القراء الأعزاء،
مذ بدأتُ هذا المقالَ وأغنيةُ (أعطونا الطفولةَ) تدندن في رأسي، تتحدثُ بلسانِ الأطفال الذين طحنت أوطانهم الحروبُ وحرمتهم من ممارسةِ طفولتهم ببراءتها وأريحيتها في أمكنة تؤمِّن لهم الأمنَ والسلام، وأجد أن هذه الأغنيةَ تتحدثُ أيضاً بلسان حال موضوع المقال مع اختلاف السياق واتفاق الهدف، فالهدف واحد وهو حماية الطفولة والإنسانية، بينما سياق الأغنية الأصلي كان سياسيًّا وهنا سيكون اجتماعيًّا.
والموضوع ليس بجديد ولكن كل مشاهدة جديدة تثيره، لعل التكرار يعود يومًا بنفع يحمي أطفال اليوم الذين ينعمون بالسلام ولكن لا ينعمون بالحياة الحقيقية، فلا أكاد أرى طفلاً ممن تُلقي بهم الصدف أمام عيني، على قيد الحياة الفعلية، بل هو في حياة أخرى افتراضية وغير واقعية لا يعلمها المحيطون به، ففي المطارات وفي الأسواق والأماكن العامة والزيارات العائلية يتكرر أمامي مشهد مؤلم للأسف، مشهد الطفل المنشغل بمشاهدة جهاز إلكتروني، وتكرر أمامي كثيرًا مؤخرا في المطارات أطفال في سن لا تزيد على الأربع سنوات، ملقين في عربة الأطفال ومنشغلين تماماً عما حولهم بمشاهدة اللوح الذكي الذين بين أيديهم الصغيرة (الآيباد)، والأم أو الأب كل منهما في عالمه الخاص وانشغاله الذي لم يعد طفلهم هو ضمن أو قائمة أولوياته، كل ما يريدونه هو الخلاص من فرط حركته التي تلاشت تماما وغيّرت معها الصورة النمطية للطفل، الذي يتحرك هنا وهناك ويخلق لعبة من كل شيء يقع في يديه.
أصبح الأطفال معاقين رغم أنهم أصحاء جداً من الناحية الجسدية، ذلك أن جسد الاإسان وحركته يعتمد على العضلات وبأن العضلات لا تقوى إلا بالحركة وبأن ذاكرتها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحركة، فمتى ما توقفت الحركة في عضو ما خمل وصعُب تحريكه بعد زمن.
والمعلوم أيضاً أن فترة الطفولة الأولى هي الفترة التي يبني فيها الطفل قواه الجسدية والذهنية، ولكن واقع الطفولة اليوم يُخالف تماماً هذه الحقائق والمسلمات، حيث ينسى أو يتناسى أكثر الآباء والأمهات هذا الواقع، ويشغلون أطفالهم بالأجهزة الإلكترونية لمنح أنفسهم مُتّسعا ومساحة مهما كانت مهمة فإنها لم ولن تكون أبداً بأهمية العناية بصحة وسلامة الطفل الجسدية والعقلية والذهنية والنفسية التي هي أمانة في عنق والديه أو من يعتني به.
ومن مشاهدتي أجد أن حالة الأطفال هذه قد أصبحت ظاهرة عالمية، لذا لن تكفي لمعالجتها القوانين الوطنية للدول فقط، بل يتوجب تعزيزها بمواثيق دولية موحدة تلتزم من خلالها الدول بحماية الطفولة من خلال إلزام الأسرة بالحفاظ على سلامة الأطفال ضمن رقابة وطنية ودولية من آليات الرقابة وحماية حقوق الإنسان، فتكون الرقابة على الأسرة ضمن التشريعات الوطنية لضمان التزامها والرقابة على الالتزام بتنفيذ هذه التشريعات دولياً، لضمان سلامة الأجيال المستقبلية.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك