العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

هل تعاني اللغة أم من يتكلمونها؟ (2)

حدثتكم‭ ‬بالأمس‭ ‬عن‭ ‬جدي‭ ‬معلم‭ ‬القرآن‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬عن‭ ‬وقاره‭ ‬بسبب‭ ‬قلب‭ ‬التلاميذ‭ ‬القاف‭ ‬غينا‭ ‬والعكس،‭ ‬وبحمد‭ ‬الله‭ ‬فقد‭ ‬دربت‭ ‬نفسي‭ ‬كثيرا‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬العلة‭! ‬بالدرجة‭ ‬التي‭ ‬تجعلني‭ ‬الآن‭ ‬أضرس‭ ‬عندما‭ ‬أسمع‭ ‬بعض‭ ‬أهل‭ ‬السودان‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الغاهرة‭ ‬هي‭ ‬عاصمة‭ ‬مصر،‭ ‬وأن‭ ‬غطاع‭ ‬قزة‭ ‬يتعرض‭ ‬لعدوان‭ ‬إسرائيلي‭ ‬‮«‬قاشم‮»‬‭! ‬ذلك‭ ‬أمره‭ ‬هيّن‭ ‬لأن‭ ‬مصر‭ ‬تفكر‭ ‬سلفا‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬بديلة‭ ‬للقاهرة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحرب‭ ‬الإجرامية‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬معروفا‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬حكومة‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬تعتبر‭ ‬غزة‭ ‬‮«‬جزءا‭ ‬من‭ ‬فلسطين‮»‬‭!! ‬وقد‭ ‬اكتشفت‭ ‬بعد‭ ‬مخالطة‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب‭ ‬أن‭ ‬آفة‭ ‬إحلال‭ ‬الغين‭ ‬محل‭ ‬القاف‭ ‬والعكس‭ ‬موجودة‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬الكويتيين‭ ‬والعراقيين‭.‬

وتخيل‭ ‬حال‭ ‬نوبي‭ ‬مثلي‭ ‬يفاخر‭ ‬بلسانه‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬حسب‭ ‬التصانيف‭ ‬السارية‭ ‬‮«‬أعجمي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬يسمع‭ ‬شخصا‭ ‬يحادث‭ ‬آخر‭ ‬قائلا‭ ‬إن‭ ‬فلانا‭ ‬‮«‬انتقل‭ ‬من‭ ‬دار‭ ‬الفناء‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬البغاء‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬يتصدى‭ ‬لتفنيد‭ ‬نظرية‭ ‬داروين،‭ ‬ويقول‭ ‬إنها‭ ‬أخفقت‭ ‬حين‭ ‬قالت‭ ‬ان‭ ‬تطور‭ ‬الأجناس‭ ‬والأنواع‭ ‬محكوم‭ ‬بمبدأ‭ ‬‮«‬البغاء‭ (‬البقاء‭) ‬للأصلح‮»‬‭. ‬والطريق‭ ‬إلى‭ ‬جهنم‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬الانجليزي‭ ‬معبد‭ ‬بالنيات‭ ‬الحسنة‭.‬

ويعاني‭ ‬حرفا‭ ‬الظاء‭ ‬والضاد‭ ‬المعاناة‭ ‬نفسها‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬الخليج‭ ‬الذين‭ ‬يستبدلون‭ ‬هذا‭ ‬بذاك‭ ‬ويتحدثون‭ ‬عن‭ ‬ابوضبي‭ (‬أبوظبي‭) ‬وشهر‭ ‬رمظان‭ (‬رمضان‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬أن‭ ‬أبو‭ ‬هريرة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬سأل‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬ماقولك‭ ‬في‭ ‬رجل‭ ‬ظحى‭ ‬بضبي‭ (‬ضحى‭ ‬بظبي‭)‬؟‭ ‬وعامية‭ ‬الخليج‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬غير‭ ‬العربية‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬العاميات‭ ‬العربية‭ ‬الاخرى‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬قليلا،‭ ‬ولكنك‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬خبرة‭ ‬كي‭ ‬تفهمها‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬اللهجات،‭ ‬ولكن‭ ‬إياك‭ ‬أن‭ ‬تحاول‭ ‬فهم‭ ‬أغنيات‭ ‬ميحد‭ ‬حمد‭ ‬او‭ ‬الغناء‭ ‬البدوي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تصاب‭ ‬بعقدة‭! ‬وأحكي‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬ربما‭ ‬للمرة‭ ‬العاشرة،‭ ‬فذات‭ ‬مرة‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬زميل‭ ‬إماراتي‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وهو‭ ‬يتهالك‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬مريح‭ ‬وبصوت‭ ‬يقطع‭ ‬نياط‭ ‬القلب‭ ‬وهو‭ ‬يريح‭ ‬رأسه‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭: ‬فيني‭ ‬النودة،‭ ‬وحسبت‭ ‬أن‭ ‬النودة‭ ‬تلك‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬القلب‭ ‬وسألته‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬مني‭ ‬طلب‭ ‬الإسعاف،‭ ‬وأدركت‭ ‬بعدها‭ ‬أن‭ ‬النودة‭ ‬هي‭ ‬النعاس،‭ ‬وأنها‭ ‬فصيحة‭. ‬وكلمة‭ ‬‮«‬خير‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬عكس‭ ‬معناها‭ ‬القاموسي‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه،‭ ‬فكلما‭ ‬تعارك‭ ‬شخصان‭ ‬توعدا‭ ‬بعضهما‭ ‬بعبارة‭: ‬يصير‭ ‬خير،‭ ‬والمقصود‭ ‬منها‭ ‬‮«‬لن‭ ‬ترى‭ ‬مني‭ ‬إلا‭ ‬الشر‮»‬‭. ‬وأذكر‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭ ‬أقوم‭ ‬بالترجمة‭ ‬الفورية‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬إقليمي‭ ‬في‭ ‬دبي‭ ‬نظمته‭ ‬هيئة‭ ‬‮«‬هابيتات‮»‬‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وشاركت‭ ‬فيه‭ ‬وفود‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ (‬جنيت‭ ‬ثروة‭ ‬طائلة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬المؤتمر‭ ‬بالأوانطة‭ ‬ولكن‭ ‬بالحلال‭ ‬لأن‭ ‬معظم‭ ‬الوفود‭ ‬جاءت‭ ‬للفسحة‭ ‬وللحصول‭ ‬على‭ ‬بدل‭ ‬السفر‭ ‬والمهمة‭ ‬الرسمية‭: ‬والله‭ ‬نعتذر‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬مداخلة‭ ‬حيث‭ ‬انني‭ ‬أصبت‭ ‬بإسهال‭ ‬لم‭ ‬يمكنني‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬ورقة‭. ‬زوجة‭ ‬رئيس‭ ‬الوفد‭ ‬الجديدة‭ ‬منعته‭ ‬من‭ ‬الحضور‭ ‬فأتيتكم‭ ‬على‭ ‬عجل‭ ‬ولن‭ ‬أقدم‭ ‬ورقة‭ ‬ولكنني‭ ‬سأستمع‭ ‬للآخرين‭. ‬وهكذا‭ ‬تقاضيت‭ ‬مبالغ‭ ‬مهولة‭ ‬نظير‭ ‬عدم‭ ‬ترجمة‭ ‬عدة‭ ‬جلسات‭).. ‬المهم‭ ‬قدم‭ ‬ممثل‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬ورقة‭ ‬حسنة‭ ‬الاعداد‭ ‬وبقراءة‭ ‬سليمة‭ ‬ساعدتني‭ ‬على‭ ‬ترجمتها‭ ‬بسهولة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬فرغ‭ ‬منها‭ ‬طرح‭ ‬أحدهم‭ ‬عليه‭ ‬سؤالا‭ ‬مهما‭ ‬فانطلق‭ ‬صاحبنا‭ ‬المغربي‭ ‬كالمدفع‭ ‬الرشاش‭ ‬ولكن‭ ‬بالعامية‭ ‬المغربية،‭ ‬وجلست‭ ‬في‭ ‬كابينتي‭ ‬الزجاجية‭ ‬أحدق‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬بلاهة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬الله‭ ‬عليّ‭ ‬بكلمة‭ ‬فأشار‭ ‬إليّ‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬وكان‭ ‬كنديا‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يلتقط‭ ‬شيئا‭ ‬على‭ ‬سماعة‭ ‬أذنه،‭ ‬وهنا‭ ‬قلت‭ ‬عبر‭ ‬المايكرفون‭ ‬لمن‭ ‬كانوا‭ ‬يضعون‭ ‬سماعات‭ ‬على‭ ‬آذانهم‭: ‬أنا‭ ‬مش‭ ‬فاهم‭ ‬حاجة‭ ‬خالص،‭ ‬فانفجروا‭ ‬ضاحكين‭ ‬ورفع‭ ‬الرئيس‭ ‬الجلسة‭ ‬وتقدم‭ ‬نحوي‭ ‬ليعاتبني‭ ‬باعتباري‭ ‬مستهبلا،‭ ‬ولكن‭ ‬أعضاء‭ ‬الوفود‭ ‬غير‭ ‬المغاربية‭ ‬أكدوا‭ ‬له‭ ‬انهم‭ ‬ايضا‭ ‬طرش‭ ‬في‭ ‬الزفة‭. ‬ولم‭ ‬يصدق‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬العاميات‭ ‬العربية‭ ‬شاسعة‭ ‬بتلك‭ ‬الدرجة‭ ‬فخاطبت‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬بقولي‭: ‬لولاكم‭ ‬كنت‭ ‬أكون‭ ‬مقنب‭ ‬فوق‭ ‬عنقريب‭ ‬في‭ ‬خشم‭ ‬بيتنا‭ ‬وأكون‭ ‬خاتي‭ ‬كراع‭ ‬فوق‭ ‬كراع‭.. ‬وحملق‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬وجهي‭ ‬مذهولين‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬قلت‭ ‬بالعامية‭ ‬السودانية‭: ‬لولاكم‭ ‬لكنت‭ ‬جالسا‭ (‬مقنب‭) ‬فوق‭ ‬سرير‭(‬عنقريب‭)‬،‭ ‬امام‭ (‬خشم‭) ‬بيتنا‭ ‬واضعا‭ (‬خاتي‭) ‬رجلا‭ ‬فوق‭ ‬رجل‭ (‬كراع‭ ‬فوق‭ ‬كراع‭) ‬وعندها‭ ‬فقط‭ ‬اقتنع‭ ‬الكندي‭ ‬بأنني‭ ‬لست‭ ‬مستهبلا‭ ‬واقتنعت‭ ‬بدوري‭ ‬باستحالة‭ ‬تحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭. ‬أي‭ ‬أنني‭ ‬سبقت‭ ‬القعيد‭ ‬مزمجر‭ ‬الجزافي‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الاكتشاف‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا