بعد خمس جولات من المفاوضات بين دبلوماسيين أمريكيين وإيرانيين، بوساطة عُمانية، بدأت واشنطن، وطهران، تتوافقان ببطء على إطار عمل لاتفاق نووي جديد، يُفترض أن يحل محل اتفاق عام 2015. ورغم استمرار العقبة الأبرز المتمثلة في ملف تخصيب اليورانيوم –إذ رفض المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، مقترح إدارة ترامب بقبول بلاده التخصيب المؤقت، واصفًا إياه بأنه هراء- فإن هذه المحادثات تُعدّ الأقرب حتى الآن إلى إعادة إحياء الاتفاق، منذ انسحاب واشنطن منه عام 2018.
وفي ضوء ذلك، تناول عدد من المعلقين الغربيين التداعيات المحتملة للاتفاق النووي الجديد، سواء على مستوى الانتشار النووي في الشرق الأوسط مستقبلاً، أو على صعيد الأمن الإقليمي في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم عسكري على إيران، أو على سوق الطاقة العالمية. وبينما أقر كولبي كونيلي، من معهد الشرق الأوسط، بأن غالبية دول المنطقة تتابع تطورات الاتفاق بـتفاؤل حذر، لما قد يحمله من تهدئة للتوترات القائمة؛ فإنه قد يكون له أيضًا عواقب جانبية سلبية في مجال الطاقة، نتيجة الارتفاع الكبير المرتقب في الصادرات الإيرانية، وهو ما قد يفرض مزيدًا من الضغط النزولي على سوق النفط المتقلبة، لا سيما في ظل خفض وكالة الطاقة الدولية، توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط من نحو مليون برميل يوميًا في الربع الأول من عام 2025، إلى ما يزيد قليلًا على 650 ألف برميل يوميًا خلال بقية العام.
من جانبهم، انتقد عديد من المعلقين الأمريكيين مفاوضات إدارة ترامب، مع إيران. ودعا سكوت موديل، من شركة رابيدان للطاقة، البيت الأبيض، إلى إعادة تبني سياسة الضغط الأقصى، ضد قطاع النفط الإيراني، بهدف انتزاع تنازلات أكبر من طهران. وأشار رون بوسو، من وكالة رويترز، إلى أن أي انفراجة دبلوماسية مرتقبة ستتضمن رفع العديد من القيود الاقتصادية الأمريكية المفروضة على صناعة النفط الإيرانية، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن طهران لن تقبل بأي اتفاق لا يشتمل على هذا البند الاقتصادي الحيوي.
ولفهم التأثير المحتمل لعودة صادرات النفط الإيرانية إلى السوق الدولية بصورة شرعية، من المهم النظر إلى المشهد الأوسع لسوق الطاقة العالمي، والوقوف على مستويات الإنتاج والتصدير الحالية لإيران. وأشار كونيلي، إلى أن أسعار النفط تعرضت مؤخرًا لما وصفه بـالضربة المزدوجة لعدم اليقين الاقتصادي، تمثلت أولًا في الزيادات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب، خلال ما يُعرف بـيوم التحرير -والتي توقع صندوق النقد الدولي، أن تؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي- وثانيًا في قرار تحالف أوبك+، رفع إنتاجه بأكثر من 1.2 مليون برميل يوميًا خلال أشهر مايو ويونيو ويوليو من عام 2025.
وفي أبريل 2025، تراجع سعر النفط إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل للمرة الأولى منذ أربع سنوات. وخلال شهري مايو وبداية يونيو، تراوح سعر برميل خام برنت، بين أدنى مستوى عند 59.51 دولارًا، وأعلى مستوى عند 66.52 دولارًا، مسجلًا 65.74 دولارًا في 3 يونيو 2025، وهو ما يقل بنحو 20 دولارًا للبرميل مقارنة بالعام السابق. ورغم تسجيل الأسعار ارتفاعًا طفيفًا ومؤقتًا في الأسابيع الماضية بنسبة 1%، مدفوعة بأنباء عن نية إسرائيل تنفيذ هجمات عسكرية على منشآت نووية إيرانية؛ فإن تصريحات ترامب، خلال زيارته إلى منطقة الخليج، حول اقتراب واشنطن، وطهران، من إبرام صفقة، تسببت لاحقًا في هبوط الأسعار بنسبة 4%. وفيما يتعلق بالطلب المستقبلي على النفط، فقد خفّضت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها لشهر مايو تقديراتها لنمو الطلب العالمي عليه إلى 740 ألف برميل يوميًا، بتراجع قدره 300 ألف برميل عن التقديرات السابقة.
وبشكل كبير، تراجعت صادرات إيران النفطية عقب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب، الأولى عام 2018، حيث انخفضت الصادرات من 2.5 مليون برميل يوميًا في عام 2017، إلى نحو 400 ألف برميل يوميًا فقط بعد ثلاث سنوات، وهو أدنى مستوى منذ ما يقرب من أربعة عقود. ووفقًا لما ذكرته سامانثا دارت، من مؤسسة جولدمان ساكس، فقد تمكنت طهران منذ ذلك الحين من رفع إمداداتها بنحو مليون برميل يوميًا. وأشارت توريل بوسوني، من وكالة الطاقة الدولية، إلى أن الطاقة الإنتاجية الحالية لها تتراوح بين 3.7 و3.8 ملايين برميل يوميًا.
وتشير بيانات شركة كبلر، إلى أن صادرات النفط الإيرانية، قد استقرت عند متوسط يبلغ نحو 1.65 مليون برميل يوميًا حتى الآن في عام 2025. ووفقًا لـموديل، فإن جميع هذه الصادرات تقريبًا تتجه إلى وجهة واحدة، هي الصين. وأكدت وكالة بلومبرج، أن لدى إيران حاليًا طاقة إنتاجية فائضة تُقدّر بنحو 300,000 إلى 400,000 برميل يوميًا، يمكن استعادتها وتوجيهها إلى التصدير في وقت قصير.
وفي هذا السياق، أشار بوسو، إلى أن قطاع النفط الإيراني أظهر مرونة كبيرة، في مواجهة العقوبات الغربية المتزايدة، مؤكدًا أن طهران، قادرة على زيادة مستويات الإنتاج بسرعة. وأشار كونيلي، إلى إمكانية عودة نحو 500,000 برميل يوميًا، إلى السوق العالمية في حال التوصل إلى اتفاق جديد مع الولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بتأثير هذه التطورات على سوق الطاقة العالمية، أوضح كونيلي، أن الوضع الحالي يختلف عن عام 2021، حين دفعت إدارة بايدن، السابقة باتجاه إحياء الاتفاق النووي، وخففت بعض القيود على صادرات إيران النفطية، في ظل طلب عالمي متزايد على النفط -آنذاك- بمعدل نمو بلغ 5 ملايين برميل يوميًا سنويًا. أما في عام 2025، فتوقّعات نمو الطلب العالمي على النفط، تشير إلى زيادة تقلّ عن مليون برميل يوميًا فقط، وسط أجواء من التقلب وعدم اليقين، مما يجعل من الصعب استيعاب تدفق إضافي كبير من النفط الإيراني إلى السوق الدولية.
وبسبب طبيعة التجارة السرية وغير المعلنة التي تنتهجها إيران، يصعب معرفة الحجم الحقيقي لصادراتها الحالية، وهو ما أدى إلى انقسام آراء خبراء الصناعة حول الأثر المحتمل لذلك في الأسعار. فبينما رأت أمريتا سين، من مؤسسة إنيرجي أسبيكس، أن رفع العقوبات بالكامل قد لا يؤدي إلى عودة كميات كبيرة إلى السوق –متوقعة زيادة تتراوح بين 200,000 و300,000 برميل يوميًا فقط– تساءلت دارت، عن مدى تأثير طرح ما يصل إلى مليون برميل يوميًا، معتبرًة أنه قد يؤدي إلى ارتفاع سعر النفط بنحو 8 دولارات للبرميل. وفي المقابل، توقع موقع بلومبرغ إنتليجنس، أن ينخفض سعر خام غرب تكساس الوسيط، إلى نحو 40 دولارًا للبرميل في حال رفع العقوبات عن النفط الإيراني، وهو نطاق سعري، وصفه كونيلي، بأنه سيكون مدمرًا لصناعة النفط الأمريكية.
وفيما يخص تداعيات رفع العقوبات على المشترين؛ حذر بوسو، من أن المصافي الصينية المستقلة، التي ازدهرت بفضل شراء الخام الإيراني المخفّض السعر، ستكون من أكبر الخاسرين، حيث ستتلقى ضربة قاضية، إذا عادت طهران إلى أسواق النفط الشرعية.
أما بالنسبة إلى أعضاء تحالف أوبك+، فإن هذه التطورات تعد مؤثرة للغاية، وخاصة بعد اتفاقهم مؤخرًا على إضافة 411 ألف برميل يوميًا إلى السوق بحلول يوليو2025. وأوضح هاري تشيلينغويريان، من شركة أونيكس كابيتال، أن هذا القرار جاء بناءً على تقدير مفاده أنه إذا لم تحقق الأسعار الإيرادات المطلوبة، فسيتم التعويض من خلال زيادة الحجم.
وفيما يتعلق بالإجراءات المحتملة التي قد تتخذها الإدارة الأمريكية للحد من الصادرات الإيرانية في حال رفع العقوبات؛ أشار كونيلي، إلى أن واشنطن، قد تضغط على أعضاء أوبك؛ لإعادة تحديد حصص الإنتاج الخاصة بإيران، مضيفا أن القادة الإيرانيين، سيرفضون أي جهود أحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة، لتقييد إنتاجهم، لكنهم قد يكونون أكثر انفتاحًا على قبول مثل هذه القيود، إذا فُرضت من قبل منظمة متعددة الأطراف، مثل أوبك، التي كانت طهران عضوًا فيها منذ فترة طويلة.
في هذا الإطار، أوضح جيوفاني ستونوفو، من بنك يو بي إس، أن سوق النفط العالمية لا تزال تعاني من شُحٍّ نسبي، لافتًا إلى قدرتها على امتصاص كميات إضافية من الإمدادات، في ظل الزيادات الحالية في الإنتاج من جانب أوبك+ والولايات المتحدة، واستعداد إيران للانضمام إليهما. في المقابل، خفضت وكالة الطاقة الدولية، توقعاتها لنمو الطلب، مما يضفي مزيدًا من التعقيد على مشهد الطاقة العالمي خلال العام المقبل.
وفيما تتعثر المفاوضات النووية مجددًا بين الولايات المتحدة، وإيران، بشأن مستقبل تخصيب اليورانيوم، يُشير الوضع إلى مأزق سياسي يصعب تجاوزه. ومن المهم التذكير بأن المواقف الأمريكية يمكن أن تتغير بسرعة، خاصة في ظل إدارة الرئيس الحالي، الذي طالب في الأول من مايو عبر منصته تروث سوشيال بـوقف جميع مشتريات النفط الإيراني فورًا، مهددًا بأن أي دولة أو منظمة تستورد أي كمية من النفط الإيراني ستتعرض لـعقوبات ثانوية فورية.
وعليه، يرى كونيلي، أن واشنطن، وشركاءها سيواجهون تحديات كبيرة في احتواء، تدفق النفط الإيراني إلى السوق العالمية في حال رفع العقوبات. وأكدت سين، أن العديد من التصريحات السلبية الواضحة، التي تصدر عن بعض المحللين، تتناقض مع حقيقة أن معظم النفط الإيراني موجود بالفعل في السوق من خلال وسائل سرية، وبالتالي فإن التأثير الإجمالي على توازن السوق، لن يكون كبيرًا، لأن إيران تتاجر فعليًّا بكميات ضخمة مع عملائها في آسيا، وعلى رأسهم الصين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك