادته‭ ‬19‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير،‭ ‬ويضمن‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬7‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬والدعوة‭ ‬إليه،‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬ضمنًا‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬عندما‭ ‬تُستخدم‭ ‬للتحريض‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬أو‭ ‬العنف‭. ‬أما‭ ‬العهد‭ ‬الدولي،‭ ‬فينصّ‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬19‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬لكنه‭ ‬يُجيز‭ ‬فرض‭ ‬قيود‭ ‬ضرورية‭ ‬احتراماً‭ ‬لحقوق‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬حمايةً‭ ‬للنظام‭ ‬العام‭. ‬الأهم‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬20‭ (‬الفقرة‭ ‬2‭) ‬تنص‭ ‬بوضوح‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تُحظر‭ ‬بقانون‭ ‬أية‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬الكراهية‭ ‬القومية‭ ‬أو‭ ‬العنصرية‭ ‬أو‭ ‬الدينية‭ ‬تشكل‭ ‬تحريضًا‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬أو‭ ‬العداوة‭ ‬أو‭ ‬العنف‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬يُظهر‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬لا‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تقييد‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬موازنتها‭ ‬مع‭ ‬حماية‭ ‬المجتمعات‭ ‬من‭ ‬الخطابات‭ ‬المحرِّضة‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬والعنف،‭ ‬وخاصة‭ ‬ضد‭ ‬الفئات‭ ‬المستضعفة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تشكّل‭ ‬‮«‬خطة‭ ‬عمل‭ ‬الرباط‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬مفوضية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬السامية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬مرجعاً‭ ‬دولياً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬المشروعة‭ ‬والخطاب‭ ‬الذي‭ ‬يستوجب‭ ‬التجريم‭ ‬قانوناً،‭ ‬وذلك‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬اختبار‭ ‬دقيق‭ ‬لمدى‭ ‬خطورة‭ ‬الخطاب،‭ ‬بنيّته،‭ ‬وسياقه،‭ ‬ومحتواه،‭ ‬ومدى‭ ‬انتشاره‭ ‬وتأثيره‭. ‬وقد‭ ‬أرست‭ ‬الخطة‭ ‬معايير‭ ‬متوازنة‭ ‬تساعد‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬أطرها‭ ‬القانونية‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬التصدي‭ ‬الفعّال‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بحرية‭ ‬التعبير‭.‬

كما‭ ‬أطلقت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬‮«‬استراتيجية‭ ‬وخطة‭ ‬عمل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬دعت‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭ ‬الأممية‭ ‬والدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬إلى‭ ‬اتباع‭ ‬نهج‭ ‬وقائي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وحماية‭ ‬المجتمعات‭ ‬من‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬العنف،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التصدي‭ ‬للأسباب‭ ‬الجذرية‭ ‬التي‭ ‬تغذّي‭ ‬الكراهية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التهميش‭ ‬والتمييز‭ ‬وانعدام‭ ‬العدالة‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬فإن‭ ‬المكتب‭ ‬الإقليمي‭ ‬للمفوضية‭ ‬السامية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬يولي‭ ‬موضوع‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬أولوية‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬برامجه‭. ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬المكتب‭ ‬بتدريب‭ ‬مئات‭ ‬الصحفيات‭ ‬والصحفيين‭ ‬على‭ ‬تقنيات‭ ‬التغطية‭ ‬الإعلامية‭ ‬الحساسة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ونظم‭ ‬حلقات‭ ‬نقاش‭ ‬مع‭ ‬الشباب،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬إعلامية‭ ‬وأكاديمية‭ ‬حول‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والمعلومات‭ ‬المضللة،‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬المبادرات‭ ‬الوطنية‭ ‬والإقليمية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الخطاب‭ ‬المضاد‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعددية‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل،‭ ‬وذلك‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬وكالات‭ ‬أممية‭ ‬ومنظمات‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني‭ ‬ومؤسسات‭ ‬تربوية‭ ‬وإعلامية‭.‬

في‭ ‬أحد‭ ‬لقاءاتي‭ ‬مع‭ ‬شباب‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬متأثرة‭ ‬بالنزاع،‭ ‬سألني‭ ‬فتى‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬السادسة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمره‭: ‬‮«‬هل‭ ‬حقاً‭ ‬يعتبروننا‭ ‬حيوانات‭ ‬في‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر؟‮»‬‭. ‬بقيت‭ ‬لحظة‭ ‬صامتاً،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬جواباً‭ ‬فورياً‭. ‬كيف‭ ‬أشرح‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬التحريض‭ ‬الذي‭ ‬يُبث‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭ ‬قد‭ ‬صوّره‭ ‬هو‭ ‬وأهله‭ ‬وأصدقاءه‭ ‬كخطر‭ ‬يجب‭ ‬القضاء‭ ‬عليه؟‭ ‬كيف‭ ‬أقنعه‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬يراه‭ ‬إنساناً‭ ‬كاملاً‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والكرامة،‭ ‬بينما‭ ‬تصل‭ ‬إليه‭ ‬رسائل‭ ‬إعلامية‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬سوى‭ ‬تهديداً‭ ‬يجب‭ ‬استئصاله؟

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬نستذكر‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬حول‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬رواندا‭ ‬عام‭ ‬1999‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬بدأت‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬رواندا‭ ‬بكلمات،‭ ‬لا‭ ‬برصاص‮»‬‭. ‬كلمات‭ ‬تنزع‭ ‬عن‭ ‬الإنسان‭ ‬إنسانيته،‭ ‬وتفتح‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬الفظائع‭.‬

إن‭ ‬السلام‭ ‬لا‭ ‬يُبنى‭ ‬بإسكات‭ ‬البنادق‭ ‬فقط‭. ‬فلا‭ ‬مصالحة‭ ‬بلا‭ ‬عدالة،‭ ‬ولا‭ ‬عدالة‭ ‬بلا‭ ‬مساءلة،‭ ‬ولا‭ ‬مساءلة‭ ‬دون‭ ‬مواجهة‭ ‬صريحة‭ ‬وجذرية‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية‭. ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬آليات‭ ‬قانونية‭ ‬فعالة‭ ‬تضمن‭ ‬المحاسبة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بالتحريض‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬أيًّا‭ ‬كان‭ ‬مصدره،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يفلت‭ ‬مرتكبو‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬من‭ ‬العقاب‭. ‬كما‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬شراكات‭ ‬جادّة‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬لوضع‭ ‬ضوابط‭ ‬صارمة‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬المحرّض‭ ‬على‭ ‬العنف،‭ ‬وإلى‭ ‬تمكين‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحلية‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬خطاب‭ ‬بديل‭ ‬يعزّز‭ ‬قيم‭ ‬التعددية‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬استراتيجيات‭ ‬إعلامية‭ ‬إنسانية‭ ‬تُركّز‭ ‬على‭ ‬القواسم‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬وتتجنّب‭ ‬خطاب‭ ‬الاستقطاب‭ ‬والانقسام‭. ‬وأخيراً،‭ ‬فإن‭ ‬إدماج‭ ‬تعليم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬منذ‭ ‬سن‭ ‬مبكرة‭ ‬يُعدّ‭ ‬خطوة‭ ‬ضرورية‭ ‬لغرس‭ ‬مبادئ‭ ‬التعاون‭ ‬والتعايش،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الكراهية‭ ‬والتفرقة‭. ‬فالكلمة‭ ‬التي‭ ‬تُحرّض‭ ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬تُصبح‭ ‬جريمة‭ ‬غداً،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬القانون،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬الإنسانية‭ ‬أيضاً‭.‬

 

{ الممثل‭ ‬الإقليمي‭ ‬للمفوضية‭ ‬السامية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬–‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا