حين نفكر في حقوق الإنسان، قد يبدو المفهوم بعيدا، لكنه في الحقيقة أقرب مما نتصور، فهو انعكاس لطريقة تعاملنا مع من حولنا. تبدأ من نظرة منصفة، وكلمة عادلة، وموقف يحترم الآخر، حتى في أشد لحظات الاختلاف.
في البحرين، نلمس ازدياد المبادرات التي تعنى بهذه القيم، سواء عبر مؤسسات رسمية أو جهود مجتمعية حريصة. وهذا الوعي لا يصنع بالقانون وحده، فمجتمعنا البحريني الجميل أظهر في مواقف كثيرة حسا إنسانيًّا رفيعا، ينبع من قيم راسخة في التعامل والتكافل، ويستحق أن يدعم ويتسع.
ومع أهمية المؤتمرات والاتفاقيات في تأصيل مبادئ الحقوق، فإن حضورها الفعلي في تفاصيل حياتنا اليومية هو ما يمنحها قيمتها الكاملة. أن نعامل الجميع بلطف، بغض النظر عن موقعهم، وأن نستمع قبل أن نستعجل بإصدار الأحكام.. هذه هي المساحات التي تختبر فيها قيمنا حقا.
حين تتحول كلماتنا إلى أدوات للانتقاص دون وعي، نكون قد أسهمنا في إقصاء لا نراه، لكنه يؤلم. ويظهر ذلك في التنمر الذي يطال فنانة أو إعلامية بسبب ملامحها، أو حين نستهزئ بشخص كبير في السن لأنه لا يجيد مصطلحات هذا الجيل. نغفل أن الشهرة لا تحصن من الأذى، وأن التقدم في العمر لا يلغي الإحساس بالكلمة القاسية.
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، تضاعف تأثير هذه الكلمات وامتد مداها. ما كان تعليقا عابرا بين الأصدقاء، أصبح منشورًا يراه الآلاف، وما كانت نكتة في مجلس، صارت تعليقا يؤذي صاحبه. وهكذا تتحول الكلمات الجارحة من لحظات عابرة إلى ذكريات مؤلمة تلاحق أصحابها. وهي، سواء في الواقع أو العالم الرقمي، ومهما بدت عابرة، تبقى وجها من وجوه ممارسات أوسع قد لا نلتفت إليها.
هناك مثلا تشغيل العمال في فترات حظر العمل وقت الظهيرة دون مراعاة للقرارات المنظمة، أو احتفاظ بعض أصحاب العمل بجوازات الموظفين بدافع الترتيب الإداري، أو التغاضي عن راحة العاملات داخل البيوت بحجة الاعتياد.
هذه التصرفات قد لا تصدر عن نية انتهاك، لكنها تكشف الحاجة إلى تجديد الوعي بما تعنيه الحقوق في الحياة اليومية. وفي السياق نفسه، حين يمنع صيد الروبيان أو بعض الأنواع البحرية في مواسم محددة للحفاظ على التوازن البيئي، ويستمر البعض في تجاوزه بدافع الحاجة أو التعود، فإن الضرر لا يقتصر على مخالفة القانون، بل يمتد إلى إضعاف مورد وطني مشترك، يفترض أن نصونه لأجل بيئتنا واقتصادنا وأجيالنا القادمة.
لا تكفي النصائح لتشكيل وعي حقيقي، بل لا بد من نماذج حية تمارس ما تدعو إليه. حين يجد الطفل في منزله عدلا، وفي مدرسته إنصاتا، وفي مجتمعه تكافؤا في المعاملة، يصبح الحديث عن الكرامة أقرب إلى الممارسة منه إلى التنظير.
فالمجتمع هو أول كتاب يقرؤه الإنسان عن حقوقه. وربما ما نحتاج إليه هو أن نعيد تعريف حقوق الإنسان في وعينا، لا كمفهوم كبير نلجأ إليه عند الخلاف، بل كأفعال صغيرة نتبناها كل يوم.
أن نصغي قبل أن نحكم، أن نفكر قبل أن نعلّق، وأن نمنح للناس ما نتمناه لأنفسنا: الاحترام، الأمان، والإنصاف.
ومع فتح باب الترشح لعضوية مجلس مفوضي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، تتعزز أهمية أن تتكامل الأدوار بين الجهود المؤسسية والوعي المجتمعي، فترسيخ الحقوق لا يكتمل إلا حين تكون المبادرات الرسمية متجذرة في سلوك الأفراد، ومترجمة في تفاصيل حياتهم اليومية.
فالكرامة لا تصان بالقوانين وحدها، بل حين تنعكس هذه القوانين في تعاملاتنا اليومية. وحقوق الإنسان، ما لم تتجذر في السلوك، تبقى وعدا مؤجلا.. إلى أن يعيشه البشر في تعاملاتهم.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك