وفق موقع (World Economic Forum , 6 June 2025)، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تشهد تحولات جذرية في العديد من الصناعات الابتكارية التي تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة ورفع مستوى المعيشة معتمدة على طاقتها البشرية الريادية، وموقعها الاستراتيجي، وسياساتها في تشجيع الابتكار. يطرح خمس صناعات رئيسية سيكون لها تأثير كبير على المجتمع والاقتصاد. نناقش في هذا المقال، تأثير هذه الصناعات على المجتمع والاقتصاد بشكل عام، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها والسياسات المطلوبة لدعمها وتأثيرها على موقع دول الخليج الدولي.
أولا: تتجه دول مجلس التعاون الخليجي نحو تعزيز التجارة مع شركاء موثوقين، مما يعزز الاستقرار الاقتصادي ويجذب الاستثمارات الأجنبية. على سبيل المثال، قامت شركات كبيرة مثل «مونديليز» و«لينوفو» بإنشاء مصانع في المنطقة، مما يسهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاجية. هذا التوجه يعزز العلاقات الاقتصادية ويقلل من المخاطر الجيوسياسية، مما يسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
ثانيا تتبنى دول مجلس التعاون الذكاء الاصطناعي والأتمتة لتعزيز ريادة الأعمال وخصوصا الإمارات المتحدة والسعودية، فمثلا تهدف مبادرات «الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي» في السعودية إلى إنشاء العديد من الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي. هذا التحول يدعم التنوع الاقتصادي ويضع المنطقة ضمن دول المقدمة للتكنولوجيا الناشئة.
ثالثا: تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الخضراء بهدف تحقيق تخفيض في الانبعاثات بحلول عام 2030. على سبيل المثال، خطة البحرين الوطنية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060 تعكس التزام المنطقة بالاستدامة والابتكار في مجالات الزراعة والطاقة، وإذا أضفنا إلى ذلك ما أعلنته البحرين مؤخرا حول الاستثمار الزراعي لتحقيق مستوى من الأمن الغذائي يكون التوجه أكثر قدرة على تحقيق الطاقة المتجددة في حالة توظيف التكنولوجيا الخضراء في هذا المشروع. هذه الاستثمارات سوف تسهم في تحسين البيئة وتعزيز الابتكار في قطاعات حيوية تؤمن نوعا من الاكتفاء الذاتي الغذائي في المنطقة.
رابعا: تشهد دول مجلس التعاون تقدما في مجال الرعاية الصحية من خلال استخدام التشخيص بالذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية عن بعد والتمريض الروبوتي، كما تركز السعودية على علاجات مبتكرة لأمراض مزمنة.
خامسا: فيما يتعلق بالتكنولوجيا المالية، تتجه عدد من دول الخليج، منها البحرين، لتكون مركزا للابتكار في التمويل الرقمي، وتشمل المبادرات دعم التنظيم للعملات الرقمية والشراكات لتعزيز حلول التكنولوجيا المالية في المنطقة. هذه التطورات تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي وتحديث الأنظمة المالية، مما يعزز الاستقرار المالي ويخلق فرص عمل جديدة.
هذه الصناعات الابتكارية الخمس تسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام، وخلق فرص عمل جديدة ترفع مستوى المعيشة للمواطنين. الاستفادة من هذه الصناعات تتطلب زيادة الاستثمار في التعليم والتدريب وتطوير مناهجها، بالإضافة إلى ذلك، تعزز هذه الصناعات الاستدامة البيئية وتحسين الرعاية الصحية وبالتالي الارتقاء بجودة الحياة.
تواجه تنفيذ هذه الصناعات تحديات كبيرة تتطلب من دول الخليج وضع سياسات فعالة وهياكل تنظيمية واضحة للاستفادة من ميزتها التنافسية ومواردها المالية. من هذه التحديات مثلا تحتاج الى تعزيز التجارة مع عدد أكبر من الشركاء، حيث يمكن أن يؤدي الاعتماد على عدد محدود من الشركاء (مثل الشراكة مع مونديليز ولينوفو) إلى زيادة المخاطر الجيوسياسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم اليقين بشأن أنماط التجارة العالمية يمكن أن يؤثر على استدامة هذه الشراكات. لتحقيق النجاح في هذه الصناعات، ينبغي تنويع شراكاتها التجارية وتطوير استراتيجيات للتعامل مع المتغيرات في التجارة العالمية، بالإضافة إلى ذلك، تحتاج الى توفير حوافز للاستثمارات الأجنبية وتطوير بنية تحتية قوية لدعم التجارة. وقد يكون أهم التحديات توفير القوى العاملة الماهرة والمتعلمة لقيادة وتنفيذ هذا التحول.
لذلك، لتطوير هذه الصناعات وريادة الاعمال المدعومة بالذكاء الاصطناعي على دول مجلس التعاون الخليجي الاستثمار في التعليم والتدريب لضمان وجود قوة عاملة ماهرة لدعم هذا التحول، وخصوصا في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. يمكن تحقيق ذلك من خلال جعل الذكاء الاصطناعي مادة إلزامية في المدارس وتطوير برامج تدريبية متخصصة في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الخضراء. قد يحتاج ذلك إلى حوافز مالية للاستثمار في الطاقة المتجددة، وبرامج تدريب مشتركة لتوحيد المعايير، مع تعاون لتحقيق اهداف الاستدامة البيئية والمالية، مثل هذه المتطلبات عادة ما تكون معقدة بحيث تحتاج الى تعاون وثيق بين الدول، قد لا يكون متوافرا في الوقت الحالي، وخصوصا أن هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة في وقت تواجه دول الخليج تحديات تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية، بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تحديث الأطر التنظيمية لمواكبة التغيرات السريعة في التكنولوجيا. يتطلب ذلك تحديث مستمر للقوانين والسياسات.
ضمن التحديات أيضا الحاجة إلى دمج التكنولوجيا الحديثة في أنظمة الرعاية الصحية وضمان الخصوصية للبيانات، مما يتطلب وضع خطط لبنى تحتية قوية وتحديث السياسات الأمنية. يمكن تحقيق ذلك من خلال الاستثمار في التكنولوجيا الصحية وتطوير سياسات تدعم الابتكار في هذا المجال وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التقدم المطلوب.
يبقى أن تعطي دول الخليج اهتماما أكبر نحو التوجه الفكري الذي ينبغي أن يشمل إدخال الفلسفة والمنطق في المراحل الابتدائية والثانوية لتنمية الفكر النقدي في المنطقة لرفع مستوى مساهمة المجتمع في الحداثة والتنمية.
في الظروف الحالية يبرز السؤال التالي: هل يؤثر ذلك على قدرة دول الخليج في دورها في دعم قضايا الأمة واستقلال قرارها؟ هذا التوجه يرفع من استقلالية قرار دول الخليج، معززا بتنوع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، وما يتحقق من استقرار مالي نتيجة الاستثمار في التكنولوجيا المالية. هذا التوجه سوف يرفع من إمكانية دول الخليج في دعم الأمة العربية ليس فقط ماليا بل كذلك الدعم في استغلال التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة والزراعة المستدامة في الدول العربية. التطور في هذه المجالات أيضا يُمكِّن دول الخليج من التعاون مع دول عربية أخرى لنقل المعرفة والاستفادة المشتركة من حجم السوق العربي الأوسع.
كذلك من المهم ألا تقتصر مصادر دول الخليج من التكنولوجيا على جهة معينة في الخارج، بل تنويع مصادرها وتنمية قدرتها الذاتية، وتعزيز ما تحقق في الإمارات والسعودية وباقي دول الخليج من تطورات يمكن أن تكون نواة لنهضة عربية قادمة معززة ايضا بنهضة فكرية.
drmekuwaiti@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك