العدد : ١٧٢٤٧ - الخميس ١٢ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٧ - الخميس ١٢ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

كيفية بناء الوعي الحضاري بحقوق الإنسان

بقلم: نبيلة رجب

الثلاثاء ١٠ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

حين‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬المفهوم‭ ‬بعيدا،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أقرب‭ ‬مما‭ ‬نتصور،‭ ‬فهو‭ ‬انعكاس‭ ‬لطريقة‭ ‬تعاملنا‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬حولنا‭. ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬نظرة‭ ‬منصفة،‭ ‬وكلمة‭ ‬عادلة،‭ ‬وموقف‭ ‬يحترم‭ ‬الآخر،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬لحظات‭ ‬الاختلاف‭.‬

في‭ ‬البحرين،‭ ‬نلمس‭ ‬ازدياد‭ ‬المبادرات‭ ‬التي‭ ‬تعنى‭ ‬بهذه‭ ‬القيم،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬مؤسسات‭ ‬رسمية‭ ‬أو‭ ‬جهود‭ ‬مجتمعية‭ ‬حريصة‭. ‬وهذا‭ ‬الوعي‭ ‬لا‭ ‬يصنع‭ ‬بالقانون‭ ‬وحده،‭ ‬فمجتمعنا‭ ‬البحريني‭ ‬الجميل‭ ‬أظهر‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬كثيرة‭ ‬حسا‭ ‬إنسانيًّا‭ ‬رفيعا،‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬والتكافل،‭ ‬ويستحق‭ ‬أن‭ ‬يدعم‭ ‬ويتسع‭.‬

ومع‭ ‬أهمية‭ ‬المؤتمرات‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬في‭ ‬تأصيل‭ ‬مبادئ‭ ‬الحقوق،‭ ‬فإن‭ ‬حضورها‭ ‬الفعلي‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يمنحها‭ ‬قيمتها‭ ‬الكاملة‭. ‬أن‭ ‬نعامل‭ ‬الجميع‭ ‬بلطف،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬موقعهم،‭ ‬وأن‭ ‬نستمع‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نستعجل‭ ‬بإصدار‭ ‬الأحكام‭.. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المساحات‭ ‬التي‭ ‬تختبر‭ ‬فيها‭ ‬قيمنا‭ ‬حقا‭.‬

حين‭ ‬تتحول‭ ‬كلماتنا‭ ‬إلى‭ ‬أدوات‭ ‬للانتقاص‭ ‬دون‭ ‬وعي،‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬أسهمنا‭ ‬في‭ ‬إقصاء‭ ‬لا‭ ‬نراه،‭ ‬لكنه‭ ‬يؤلم‭. ‬ويظهر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬التنمر‭ ‬الذي‭ ‬يطال‭ ‬فنانة‭ ‬أو‭ ‬إعلامية‭ ‬بسبب‭ ‬ملامحها،‭ ‬أو‭ ‬حين‭ ‬نستهزئ‭ ‬بشخص‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يجيد‭ ‬مصطلحات‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭. ‬نغفل‭ ‬أن‭ ‬الشهرة‭ ‬لا‭ ‬تحصن‭ ‬من‭ ‬الأذى،‭ ‬وأن‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬لا‭ ‬يلغي‭ ‬الإحساس‭ ‬بالكلمة‭ ‬القاسية‭.‬

ومع‭ ‬انتشار‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬تضاعف‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬وامتد‭ ‬مداها‭. ‬ما‭ ‬كان‭ ‬تعليقا‭ ‬عابرا‭ ‬بين‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬أصبح‭ ‬منشورًا‭ ‬يراه‭ ‬الآلاف،‭ ‬وما‭ ‬كانت‭ ‬نكتة‭ ‬في‭ ‬مجلس،‭ ‬صارت‭ ‬تعليقا‭ ‬يؤذي‭ ‬صاحبه‭. ‬وهكذا‭ ‬تتحول‭ ‬الكلمات‭ ‬الجارحة‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬عابرة‭ ‬إلى‭ ‬ذكريات‭ ‬مؤلمة‭ ‬تلاحق‭ ‬أصحابها‭. ‬وهي،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬أو‭ ‬العالم‭ ‬الرقمي،‭ ‬ومهما‭ ‬بدت‭ ‬عابرة،‭ ‬تبقى‭ ‬وجها‭ ‬من‭ ‬وجوه‭ ‬ممارسات‭ ‬أوسع‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نلتفت‭ ‬إليها‭.‬

‭ ‬هناك‭ ‬مثلا‭ ‬تشغيل‭ ‬العمال‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬حظر‭ ‬العمل‭ ‬وقت‭ ‬الظهيرة‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬للقرارات‭ ‬المنظمة،‭ ‬أو‭ ‬احتفاظ‭ ‬بعض‭ ‬أصحاب‭ ‬العمل‭ ‬بجوازات‭ ‬الموظفين‭ ‬بدافع‭ ‬الترتيب‭ ‬الإداري،‭ ‬أو‭ ‬التغاضي‭ ‬عن‭ ‬راحة‭ ‬العاملات‭ ‬داخل‭ ‬البيوت‭ ‬بحجة‭ ‬الاعتياد‭.‬

هذه‭ ‬التصرفات‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬نية‭ ‬انتهاك،‭ ‬لكنها‭ ‬تكشف‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تجديد‭ ‬الوعي‭ ‬بما‭ ‬تعنيه‭ ‬الحقوق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭. ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬حين‭ ‬يمنع‭ ‬صيد‭ ‬الروبيان‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬الأنواع‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬مواسم‭ ‬محددة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬البيئي،‭ ‬ويستمر‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬تجاوزه‭ ‬بدافع‭ ‬الحاجة‭ ‬أو‭ ‬التعود،‭ ‬فإن‭ ‬الضرر‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬مخالفة‭ ‬القانون،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬مورد‭ ‬وطني‭ ‬مشترك،‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬نصونه‭ ‬لأجل‭ ‬بيئتنا‭ ‬واقتصادنا‭ ‬وأجيالنا‭ ‬القادمة‭.‬

لا‭ ‬تكفي‭ ‬النصائح‭ ‬لتشكيل‭ ‬وعي‭ ‬حقيقي،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬نماذج‭ ‬حية‭ ‬تمارس‭ ‬ما‭ ‬تدعو‭ ‬إليه‭. ‬حين‭ ‬يجد‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬منزله‭ ‬عدلا،‭ ‬وفي‭ ‬مدرسته‭ ‬إنصاتا،‭ ‬وفي‭ ‬مجتمعه‭ ‬تكافؤا‭ ‬في‭ ‬المعاملة،‭ ‬يصبح‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الكرامة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الممارسة‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬التنظير‭.‬

فالمجتمع‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬يقرؤه‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬حقوقه‭. ‬وربما‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬تعريف‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬وعينا،‭ ‬لا‭ ‬كمفهوم‭ ‬كبير‭ ‬نلجأ‭ ‬إليه‭ ‬عند‭ ‬الخلاف،‭ ‬بل‭ ‬كأفعال‭ ‬صغيرة‭ ‬نتبناها‭ ‬كل‭ ‬يوم‭.‬

أن‭ ‬نصغي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نحكم،‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نعلّق،‭ ‬وأن‭ ‬نمنح‭ ‬للناس‭ ‬ما‭ ‬نتمناه‭ ‬لأنفسنا‭: ‬الاحترام،‭ ‬الأمان،‭ ‬والإنصاف‭.‬

ومع‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬الترشح‭ ‬لعضوية‭ ‬مجلس‭ ‬مفوضي‭ ‬المؤسسة‭ ‬الوطنية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬تتعزز‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬تتكامل‭ ‬الأدوار‭ ‬بين‭ ‬الجهود‭ ‬المؤسسية‭ ‬والوعي‭ ‬المجتمعي،‭ ‬فترسيخ‭ ‬الحقوق‭ ‬لا‭ ‬يكتمل‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬المبادرات‭ ‬الرسمية‭ ‬متجذرة‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الأفراد،‭ ‬ومترجمة‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭.‬

فالكرامة‭ ‬لا‭ ‬تصان‭ ‬بالقوانين‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬حين‭ ‬تنعكس‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬في‭ ‬تعاملاتنا‭ ‬اليومية‭. ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتجذر‭ ‬في‭ ‬السلوك،‭ ‬تبقى‭ ‬وعدا‭ ‬مؤجلا‭.. ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يعيشه‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬تعاملاتهم‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا