زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
هل تعاني اللغة أم من يتكلمونها؟ (2)
حدثتكم بالأمس عن جدي معلم القرآن الذي خرج عن وقاره بسبب قلب التلاميذ القاف غينا والعكس، وبحمد الله فقد دربت نفسي كثيرا للتخلص من تلك العلة! بالدرجة التي تجعلني الآن أضرس عندما أسمع بعض أهل السودان يقول إن الغاهرة هي عاصمة مصر، وأن غطاع قزة يتعرض لعدوان إسرائيلي «قاشم»! ذلك أمره هيّن لأن مصر تفكر سلفا في عاصمة بديلة للقاهرة، كما أنه لم يعد، في ظل الحرب الإجرامية التي تشنها إسرائيل على غزة، معروفا ما إذا كانت حكومة رام الله تعتبر غزة «جزءا من فلسطين»!! وقد اكتشفت بعد مخالطة العرب من كل حدب وصوب أن آفة إحلال الغين محل القاف والعكس موجودة عند بعض الكويتيين والعراقيين.
وتخيل حال نوبي مثلي يفاخر بلسانه العربي هو حسب التصانيف السارية «أعجمي»، وهو يسمع شخصا يحادث آخر قائلا إن فلانا «انتقل من دار الفناء إلى دار البغاء»، أو يتصدى لتفنيد نظرية داروين، ويقول إنها أخفقت حين قالت ان تطور الأجناس والأنواع محكوم بمبدأ «البغاء (البقاء) للأصلح». والطريق إلى جهنم كما يقول المثل الانجليزي معبد بالنيات الحسنة.
ويعاني حرفا الظاء والضاد المعاناة نفسها مع أهل الخليج الذين يستبدلون هذا بذاك ويتحدثون عن ابوضبي (أبوظبي) وشهر رمظان (رمضان)، وفي كتب التراث أن أبو هريرة رضي الله عنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم: ماقولك في رجل ظحى بضبي (ضحى بظبي)؟ وعامية الخليج فيها من المفردات غير العربية مثل ما في العاميات العربية الاخرى أو أقل قليلا، ولكنك تحتاج إلى خبرة كي تفهمها كما هو الحال في جميع اللهجات، ولكن إياك أن تحاول فهم أغنيات ميحد حمد او الغناء البدوي بشكل عام كي لا تصاب بعقدة! وأحكي هذه الواقعة ربما للمرة العاشرة، فذات مرة قال لي زميل إماراتي في العمل وهو يتهالك على كرسي مريح وبصوت يقطع نياط القلب وهو يريح رأسه على الطاولة: فيني النودة، وحسبت أن النودة تلك من أمراض القلب وسألته ما إذا كان يريد مني طلب الإسعاف، وأدركت بعدها أن النودة هي النعاس، وأنها فصيحة. وكلمة «خير» تعني في الخليج عكس معناها القاموسي المتعارف عليه، فكلما تعارك شخصان توعدا بعضهما بعبارة: يصير خير، والمقصود منها «لن ترى مني إلا الشر». وأذكر أنني كنت في الثمانينيات أقوم بالترجمة الفورية في مؤتمر إقليمي في دبي نظمته هيئة «هابيتات» التابعة للأمم المتحدة، وشاركت فيه وفود من جميع الدول العربية (جنيت ثروة طائلة من ذلك المؤتمر بالأوانطة ولكن بالحلال لأن معظم الوفود جاءت للفسحة وللحصول على بدل السفر والمهمة الرسمية: والله نعتذر عن تقديم مداخلة حيث انني أصبت بإسهال لم يمكنني من إعداد ورقة. زوجة رئيس الوفد الجديدة منعته من الحضور فأتيتكم على عجل ولن أقدم ورقة ولكنني سأستمع للآخرين. وهكذا تقاضيت مبالغ مهولة نظير عدم ترجمة عدة جلسات).. المهم قدم ممثل المملكة المغربية ورقة حسنة الاعداد وبقراءة سليمة ساعدتني على ترجمتها بسهولة، وبعد أن فرغ منها طرح أحدهم عليه سؤالا مهما فانطلق صاحبنا المغربي كالمدفع الرشاش ولكن بالعامية المغربية، وجلست في كابينتي الزجاجية أحدق في وجوه الحضور في بلاهة من دون أن يفتح الله عليّ بكلمة فأشار إليّ رئيس المجلس وكان كنديا بأنه لا يلتقط شيئا على سماعة أذنه، وهنا قلت عبر المايكرفون لمن كانوا يضعون سماعات على آذانهم: أنا مش فاهم حاجة خالص، فانفجروا ضاحكين ورفع الرئيس الجلسة وتقدم نحوي ليعاتبني باعتباري مستهبلا، ولكن أعضاء الوفود غير المغاربية أكدوا له انهم ايضا طرش في الزفة. ولم يصدق الرجل أن تكون الفوارق بين العاميات العربية شاسعة بتلك الدرجة فخاطبت من حولي بقولي: لولاكم كنت أكون مقنب فوق عنقريب في خشم بيتنا وأكون خاتي كراع فوق كراع.. وحملق الجميع في وجهي مذهولين رغم أنني قلت بالعامية السودانية: لولاكم لكنت جالسا (مقنب) فوق سرير(عنقريب)، امام (خشم) بيتنا واضعا (خاتي) رجلا فوق رجل (كراع فوق كراع) وعندها فقط اقتنع الكندي بأنني لست مستهبلا واقتنعت بدوري باستحالة تحقيق الوحدة العربية. أي أنني سبقت القعيد مزمجر الجزافي إلى ذلك الاكتشاف.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك