العدد : ١٧٢٥٣ - الأربعاء ١٨ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٣ - الأربعاء ١٨ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

مقالات

أعطوهم الطفولة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الاثنين ١٦ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

مذ‭ ‬بدأتُ‭ ‬هذا‭ ‬المقالَ‭ ‬وأغنيةُ‭ (‬أعطونا‭ ‬الطفولةَ‭) ‬تدندن‭ ‬في‭ ‬رأسي،‭ ‬تتحدثُ‭ ‬بلسانِ‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬طحنت‭ ‬أوطانهم‭ ‬الحروبُ‭ ‬وحرمتهم‭ ‬من‭ ‬ممارسةِ‭ ‬طفولتهم‭ ‬ببراءتها‭ ‬وأريحيتها‭ ‬في‭ ‬أمكنة‭ ‬تؤمِّن‭ ‬لهم‭ ‬الأمنَ‭ ‬والسلام،‭ ‬وأجد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأغنيةَ‭ ‬تتحدثُ‭ ‬أيضاً‭ ‬بلسان‭ ‬حال‭ ‬موضوع‭ ‬المقال‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬السياق‭ ‬واتفاق‭ ‬الهدف،‭ ‬فالهدف‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬حماية‭ ‬الطفولة‭ ‬والإنسانية،‭ ‬بينما‭ ‬سياق‭ ‬الأغنية‭ ‬الأصلي‭ ‬كان‭ ‬سياسيًّا‭ ‬وهنا‭ ‬سيكون‭ ‬اجتماعيًّا‭. ‬

والموضوع‭ ‬ليس‭ ‬بجديد‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬مشاهدة‭ ‬جديدة‭ ‬تثيره،‭ ‬لعل‭ ‬التكرار‭ ‬يعود‭ ‬يومًا‭ ‬بنفع‭ ‬يحمي‭ ‬أطفال‭ ‬اليوم‭ ‬الذين‭ ‬ينعمون‭ ‬بالسلام‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬ينعمون‭ ‬بالحياة‭ ‬الحقيقية،‭ ‬فلا‭ ‬أكاد‭ ‬أرى‭ ‬طفلاً‭ ‬ممن‭ ‬تُلقي‭ ‬بهم‭ ‬الصدف‭ ‬أمام‭ ‬عيني،‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬الفعلية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬أخرى‭ ‬افتراضية‭ ‬وغير‭ ‬واقعية‭ ‬لا‭ ‬يعلمها‭ ‬المحيطون‭ ‬به،‭ ‬ففي‭ ‬المطارات‭ ‬وفي‭ ‬الأسواق‭ ‬والأماكن‭ ‬العامة‭ ‬والزيارات‭ ‬العائلية‭ ‬يتكرر‭ ‬أمامي‭ ‬مشهد‭ ‬مؤلم‭ ‬للأسف،‭ ‬مشهد‭ ‬الطفل‭ ‬المنشغل‭ ‬بمشاهدة‭ ‬جهاز‭ ‬إلكتروني،‭ ‬وتكرر‭ ‬أمامي‭ ‬كثيرًا‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬المطارات‭ ‬أطفال‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات،‭ ‬ملقين‭ ‬في‭ ‬عربة‭ ‬الأطفال‭ ‬ومنشغلين‭ ‬تماماً‭ ‬عما‭ ‬حولهم‭ ‬بمشاهدة‭ ‬اللوح‭ ‬الذكي‭ ‬الذين‭ ‬بين‭ ‬أيديهم‭ ‬الصغيرة‭ (‬الآيباد‭)‬،‭ ‬والأم‭ ‬أو‭ ‬الأب‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬في‭ ‬عالمه‭ ‬الخاص‭ ‬وانشغاله‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬طفلهم‭ ‬هو‭ ‬ضمن‭ ‬أو‭ ‬قائمة‭ ‬أولوياته،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يريدونه‭ ‬هو‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬حركته‭ ‬التي‭ ‬تلاشت‭ ‬تماما‭ ‬وغيّرت‭ ‬معها‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬للطفل،‭ ‬الذي‭ ‬يتحرك‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬ويخلق‭ ‬لعبة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬يديه‭.‬

أصبح‭ ‬الأطفال‭ ‬معاقين‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬أصحاء‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجسدية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬جسد‭ ‬الاإسان‭ ‬وحركته‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬العضلات‭ ‬وبأن‭ ‬العضلات‭ ‬لا‭ ‬تقوى‭ ‬إلا‭ ‬بالحركة‭ ‬وبأن‭ ‬ذاكرتها‭ ‬مرتبطة‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬بالحركة،‭ ‬فمتى‭ ‬ما‭ ‬توقفت‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬عضو‭ ‬ما‭ ‬خمل‭ ‬وصعُب‭ ‬تحريكه‭ ‬بعد‭ ‬زمن‭.‬

والمعلوم‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬فترة‭ ‬الطفولة‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬يبني‭ ‬فيها‭ ‬الطفل‭ ‬قواه‭ ‬الجسدية‭ ‬والذهنية،‭ ‬ولكن‭ ‬واقع‭ ‬الطفولة‭ ‬اليوم‭ ‬يُخالف‭ ‬تماماً‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬والمسلمات،‭ ‬حيث‭ ‬ينسى‭ ‬أو‭ ‬يتناسى‭ ‬أكثر‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬ويشغلون‭ ‬أطفالهم‭ ‬بالأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬لمنح‭ ‬أنفسهم‭ ‬مُتّسعا‭ ‬ومساحة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مهمة‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬أبداً‭ ‬بأهمية‭ ‬العناية‭ ‬بصحة‭ ‬وسلامة‭ ‬الطفل‭ ‬الجسدية‭ ‬والعقلية‭ ‬والذهنية‭ ‬والنفسية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أمانة‭ ‬في‭ ‬عنق‭ ‬والديه‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يعتني‭ ‬به‭.‬

ومن‭ ‬مشاهدتي‭ ‬أجد‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬الأطفال‭ ‬هذه‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ ‬ظاهرة‭ ‬عالمية،‭ ‬لذا‭ ‬لن‭ ‬تكفي‭ ‬لمعالجتها‭ ‬القوانين‭ ‬الوطنية‭ ‬للدول‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يتوجب‭ ‬تعزيزها‭ ‬بمواثيق‭ ‬دولية‭ ‬موحدة‭ ‬تلتزم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الدول‭ ‬بحماية‭ ‬الطفولة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إلزام‭ ‬الأسرة‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الأطفال‭ ‬ضمن‭ ‬رقابة‭ ‬وطنية‭ ‬ودولية‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬الرقابة‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬فتكون‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬الأسرة‭ ‬ضمن‭ ‬التشريعات‭ ‬الوطنية‭ ‬لضمان‭ ‬التزامها‭ ‬والرقابة‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بتنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬التشريعات‭ ‬دولياً،‭ ‬لضمان‭ ‬سلامة‭ ‬الأجيال‭ ‬المستقبلية‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا